حقيقة هزيمتهم وسر انتصارهم في غزوة حنين
غزوة حنين
حُنين منطقة قريبة من الطائف، وبما أنّ الغزوة وقعت هناك فقد سميّت باسم المنطقة ذاتها، وقد عُبّر عنها في القرآن بـ يوم حنين ولها من الأسماء ـ غزوة أوطاس، وغزوة هوازن أيضاً.
عدد الزوار: 211
"حُنين" منطقة قريبة من الطائف، وبما أنّ الغزوة وقعت هناك فقد سميّت باسم المنطقة ذاتها، وقد عُبّر عنها في القرآن بـ "يوم حنين" ولها من الأسماء ـ غزوة أوطاس، وغزوة هوازن أيضاً.
أمّا تسميتها بأوطاس، فلأن "أوطاس" أرض قريبة من مكان الغزوة ـ وأمّا تسميتها بهوازن، فلأن إحدى القبائل التي شاركت في غزوة حنين تُدعى بهوازن.
أمّا كيف حدثت هذه العزوة، فبناءً على ما ذهب إليه ابن الأثير في الكامل، أن هوازن لمّا علمت بفتح مكّة، جمع القبيلة رئيسها مالك بن عوف وقال لمن حوله: من الممكن أن يغزونا محمّد بعد فتح مكّة، فقالوا: من الأحسن أن نبدأه قبل أن يغزونا.
فلما بلغ ذلك النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر المسلمين أن يتوجهوا إِلى أرض هوازن..
وبالرغم من عدم الإِختلاف بين المؤرخين في شأن هذه الغزوة والمسائل العامّة فيها، إلاّ أنّ في جُزئياتها روايات متعددة لا يكاد بعضها ينسجم مع الآخر، وما ننقله هنا فقد اقتضبناه عن مجمع البيان للعلامة الطبرسي، بناءً على روايته القائلة: إنّ رؤساء طائفة هوازن جاءوا إِلى مالك بن عوف واجتمعوا عنده في أُخريات شهر رمضان أو شوال في السنة الثامنة للهجرة، وكانوا قد جاءوا بأموالهم وأبنائهم وأزواجهم لئلا يفكر أحدهم بالفرار حال المعركة، وهكذا فقد وردوا منطقة أوطاس.
فعقد النّبي صلى الله عليه وآله وسلم لواءَه، وسلمّه عليّاً عليه السلام وأمر حَمَلة الرايات الذين ساهموا في فتح مكّة أن يتوجهوا براياتهم ذاتها مع علي بن أبي طالب إِلى حُنين، واطّلع النّبي أن صفوانَ بن أمية لديه دروع كثيرة، فأرسلَ النّبي إليه أن أعرنا مئة درع، فقال صفوان: أتريدونها عاريةً أم غصباً؟ فقال النّبي: بل عارية نضمنها ونعيدها سالمه إليك، فأعطى صفوان النّبي مئة درع على أنّها عارية، وتحرك مع النّبي بنفسه إِلى حُنين.
وكان ألفا شخص قد أسلم في فتح مكّة، فأضيف عددهم إِلى العشرة آلاف الذين ساهموا في فتح مكّة، وصاروا حوالي اثني عشر ألفاً، وتحركوا نحو حنين.
فقال مالك بن عوف ـ وكان رجلا جريئاً شهماً ـ لقبيلته: اكسروا أغماد سيوفكم، واختبئوا في كهوف الجبال والوديان وبين الأشجار، واكمنوا لجيش الإِسلام، فإذا جاءوكم الغداة "عتمةً" فاحملوا عليهم وأبيدوهم.
ثمّ أضاف مالك بن عوف قائلا: إن محمّداً لم يواجه حتى الآن رجال حرب شجعانَاً، ليذوق مرارة الهزيمة!!
فلما صلّى النّبي صلاة الغداة "الصبح" بأصحابه أمر أن ينزلوا إِلى حنين، ففوجئوا بهجوم هوازن عليهم من كل جانب وصوب، وأصبح المسلمون مرمى لسهامهم، ففرّت طائفة من المقاتلين جديدي الإِسلام (بمكّة) من مقدمة الجيش، فكان أن ذُهل المسلمون واضطروا وفرّ الكثير منهم.
فخلّى الله بين جيش المسلمين وجيش العدو، وترك الجيشين على حالهما، ولم يحمِ المسلمين لغرورهم ـ مؤقتاً ـ حتى ظهرت آثار الهزيمة فيهم.
إلاّ أنّ عليّاً حامل لواء النّبي بقي يقاتل في عدّة قليلة معه، وكان النّبي صلى الله عليه وآله وسلم في (قلب) الجيش وحوله بنو هاشم، وفيهم عمه العباس، وكانوا لا يتجاوزون تسعة أشخاص عاشرهم أيمن ابن أم أيمن.
فمرّت مقدمة الجيش في فرارها من المعركة على النّبي فأمر النّبي عمّه العباس ـ وكان جهير الصوت ـ أن يصعد على تل قريب وينادي فوراً: يا معشر المهاجرين والأنصار، يا أصحاب سورة البقرة، يا أهل بيعة الشجرة، إِلى أين تفرّون؟ هذا رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم.
فلّما سمع المسلمون صوت العباس رجعوا وقالوا: لبيّك لبيّك، ولا سيما الأنصار إذ عادوا مسرعين وحملوا على العدوّ من كل جانب حملة شديدة، وتقدّموا بأذن الله ونصره، بحيث تفرقت هوازن شذر مذر مذعورة، والمسلمون ما زالوا يحملون عليها. فقتل حوالي مئة شخص من هوازن، وغنم المسلمون أموالهم كما أسروا عدّة منهم.
ونقرأ في نهاية هذه الحادثة التأريخية أن ممثلي هوازن جاءوا النّبي وأعلنوا إسلامهم، وأبدى لهم النّبي صفحه وحُبّه، كما أسلم مالك بن عوف رئيس القبيلة، فردّ النّبي عليه أموال قبيلته وأسراه، وصيره رئيس المسلمين في قبيلته أيضاً.
والحقيقة أنّ السبب المهم في هزيمة المسلمين باديء الأمر ـ بالإِضافة إِلى غرورهم لكثرتهم ـ هو وجود ألفي شخص ممن أسلم حديثاً وكان فيهم جماعة من المنافقين طبعاً، وآخرون كانوا قد جاءوا مع النّبي لأخذ الغنائم، وجماعة منهم كانوا بلا هدف، فأثر فرار هولاء في بقية الجيش.
أمّا السرّ في إنتصارهم النهائي فهو وقوف النّبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام وجماعة قليلة من الأصحاب، وتذكرهم عهودهم السابقة وإيمانهم بالله والركون إِلى لطفه الخاص ونصره.1
1- الأمثل في تفسير الكتاب ج 12ص174_176.
2011-09-05