يتم التحميل...

سلمان الفارسي على لسان النبي

من عظماء الإسلام

حينما نقرأ سيرة سلمان رضوان الله تعالى عليه نجد أنفسنا أمام إنسان وقف كل حياته لله تعالى، فريداً من نوعه، وفي عمق إدراكه، في كل المراحل التي قضاها بين العبادة والعلم والزهد وإذا قال بعضهم عنه: "أنه كان أمة في جانب والناس في جانب تحفّ حياته الشريفة الغرائب والعجائب" فهو ليس مغالياً أبداً ويكفيك ما سطّره التاريخ المشرق فيه ممن كتب عنه موافقاً منحاه أو تشرّف بنقل سيرته العطرة وخالفه في الوجهة التي كان عليه وبذلك خالف الحق لأن سلمان كان معه أي أنه كان مع علي وعلي مع الحق يدور معه كيفما دار

عدد الزوار: 77

أ- من عظماء الإسلام:

حينما نقرأ سيرة سلمان رضوان الله تعالى عليه نجد أنفسنا أمام إنسان وقف كل حياته لله تعالى، فريداً من نوعه، وفي عمق إدراكه، في كل المراحل التي قضاها بين العبادة والعلم والزهد وإذا قال بعضهم عنه: "أنه كان أمة في جانب والناس في جانب تحفّ حياته الشريفة الغرائب والعجائب" فهو ليس مغالياً أبداً ويكفيك ما سطّره التاريخ المشرق فيه ممن كتب عنه موافقاً منحاه أو تشرّف بنقل سيرته العطرة وخالفه في الوجهة التي كان عليه وبذلك خالف الحق لأن سلمان كان معه أي أنه كان مع علي وعلي مع الحق يدور معه كيفما دار، وهو أحد الأركان الأربعة المخلصين في المحبة لأمير المؤمنين عليه السلام والمسلّمين له والثابتين على ولايته والعاملين إلى آخر لحظات أعمارهم المباركة لذلك، والشخصية التي تحظى بمكانة عالية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليهم السلام كما جاء في أحاديثهم الشريفة ليس المأمول منها إلا ما كان في التفاني والإيثار والتضحية والعزوف عن الدنيا والرغبة في لقاء الخالق عز وجل.

ولو لم يكن ورد في حق سلمان سوى هذا الحديث المتواتر: "سلمان منّا أهل البيت"1 لكفى في بيان درجته الرفيعة ومكانته السامية وهل هناك أعظم وأهم من الانضمام إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الأكرمين عليهم السلام؟!

ب- ثلاث خصال:

ينقل أحد الرواة أنه سأل مولانا الصادق عليه السلام قائلاً: ما أكثر ما أسمع منك سيدي ذكر سلمان الفارسي؟

قال عليه السلام: "لا تقل سلمان الفارسي ولكن قل سلمان المحمدي، أتدري ما أكثر ذكري له"؟ قلت: لا.

قال عليه السلام: "لثلاث خصال: إيثاره هوى أمير المؤمنين عليه السلام على نفسه، والثانية: حبه للفقراء واختياره إياهم على أهل الثروة والعدد، والثالثة: حبه للعلم والعلماء"2.

ومما لا شك فيه أن هذه الخصال لو اجتمعت في شخص منّا لأحبّه أهل البيت عليهم السلام ونال رضاهم.

ج- علم سلمان:

إذا أردنا أن نتعرف على سلمان العالم تعال نسأل أمير المؤمنين عليه السلام ليجيبنا قائلاً: "امرؤ منا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم، على العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر وكان بحراً لا ينزف"3.

ويجيب عليه السلام ابن نباته حينما يسأله عنه: "ما أقول في رجل خلق من طينتنا وروحه مقرونة بروحنا، خصّه الله تبارك وتعالى من العلوم بأولها وآخرها وظاهرها وباطنها وسرها وعلانيتها ولقد حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلمان بين يديه فدخل أعرابي فنحاه عن مكانه وجلس فيه فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى درّ العرق بين عينيه واحمرت عيناه ثم قال: يا أعرابي أتنحي رجلاً يحبه الله تبارك وتعالى في السماء ويحبه رسوله في الأرض! يا أعرابي أتنحي رجلاً ما حضرني جبرئيل إلا أمرني عن ربي عز وجل أن أقرئه السلام! يا أعرابي إن سلمان مني من جفاه فقد جفاني ومن آذاه فقد آذاني ومن باعده فقد باعدني ومن قرّبه فقد قرّبني، يا أعرابي لا تغلطن في سلمان، فإن الله تبارك وتعالى قد أمرني أن أطلعه على علم المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب. فقال الأعرابي: يا رسول الله ما ظننت أن يبلغ من فضل سلمان ما ذكرت أليس كان مجوسياً ثم أسلم؟
فقال النبي: "يا أعرابي أخاطبك عن ربي وتقاولني
؟!...4.

د- نسب سلمان:

في الحديث عن الباقر عليه السلام: "جلس جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتسبون ويفتخرون وفيهم سلمان رحمه الله، فقال له عمر: ما نسبتك أنت يا سلمان وما أصلك؟ فقال: أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالاً فهداني الله بمحمد وكنت عائلاً فأغناني الله بمحمد وكنت مملوكاً فأعتقني الله بمحمد فهذا حسبي ونسبي يا عمر".

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر سلمان ما قال عمر وما أجابه به.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر قريش، إن حسب المرء دينه، ومروته خلقه وأصله عقله قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ5.

ثم أقبل على سلمان فقال له: "سلمان إنه ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل فمن كنت أتقى منه فأنت أفضل منه"6.

هـ سلمان في المرابطة:

كما حظي جبل عامل بإقامة أبي ذر فترة من الزمن فيه داعياً إلى التمسك بالولاية فقد حظيت بيروت وتشرّفت بزيارة سلمان لها.

يقول القاسم بن عبد الرحمن: زارنا سلمان الفارسي، فخرج الناس يتلقونه كما يتلقى الخليفة، فلقيناه وهو يمشي فوقفنا نسلم عليه ولم يبق شريف إلا سأله أن ينزل عنده، فسأل عن أبي الدرداء فقيل هو مرابط.

فقال: وأين مرابطكم؟

قالوا: بيروت.

فتوجه قبله، فلما صار إلى بيروت واجتمع بمن فيها قال سلمان: "يا أهل بيروت ألا أحدثكم حديثاً يذهب عنكم غرض7 الرباط سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رباط يوم كصيام شهر وقيامه ومن مات مرابطاً في سبيل الله أجير من فتنة القبر، وأجرى له ما كان يعمل إلى يوم القيامة"8.

و- سلمان زاهد متواضع:

دخل قوم على سلمان وهو يعمل الخوص، وكان يومها أميراً على المدائن9 فقيل له: تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق؟!

قال: "إني أحب أن آكل من عمل يدي وذكر أنه تعلم عمل الخوص بالمدينة من الأنصار عند بعض مواليه"10.

وكان عطاء سلمان خمسة آلاف وإذا خرج عطاؤه تصدق به11.

رحم الله سلمان فقد كان ولا يزال آية في العلم والزهد والعبادة والثبات على الولاية يزين صفحات التدوين في سجل الخالدين.

*من عظماء الاسلام،سلسلة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، أيار 2003م، ص17-24.


1- الاحتجاج للطبرسي، ج‏1، ص‏151.
2- الدرجات الرفيعة، ص‏310 309.
3- الأعلام للزركلي، م‏3، ص‏169.
4- البحار، ج‏33، ص‏347.
5- الحجرات:13
6- الدرجات الرفيعة، ص‏306 305.
7- غرض الرباط: تعب الرباط وعناؤه.
8- أنساب الأشراف، ص‏488 487.
9- ورق النخل، الواحدة (خوصة) كما في المصباح المنير، ص‏183.
10- شرح النهج، ج‏18، ص‏35.
11- نفس المصدر.

2010-05-19