لقاء قائد الثورة مع عائلة الشهيدين عبد الله ومحمد باقر محمدي
ملف خاص
لقاء قائد الثورة مع عائلة الشهيدين عبد الله ومحمد باقر محمدي
عدد الزوار: 59
دافعوا عن الابتكارات الإيرانية
تقرير: محمد تقي خرسندي
غادرنا منزل الشّهيد الثاني وانتقلنا بسرعة إلى منزل الثّالث. ما إن دخلنا من الباب
حتّى بادرنا أحد المسؤولين بالقول:" حاذروا، لم يعلموا بشيء حتّى الآن". أمّا نحن،
وقد تعوّدنا على هذه الأجواء، فقد دخلنا هذا المنزل البسيط والقديم كصحفيين. قطعنا
ممرّاً طويلاً نسبياً ووصلنا إلى فناءٍ صغيرٍ ثمّ دخلنا غرفةً قديمةً وكبيرة نسبياً
عند زاويته.
داخل المنزل، يقوم معمّمٌ شابٌّ بالتّرتيب، بينما تعدّ والدته وأخته الضّيافة.
فتّشنا عن ابن أخته "صادق" وسألناه عن أسماء شهداء هذه العائلة فقال: "
عبد الله ومحمّد باقر، وهما خالاي وأخوا ذلك المعمّم".
على الحائط إلى جانب صور الشّهيدين توجد صورة لعمّهما "علي
أكبر عليزاده" باهتة الّلون وذات إطار قديم.
بعد دقائق، فاجأنا صوت نواح، خرجنا إلى فناء المنزل لنجد بعض أفراد العائلة يحملون
والد الشّهيدين من تحت إبطيه ـ عجوز يبلغ من العمر 70 عاماً ـ يخرجونه من غرفته
الواقعة في النّاحية المقابلة، ويأتون به إلى غرفة الاستقبال حاملاً عصاه بينما
يقرأ العزاء ويذرف الدّموع.
أجلسوه على كرسيٍّ بلاستيكيٍّ إلى جانب الوالدة، فكان عندما ينظر إلى صورة ولديه،
يتنهّد، يطلق الآه ويبدأ بقراءة المجلس بلغته التّركيّة الحزينة. أعطاه أولاده كتاب
الدعاء في محاولة لتهدئته، ولدى استغرابنا أخبرونا بأنَّ عمله الدّائم أصبح قراءة
القرآن والدّعاء،" فقد حفظنا الكثير من سور القرآن بفضل
قراءته المستمرّة ".
طريقة تصرّف هذه العائلة توحي بأنّهم خمَّنوا من هو زائرهم في هذه الّليلة، الأمر
الّذي علموه بعد دقائق عن طريق أحد مسؤولي الحماية الّذي قال للوالد: "حاجّ!
هل تعلم من سيأتي إلى منزلكم؟ إنّه قائد الثورة".
الوالد، الّذي كان سمعه ثقيلاً كما علمنا، لم يكد يصل إلى سمعه اسم القائد حتّى
استأنف البكاء وراح يقول: "أنا فداءٌ لقدميه، أين هو؟" ثمّ طفق يردّد: "الحمد لله".
بعد أن اطمأنّ أفراد العائلة إلى صحّة حدسهم، دبّت فيهم الحماسة. يقول المعمّم
الشّابّ، واسمه "مهدي":"
منذ أن أخبروني عند الثّالثة بأنَّ الإذاعة
والتّلفزيون يريدان إجراء مقابلة، أحسست أنّ القائد هو من سيأتي ". ثمّ
استأذن لإخبار أخيه الآخر، فأعطوه الإجازة بشرط الّا يطلعه على التّفاصيل. رفع مهدي
السّماعة وقال لأخيه مراراً ويداه ترتجفان بشكلٍ واضح: "
تعال إلى هنا بسرعة، تعال بأسرع ما يكون...".
كان الوالد ما يزال ينوح ويدعو ويبكي، وكلّما منعوه من البكاء، لم يكن يقبل. أعطوه
مصحفاً ليهدأ فشرع بتلاوة سورة ياسين، ولكن خلال التّلاوة لم يتوقّف بكاؤه.
عملت مجموعة من أفراد العائلة على تهدئته بالقول إنّ البكاء سيّئ بحضور الضّيوف،
فيما ذهبت مجموعةٌ أخرى لإحضار أغراض الشّهداء الخاصة. كما أحضر "سعيد"ـ شقيق
"صادق"ـ ديوان حافظ الشّيرازي قائلاً:" أريد تقديمه
للقائد بمناسبة اليوم العالمي لحافظ ليكتب لي عليه إهداءاً ". ولمّا علم
أنّ القائد يكتب الإهداءات على المصحف فقط صرف النّظر عن ذلك. مضت دقائق، فجاء
الخبر بوصول قائد الثّورة إلى منزل الشّهيدين.
بسبب كبر سنّ الوالدين وصعوبة حركتهما، استأذن القائد من أمام الباب وتقدّم مباشرةً
نحو الوالد وأمطره بوابل قبلاته. فقابل الوالد لطفه قائلاً:"
يا عزيز القلب أنت الملجأ ونحن فداءٌ لك " و
القائد يجيبه:" لا قدّر الله ". ثمّ عندما
سألهما عن أحوالهما سمع في الجواب:"
نصبح بأفضل حالٍ عندما نراك، نحيا من جديد ". و
كأنّ الحال هو هكذا فعلاً، فبمجرّد رؤية القائد توقّف بكاء الوالد.
حسب العادة، بعد أن يسأل القائد عن أحوال والديّ الشّهداء، يستفسر عن الشّهداء
أنفسهم. تسلّم الشّيخ "مهدي" زمام الحديث
وأوضح أنّ الشّهيد "عبد الله" كان طالباً واستشهد سنة 1984 م في " شرهاني"،
والشّهيد "محمّد باقر" الّذي كان طالباً في حوزة "السّليمانيّة" استشهد في سنة 1988
م في عمليّات كربلاء 10 .
ارتفع دعاء القائد بالقول: " أسأل الله تعالى أن يضاعف
يوماً بعد يوم عنايته العطوفة ورحمته بكم وبعائلتكم وأولادكم".
عندها تماماً وصل شخص إضافيّ مع زوجته وطفله، والظاهر أنَّه نفس الشقيق الّذي
أخبروه بالتليفون، فأعطى طفله للقائد ليمسح على رأسه. فـدعا القائد أيضاً للطفل
"يونس" ذي الأشهر الثلاثة وقال لوالده:" إنَّ شعر رأسه
ينبت، لا تخافوا...". فضحك الجميع ممّا ضاعف حميمية الأجواء.
سأل القائد عن عمل الأبناء وبماذا هم مشغولون. " صادق " معه ماجستير في الميكانيك
ومن المقرّر أن يلقي كلمة في لقاء القائد مع النخب. وعندما علم القائد أنَّه قام مع
زملائه بصناعة "مضخّة فعّالة" جديدة تساهم في توفير مياه الريّ، بدأ بحوار فنّي
معه، فسأله عن مستوى رعاية الإدارة الزّراعية للمشاريع والاختراعات، وأوضح أنَّه
أوصى المسؤولين مراراً بأن يرعوا بجدية ابتكارات الإيرانيين، وقال له: "تابع
المسألة لأنّ فيها تطويراً للعمل ومساعدة "للمناطق الريفية". وعندما أخبر "صادق"
سماحته بأن المنتج الأجنبي المشابه لهذه المضخة لم يحقّق نتائج جيدة وبأنَّ
المزارعين قاطعوه، أوصاه بالعمل على توعية المزارعين على فوائده، فهم إذا رأوا
نتيجته بسرعة فمن الممكن أن يقبلوا به.
الشخص التالي"سعيد"، درس طبّ الأعشاب ولكنَّه تكلّم عن حبّه للأدب وعن أنَّه يتابع
الأعمال الأدبية للقائد. وأشار إلى أنَّ اليوم هو اليوم العالمي لحافظ. ولما سمع
القائد بالأمر أجاب: "نحن هنا مشغولون إلى درجة أننا لا نجد فرصة للاهتمام بذكرى
حافظ". ثم سأل"سعيدٌ" القائد عن كتاباته فسمع في الجواب:" ليس لديّ ديوان مطبوع،
بسبب المشاغل لا وقت لديّ أخصّصه لنظم الشعر، الّا إذا خطر شيء على بالي. ولكن
الأعمال كثيرة بحيث لو أن خمس أو ستّ ساعات تضاف على الـ 24 ساعة لكان يمكن القيام
بكلّ هذه الأعمال". ثم أوصى سعيداً بأن يحافظ على ذوقه وذائقته الأدبيّة، فهذا
يساعده حتّى في أعماله التّقنية.
عند الحديث عن الشَّعر والشّعراء طلبت الأخوات من الوالد أن ينشد شعراً في المحضر
المبارك للسيد الخامنئي، فأنشد البيت التالي:
اصدح عالياّ لا تخف بالكلام المفعم بالبركات*** وأطلق لأبي الفضل قطيع اليدين آلاف الصلوات
وعندما وصل إلى اسم أبي الفضل منعه البكاء من إكمال الإنشاد.
وصل الدور إلى الشّيخ مهدي، المعمّم الشّاب، الذي أخبر القائد بأنّه يعمل في مجلّة
" حجره " وقد التقى به في مشهد. قال إنّه يدرس في حوزة " السّليمانية "، فسأل
القائد إذا كانت روحيّة الثّورة لا تزال فيها كما في السابق، فأجاب الشّيخ "مهدي"
بالإيجاب مشيراً إلى أنّه كان قد التقى بالقائد مع طلبة الحوزة في منزله العائليّ.
سألت والدة الشّهيد بالتركية إذا كان القائد يريد قليلاً من الشّاي فأجابها:"
يخ جاييي ايستمر". ثمّ وقّع لها على نسخة من
القرآن الكريم كذكرى وقدّمها لها وللوالد مع هدايا أخرى.
طلبت السّيدات الإذن من القائد بتقبيل يده، فـوضع عباءته على يده وقال: "منيم
نا قابل الين".
قالت إحدى الأخوات ـ وهي التي ترعى والديّ الشّهيدين ـ بعد الكثير من التردّد: "سيّدنا! لقد رأيت مرّةً في منامي أنّي أقبِّل يدك اليمنى" . فابتسم ولم يعلِّق!
الأخت الكبرى في العائلة، والدة "صادق" و "سعيد"، قالت لبقية الأخوات:" فلنذهب لإحضار شيء من فواكه بستاننا " و توجّهت إلى المطبخ.
اغتنم الشيخ "مهدي" الفرصة وطلب أن يوصي القائد، بأن يأتي أحد العلماء البارزين إلى
"بوجنورد" لتفعيل وضع الحوزة فيها. ... قدّم المعمّم الآخر، الذي كان صهراً للعائلة
وكان حاضراً في المجلس، اسماً أو اسمين. ولكنّ القائد، ولأنَّه يعرفهما، قال إنّ
لديهما درساً واسع الحضور ومن المستبعد أن يأتيا إلى "بوجنورد". وفي النّهاية طلب
القائد من مهدي أن يفكّر مع زملائه ويقترحوا أحد العلماء البارزين على المستوى
العلمي ليأتي ويبدأ بالبحث الخارج ويكون معه بعض الفضلاء ليفعّلوا الدّرس ويحيوا
المساجد.
أحضرت الأخوات وعاءاً مليئاً بالعنب من المطبخ، ولكنَّ القائد، بالنظر لكثرة
الضّيوف ـ عندها تصبح الضّيافة مشكلة كما أشار بنفسه ـ استأذن وودّع الجميع بعد أن
طبع قبلة على وجنة الوالد الذي شيّعه بقلبه وبعينيه إلى أن خرج من المنزل.