يتم التحميل...

كلمته في لقاء حشد من التعبويين في مشروع الصالحين

خطاب القائد

كلمته في لقاء حشد من التعبويين في مشروع الصالحين-21-11-2012 م

عدد الزوار: 42

مشروع الصالحين, أحد مشاريع التعبئة في الجمهورية الإسلامية يعبر عنه بحلقات الصّالحين, يعتمد برامج علمية وتوجيهية وترفيهية ولياقات بدنية، وأنشطة صالحة, (أي ضمن عمل الصالحين الذين وصفهم القرآن الكريم)، كتقديم خدمات للناس في الأماكن العامة والمناسبات الدينية والوطنية وخدمة المصلين ومجالس العزاء... تهدف إلى تقوية البناء الثقافي والديني والعلمي والأهم بناء الروحية التطوعية لدى المنتسبين.

نشكر الله أنّه وُجد في زماننا هذا أنموذجٌ ممّا شُوهِد في واقعة عاشوراء الكبرى ونُقل إلينا؛ رجالٌ ونساءٌ وشبابٌ توجّهوا إلى الهدف وغضّوا النّظر عن النّفس والمال ومتعلّقات الحياة. هذا ما شاهدناه في زمان الدفاع المقدّس بأمّ العين، وها نحن نشاهد اليوم استمراريّته وبركاته.

نفس لا تقارن بأيِّ نفس، ومصيبة لا نظير لها
إنّ اقتران هذه الأيّام مع واقعة عاشوراء العظيمة يمثّل درساً وعبرةً. لا ينبغي للأمّة الإسلاميّة والمجتمع الإسلاميّ أن يبعد عن أعينه واقعة عاشوراء التي تمثّل درساً وعبرةً ورايةً للهداية. ولا شكّ بأنّ الإسلام حيٌّ بعاشوراء وبالحسين بن عليّ عليه السلام . وكما قيل: "وأنا من حسين"1، وبناءً على هذا المعنى، فإنّ ديني واستمرار طريقي كان بواسطة الحسين عليه السلام . لو لم تكن واقعة عاشوراء، ولو لم يتحقّق هذا الفداء العظيم في تاريخ الإسلام لما قُدّمت هذه التجربة وهذا الدّرس العمليّ للأمّة الإسلاميّة، ولابتُلي الإسلام يقيناً بالانحراف، كما ابتُليت الأديان قبل الإسلام؛ ولما بقي من حقيقة الإسلام ومن نورانيّته شيء. إنّ عظمة عاشوراء كامنة في هذا الأمر. بالطبع، إنّ المصيبة في عاشوراء كبيرة جدّاً والخسارة عظيمة. إنّ نفس الحسين بن عليّ عليه السلام ، التي توازي السماوات والأرض كلها، وإنّ نفوس أولئك الأصحاب وأولئك الشباب وأهل بيته الأطهار والطيبين الطاهرين عليهم السلام لا يمكن مقارنتها بنفس أي شخصٍ آخر. لقد صُرِع هؤلاء في الميادين وضحّوا وفدوا، وسُبيت حُرم النبيّ صلى الله عليه واله وأمير المؤمنين عليه السلام المعزّزة 2. فتلك الأحداث ثقيلة جداً ومرّة للغاية وصعبة تماماً. لكن ما ترتّب على تحمّل هذه الأحداث المرّة والصعبة عظيمٌ وخالدٌ إلى درجة تجعل تحمّل هذه الأحداث الصعبة على شخص كالحسين بن عليّ عليه السلام وأصحابه وأسرته سهلاً. لقد نقل العظماء هذا الأمر، ويؤكّد المرحوم الحاج الميرزا جواد الملكي (رضوان الله عليه) في كتاب المراقبات 3 ـ حيث إنّ كلامه سندٌ وحجّةٌ ـ على أنّه في يوم عاشوراء كلّما اشتدّت المصائب كان وجه الحسين بن عليّ عليه السلام يزداد سطوعاً ويتنوّر أكثر فأكثر. هذه الحقائق المليئة بالمعاني والأسرار والرموز يجب أن تبقى دائماً أمام أعيننا.

الإخلاص في حركة التعبئة

لقد شاهدنا في زماننا نماذجَ من هذه التضحيات، وتجلّت أمام أعيننا نماذج ممّا قرأناه في التّاريخ، حيث كان أهمّها وأعظمها وأبرز مظاهرها هذه الشجرة الطيّبة للتعبئة، سواءٌ أكانت قبل شروع الحرب المفروضة أم أثناء وقائع الدّفاع المقدّس ـ والتي كانت تجربةً صعبةً جداً وثقيلةً على البلد ـ وكذلك بعد الدّفاع المقدّس وإلى يومنا هذا. إنّ قضيّة التعبئة وتجربتها تتمتّع ببركات عظيمة جدّاً. وإن شاء الله تستمّر هذه البركات وسوف تستمر. هناك نقطة، وهي أنّه ما شوهد في زمن الدّفاع المقدّس، في حركة التعبئة بالنسبة لمعيار الإخلاص، كان بمستوىً عالٍ جدّاً، وهو الأمر الذي ينبغي الحفاظ عليه اليوم في حركة التعبئة. إنّ الميدان في أيّامنا هذه، ميدانٌ أكثر تعقيداً. إنّ الالتحاق بميادين الحرب والقتال والجهاد وتحمّل هذه المسؤولية، ثمّ الاستشهاد أو الجرح أو الرّجوع بسلامة، كلّ ذلك الحضور في الميدان هو عملٌ فيه مخاطرة، لكنّه ليس معقّداً. إنّ الحضور في زمننا هذا في الميدان، في مواجهة مؤامرات العدوّ وهجماته، واصطفاف هذين الصفيّن والجبهتين المميّزتين فيه تعقيدات؛ من الممكن أنّه لا ينطوي على مخاطر تلك الأيّام، لكنّه يواجه تعقيدات أكبر. كان الفارق في تلك السّاحة هو أنّ من كان يلتحق بها كان يظهر إخلاصاً واضحاً في نفسه. فالدّخول في ذاك الميدان هو نزولٌ إلى ميدان الموت والحياة؛ لا مزاح في ذلك، فهذا ما كان يحتاج إلى الشّجاعة والتضحية والإيمان والتوكّل على الله، وكانوا يلتحقون ويصبحون شهداء. وفي يومنا هذا، فإنّ الميادين المختلفة تتطلّب ذاك الإيمان وتلك الشجاعة، لكن من دون وجود هذه العناصر4.

 

من الممكن أن يتظاهر بعض الناس بلباس التعبئة، وهذا ما ينبغي مراقبته. يجب علينا بالدرجة الأولى أن نراقب أنفسنا، وأن نراقب بيئة التعبئة بالدّرجة اللاحقة، فمثل هذا الأمر هو مسؤولية كل فرد من أفراد التعبئة. يجب الارتقاء بمستوى روحية التعبئة في كلّ هذه المجموعة ومنها "مجموعات الصالحين" التي تتحمّلون مسؤوليتها وتديرونها. يجب تحقيق النقاء والخلوص5 وعليكم فعل ذلك في كلّ مجموعات العمل. ومثل هذا الأمر صعبٌ إلى حدٍّ ما. إنّ من أسباب تسمية الجهاد في ميدان مواجهة النفس والمسائل المعنويّة بـ"الأكبر" هو أنّه أصعب من النّاحية العمليّة. ففي مواجهة العدوّ ـ الحرب العسكرية ـ يمكن للمرء بسهولة أن يقيس ميزان خلوصه وميزان إخلاص الآخرين أمّا هنا فالأمر ليس كذلك، فمن الممكن للإنسان في هذا المجال أن يقع في الاشتباه مثلما يخطئ الآخرون في معرفة الإنسان.

آفاتٌ مهلكة
ويجب أن نجنّب أنفسنا الآفات، آفة الغرور والعجب والرياء، فهذه الآفات مهلكةٌ. فلو أنّنا وُفّقنا لأمر ما ونجحنا فيه، فعلينا أن نكون شاكرين لله وأن نعلم أنّه من الله، وأن نستمدّ منه العون للاستمرار، والدّوام، فهنا توجد قضية مهمة وأساسية وهي أن لا نُبتلى بالعجب والاعتماد كثيراً على النفس، واعتبار ذلك من أنفسنا، بل أن نتوكّل على الله تعالى. حقيقة القضية هي هذه، ولا حول ولا قوّة إلا ما كان بيد الخالق ذي الجلال، فالعمل عمله. إنّ نجاحنا واختيارنا وقدراتنا وشوقنا وإيماننا والعشق الموجود في قلوبنا كلّها من صنع يد الرّب، فلنعلم ذلك ولنكن شاكرين ولنطلب الازدياد منه تعالى.

آفّة السطحيّة في الاعتقاد والفهم
توجد نقطة أساسية، شاهدت اليوم، ولحسن الحظ، أنّها كانت مورد التفات في كلمات المحترمين الذين تحدّثوا هنا، تتعلّق بنوعيّة هذه المجموعات، التي تشكّل جسم التعبئة وأركانها الأساسية. إنّ ما يمثّل ضرراً ويوجّه ضربةً هو السطحية في الاعتقاد وفي الفهم وفي انتقاء المنطق والمبنى. إنّ السّطحيّة هي التي تقصم الظهر، كالشيء المحمول والموضّب إذا وضعناه [لوحده] على مجموعة من الأحمال الموضّبة معاً، فإنّ أيّ ريحٍ عاصف أو هزّة شديدة ستسقطه أرضاً. يجب إضفاء العمق، يجب تجذير الاعتقادات، هذه أمورٌ قد صارت بحمد الله مورد اهتمامكم. إنّ أساس تشكيل "مجموعات الصالحين" كان على أساس هذه الرؤية وذلك من أجل إضفاء العمق باللّحاظ التربويّ والمعنويّ والتعليميّ، على فكر الشباب التعبويّين وروحيّتهم عندنا في مختلف القطاعات.

التعبئة ابتكار إمامنا الجليل
عندما ننظر في المجموع نرى أنّ وجود التعبئة هو من معجزات الثّورة، وابتكار إمامنا الجليل. هذا يدلّ على وعيه وحكمته واتّصال قلبه النورانيّ بالإرادة الإلهية والحكمة الربّانية. إنّ التعبئة قد صارت ركناً محكماً للثورة. انظروا اليوم كيف أصبحت التعبئة ناشطة وفعّالة في كلّ القطاعات، في مجال العلم والتجربة والتقنيّة والمجالات المعنويّة والخدمات الاجتماعيّة، وفي مجال التنظير6 في القطاعات المختلفة للحياة الاجتماعية، وفي مجال التربية والتعليم. وإذا جاء اليوم، وحصلت تجربة، واضطرّ الشعب لمواجهة العدوّ بالسلاح والدّفاع العسكريّ فإنّ هذه المجموعة نفسها من الشباب، هؤلاء التعبويين، هؤلاء الشباب الشجعان لدى شعبنا العزيز سيظهرون للعدّو شجاعة شعب إيران وخلوده واقتداره واستحالة هزيمته7. وسوف تتّبع المجموعات الأخرى والدّول الأخرى هذه التجربة إذا أرادت أن تتقدّم على هذا الطريق النورانيّ للإسلام . إنّ هذه التجربة هي تجربة موفّقة وناجحة. يجب علينا أن نظهر أداءً جيّداً. سوف يرسخ هذا النّهج العمليّ للتعبئة في العالم الإسلاميّ وبين الدّول الإسلاميّة والشعوب الإسلاميّة كنهجٍ حيٍّ قابلٍ للاتّباع والتطبيق، وهو قد حصل في يومنا هذا إلى حدٍّ كبير وهو يُطبّق؛ لهذا فإنّ تقوية التعبئة وإضفاء الإخلاص عليها مهما أمكن وإضفاء الجوّ المعنويّ على عناصرها وتوسعة نشاطاتها في كلّ مناطق الحياة يُعدّ من الأعمال الأساسيّة التي يجب على كلّ شريحة العاملين في التعبئة والمرتبطين بها والنّاشطين فيها أن يتابعوها. فالبداية من أنفسنا فإرشاد الإسلام هو لكلّ واحدٍ منّا. يجب علينا جميعاً وفي كلّ المستويات أن نبدأ من أنفسنا أوّلاً "من نصّب نفسه للنّاس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره"8. يجب أن يكون الأمر هكذا في كلّ المستويات، فلنبدأ من أنفسنا. هذا ما يجعلنا من التعبئة.

ارتقاء التعبئة في الكمّ والنوع
إنّ هذا البحث المتعلّق بنمط العيش وأسلوب الحياة بحسب رأي الإسلام يمكن أن يكون، في التعبئة، معياراً لمعرفة النّفس. ليس البحث في أن تأتي أجهزةٌ أعلى وأفضل لتقيسنا وفق معيارٍ ما وترى كيف يجري الأمر، بل البحث هو أن نكون نحن أنفسنا معياراً لأنفسنا 9. فكيف هو سلوكنا في محيط العمل وبيئته؟ كيف هو سلوكنا مع الزّوجة والأبناء؟ كيف هو سلوكنا في البيئة الاجتماعيّة ومحلّ العيش؟ كيف هو سلوكنا مع العاملين تحت أيدينا؟ كيف نتصرّف مع من هم فوقنا (مسؤولينا)؟ كيف هو سلوكنا مع الصّديق ومع العدوّ؟ فلكلٍّ من هذه الأمور معيارٌ ومقياسٌ في الإسلام، فلنقس أنفسنا. هذا ما يصبح معياراً لقياس أنفسنا ولمعرفة أنفسنا بشكلٍ صحيح. لو أنّنا بدأنا من هنا فإنّ بنيان حياتنا وعملنا في كلّ القطاعات وخصوصاً في التعبئة التي هي الآن محلّ بحثنا، سوف يقوى.

على كلّ حال إنّ بلدنا وشعبنا وتاريخنا بحاجة إلى التعبئة، والتعبئة نفسها بحاجة إلى أن تزداد وترتقي يوماً بعد يوم من ناحية الكيفية والنّوعيّة، وإنّ هذا العمل الذي تقومون به أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أيّها "الصّالحون"، وهذه الفئات والمستويات المتعلّقة بـ "الصّالحين"، هو من الأعمال الممتازة، وهو على طريق تكميل التعبئة الذي سيكون إن شاء الله يوماً بعد يوم أكمل وأكمل. يجب أن نرتقي بالكيفيّات. بالطّبع، إنّ الكيفية مرجّحة على الكمّية، لكن الكمّية مع النوعية لها أهميّة؛ أي إنّه يجب الالتفات إلى التوسّع في العرض والأفق معاً، المتلازم مع العمق. إنّ عالم الإسلام اليوم بحاجة إلى هذه الحركة التعبويّة.

العدوّ ليس عاطلاً عن العمل
إنّ هذه الوحشيّة التي حصلت في هذا الأسبوع الأخير في غزّة، حيث إنّ الإنسان يتحيّر في المدى الذي وصلت إليه سبعية ووحشية الكيان الصهيونيّ، كلّ هذه يجب أن تهزّ وجدان العالم الإسلاميّ وأن تمنح هذه الحركة الشعبيّة في العالم الإسلاميّ روحاً جديدة. إنّ العدوّ ليس عاطلاً عن العمل، ولهذه الحركة أبعادٌ متعدّدة: أوّلاً، سبعيّة ووحشيّة زعماء الكيان الصهيونيّ. كم أنّ هؤلاء متوحّشون وبعيدون عن الوجدان البشري! يهجمون على الأبرياء والمدنيين بهذه الطريقة. يتحيّر الإنسان في الواقع ويُذهل كيف أنّ هؤلاء ليس لديهم شيء من الإنسانيّة. هؤلاء يقفون مقابل العالم الإسلامي وبوجه نظام الجمهوريّة الإسلاميّة ويدّعون على الجمهوريّة الإسلامية في المحافل العالمية؛ هؤلاء البشر الذين ليس لهم رائحة من الإنسانيّة. إنّ هذا هو أحد أبعاد القضيّة. وهو أمرٌ مهم جداً.

 

الحرب على غزّة وقاحة الغرب
البعد الآخر للقضيّة هو أنّ زعماء النّظام الاستكباريّ يتعاملون مع هذه القضيّة بوقاحة إلى الدّرجة التي تحيّر الإنسان. لم يهتزّ لهم جفنٌ ولم يمنعوا هذا الكيان المتحجّر والوحشيّ من عمله بل راحوا يقوّونه ويشجّعونه ويدعمونه! لقد دعمته أمريكا علانيّةً، وكذلك إنكلترا وفرنسا. هؤلاء هم زعماء العالم الاستكباريّ. هؤلاء هم الذين ليس للشعوب المسلمة عدوٌّ أشدّ عنفاً وكراهيّةً منهم في أعماق القلوب. هؤلاء هم الذين دعموا الكيان علانيّةً. ويمكن للإنسان أن يدرك مقدار التوجّه إلى الأخلاق والمعنويّات في العالم الاستكباريّ من خلال هذه الحادثة.

 

كم هم بعيدون عن الإنسانية! ها هم يدعمون سياسيّاً من أجل أغراضهم السياسيّة الفاسدة، فلماذا إذاً يطبّلون بحقوق الإنسان؟! فهل يبقى لأمريكا حقٌّ في أن تتحدّث عن حقوق الإنسان وهي التي لن تتّخذ أيّ موقف مقابل هذه الحركة العنيفة والوحشيّة بل تدعمها؟ هل يحقّ لهم أن يحاكموا الشعوب والدّول؟ ليس هذا إلّا وقاحة مضاعفة. هكذا هي فرنسا وهكذا هي إنكلترا. إنّ سوابقهم في مجال التعامل مع العالم الإسلامي والجرائم التي ارتكبوها والفظائع والمجازر التي افتعلوها والضغوط التي صبّوها على رؤوس الشعوب المسلمة، كلّ هذه لا تُمحى من ذاكرة الشعوب المسلمة، وها هم اليوم يدافعون عن كيانٍ سبعيّ وحشي كالكيان الصهيونيّ. هذا أيضاً أحد أبعاد هذه القضيّة.

سلوك الدول العربيّة والإسلاميّة
البعد الآخر للقضية هو سلوك الدول العربية والإسلامية والذي لم يكن سلوكاً مناسباً، فبعضهم اكتفى بالكلام وبعضهم حتّى أنّه لم يتكلّم ولم يدِن! أولئك الذين يدّعون الإسلام ويطلقون الدعوة إلى وحدة المسلمين وهداية العالم الإسلامي كان ينبغي في مثل هذا الموقف أن يظهروا أنفسهم. في القضايا المختلفة التي تؤمّن أغراضهم السياسية فإنّهم يتدخّلون بكلّ سخاء، ولكن لأنّ الطّرف هنا هو أمريكا وإنكلترا فإنّهم ليسوا مستعدّين حتّى ليصدروا إدانة، أو أنّهم يكتفون بالدّعم الكلامي الذي ليس له أيّة قيمة، وهو عملٌ قليل الأثر. يجب على العالم الإسلاميّ اليوم وخصوصاً مجموعة الدّول العربيّة أن يمدّوا يد الاتّحاد إلى بعضهم البعض ويدافعوا عن هذا الشعب ويرفعوا الحصار ويسعوا لتقديم العون لأهالي غزّة المظلومين.

الاقتدار المعنويّ والماديّ معاً
بالطبع، إنّ الله تعالى منح أهالي غزّة هذا التوفيق ليقفوا باستقامةٍ وصمود مقابل هذا العدوّ العنيف والمتوحّش. وقد نالوا نتيجة صمودهم هذا، وكان عبارة عن عزّة أهالي غزّة. لقد أظهروا أنّهم بالصمود والمقاومة والسعي الحثيث يمكنهم أن يتغلّبوا رغم حجمهم الصغير على الحجم الكبير المعقّد والمسلّح والمدعوم من قبل القوى الكبرى. إنّ الصهاينة المحتلّين لفلسطين في يومنا هذا هم أكثر تحيّراً من أهالي غزّة ومسؤوليها من أجل وقف إطلاق النّار. لقد ارتكبوا الجريمة وصدر عنهم ذاك اللؤم والوحشيّة. لكن ها هم يتلقّون الضربة الأكبر بسبب صمود هذه المجموعة الصغيرة المسلمة لأهالي غزّة وشبابها، ولا يوجد طريقٌ غير هذا. إنّ هذا هو نداءٌ لكلّ العالم الإسلاميّ لأنّه إذا أراد أن يبقى مصوناً في مقابل هجمات الأعداء وعداواتهم ومؤامراتهم ولؤمهم وتعسّفهم يجب أن يدافع عن نفسه بكلّ اقتدار. يجب أن يحقّق الاقتدار في نفسه؛ سواءٌ الاقتدار المعنوي الذي هو عبارة عن قدرة الإيمان والعزم والإرادة أم الاقتدار المادّي. إنّ التطوّر العلميّ هو قدرة ماديّة وكذلك التجربة والتكنولوجيا. إنّ القدرة على صناعة وسائل العيش وأسبابه، أهمّ من السلاح وغيره، هو اقتدارٌ مادّيّ. يجب عليهم أن يؤمّنوا مثل هذه الأمور للعالم الإسلامي ومجتمعاته. فمن يكن هناك بصغر حجم غزّة يتحمّل الصّعاب ويقدّم الشهداء لكنّه يفعل بالعدوّ كما ذكرنا بحيث إنّ هذا العدوّ يصبح أكثر تحيّراً في البحث عن وقف إطلاق النار في غزّة من مسؤولي غزّة أنفسهم وأهاليها. ومثل هذا درسٌ للعالم الإسلامي ونحن بالطبع تعلّمنا هذا الدرس من مرحلة الدفاع المقدّس. بحمد الله إنّ شعبنا وشبابنا وعلماءنا وأهل الخبرة فينا قد تقدّموا في هذا المجال. فقد تقدّمنا من الناحية العلمية وكذلك تطوّرنا بلحاظ التجارب والخبرات. لقد أدركنا هذه الحقيقة وهي أنّه ينبغي أن نقف على أقدامنا، وهذا بذاته من عوامل الصمود.

وصّيتنا: الاتّحاد ووحدة الكلمة
والاتّحاد الاتّحاد؛ قضية الاتحاد هذه ووحدة الكلمة بين المسلمين والأمة الإسلامية من جهة، وبين الشعوب المسلمة في كل بلد، الاتّحاد فيما بين الشعب نفسه بكل شرائحه، كل هذا أمرٌ مهمّ. وهذا الأمر يصدق علينا أيضاً. ما ذكرناه مراراً للأجنحة السياسية والمسؤولين المحترمين حول حفظ الوحدة ولأولئك الذين لديهم منابر سواء الجرائد أم مواقع الإنترنت أم المنابر المختلفة للأجهزة التنفيذية وغيرها. وصيّتنا دائماً للأعزاء والأخوة والمسؤولين وأصحاب القلم وأصحاب البيان حول قضية الوحدة هي أنّ هذه الوحدة عنصر عظيم. وقد حُفظ الاتّحاد الذي كان موجوداً لحسن الحظ عند شعبنا ـ حيث إنّ هذه الاختلافات المتعدّدة لم تتمكّن لحسن الحظ من تقسيم الشعب ـ وقد كان هذا الانسجام محفوظاً في مستوىً عال.

يوجد اختلافٌ بين المسؤولين في السلائق، لكن ما لم ينتهِ هذا الاختلاف إلى النّزاعات فلا إشكال فيه. إنّ هذا الاتّحاد والتعاضد هو الذي تمكّن من حفظ هذا البلد كبلدٍ مقتدرٍ أمام أعين الأعداء. والآن الأمر كذلك. قبل مدّة أوصيت بالاتّحاد والوحدة، ولحسن الحظّ تجاوب المسؤولون المحترمون للسّلطات الثلاث، وكان الأمر مهمّاً جدّاً. ينبغي أن نشكرهم. استجاب مسؤولو السّلطات الثلاث وأكّدوا على الاتّحاد فيما بينهم في المجالات المختلفة رغم وجود الاختلاف في السلائق والاختلاف النظري. وإنّ هذا الاتحاد سوف يبقى. وإنّنا نتقبّل هذا الأمر من الإخوة الأعزّاء وهؤلاء المسؤولين المحترمين كحركة إيجابية، ونعتقد أنّ عملهم هذا هو حركة جيّدة وعليهم الآن أيضاً أن يراقبوا تصريحاتهم وكلماتهم.

المساءلة بمسؤوليّة والإجابة بثقة
إنّ هذا العمل الموجود الآن في المجلس الإسلاميّ المحترم للشورى هو أيضاً من تلك القضايا التي فيها جانبٌ يُمتدح ويُعظّم. وأقول هذا، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، ويا شعبنا العزيز، التفتوا إلى أنّ مساءلة مسؤولي البلد سواء أكان رئيس الجمهورية أم سائر المسؤولين التنفيذيين، هو عملٌ إيجابيّ من جانبين: الأوّل: أنّه يشير إلى أنّ ممثّلي الشعب في السلطة التشريعيّة يشعرون بالمسؤولية ويتحمّلونها تجاه قضايا البلد وهذا أمرٌ إيجابيّ. الجانب الآخر: هو أنّ مسؤولي البلد وبثقة بالنّفس وشجاعة معتبرة يقولون إنّنا مستعدّون لنأتي ونوضّح وأن نجيب عن الأسئلة، فهذا أمرٌ إيجابيّ أيضاً.

 

فمسؤولو السلطة التشريعيّة عندنا يعملون بتكليفهم، ويظهر مسؤولو السّلطة التنفيذيّة ثقتهم واطمئنانهم إلى صحّة عملهم وصدقهم. فماذا يريد المرء أكثر من ذلك؟ وأيّ شيء هو أفضل من هذا؟ والآن قد حصل هذا الأمر حيث يقول المجلس إنّه يريد المساءلة فإنّه يشعر بالمسؤولية، وجهاز الحكومة يقول إنّه يريد الإجابة بكامل الثّقة وأن يخرج من عهدة الجواب ـ وهذا ما قيل لنا ـ فإنّه أمرٌ ممدوحٌ، فكلا الأمرين جيّد، لكنّ هاتين النقطتين الإيجابيّتين اللتين حصلتا إلى الآن لا ينبغي أن تستمرّا أكثر من ذلك. فلينهوا هذا الأمر وهذه القضية هنا.


الحكمة والرويّة في تحمّل المسؤوليّة
لقد نجح المجلس في امتحانه وكذلك المسؤولون التنفيذيّون. إنّ هذا كان امتحاناً ناجحاً. و الناس أصحاب بصيرة ويفهمون ويشخّصون. والاستمرار في هذا العمل هو ذلك الشيء الذي يريده الأعداء. فالأعداء يحبّون أن تكون هاتان السلطتان في حالة مواجهة، فيستخدمون جماعة من هذه الجهة تحت تأثير العواطف وجماعة من طرفٍ آخر، وجماعةٌ الأقلام والوسائل الإعلاميّة؛ لإثارة الضوضاء في الجرائد وفي مواقع الإنترنت وغيرها. كلا، إنّ البلد يحتاج إلى الهدوء، يحتاج جميع المسؤولين سواء أكانوا في التشريع أم القضاء أم التنفيذ ـ ومن أجل القيام بأعمالهم ـ إلى الهدوء، والناس يحبّون الهدوء.

 

 وما كان على المجلس من مسؤولية قد أدّاها؛ وقد أظهرت الحكومة أمام المجلس ثقةً بالنفس، وكان الأمر من الجهتين مرضياً. ومن هنا أطلب من الإخوة ومن مجموعة اللجان التي تشكّلت من بضع عشرات الأفراد في المجلس وبدأت بهذا العمل، أطلب منهم أن ينهوا القضيّة ويظهروا عمليّاً أنّ مسؤولي الحكومة وكذلك مسؤولي السلطة التشريعية والسلطة القضائية يحترمون وحدة هذا الشعب وهدوء البلد أكثر من الجميع. إنّني أتشكّر كلّ الإخوة والأخوات في دائرة عمل التعبئة. وإن شاء الله يمنحكم الله تعالى جميعاً التوفيق. وأشكر الإخوة والأخوات جميعاً الذين تحدّثوا، وأملي إن شاء الله أن يجازي الله تعالى الجميع بالخير. وأشكر هذا الأخ العزيز الذي أهدانا ميداليّته. وإنّني أتقبّل هذه الميدالية منه ولكن في نفس الوقت أرجع وأهديها إليه. فالأفضل أن تبقى بيده لتبقى ذكرى بطولته وتبقى أيضاً منّا إليه. وإن شاء الله موفّقون جميعاً.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1-حديث متواتر ومشهور، ومروي في كتب عدة، منها: كامل الزيارات، ص 116، أحمد بن حنبل، ج 4، ص 172.
2-بدا التأثر واضحاً على الحضور عند حديث القائد هنا، حيث ساد جوّ من الحزن وسُمعت أصوات البكاء.
3-الميرزا جواد الملكي المعروف بالتبريزي، أستاذ الإمام الخميني قدس سره ، له كتاب المراقبات وهو من المصنفات المهمة جداً في آداب العلاقة مع الله تعالى، مرتب ترتيباً زمانياً.
4- أي الإيمان والشجاعة...
5-استخدم القائد كلمة “خلوص” أي رفع درجة النقاء والارتقاء الروحي والمعنوي (حسب سياق الكلام)
6-مصطلح عصري متداول, المقصود منه طرح الرؤى والأفكار والمشاريع.. .
7-انطلاق هتافات التكبير والدعاء.
8-نهج البلاغة، الحكمة 71.
9-أو بتعبير آخر: أن نقيس ونراقب أنفسنا بأنفسنا.

2013-04-01