الإمام الخميني قدس سره وعلاقته بال البيت عليهم السلام
من عظماء الإسلام
مما جاء في الزيارة الجامعة: "بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي، من أراد الله بدأ بكم.. ومن وحّده قبل عنكم، ومن قصده توجه بكم..". من هذا النص الشريف نتعرف معاً على أن الطريق إلى الله تعالى عبر أهل البيت عليهم السلام ومن وقف إرادته على ما يريده الخالق تعالى منه لا بد له أن يبدأ من عندهم عليه السلام وهكذا كان إمامنا الخميني قدس سره العارف بهذه الحقيقة الساطعة مؤمناً بذلك وشديد المثابرة على التوسل والزيارة والدعاء
عدد الزوار: 108
أ- من عظماء الإسلام:
مما جاء في الزيارة الجامعة: "بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي، من أراد الله بدأ بكم.. ومن وحّده قبل عنكم، ومن قصده توجه بكم..".
من هذا النص الشريف نتعرف معاً على أن الطريق إلى الله تعالى عبر أهل البيت عليهم السلام ومن وقف إرادته على ما يريده الخالق تعالى منه لا بد له أن يبدأ من عندهم عليه السلام وهكذا كان إمامنا الخميني قدس سره العارف بهذه الحقيقة الساطعة مؤمناً بذلك وشديد المثابرة على التوسل والزيارة والدعاء يقول تعالى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ وهذا من أهم أسباب التوفيق وبالخصوص التوسل ببقية الله الأعظم مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف فإن التوسل يساعد الإنسان مساعدة عظيمة في تحصيل العلم وكسب الإخلاص وتهذيب النفس وترك الذنوب والانتصار على الشيطان وإن من أهم أسرار توفيق الإمام الخميني قدس سره فيما وصل إليه في سائر جوانب حياته الشريفة هو توجه هذا القائد الإلهي وعلاقته وتوسله بالأئمة الميامين عليهم السلام كما هي سيرة جميع علمائنا الأبرار، وسوف نستعرض نماذج عالية في النقاط التالية من الدرس بما يوضح مدى عشقه وتعظيمه وتمسكه بالعترة الطاهرة.
ب- العشق:
إن عشق الإمام قدس سره لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام لا يمكن لأحد وصفه حيث لا يختلف اثنان في أن الذي ملأ قلبه وروحه وعقله طيلة الحياة الشريفة التي قضاها في عالم الدنيا إلى أن غادرها بقلب هادىء ومطمئن مسافراً إلى مقرّه الأبدي هو حبّه اللامحدود لأهل البيت عليهم السلام فكانوا لسان بيانه وأذنه الواعية وعين بصره وبصيرته، وصوت الحق الذي دوّى في أرجاء المعمورة، وقوته التي انتصر بها على أعدائه وأعداء الله تعالى فهو العاشق لهم إلى حد أنه قدس سره كلما يرفع نداء "يا حسين" تظلّ دموعه تنهمر على خديه بلا اختيار منه رغم أنه لم يذرف الدمع أثناء تلقيه خبر استشهاد نجله السيد مصطفى قدس سره.
لقد ملأ عشقه لهم عليهم السلام كل وجوده وأبعاد شخصيته الفذة إلى الحدِّ الذي كان يرى دوماً بالقرب منهم.
يقول أحد المقرّبين منه: كان تصرف الإمام عند زيارته للمشاهد المشرّفة وأضرحة الأئمة المعصومين عليهم السلام وكأنه كان يرى الإمام المعصوم ناظراً إليه وحاضراً أمام عينيه1.
بهذه الروح استمد القائد الكبير للثورة الإسلامية العون من الوجود الشريف للمعصومين عليهم السلام في كل كبيرة وصغيرة بعد الألطاف الإلهية وهكذا خلال الأحداث الخطيرة كان مرجعه الأول هو المعصوم عليه السلام يقول أحد معاونيه: "كتب الإمام رسائل إلى علماء المدن وأمرني أن أذهب إلى محافظات خراسان وسيستان وبلوشستان لأوصل رسائله ونداءه إلى العلماء عندما وصلت لتوديعه وسلّمني الرسائل قال: "قبل أن تقابلوا أي شخص تشرّفوا أولاً بزيارة الحرم المطهر لثامن الأئمة علي بن موسى الرضا عليه السلام وقولوا له نقلاً عن لساني: قد استجدّ أيها السيد أمر عظيم جداً، ومسألة خطيرة، ونحن اعتبرنا تكليفنا أن نثور ونتحرك، فإن كان ذلك مما يرضيك فأيّدنا"2.
ج- التعظيم:
لقد كان الإمام قدس سره العارف الحقيقي الواصل إلى كعبة مقصوده يعلم ما يستوجب المقام الشامخ والمنزلة الرفيعة لأهل الولاية الإلهية آل محمد صلى الله عليه وآله من تقديس وتكريم واحترام بالغ يفوق العادات المعروفة والأنماط المألوفة بين سائر الناس. لذلك كان قدس سره إذا مرّ على ذكر اسم أحد المعصومين عليهم السلام أخذته الهيبة حينما يردّده بعزّة وتعظيم كاملين، مع التقدير العالي لأحاديثهم صلوات الله عليهم واتباع مقاصدهم وأفكارهم وعقائدهم وإحياء مناسبات ولادتهم وشهادتهم.
كيف لا وهذا إمامنا الصادق عليه السلام كان كلما لهج باسم جده رسول الله صلى الله عليه وآله وهو جالس يحني رأسه الشريف إلى مستوى ركبتيه.
والإمام قدس سره الذي لم يذكر أستاذاً من أساتذته الكرام إلا وعقّب بالقول روحي فداه فكيف علاقته مع المعصومين؟!
يذكر لنا أحد المتشرفين بخدمته مدى اهتمامه بتعظيم وإحياء سائر ما يرتبط بأهل البيت عليهم السلام قائلاً: "طوال المدة التي كان خلالها الإمام في النجف الأشرف كان يقيم مجالس العزاء في منزله في جميع ليالي شهادة المعصومين عليهم السلام وفي ذكرى شهادة السيدة الزهراء عليها السلام كان يستمر في إقامة المجلس لثلاثة ليالي، وكان بكاؤه مشهوداً في جميع هذه المجالس دون استثناء"3 بمجرد أن يشرع أحد الإخوة بقراءة مجلس المصيبة يبدأ الإمام بالبكاء بصوت عال وتنهمر قطرات الدمع على خديه كمثل حبّات اللؤلؤ4.
ومما تجدر الإشارة إليه أن كل الأعباء والعناء الذي عاناه الإمام قدس سره واهتمامه بالأمور السياسية وسائر شؤون البلاد والعباد لم يكن ليمنع أو يحول بينه وبين المحافظة والحرص على إحياء وإظهار مظلومية الأئمة عليهم السلام. فنراه في التاسع من شهر محرم يأمر بإقامة مجلس عزاء في باريس بحضور جمع من المراسلين الذين جاؤوا لمقابلته قدس سره قبل ساعة من وقت الظهر5.
د- الزيارة:
إن المنزلة الخاصة لزيارة التربة المطهرة للمعصومين عليهم السلام والشهداء والصدّيقين في ثقافة الولاية والثورة غير خافية على أحد، وهي مصدر إلهام وتسديد لذوي الإرادات الربانية في الجانبين العلمي والعملي، قد دأب الأنبياء والأولياء العظام، وأئمتنا الأبرار خصوصاً على زيارة المراقد المشرّفة أو من بعيد طيلة حياتهم الشريفة لذلك كانت محافظة الإمام قدس سره شديدة في أن لا يمر يوم واحد أثناء وجوده في النجف الأشرف دون زيارة حضرة مولى الموحدين صلوات الله عليه، فمن اليوم الأول الذي وصل فيه إلى النجف وإلى اليوم الذي غادر فيه، كان يأتي كل ليلة بعد حوالي ثلاث ساعات من غروب الشمس في الصيف والشتاء لزيارة حرم الأمير عليه السلام ولم يكن ليترك هذا البرنامج أبداً حتى في السنة التي وقع فيها الانقلاب في العراق، وأعلنت الحكومة العسكرية، فإنه في تلك الليلة لم يترك الزيارة أيضاً ولم يعدل عن برنامجه اليومي المقرّر.
يقول السيد مصطفى قدس سره: "في تلك الليلة بحثنا عن الإمام فلم نجده داخل غرفته، فجلنا في أماكن مختلفة من البيت لكننا لم نجده إلى أن صعدنا إلى السطح فرأيناه وقف متوجهاً إلى حرم أمير المؤمنين عليه السلام يقرأ الزيارة"6.
هـ- اداب الزيارة:
كان تشرّف الإمام قدس سره بزيارة حرم أمير المؤمنين عليه السلام يحصل وفق آداب خاصة يجدر بنا الالتفات إليها والاستفادة منها، فقد كان لا يدخل قبل الاستئذان حيث يبدأ بقراءة إذن الدخول بكمال الأدب والوقار والتعظيم والإجلال، فإذا انتهى يدخل الحرم المطهّر من الجهة السفلى للضريح المقدس مراعياً ومتقيّداً بأن لا يمر من جانب الرأس الشريف لحضرة الأمير عليه السلام. وعندما كان يصل إلى مقابل الضريح المشرّف يقرأ بكل إخلاص زيارة "أمين الله" أو زيارة أخرى، ويرجع مجدداً من الجهة السفلى عند قدمي حضرة الأمير عليه السلام ويجلس في زاوية يقرأ الزيارة والدعاء ثم يصلي ركعتين وبعدها يترك الحرم مغادراً ببدنه باقياً بروحه مع مراعاة الآداب الخاصة بالخروج7 هذا ما كان يواظب عليه أثناء وجوده في النجف الأشرف، أما حينما يكون موجوداً في كربلاء كان يقضي أغلب أيام الزيارة في جوار ضريح سيد الشهداء صلوات الله عليه ويقرأ كل يوم زيارة عاشوراء8.
لم ينقطع توسله بهم صلوات الله عليهم في كل صباح ومساء ولم يشتغل بشيء إلا وكانوا يسكنون في عمق ضميره وأبعاد روحه في كل حركة وسكون. حتى حينما كان يمشي يومياً لمدة ساعتين أثناء سكنه في طهران في الآونة الأخيرة، فإن لسانه لا يتوقف عن ذكرهم طيلة المسافة مع جهد الطريق9.
*من عظماء الاسلام، سلسلة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، أيار 2003م، ص85-92.
1- المذكرات الخاصة، ج1 ص120.
2- المذكرات الخاصة، ج1 ص120.
3- المذكرات الخاصة، ج5 ص72 71.
4- م.ن. ج2 ص56 55.
5- م.ن. ج1 ص49 48.
6- المذكرات الخاصة، ج1 ص96 95.
7- المذكرات الخاصة، ج1 ص122.
8- مجلة "الحوزة" العدد، 37 ص64.
9- الإمام قدوة، ص17.