يتم التحميل...

الشهيد مطهري قدس سره وعشق العبادة

من عظماء الإسلام

إن الإنسان المؤمن يدفعه إيمانه نحو العمل الدائم لاخرته ويدعوه للاتصال بالخالق سبحانه بعبادته في اناء الليل وأطراف النهار، فلا بد له من الخلوة بمعشوقه الذي لا يموت وما أجمل أن يحوّل ظلمة الليل نهاراً يشعّ بالأنوار أنوار الهداية والإنابة إلى الله عز وجل حينما ينام الاخرون يفترش مصلاّه ويقف في جوف الليل مردّداً: "وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض".

عدد الزوار: 90

أ- من عظماء الإسلام:

إن الإنسان المؤمن يدفعه إيمانه نحو العمل الدائم لاخرته ويدعوه للاتصال بالخالق سبحانه بعبادته في اناء الليل وأطراف النهار، فلا بد له من الخلوة بمعشوقه الذي لا يموت وما أجمل أن يحوّل ظلمة الليل نهاراً يشعّ بالأنوار أنوار الهداية والإنابة إلى الله عز وجل حينما ينام الاخرون يفترش مصلاّه ويقف في جوف الليل مردّداً: "وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض".

هذا دأب الأنبياء والأولياء وبه تحيا قلوب الصالحين ومن أولئك الذين التزموا بالتهجد طيلة حياتهم حتى ارتفعوا شهداء شيخنا الشهيد مطهري رضوان الله عليه كما هو شأن الأبرار والأخيار أن يعشقوا العبادة وتكون أهم الأمور في حياتهم.

وقد منّ الله تعالى على الشهيد مطهري بوالدٍ ترك بليغ الأثر في نفسه وكان التزامه الدائم بقيام الليل خير درس لولده حتى تحدث عنه الشهيد مطهري في حياته كنموذج به يقتدى.

فلنصغ مسامع قلوبنا إلى الشهيد مطهري وهو يحدثنا عن لذة العبادة وما تعنيه وأنها لا تقاس بلذائذ المادة في عالم الدنيا، قبل أن نتحدث عنه.

ب- لذّة العبادة الإلهية:

يقول الشهيد مطهري قدس سره:
"هناك سلسلة لذائذ معنوية، تنمي معنوياتنا، وتسمو بها، صلاة الليل لها عند من هو من أهل التهجد، وصلاة الليل، ومن هو من الصادقين، والصابرين، والمستغفرين بالأسحار، لذة وبهجة... تلك اللذة التي يشعر بها مصلٍّ حقيقي، وواقعي، لصلاة الليل، من صلاة ليلة من قوله "أستغفر الله ربي وأتوب إليه" من قوله "العفو العفو" وذكر أربعين مؤمناً على الأقل والدعاء لهم.. اللذة التي يشعر بها من قوله "يا رب يا رب" لا

يمكن أبداً أن يشعر بها، شخص بطال يتسكع في علب الليل... لذة صلاة الليل أعمق بكثير، أقوى.. أكثر نشاطاً.. ولكن إذا أغرقنا أنفسنا في لذة الدنيا المادية.. مثلاً نتحلق أول الليل حول بعضنا... ونأخذ بالحديث والضحك.. ولنفترض أننا لم نغتب لأن ذلك حرام.. واقتصرنا فقط على المزاح المباح.. وبعدها توضع المائدة.. ونأكل حتى التخمة، بحيث يصبح حتى التنفس صعباً علينا.. بعدها نسقط كالموتى في فراشنا.. هل نستطيع انذاك أن نوفق للاستيقاظ قبل طلوع الفجر بساعتين ونناجي من أعماق الروح "يا رب، يا رب" أصلاً لن نستيقظ..

أقسم بالله، أن اللذة التي يشعر بها المؤمن عندما يستيقظ في ذلك الوقت في الليل، ويقع نظره على السماء المليئة بالنجوم ويقرأ ايات اخر سورة ال عمران التي هي صوت الوجود المنبعث من قلب الوجود... ويتحد صوته بقراءتها مع صوت الوجود هذه اللذة تعادل عمراً من اللذة المادية في هذه الدنيا..

ج- براءة من النار:

ينقل لنا أحد أصدقائه مدى اهتمامه في الحث على التهجد فيقول: "أذكر أنه في أوائل تعارفنا.. كان ملتزماً بصلاة الليل، وكان يحثني عليها وكنت أتملص من ذلك بحجة أن ماء حوض المدرسة مالح وغير نظيف ومضر لعيني.. إلى أن رأيت ذات ليلة في النوم أني نائم وشخص يوقظني قائلاً: أنا عثمان بن حنيف ممثل أمير المؤمنين علي عليه السلام يأمرك الإمام أن تنهض وتصلي صلاة الليل وهذه الرسالة أرسلها عليه السلام إليك.. كان مكتوباً في تلك الرسالة التي كان حجمها صغيراً بخط أخضر "هذه براءة لك من النار" وفي عالم النوم جلست متحيراً مفكراً بالفاصل الزمني بين عصر الإمام عليه السلام وعصرنا وأثناء جلوسي في النوم متحيراً أيقظني الشهيد مطهري وبيده إناء ماء قائلاً: أحضرت هذا الماء من النهر، قم وصلِّ صلاة الليل ولا تبحث عن عذر"1.

د- بكاء في منزل السيد القائد:

يقول سماحة السيد القائد دام ظله:

"عندما كان الشهيد مطهري يأتي إلى مشهد كان أحياناً ينزل في بيتنا.. الغرفة التي كان ينام فيها يفصلها عن الغرفة التي كنت أنام فيها باب واحد.. كان ملتزماً دائماً بقراءة القران قبل النوم.. وقد سمعت صوته أثناء التهجد وصلاة الليل كان يبكي طبعاً كثيرون هم الذين يصلون صلاة الليل، أما مصلو صلاة الليل بتلك الحالة من البكاء فهم قلة... فيما بعد سمعنا من أصدقائه القدامى أنه كان منذ أيام دراسته يصلي صلاة الليل ومن أهل التهجد".

هـ- ساعة التهجد وليلة الشهادة:

يقول ابن الشهيد مطهري رحمه الله في معرض الحديث عن ليلة استشهاد والده:

"في تلك الليلة التي سمعنا فيها بنبأ اغتياله، بقينا مستيقظين حتى الصباح، والساعة الثانية والنصف رن جرس الساعة التي كانت توقظه كل ليلة على العادة لصلاة الليل. إلا أنه لم يعد على قيد الحياة. كان قد صلى صلاة الليل مضمخاً بدمه الطاهر قبل الموعد المقرر في ظلمة الشارع".

وهكذا ارتفع المطهري إلى جنان الخلد مضرجاً بدمائه الطاهرة شهيداً ليكتب في ديوان العلماء الشهداء ويا لها من مكانة عظيمة بعد أن قضى عمره الشريف يدأب على قيام الليالي المظلمة والبكاء والمناجاة في خلوات السحر وقراءة القران والالتحاق بأولياء الله تعالى، مع منزلة علمية جعلته من عباقرة الإسلام الذين قلّ نظيرهم.

وها هي مؤلفاته الوافرة وخدماته العلمية الجليلة خير زاد وتركته يوصينا الإمام الخميني قدس سره بالاستفادة منها بعد أن نال صاحبها سعادة الشهادة.

*من عظماء الاسلام، سلسلة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، أيار 2003م، ص101-107.


1- يادنامه أستاذ شهيد مطهري الكتاب الأول، ص173.

2010-05-12