كربلاء صبر ونصر
محرَّم
"إنّ صبر الإمام الحسين (عليه السلام) هو الذي صان الإسلام على مرّ التاريخ وحتّى يومنا هذا؛ وفي الحقيقة لولا صبر الإمام الحسين(عليه السلام),
عدد الزوار: 468
كربلاء صبر
ونصر
المناسبة: عاشوراء
من كلام للإمام السيّد عليّ
الخامنئيّ (دام ظلّه):
مفهوم الصبر ومراتبه في مرآة عاشوراء:
"إنّ صبر الإمام الحسين (عليه السلام) هو الذي صان الإسلام على مرّ التاريخ وحتّى
يومنا هذا؛ وفي الحقيقة لولا صبر الإمام الحسين(عليه السلام), ذلك الصبر التاريخيّ
في كربلاء وقبيل واقعة كربلاء وفي مقدّماتها وما سبقها, فلا شكّ أنّه بمرور قرنٍ
واحدٍ من الزمان, لم يكن ليبقى من الإسلام حتّى اسمه؛ بيد أنّ الإمام الحسين (عليه
السلام) أحيى الدّين ببركة صبره الذي لم يكن صبراً هيّناً.
ليس الصبر في أن يتعرّض الإنسان للتعذيب أو يتعرّض أبناؤه للتعذيب أو القتل أمام
عينيه ويصمد فحسب- وإن كانت هذه واحدة من مراحل الصبر المهمّة- إلّا أنّ الأهمّ من
ذلك أن يصبر على الوساوس والمواقف التي قد تبدو في ظاهرها بنظر البعض منطقيّة فتصدّ
المرء عن مواصلة الطريق، وذاك ما فعلوهُ مع الإمام الحسين (عليه السلام)، حين قالوا
له: إلى أين أنت ذاهب؟ إنّك تعرِّض نفسك وأهلك للخطر؛ وتدفع العدوّ لأن يتجرّأ
وتتطاول أيديهم على دمائك. وكلّ من جاء إلى الإمام الحسين (عليه السلام) وضع قرار
الإمام وتصميمه في مواجهة هذا المحظور الأخلاقيّ؛ وهو: إنّك بخطوتك هذه إنّما تخاطر
بأرواح فئة من النّاس وتجعل العدوّ أكثر تسلّطاً وتدفعه لأن يلطّخ يديه بدمائك.
صبر الإمام الحسين (عليه السلام) وثماره:
الصبر إنّما يمكن أن يفهم في موقع الصبر وظرفه.كثيراً ما كان يأتي إلى
الإمام الحسين(ع) من الكبار والمحدّثين والشخصيّات البارزة والمعروفة وأصحاب الجاه
والعقلاء والمحبّين وأنصاف المحبّين الذين كانوا يقولون له: أيّها السيّد! إنّك
تقوم بعمل لا فائدة منه, أنت تقوم بإهلاك نفسك وعائلتك وآل بيت الرسول بهذا العمل,
وتذلّ أهل الحقّ!", كانوا يتحدّثون بمثل هذا الكلام. ومنذ البداية وما إن علم بعضهم
بأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد عزم على المسير من مكّة, حتّى بدأت هذه
الموانع الأخلاقيّة المتعدّدة تظهر أمامه، واستمرّت حتّى ليلة عاشوراء. لقد صبر
الإمام الحسين (عليه السلام) أمام مثل هذه الحوادث؛ ذلك هو الصبر الذي تحدّثنا عنه.
وكذلك قد صبر الإمام الخمينيّ رضوان الله عليه. ففي مرحلة النهضة والثورة, كثيراً
ما قيل له:"أيّها السيّد! هذه الشباب تزهق أرواحها, يقتلون بهذه الطريقة؛ تخرّب
البلاد!"؛ لكن الإمام رضوان الله عليه صبر. الصبر في مقابل نصائح الجاهلين قصيري
النظر, أمر بالغ العظمة.
يحتاج الصبر إلى الكثير من القدرة. فالصبر ليس دائماً على الضغوط والمصائب
الجسميّة. الصبر أيضا في مقابل الضغوط المصلحيّة والنفعيّة, وعدم التخلّي عن الطريق
البيّن والواضح, هو ذلك الصبر العظيم والجميل الذي تحمّله أبي عبد الله الحسين
(عليه السلام). ثمّ في يوم عاشوراء, صبر الإمام (عليه السلام) مرّة أخرى أمام ذلك
الوضع المفجع, إذ قطّعت أجساد كلّ واحد من أصحابه وأهل بيته إرباً إرباً. لم يكن
الأمر مجرّد سقوط قذيفة قتلت عدداً من النّاس؛ لا. فكلّ واحد كان يُقتل من أصحابه
وأهل بيته كان بمثابة قطعة تنفصل من بدنه الشريف, وكان يصبر على كلّ واحد منهم. وقد
شرب جرعات الصبر هذه كلّها واحدة تلو الأخرى؛ والنتيجة كانت معروفة؛ أنّ تلك القيم
التي أراد الإمام الحسين (عليه السلام) بقاءها- القرآن, واسم الإسلام, والقيم
الإسلاميّة وحديث النبيّ صلى الله عليه وآله- قد بقيت. وبقي, في دائرة أضيق وأهمّ,
التشيّع الذي هو مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
... فلو أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لم يقم بهذا العمل, فلن تمضي برهة وجيزة
حتّى يذهب الإسلام من أساسه. كان الإمام الحسين (عليه السلام)- في الواقع- بمثابة
ذلك الوتد العظيم الذي حفظ بدمائه هذه الخيمة المضروبة بالطوفان. وليس هذا أكبر
ملحمة في تاريخ الإسلام وحسب؛ بل أكبر ملحمة في التاريخ قاطبة. ينبغي أن يحفظ ذلك
ويبقى حيّاً, وينبغي على الدوام الاستفادة منه كمفتاح حلّ للعقد والمعضلات في تاريخ
المسلمين".
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
2016-10-05