يتم التحميل...

السفير الثالث الحسين بن روح النوبختي‏ ومكافحة الإدّعاء

من عظماء الإسلام

هو الشيخ الجليل أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي اشتهر أول أمره كوكيل مفضل لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري حيث كان ينظر في أملاكه ويلقي بأسراره لرؤساء الشيعة الذين حصل في أنفسهم محصلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاصه بمحمد بن عثمان وتوثيقه عندهم إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه. فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد.

عدد الزوار: 66

أ- من عظماء الإسلام:

هو الشيخ الجليل أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي اشتهر أول أمره كوكيل مفضل لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري حيث كان ينظر في أملاكه ويلقي بأسراره لرؤساء الشيعة الذين حصل في أنفسهم محصلاً جليلاً لمعرفتهم باختصاصه بمحمد بن عثمان وتوثيقه عندهم إلى أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه. فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد.

على أن أبا القاسم ابن روح على جلالة قدره وقربه من السفير الثاني واختصاصه به لم يكن قد عاش تاريخا زاهراً بإطراء وتوثيق الأئمة عليهم السلام لذلك احتاج أبو جعفر العمري من أجل ترسيخ فكرة نقل السفارة إليه وتوثيقه في نظر الموالين أن يُكرّر الإعلان عن مهمته في إيكال الأمر إليه وأن يأمر بدفع أموال الإمام عليه السلام إليه قبل وفاته بأعوام بأمر من الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وعندما اشتدّت بأبي جعفر العمري حاله اجتمع لديه جماعة من وجوه الشيعة فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم هذا أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر عليه السلام والوكيل والثقة الأمين فارجعوا إليه في أموركم وعوّلوا عليه في مهماتكم فبذلك أُمرت وقد بلّغت.

تولّى الحسين بن روح السفارة فعلاً بموت محمد بن عثمان ودامت سفارته حوالى إحدى وعشرين سنة وكان أول كتاب تلقاه من الإمام المهدي عليه السلام كتاباً يشتمل على الثناء عليه وقد دعا له المهدي عليه السلام في الكتاب وقال: "عرّفه الله الخير كله ورضوانه وأسعده بالتوفيق وقفنا على كتابه وهو ثقتنا بما هو عليه وإنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرّانه زاد اللَّه في إحسانه إليه إنه ولي قدير"1.

وقد اضطلع أبو القاسم منذ ذلك الحين بمهام السفارة وقام بها خير قيام وكان من مسلكه الالتزام بالتقية المضاعفة يحفظ بذلك مصالح كبيرة ويجلب بها قلوب الكثيرين وقد تولّى رضوان الله تعالى عليه أيام سفارته الحملة الرئيسية ضد ظاهرة الانحراف عن الخط وادعاء السفارة زوراً بتبليغ الموالين توجيهات الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وبقي مضطلعاً بمهامه العظمى حتى لحق بالرفيق الأعلى عام 326 ودفن في النوبختية وقبره اليوم في بغداد معروف وهو مقصدٌ ومزارٌ.

ب- الافتراء على صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف:

لا يختلف اثنان أنه من أسوء الأخلاق وأشدّها إيذاءً أن يدّعي الإنسان صفة أو مكانة ليست له، ثم يتصرف بعد الادّعاء مشرّعاً لنفسه القيام بالمهمات المترتبة على ذلك وهو بالأصل ليس مخوّلاً في شي‏ء منها على الإطلاق.

وكمثال على ذلك نرى الرجل الذي يدّعي قيمومته على أطفال قاصرين في حال سفر أبيهم أو موته ويبادر إلى بيع ممتلكاتهم وصرف الثمن في شؤونه الخاصة ويأكل في بطنه ناراً ويحرم ذوي الحق من الوصول إليه مع أن والد الأطفال لم يجعله قيّماً ولا وصيّاً عليهم بل ادّعى ذلك غشاً وتزويراً وبهتاناً.

إنا نرى ذلك الإنسان في غاية السوء ولا بد من إخضاعه لحكم العدالة في الإسلام وردّ الحقوق لذويها.

وهذا نموذج خطير من الادعاء وهو انتحال لصفة كاذبة لكن لا يصل خطره إلى حد أن يدعي رجل أنه وكيل الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف الخاص أو سفيره ويفتري بذلك افتراءً تتسع حدوده إلى بقاع الدنيا بأجمعها لما لهذا الموقع من أهمية وما يترتب على كونه سفيراً أو وكيلاً خاصاً من آثار عظيمة ترتبط بحياة الأمة ومستقبلها ودينها ودنياها.

ج- تدخل الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وكتاب البراءة:

وبالفعل إن هذا الأمر حدث من بعض أعداء الإسلام والولاية في زمن سفارة الحسين بن روح حيث ادّعى البعض ذلك وقام بإيهام الناس وتضليلهم، لكن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لم يكن ليترك هذا الأمر وهنا تبرز قاعدة اللطف في صيانة الدين عن أن يتلاعب المتلاعبون به للنيل من الشريعة المقدسة خصوصاً وأن المدّعين لهذا المقام الشريف، قد أمعنوا في غيّهم فأحلّوا ما حرّم الله تعالى وحرّموا ما أحلّه وبثّوا العقائد الباطلة ونقلوا عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف أكاذيب بعيدة كل البعد عن دين الإسلام بعد ادعائهم السفارة من تلقاء أنفسهم ودعوا الناس إليهم فغرّروا بطائفة من الناس وخدعوهم واستغلوا أموالهم وتحكّموا في مصالحهم وصوّروا الأمور على أهوائهم ورغباتهم فضلوا وأضلّوا فخرج على يد الحسين بن روح رضوان الله تعالى عليه توقيع من الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في لعنهم والبراءة منهم كالشلمغاني ونصّه كما في البحار: "إن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني قد ارتد عن الإسلام وفارقه والحد في دين الله وادعى ما كفر معه الخالق وافترى كذباً وزوراً وقال بهتاناً وإثماً عظيماً وإنا قد برئنا إلى الله ورسوله منه ولعناه عليه لعنة الله وعلى من شايعه وبايعه"2.

د- حذارِ أن نخدع:

بعد انتهاء زمن السفارة يمكن أن يحدث ما حصل في أثنائها بأن يأتي أناس يقولون حدّثنا الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وقال لنا أن فلاناً غير مستقيم أو أن الحكم الشرعي الفلاني غير صحيح وما شاكل ذلك من الأقاويل ولذا فلنكن حذرين فإنه لا يسوغ لنا الأخذ إلا ممن أمرنا الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بالأخذ منهم وأرجعنا إليهم في أحكام ديننا في زمن الغيبة الكبرى وهم مراجع الدين العظام وعلى رأسهم ولي أمر المسلمين القائد المفدّى دام ظله فإنه لا يجوز لنا إذا جاء شخص وادّعى رؤية الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وقال أنا سألت الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عن الخمس في الهدية وقال غير واجب بينما المرجع الذي تقلّدونه يقول واجب فعليكم تخطئته لأنه إذا وجد الأصل بطل الفرع أو أن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يقول إن فلاناً من الناس غير عادل أو أنه متولد من الزنا وما شاكل ذلك من الأمور.

في مثل هذه الحالات الواجب علينا دون أدنى شك هو الالتزام بالأحكام الشرعية والفتاوى الصادرة من المرجع الذي نقلّده لأنه السبيل الصحيح في زمن الغيبة الكبرى التي أمرنا فيها بالرجوع إلى الفقيه الجامع للشرائط وولي الأمر وإلا لو جاز الرجوع إلى أي إنسان يدعي رؤية الإمام وتصديقه فيما ينقله لضاع الدين واختلت موازين الشريعة مع أن أئمتنا عليهم السلام تكاملت أدوارهم وتنوّعت في سبيل هدف واحد ألا وهو صيانة الإسلام والحفاظ عليه.

*من عظماء الاسلام، سلسلة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، أيار 2003م، ص67-74.


1- الغيبة للطوسي، ص‏356.
2- البحار، ج‏51، ص‏380 376.
3- الكنى والألقاب: ج‏2، ص‏441.

2010-05-12