الإمام السجّاد (عليه السلام) وإحياء ذكرى كربلاء
محرَّم
كان الإمام السجّاد (عليه السلام) هو الشاهد والراوي لحوادث عاشوراء الدامية, وكان أيضاً رسول تلك الثورة, فبعد تلك الحادثة المضرّجة بالدماء ظلّ يبكي أكثر من 30 سنة. لم يكن بكاؤه هذا بكاء أسى وغمّ, بل كان بكاء لهيب الثورة.
عدد الزوار: 332
الإمام
السجّاد (عليه السلام) وإحياء ذكرى كربلاء
المناسبة: ذكرى استشهاد الإمام زين العابدين (عليه السلام)
من كلام للإمام السيّد عليّ
الخامنئيّ (دام ظلّه):
الإمام السجّاد (عليه السلام) وبكاؤه الشجيّ:
كان الإمام السجّاد (عليه السلام) هو الشاهد والراوي لحوادث عاشوراء
الدامية, وكان أيضاً رسول تلك الثورة, فبعد تلك الحادثة المضرّجة بالدماء ظلّ يبكي
أكثر من 30 سنة. لم يكن بكاؤه هذا بكاء أسى وغمّ, بل كان بكاء لهيب الثورة.
تدبير الإمام السجّاد (عليه السلام) لإحياء كربلاء:
لقد (حمل) الإمام السجّاد (عليه السلام) حادثة عاشوراء بما قام به من
تبليغ طوال هذه المدّة إلى كلّ العالم الإسلاميّ, ولم يدع هذه الواقعة تنتهي في طيّ
الانزواء والغربة, لأنّه كان يعلم أنّ جهاز بني أميّة كان يريد لجهاد الإمام الحسين
(عليه السلام) أن يُطمس ويندثر في مكانه في كربلاء. استُشهد الإمام الحسين (عليه
السلام) مع أقرب أصحابه وأوفى أبنائه وعائلته هناك, ثمّ قالوا في الكوفة: إنّ هؤلاء
قد خرجوا, هؤلاء قوم قاموا بأعمال مخالفة, ثاروا ضدّ الخلافة وضدّ الحكومة, ومن
يَثُر ضدّ الحكومة الإلهيّة فحكمه معروف.
وقد أسروا عياله حتّى لا يدعوها تحيي له اسماً أو ذكرى, إلّا أنّ الإمام السجّاد
(عليه السلام) من خلال تدبيره وإدارته أحيى مسألة عاشوراء في سوق الكوفة وفي مجلس
ابن زياد وفي الشام وفي المدينة وفي مناسبات عديدة.
تلك القضيّة التي حدثت في إحدى بقاع صحراء الغربة- وفي العادة لا يتحدّث النّاس
عنها - التهبت شعلتها, وقد حاول خلفاء بني أميّة وبني العبّاس من بعدهم أن يطفئوا
هذه الشعلة بنحو من الأنحاء فلم يستطيعوا. وكلّما تقدّم الزمن أضحت أكثر اشتعالاً,
إلى حدّ وصل الأمر أن أصبح زوّار كربلاء عقبة ومشكلة لجهاز الخلافة, يقطعون الأيدي,
الأرجل, الرؤوس, يودعونهم السجون حتّى يمتنع النّاس عن المجيء إلى كربلاء فلا تزداد
هذه الشعلة إلّا توقّداً. كانوا يخافون من عواقب ذلك, لكنّهم لم يستطيعوا شيئاً.
جهاد أهل البيت عليهم السلام: في طريق إحياء كربلاء:
لا زال تاريخ البشريّة إلى الآن ينهل من دماء أبي عبد الله الحسين (عليه
السلام), سيّد شهداء التاريخ, المسفوكة بغير حقّ, ذلك أنّ وارثي هذه الدماء قاموا
باستخدام أكثر الوسائل تدبيراً وأكثرها بلاغة لإحياء هذه الدماء.
فـفي بعض الأحيان, لا تقلّ الجهود والمساعي لإبقاء دماء الشهيد حيّة عن الشهادة
نفسها. وإنّ المشقّة التي تحمّلها الإمام السجّاد (عليه السلام) لثلاثين أو أربعين
سنة, وكذلك عمّته زينب الكبرى لعدّة سنوات, كانت من هذا القبيل. لقد جاهدا وسعوا
لحفظ هذه الدماء. وبعدهما بقيّة الأئمّة عليهم السلام الذين تحمّلوا العناء والنَصب
في هذا السبيل حتّى عصر الغيبة.
عندما تدقّقون في التاريخ سترون أنّه, في مرحلة ما, عزم الجهاز الإعلاميّ لبني
أميّة وبني العبّاس فيها على طمس حوادث كربلاء التي هي إحدى معارف الزمان بشكل تامّ
ليقولوا إنّها لم تحدث من الأساس. لا تتصوّروا أن ذلك لم يقع, لقد حدث. نحن نرى
الآن في زماننا أموراً عندما كنّا نقرأ في السابق أحداث صدر الإسلام وقضاياه ونرى
أشباهها كنّا نتعجّب. والآن نراها أمامنا, أبداً, فلا عجب فيه, وهو ممكن تماماً.
يمكنهم التعامل مع ما جرى في كربلاء, مع ما لها من عظمة, على أنّها حادثة قتل
وجناية حصلت في أحد الأطراف النائية من الصحراء, إلّا أنّ الأئمّة عليهم السلام, هم
وشعراؤهم, قد أبقوا هذه الواقعة حيّة.
يُروى أنّه جاء رجل إلى الإمام الصادق (عليه السلام). قال له الإمام: "أنشدني في
الحسين شعراً". فما هو سبب ذلك؟ ألم تكن هناك مجالس رثاء؟ أراد الإمام من هذا الشخص
عندما يرجع أن ينقل هذه القضيّة ليعرف الجميع, أي ليكون مصباحاً مضيئاً على الدوام.
تلاحظون؟ هكذا تمّ الحفاظ على هذه المعارف حيّة. لذا نرى اليوم أنّه لو اجتمع كلّ
مؤرّخي العالم وتكاتفوا وعملوا لمائة عام لما استطاعوا القضاء على هذه المعارف،
لماذا؟, لأنّها قد أثبتها التاريخ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
2016-10-20