الإمام علي (عليه السلام) ومراقبته لعماله ومحاسبتهم
محرَّم
كتب الإمام علي (عليه السلام) في أيام حكومته رسالة إلى واليه على البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري، والذي كان من خواصه وثقاته، وفيه يذكر اعتراضه على عمل قام به ابن حنيف لا يليق به وبأمثاله.
عدد الزوار: 290الإمام علي (عليه السلام) ومراقبته لعماله ومحاسبتهم
كتب الإمام علي (عليه السلام) في
أيام حكومته رسالة إلى واليه على البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري، والذي كان من
خواصه وثقاته، وفيه يذكر اعتراضه على عمل قام به ابن حنيف لا يليق به وبأمثاله.
يفتتح الإمام (عليه السلام) رسالته قائلاً: "أمّا بعد، يا بن حنيف فقد بلغني أنّ
رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل
إليك الجفان، وما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قومٍ عائلهم مجفوٌّ وغنيّهم مدعوٌّ،
فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه
فنل منه".
يحمل هذا الكتاب توبيخاً عنيفاً لعثمان بن حنيف الذي فوّض إليه الإمام (عليه
السلام) إدارة أمور ثغرٍ هام من الثغور الإسلاميّة وهو ولاية البصرة، وذلك لارتكابه
أمراً وعملاً يتنافى مع موقعه الذي جعله فيه الإمام علي (عليه السلام)، فعاتبه
لكونه من الذين يجب عليهم الورع وتنزيه النفس عن الإجابة إلى مأدبة طعام قومٍ لا
يلتفتون إلى فقرائهم ويقصرون الدعوة والكرامة على أغنيائهم وأمرائهم.
ويشير الإمام (عليه السلام) إلى طبيعة الحاضرين حول هذه المأدبة، وأنّهم من
الغافلين المنهمكين في اللذّات الماديّة، فعبّر (عليه السلام) عن المأدبة بـــ
"المقضم"، وهو كما يرى بعض شرّاح نهج البلاغة، ما يُعَدُّ فيه علف الدّابّة من
التبن والشعير، وتعبيره (عليه السلام) يعمّ كلّ مطعم مهيّأ لأمثال هؤلاء المفتونين
بأمر الدنيا.
وهذا الكتاب الصادر عن الإمام علي (عليه السلام) لعثمان بن حنيف الذي يكشف عن مدى
المراقبة التامّة والشاملة منه للولاة، والحكام لم يكن الأوّل من نوعه، إذ تكشف لنا
صفحات كتاب نهج البلاغة عن طبيعة هذه المراقبة لسير أعمال الولاة ليس فقط فيما
يرتبط بسير عمل الجهاز الإداري للدولة وما شاكل ذلك، ولكنّ الإمام علي (عليه
السلام) وسّع من دائرة هذه المراقبة إلى ما يتعلّق بالسلوك الشخصي، والمأكل،
والمشرب، ومصادر أموال الولاة والحكّام والإداريين في أجهزة دولته وحكومته، وذلك من
أجل حمايتهم من أي انحراف قد يصيبهم بسبب وساوس الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء.
فقد بلغه يوماً أنّ شريح القاضي اشترى في عهده داراً، ولا يُعلم من أين أتى بثمنها،
وتفوق حاجته إليها من حيث السعة، فاستدعاه وقال له: "بلغني أنّك ابتعت داراً
بثمانين ديناراً ... أما إنّه سيأتيك من لا ينظر في كتابك، ولا يسألك عن بيّنتك،
حتى يخرجك منها شاخصاً، ويسلمك إلى قبرك خالصاً، فانظر يا شريح لا تكون قد ابتعت
هذه الدار من غير مالك؟! أو فقدت الثمن من غير حلالك؟! فإذاً أنت خسرت الدنيا
والآخرة".
ومن كتاب له (عليه السلام) إلى بعض عمّاله: "أمّا بعد، فقد بلغني عنك أمر، إن
كنت فعلته فقد أسخطت ربّك، وعصيت إمامك، وأخزيت أمانتك. بلغني أنّك جرّدت الأرض،
فأخذت ما تحت قدميك، وأكلت ما تحت يديك، فارفع إليّ حسابك، واعلم أن حساب الله أعظم
من حساب الناس".
وعن شدّة الحساب وقسوته لكلّ من ارتكب حراماً في حكومته، يقول (عليه السلام) في
كتاب له إلى بعض عمّاله: "فاتّق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنّك إن
لم تفعل، ثمّ أمكنني الله منك، لأعذرت إلى الله فيك، ولأضربنّك بسيفي الذي ما ضربت
به أحداً إلا دخل النار".
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
2016-10-28