غزوة حُنين
غزوة حنين
بعد فتح مكة دبّت حركة خاصة في قبائل هوازن وثقيف، وجرت اتصالات مكثفة بينها، وكان حلقة الاتصال، والمدبر الحقيقي لهذه التحركات شاب عُرف بالفروسية والشجاعة يدعى "مالك بن عوف النصري".
عدد الزوار: 1142
بعد فتح مكة دبّت حركة خاصة في قبائل هوازن وثقيف، وجرت اتصالات مكثفة بينها، وكان حلقة الاتصال، والمدبر الحقيقي لهذه التحركات شاب عُرف بالفروسية والشجاعة يدعى "مالك بن عوف النصري".1
وقد تقرّر بعد سلسلة من الاتصالات والمداولات بين زعماء هوازن وثقيف أن تبادر القبيلتان المذكورتان إلى توجيه ضربة قوية إلى جيش المسلمين عبر خدعة عسكرية، قبل أن يغزوها الجنود في عقر دُورها.
فقد اختارت لقيادة هذه المهمة شاباً متهوراً في العقد الثالث من عمره هو مالك بن عوف النصري الذي أشرنا إليه، واشترك في هذه الغزوة جميع قبائل هوازن وثقيف بصورة موحّدة.
فكان من تدبير هذا القائد أن اقترح على جيشه أن يجعلوا النساء والأطفال والأموال وراء ظهورهم وعندما سألوه عن علة ذلك الآراء قال:" أردت من جعل كل رجل أهله وماله وولده ونساءه خلفه حتى يقاتل عنهم ".
فقبل المشتركون في تلك العملية بأمر قائدهم هذا بالإجماع، وجعلوا أموالهم وأهليهم خلفهم.
وقد خالف شيخ مجرب حنَّكته الحروب منهم يدعى "دريد بن الصمة" هذه الخطة عندما سمع رغاء البعير، وثغاء الشاء، وخوار البقر، وبكاء الصغير، وجادل فيها مالكاً، واعتبرها خطة فاشلة من الناحية العسكرية وقال للناس:" يا قوم إن هذا فاضحُكُم في عورتكم، وممكِّن منكم عدوّكم، وهل يردُ المنهزم شيء ؟".
ولكن مالكاً لم يعر كلام هذا الشيخ ونصيحته اهتماماً وقال: - وهو يتهمه بالجهل بفنون القتال الحديثة -:" إنك قد كبرت، وكبر علمك، وحدث بعدك من هو أبصرُ بالحرب منك ".
ولقد أثبت المستقبلُ صحة ما قاله ذلك الشيخ المحنَّك، فإن إشراك النساء والأطفال والأنعام في الحرب، وإخراجهم إلى ساحة القتال أحدث لمقاتلي ثقيف وهوازن مشاكل كثيرة، فيما بعد.
ثم إنَ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لما سمع بتحركات هاتين القبيلتين بعث "عبد اللّه بن حدرد الأسلمي"، وأمره أن يدخل في هوازن وثقيف فيقيم فيهم حتى يعرف بنواياهم وخططهم، ثم يأتيه بخبرهم، فانطلق الرجل إليهم ثم عاد إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بأَخبارهم.
وكان "مالك بن عوف" قائد هوازن وثقيف قد بعث بدوره ثلاثة جواسيس ليتجسسوا له على المسلمين، ويأتوه بأخبارهم، فعادوا بأجمعهم فزعين ممّا شاهدوه من قوة المسلمين وكثرتهم.
فقرر قائدُ العدوّ أن يجبُر ضعف جنوده وقلتهم باستخدام الخدع العسكرية، والتوسل بأسلوب المباغتة ليفرق -بهجوم مفاجئ- صفوف المسلمين، ويهدم نظامهم وانسجامهم، ويصيبهم بالهرج والمرج، والفوضى والحيرة ليختلّ باختلال الجيش أمر القيادة، فلا تتمكن من ضبط الأمور، وتحقيق انتصار على المسلمين.
ولتحقيق هذا الهدف هبط "مالك بن عوف" بجيشه في واد ينحدر إلى منطقة "حنين"، وأمر بأن يختفي الجنود والمقاتلون خلف الصخور والأحجار، وفي شغاف الجبال، وكل ما ارتفع من ذلك الوادي ونشز، حتى إذا انحدر جنود في هذا الوادي في غفلة من هذا التدبير، خرج رجالُ هوازن وثقيف من مكامنهم، وكمائنهم، ورموا المسلمين الغافلين عن خطة العدو، بالحجارة والنبل، ثم يخرج إليهم فريق في أسفل الوادي ويضربونهم بالسيوف !!.
جيش قليل النظير
خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حنين يوم السبت، لثلاث خلون من شوال، سنة ثمان من الهجرة، ووصل إليها مساء ليلة الثلاثاء، لعشر ليال خلون من شوال.
كان الجيش الذي سار به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى هوازن يبلغ 12 ألفاً من الجنود المسلحين: عشرة آلاف هم الذين صحبوه من المدينة، وشاركوا في فتح مكة، وألفان من رجال وشباب قريش الذين أسلموا بعد الفتح، وقد أوكل النبي صلّى اللّه عليه وآله قيادتهم إلى أبي سفيان.
ولقد كان مثل هذا الجيش العظيم والجمع الكبير قليل النظير، ونادر المثيل في تلك العصور، وقد صارت هذه الكثرة ذاتها سبباً في هزيمته في مبدأ الأمر، فقد أعجب أفراد هذا الجيش بكثرتهم على خلاف ما مضى فتجاهلوا التكتيكات النظامية الدقيقة، وغفلوا عن خطط العدو ونواياهُ فكان ذلك داعياً إلى هزيمتهم!!
فقد قال أبو بكر لما رأى كثرة المسلمين: لو لَقينا بني شيبان ما بالينا، لن نُغلَبَ اليومَ من قِلة.
ولكنه لم يكن يعرف أن الانتصار ليس هو بكثرة الأفراد وضخامة الجيش، بل إن هذا العامل غير مهمّ بالقياس إلى بقية العوامل.
ولقد أشار القرآن الكريمُ إلى هذه الحقيقة إذ قال تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾التوبة/25.
تجهيزات المسلمين
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عارفاً بقوة العدوّ وعناده فدعى "صفوان بن أمية" قبل مغادرة مكة، واستعار منه مئة درع بأداتها كاملة عارية مضمونة، ولبس رسولُ اللّه صلّى اللّه عليه وآله نفسُه درعين كما لبسَ المغفر والبيضة، وركب بغلته البيضاء وسار خلف جيشه وسار حتى دَنوا جميعاً من الوادي فاستراحوا ليلتهم عند فم الوادي، ومع غلس الصبح انحدرت كتيبة "بني سليم" بقيادة "خالد بن الوليد" في وادي "حنين"، وبينما دخل أكثر الجنود ذلك الوادي حمل عليهم رجالُ هوازن من كمائنهم في مضيق الوادي وشعابه حملة رجل واحد، وأخذوا يرشقونهم بالحجارة والنبال، فألقت أصواتُ الحجارة والنبال فزعاً شديداً في قلوب المسلمين الذين مُطروا بالسهام والنبال والحجارة من جانب، بينما احتوشهم فريق آخر من هوازن بسيوفهم ووقعوا فيهم ضرباً وقتلاً.
أجل لقد فعلت مكيدة هوازن فعلتها في قلوب المسلمين، فقد أوحشتها، وأصابت المسلمين بالفوضى، وخلخلت صفوفهم فلاذوا بالفرار من دون اختيار، وقد أخلّوا هم بنظامهم أكثر من ما فعله العدوُّ بهم.
ففرح المنافقون في جيش رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لهذا الحادث، وسروا به سروراً عظيماً حتى قال أبو سفيان شامتاً:" لا ينتهي هزيمتُهم دون البحر "، وقال آخر:" ألا بطَلَ السحرُ اليوم "، وقال ثالث:" لا يجتبرها محمَّد وأصحابه "، وعزم رابع على اغتيال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في ذلك الوضع المضطرب وإطفاء شعلة رسالته المقدسة.
استقامة النبي ومن ثبتَ من أصحابه
لقد أزعج فرارُ المسلمين الذي كان نابعاً في الدرجة الأولى من الفزع والفوضى التي أصابتهم- رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، وأدرك صلّى اللّه عليه وآله بأنه لو تأخّر لحظة واحدة عن فعل ما يجب أن يفعله لتغيَّر وجهُ التاريخ ولتبدّل مسار البشرية، ولحطّم جيش الشرك جيش التوحيد.
من هنا صاح بأعلى صوته وهو على بغلته:"يا أنصار اللّه وأنصار رسوله أنا عبدُ اللّه ورسولُه".
قال هذا واندفع ببغلته إلى ساحة القتال في المكان الذي جعله "مالك" وجنودُه مسرحاً لمهاجمة المسلمين ومباغتتهم وقتالهم، ومشى معه من لازمه في تلك اللحظات وثبتوا معه كعلي بن أبي طالب عليه السَّلام والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، وأبي سفيان بن الحارث الذين لم يغفلوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله منذ بدء القتال لحظة واحدة، وأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله عمَّه العباس الذي كان صاحب صوت عظيم أن ينادي في المسلمين الذين كانوا يواصلون فرارهم، ولا يلوون على شيء:"يا معشَر الأنصار، يا معشر السَمُرة".
ويقصد من السمرة الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان، فكان هذا النداء تذكيراً بتلك البيعة التي تعهدوا فيها لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بأن ينصروه حتى الموت.
فبلغت صرخاتُ العباس مسامع المسلمين فثارت حميتُهم، وأخذوا يثوبون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهم يقولون:" لبيك لبيك ".
لقد أوجبت نداءاتُ العباس المتلاحقة التي كانت تخبر وتنبئ في الحقيقة عن سلامة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أن تعود الجماعات الهاربة من ساحة القتال إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وهي نادمة على فرارها ندماً شديداً، ونظّموا صفوفهم أمام العدو من جديد أفضل ممّا مضى، ثم حملوا حملة رجل واحد على العدوّ الغادر بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لغسل ما لحق بهم من عار الفرار، واستطاعوا في أقصر مدة من الوقت ان يجبروا العدوّ على الانسحاب والفرار والرسول القائد صلّى اللّه عليه وآله يقول تشجيعاً لهم، وتقوية لمعنوياتهم:"أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب".
وقد تسبَّب استخدام هذا التدبير العسكري الحكيم في إرعاب رجال هوازن ومن ساعدهم من ثقيف المقاتلين، بشدة بحيث انهزموا أمام هجوم المسلمين هذا هزيمة قبيحة ومنكرة، تاركين وراءهم أموالهم ونساءهم وصبيانهم الذين أتوا بهم إلى ساحة المعركة، وجعلوهم خلف ظهورهم بناء على أوامر قائدهم مالك كما أسلفنا، وفروا بعد أن قُتِلَ منهم جماعة إلى منطقة أوطاس ونخلة، وقلاع الطائف.
غنائمُ الحرب
لقد بلغت خسائرُ المسلمين من الأرواح في هذه المعركة ثمانية أشخاص في مقابل أسر ستة آلاف نفر من العدو.
كما وأن المسلمين غنموا في هذه الواقعة أربعة وعشرين ألف بعير، وأربعين ألف رأس غنم، وأربعة آلاف أوقية من الفضة.
ثم إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أمر بأن يؤخذ الأسرى والغنائم إلى منطقة تدعى الجعرانة- وهي ماء بين الطائف ومكة- وكلّف أشخاصاً معيّنين بحراستها وحفظها وجعل الأسرى في بيوت خاصة، كما أمر بأن تُحفظ الغنائم من دون أن يتصرف فيها أحد في ذلك المكان، ريثما يرى فيها رأيه، بعد ان يلاحق فلول العدو الذي فرّ إلى أوطاس ونخلة والطائف.
نموذجان من الخلق النبوي العظيم في معركة حنين
وينبغي ان نشير هنا إلى قصتين تدلان على سمو الأخلاق النبوية، وعمق الرحمة الإسلامية:
1 - بعد أن أعاد النبيُ المسلمين الهاربين إلى ساحة المعركة فكّروا على هوازن وهزموهم هزيمة قبيحة، قالت أم سُليم بنت ملحان للنبي صلّى اللّه عليه وآله: يا رسول اللّه! ما رأيت هؤلاء الذي أسلموا وفرّوا عنك وخذلوك !! لا تعفُ عنهم إذا أمكنك اللّه منهم، تقتلهم كما تقتُل هؤلاء المشركين!. فقال صلّى اللّه عليه وآله: يا أم سُليم! قد كفى اللّه، عافية اللّه أوسعُ. وهكذا نجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يعفو عن أصحابه الهاربين الذين خذلوه في تلك الموقعة.
2 - حنق المسلمون على المشركين في وقعة حنين فقتلوهم حتى اخذوا في قتل الذُرية، فلما بلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال: ما بالُ أقوام ذهب بهم القتلُ حتى بلغ الذرية! ألا لا تُقتلُ الذرية.
فقال أسيد بن الحضير: يا رسول اللّه أليس إنما هم أولاد المشركين!
فقال: أوَليس خيارُكم أولادُ المشركين ؟! كلُ نسمة تولَدُ على الفطرة حتى يعرب عنها لسانُها، وأبواها يهوّدانها أو ينصّرانها2.
اعتراض الأنصار على توزيع الغنائم:
ورأى سعد بن عبادة أن يخبر النبي صلى الله عليه وآله بما يدور بين الأنصار من قولهم:" لقي رسول الله قومه ونسي أصحابه. فجمع سعد الأنصار وأقبل الرسول الكريم صلى الله عليه وآله يحدّثهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " يا معشر الأنصار ما مقالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم؟! ألم آتكم ضُلاّلاً فهداكم الله وعالة فأغناكم الله وأعداءً فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا: بلى الله ورسوله آمَنُ وأفضل، ثم قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا: وماذا نجيبك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله: أما والله لو شئتم قلتم فصدقتم: أتيتنا مكذَّباً فصدّقناك ومخذولاً فنصرناك وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك. وجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في شيء من الدنيا تألّفتُ به قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ والذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شِعب الأنصار ".
فأثارت هذه الكلمات في قلوب الأنصار العاطفة والشعور بالخطأ في تصورهم عن الرسول صلى الله عليه وآله فضجوا بالبكاء وقالوا: رضينا يا رسول الله حظّاً وقسماً.
وخرج النبي صلى الله عليه وآله بمن معه من الجعرانة متّجهاً إلى مكة في شهر ذي القعدة فأتمّ عمرته وحلّ من إحرامه واستخلف على مكة عتّاب بن أسيد ومعه معاذ بن جبل وخرج متّجهاً إلى المدينة بمن معه من المهاجرين والأنصار3.
دروس وعِبر من غزوة حنين
إن نظرة تحليلية على أحداث معركة حنين تقودنا إلى تسجيل الأمور الآتية:
أولاً: إن السبب في هزيمة المسلمين في بداية المعركة هو غرور المسلمين بأنفسهم وإعجابهم بكثرتهم وقوتهم حيث لم يسبق لهم أن واجهوا عدواً بهذا العدد الكبير من المقاتلين، فأراد الله سبحانه أن يعلمهم أن الكثرة لا تغني شيئاً عندما تفقد عناصر الإيمان والإخلاص والصبر والتوكل على الله. وقد كانت الكثرة في حنين تفقد هذه العناصر فقد كان فيهم ألفا شخص ممن أسلم حديثاً وبعد فتح مكة، وكان فيهم جماعة من المنافقين، وفيهم من سيطرت عليه روح الكسب والغنيمة، فخلى الله بينهم وبين عدوهم ولم يتدخل في البداية لغرورهم حتى ظهرت آثار الهزيمة فيهم.
قال تعالى: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾. وهذا يعني أن الكثرة ليست سبباً للنصر وأن العبرة ليست في الكمية وإنما في النوعية التي تملك الإيمان وروح الاستشهاد في سبيل الله.
ثانياً: إن الذين عادوا إلى ساحة القتال وقاتلوا بشجاعة فائقة إلى جانب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام هم القلة المؤمنة فهؤلاء هم الذين حققوا الانتصار في حنين وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة والطمأنينة والدعة فثبتوا في الظروف الحرجة لما يملكونه من عقيدة راسخة، وإيمان قوي، وشجاعة فائقة، وإرادة صلبة، ويقين راسخ بلطف الله ونصره.
قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾ التوبة: 26. وعليه فالسر في انتصارهم النهائي هو ثبات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام والقلة من الصحابة الذين يملكون الإيمان، فهؤلاء هم الذين أنزل الله عليهم السكينة التي تعني نوعاً من الهدوء والاطمئنان الذي يبعد عنهم كل أنواع الشك والخوف والقلق وأيدهم وشدَّ أزرهم وقوى معنوياتهم، وأوجد روح الثبات والاستقامة في نفوسهم وقلوبهم بجنود من الملائكة لم يروها..
وجملة ﴿على رسوله وعلى المؤمنين﴾ إشارة إلى أن المنافقين وأهل الدنيا الذين كانوا مع المسلمين في المعركة لم ينالوا سهماً من السكينة والاطمئنان، بل كانت السكينة من نصيب المؤمنين فقط ولذا قال ﴿وعلى المؤمنين﴾ ولم يقل (وعليكم) مع أن جميع الجمل في الآية أتت بصيغة ضمير الخطاب "كم".
ونزول السكينة على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لرفع الخوف الذي كان خوفاً على الرسالة والمؤمنين خاصة بعد فرار أصحابه من المعركة وإلا فهو كالجبل الشامخ لا تزلزله الرياح والعواصف، وكذلك ابن عمه علي عليه السلام.
ثالثاً: إن على المسلمين أن يعتبروا من حوادث حنين فلا يغتروا بكثرة العدد والعتاد فالكثرة وحدها لا تغني شيئاً، بل المهم في ساحة الجهاد وجود المؤمنين المنصهرين بالإيمان ذوي الإرادة الصلبة والعزيمة الراسخة حتى لو كانوا قلة.
فإن القلة هي التي استطاعت أن تحوِّل الفشل في حنين إلى انتصار كبير على العدو وكانت الكثرة بسبب غرورها في بادىء الأمر سبباً للفشل والفرار من ساحة المعركة4.
1- حنين واد بين مكّة والطائف، بينه وبين مكّة ثلاث ليال.
2- سيرة سيد المرسلين ص، الشيخ السبحاني، مؤسسة النشر الإسلامية، ط2، ج2، ص513-520.
3- سلسلة أعلام الهداية، المجمع العالمي لأهل البيت ع، ط3، ج 1، ص184-185.
4- دروس من سيرة الرسول الأكرم ص، سلسلة المعارف الإسلامية، ص102-104.