يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي عند لقائه المشاركین في المؤتمر العالمي لأساتذة الجامعات

خطاب القائد

كلمة الإمام الخامنئي عند لقائه المشاركین في المؤتمر العالمي لأساتذة الجامعات فی العالم الإسلامي والصحوة الإسلامية-11-12-2012م

عدد الزوار: 42

أرحّب بكم أولاً أيّها الضيوف الأعزاء من مختلف البلدان، وكذلك الأساتذة الأعزاء المحترمين من جامعات بلادنا.

أقيمت - منذ نحو عام وإلى الآن - لقاءاتٌ ومؤتمراتٌ وملتقياتٌ عديدةٌ حول الصحوة الإسلاميّة في طهران، ولكن يظهر لي أنّ مؤتمر أو ملتقى الأساتذة يتمتّع بأهميّةٍ خاصّة؛ إذ إنّ إيجاد الأفكار والخطابات والتيّارات الفكريّة في المجتمع يحصل على أيدي خواصّ المجتمع ومفكّريه، هم الذين يستطيعون توجيه وإرشاد أفكار الشعوب نحو جهةٍ معيّنة تنقذ تلك الشعوب، كما يمكنهم - لا سمح الله - أن يوجّهوا الأفكار نحو جهةٍ تتسبّب في تعاسة الشعوب وبؤسها ووقوعها في الأسر. وهذه الثانية حصلت طوال الأعوام السبعين أو الثمانين الأخيرة في بعض البلدان، ومنها بلدنا.

صلاح الأمّة بخواصّها
هناك حديث عن رسول الإسلام المكرّم سيّدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله |يقول فيه: "لا تصلح عوامّ هذه الأمة إلا بخواصّها" قيل: يا رسول الله، ومن خواصّها؟ قال: "العلماء"1. ذكر العلماء أوّلاً، ثمّ ذكر عدّة فئاتٍ أخرى. وعليه فإنّ أساتذة الجامعات وأصحاب الوعي والفكر والنخب العلميّة في أيّ بلدٍ بإمكانهم الإمساك بزمام تحرّك الشعب وقيادته، شريطة الإخلاص والشجاعة وعدم الخوف من الأعداء. إذا كان ثمّة خوفٌ أو طمعٌ أو غفلةٌ أو كسلٌ فإنّ الأمور سوف تفسد وتتعرقل، أمّا إذا اتخذت هذه الأشياء وتوفّرت عناصر الوعي واليقظة فإنّ الأمور سوف تصلح وتتقدّم إلى الأمام.

أتخافون من أمريكا؟
في بدايات الثورة، أي قبل نحو إحدى وثلاثين سنة، توجّهت أنا وشخصان آخران - كنّا يومها أعضاء في شورى الثورة - من طهران إلى قم للقاء الإمام الخمينيّ، وكان الإمام الخمينيّ حينها لا يزال في قم، ولم يأتِ للسكن في طهران - لنسأله عن رأيه حول قضيّةٍ وخطوة مهمّتين، وحين شرحنا له القضيّة التفت إلينا وقال: هل تخافون من أمريكا؟ فقلنا له: لا، فقال: إذاً، اذهبوا وافعلوا كذا وكذا، فعدنا وفعلنا كما أوصانا ونجحنا. إذا كان ثمّة خوفٌ وهلع، وإذا كان هناك طمعٌ أو غفلةٌ أو توجّهاتٌ منحرفةٌ، فإنّ الأمور والأعمال سوف تتعقّد وتفسد.

الصحوة بداية الطريق
يواجه العالم اليوم حدثاً عظيماً، ألا وهو الصحوة الإسلاميّة، وهذه حقيقة. لقد استيقظت الشعوب والأمّة الإسلاميّة تدريجياً، ولم يعد التسلّط على الشعوب المسلمة بالسهولة التي كان الأمر عليها بعد الحرب العالميّة الأولى أو في فترة القرنين التاسع عشر والعشرين. إذا أراد مستكبرو العالم في الوقت الحاضر السيطرة على الشعوب المسلمة فسيكونون أمام مهمّة عسيرة. لقد تغلغلت الصحوة في الأمّة الإسلاميّة ونفذت وترسّخت فيها. وفي بعض البلدان تحوّلت هذه الصحوة إلى ثورةٍ غيّرت الأنظمة الفاسدة العميلة. لكن هذا جزء من الصحوة الإسلاميّة وليس كلّها؛ الصحوة الإسلاميّة واسعةٌ وعميقة.

إسلام العمل والجماهير والمبادرة
بالطبع، الأعداء يخافون من كلمة "الصحوة الإسلاميّة"، ويحاولون أن لا تُسْتَخدم عبارة "الصحوة الإسلامية" لهذه الحركة العظيمة، لماذا؟ لأنّ الإسلام حينما يظهر في هيئته الحقيقيّة وأبعاده الواقعيّة فإنّ فرائصهم ترتعد. إنّهم لا يخافون الإسلام المستعبَد للدولار، ولا يخافون من الإسلام الغارق في المفاسد والارستقراطيّة، ولا يخافون من الإسلام الذي ليس له امتداداتٌ ونهاياتٌ في ممارسات الجماهير وأعمالهم، لكنّهم يخافون إسلام العمل والفعل، إسلام المبادرة، إسلام كتل الجماهير، إسلام التوكّل على الله، إسلام حسن الظنّ بالوعود الإلهيّة، حيث قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُه [الحج/ 40].

 

 حينما يذكر اسم هذا الإسلام، وتظهر له علاماتٌ ومؤشراتٌ فإنّ مستكبري العالم يرتعدون ﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ [المدثر,50-51]؛ لذلك لا يريدون عنوان "الصحوة الإسلاميّة" أن يكون. أمّا نحن فنعتقد أنّها صحوةٌ إسلاميةٌ ويقظةٌ حقيقّيةٌ قد ترسّخت وامتدّت، ولا يستطيع الأعداء حرفها عن طريقها بسهولة.

آفات وأخطار تهدّد الصحوة
طبعاً، ينبغي دراسة الآفات والأخطار التي تهدّد هذه الصحوة، وهذه هي النقطة الأولى التي أروم ذكرها لكم. ادرسوا الآفات والأخطار التي تهدّد هذه التحرّكات التي عمّت العالم الإسلاميّ، وهذه الثورات التي حدثت في مصر وتونس وليبيا وأمثالها وانتصرت، ما هي الأخطار التي تهدّدها؟ وما هي المشكلات التي تواجهها؟ لماذا نقول إنّ ما حدث هو إسلاميٌّ بلا شكّ؟ لاحظوا شعارات الجماهير ودور المؤمنين بالإسلام في إسقاط الأنظمة الفاسدة طوال هذه الفترة. لولا المؤمنون بالإسلام والمجموعات والحشود الهائلة ذات المكانة الممتازة بين الناس والمعتقدة بالإسلام اعتقاداً راسخاً وعميقاً لما تكوّنت هذه التجمّعات العظيمة في مصر وتونس. الضغوط التي أعملتها تحرّكَات الجماهير، ومشاركتها في الساحة هدمت الصروح المتهرئة لأمثال حسني مبارك وابن علي. الجماهير الإسلاميّة هي التي وُجدت في الساحة بشعارات إسلاميّة. دور الإسلامييّن في عمليّات إسقاط الأنظمة هو بحدّ ذاته أقوى شاهدٍ على أنّ هذه الحركة حركةٌ إسلاميّة. وبعد ذلك ما إن حان دور التصويت حتى قامت الجماهير بالتصويت للإسلاميّين وعزّزوهم ورجّحوهم. وأقولها لكم: إذا أقيمت انتخاباتٌ جيّدةٌ حرّةٌ في أيّ مكانٍ من العالم الإسلاميّ - وقد تكون لذلك بعض الاستثناءات القليلة - ويشارك القادة والسياسيّون الإسلاميون فيها فإنّ الشعوب ستمنحهم أصواتها. هكذا هو الحال في كلّ مكان. إذاً، التحرّك هو تحرّكٌ إسلاميٌّ بلا ريب.
 


تبيين الأهداف
قلنا ينبغي أن تدرسوا الآفات والمخاطر. وإلى جانب ذلك لا بدّ من تبيين الأهداف وشرحها؛ إذا لم تتّضح الأهداف فستكون هناك حيرة واضطراب. ينبغي تبيين الأهداف. من أهمّ أهداف هذه الصحوة التحرّر من شرور هيمنة الاستكبار العالمي. ينبغي ذكر ذلك بصراحة. من الخطأ التصوّر أنّ الاستكبار العالمي بزعامة أمريكا يمكن أن يتصالح مع الحركات الإسلاميّة. إذا كان ثمّة إسلامٌ وإسلاميّةٌ وإسلاميّون فإن أمريكا ستحاول بكلّ ما أوتيت من قوّة أن تقضي عليهم، بالطبع، ستبدي لهم ابتساماتها في ظاهر الأمر. ليس أمام الحركات الإسلاميّة من طريقٍ سوى رسم حدودها الفاصلة. لا نقول يجب أن يسيروا لمحاربة أمريكا، بل نقول ينبغي أن يعلموا ما هي مواقف أمريكا والاستكبار الغربيّ منهم. يجب أن يشخّصوا ذلك بدقّة، وإذا لم يحصل هذا التشخيص فسوف يقعون في شرك خداعهم وحيلهم بالتأكيد.

الاستكبار العالمي،فراغ الرؤية
الاستكبار العالمي يحكم في العالم اليوم بأدوات المال والسلاح والعلم، لكنّه يعاني من فراغ فكريٍّ وتوجيهيّ، يعاني الاستكبار العالمي اليوم من هذه المشكلة الكبرى؛ إذ ليست لديه أفكارٌ للبشرية، ليست لديه أيّة فكرة لعرضها على عموم الشعوب وإرشادهم إليها، كما ليست لديه أفكارٌ للخواصّ والمثقّفين منهم. أمّا أنتم فلديكم أفكارٌ؛ لأنّ لديكم الإسلام. حينما يكون لنا فكرنا وخارطة طريقنا، نستطيع أن نرسم أهدافنا ونصمد. وفي هذه الحالة فإنّ أسلحتهم وعلومهم وأموالهم لن يعود لها التأثيرات نفسها التي كانت في الماضي. وهي طبعاً ليست عديمة التأثير، إنما ينبغي لنا أن نفكر بما يحبطها - وسوف نتناول هذا الجانب إن كان ثمة وقتٌ - لكن المهم بالدرجة الأولى هو أن تكون لنا أفكارنا وخارطة طريقنا وإيديولوجيتنا، ونعلم ما الذي نريد أن نفعله. يتعيّن رسم الأهداف.

أهدافنا الإسلاميّة
1- محوريّة الإسلام
من الأهداف المهمّة التي يتوجّب الاهتمام بها في هذه الثورات هو عدم خروج الإسلام عن المحوريّة. يجب أن يكون المحور هو الإسلام. الفكر الإسلاميّ والشريعة الإسلاميّة يجب أن يكونا محوراً. هم حاولوا أن يوحوا بأنّ الشريعة الإسلاميّة لا تتناغم مع التقدّم والتطوّر والتحضّر، وما إلى ذلك، هذا كلام العدو. كلا، الإسلام ينسجم تماماً مع التقدّم، ليسوا قلائل في العالم الإسلاميّ أولئك الذين استطاعوا بروح التحجّر والرجعيّة والجمود وعدم القدرة على الاجتهاد أن يكرّسوا ويثبّتوا كلام العدو هذا بشكل من الأشكال. إنّهم مسلمون، ولكن في خدمة الأعداء. لدينا من هذا القبيل في أطرافنا في بعض البلدان الإسلاميّة، واسمهم مسلمون، لكنّ المرء لا يشاهد فيهم ذرّةً من الفكر الجديد والفهم الجديد للمعارف الإسلاميّة. الإسلام للعالم وللدنيا إلى الأبد ولكل القرون، ولكلّ فترات التقدمّ البشري. إنّه يلبّي احتياجات البشر في كلّ هذه العصور. ينبغي أن نجد الفكر الذي يكوّن ردّ الإسلام وجوابه عن هذه الاحتياجات. بعض الناس لا يحملون هذا الفكر، ولا يحسنون سوى تكفير هذا وتفسيق ذاك، ويسمّون أنفسهم مسلمين، وفي النهاية يلاحظ المرء أحياناً أنّهم يتحالفون مع مرتزقة العدو! لنجعل الشريعة الإسلاميّة والفكر الإسلاميّ محور نشاطاتنا، هذا أحد الأهداف.

2- بناء النظام وفق رؤية
ومن الأهداف الأخرى بناء النظام. إذا لم يجر بناء نظامٍ في هذه البلدان التي ثارت، فإنّ الأخطار ستحدق بها. ثمّة تجربةٌ في بلدان شمال أفريقيا تعود إلى ما قبل ستيّن أو سبعين عاماً، أي في أواسط القرن العشرين. حصلت ثورةٌ ونهضةٌ في تونس نفسها، وتولّى الأمور بعض الأشخاص، وحصلت في مصر ثورةٌ وانقلابٌ ونهضة، وتولّى الأمور أشخاص - وكذا الحال في أماكن أخرى - لكنّهم لم يستطيعوا بناء أنظمة، وحين لم يبنوا أنظمةً فقد أدّى هذا لا إلى زوال تلك الثورات وحسب، بل وحتى الذين تولّوا الأمور باسم الثورات تبدّلوا وتغيّروا رأساً على عقب. حدث هذا في تونس وحدث في مصر وحدث في السودان. يومذاك في حدود عام 1343 أو 1344 أو 1345هـ .ش. (1964 أو 1965 أو 1966م ) كنت مع بعض الأصدقاء في مدينة مشهد نستمع لإذاعة صوت العرب - وصوت العرب إذاعةٌ مصريّة تبثّ من القاهرة - وكانت تبثّ خطابات جمال عبد الناصر ومعمّر القذافي وجعفر النميري الذين اجتمعوا في مكانٍ واحد. كنّا نُسحق في مدينة مشهد تحت ضغوط الاستبداد والدكتاتورّية، ويتملّكنا الحماس والغبطة والهياج من هذه الكلمات الملتهبة الشديدة، وحينما فارق عبد الناصر الحياة رأيتم ماذا فعل خلفاؤه، وشاهدتم ما الذي آل إليه القذّافي، والنميري أيضاً واضح ما آل إليه. وقد تغيّرت هذه الثورات نفسها، إذ كان يعوزها الفكر ولم تستطع بناء أنظمة. يجب بناء أنظمةٍ في هذه البلدان التي ثارت. يتحتّم تشييد أرضيّةٍ قويّة. هذه من المسائل والقضايا المهمّة.

3- الحفاظ على الجماهير

من القضايا المهمّة الأخرى الحفاظ على دعم الجماهير ومساندتهم. يجب عدم الانقطاع عن الناس. لدى الناس توقّعاتهم ومطالبهم واحتياجاتهم. والقوّة الحقيقّية هي بيد الجماهير والشعوب، حيث يجتمع الناس ويتآلفون، ويكونون قلباً وتوجّهاً واحداً خلف المسؤولين وقادة البلد. هناك لن تستطيع أمريكا ولا الأكبر من أمريكا أن يرتكب أيّة حماقة.

 يجب الحفاظ على الشعب وحضوره ومساندته، وهذا ما تستطيعونه أنتم.. ما يستطيعه المثقّفون والكتّاب والشعراء وعلماء الدين. والأكثر تأثيراً هم علماء الدين الذين يتحمّلون واجباتٍ جسيمة. ينبغي أن يبيّنوا للناس ويشرحوا لهم ويوضّحوا ما الذي يريدون، وفي أيّة مرحلةٍ في هذا الطريق يسيرون، وما هي الموانع والعقبات، ومن هو العدوّ، ويجب أن يحافظوا على وعي الجماهير وبصيرتهم، وعندها لن تنزل أيّة نازلةٍ ولن تصاب المسيرة بأية أضرار.

4- التربية العلمية للشباب

وقضيّة أخرى هي التربية العلميّة للشباب. يجب على البلدان الإسلاميّة أن تتقدّم من النواحي العلمّية والتقنّية. ذكرت أنّ الغرب وأمريكا استطاعوا بفضل العلم السيطرة على بلدان العالم، وكان العلم من أدواتهم في ذلك، وقد اكتسبوا الثروة عن طريق العلم، وطبعاً فقد اكتسبوا بعض الثروات عن طريق الخداع والخبث والسياسة، لكن العلم كان مؤثراً أيضاً. يجب اكتساب العلم. هناك رواية تقول: "العلم سلطان من وجده صال، ومن لم يجده صيل عليه"2،

 

 يجب اكتساب العلم. حين تكسبون العلم ستتمتّعون بقبضاتٍ قوّية، وحين تفقدون العلم فإنّ أصحاب القبضات القويّة سيلوون أيديكم. شجّعوا شبابكم على العلم، هذه عمليّة ممكنة، وقد قمنا بها نحن في إيران. كنّا قبل الثورة في المراتب العلمية الأخيرة في العالم، ولا أحد ينظر لنا. لكن في الوقت الحاضر- وببركة الثورة والإسلام والشريعة الإسلاميّة - يقول المختصّون بالتقييمات العلمّية في العالم وينشرون أنّ إيران حالياً تحتلّ المرتبة العلمّية السادسة عشرة في العالم. هذه إحصائيّات تعود إلى ما قبل أشهرٍ مضت. وقد خمّنت هذه المراكز العلمّية نفسها وقالت إنّ إيران بعد عدّة أعوام - وقد حدّدوا عدد الأعوام فقالوا عشرة أعوام أو اثني عشر عاماً مثلاً - ستصل إيران إلى مرتبةٍ من رقمٍ واحد، قالوا إنّها ستتبّوأ المرتبة الرابعة في العالم، والسبب في ذلك يعود إلى أنّ سرعة التقدّم العلميّ في إيران عاليةٌ جداً. وبالطبع، لا نزال متأخرين عن العالم كثيراً، سرعتنا أكثر من متوسّط السرعة العالميّة بأضعاف، لكنّنا لا نزال متأخرين، ولو واصلنا هذه السرعة فسوف نصل إلى المراتب المتقدّمة. يجب أن تتواصل هذه الحركة في العالم الإسلاميّ. البلدان الإسلاميّة ذات مواهب وقدرات، وهناك شبابٌ صالحون يمّثلون مواهب جيّدة. ذات يومٍ من أيام التاريخ كان العلم في العالم بأيدي المسلمين، فلماذا لا يكون اليوم أيضاً؟ لماذا لا نتوقّع ونرجو أن يكون العالم الإسلاميّ بعد ثلاثين عاماً مرجعاً علمّياً في العالم، يراجعه الجميع لاكتساب العلوم؟ هذا مستقبلٌ ممكنٌ يتطلّب منا الهمم والجهود. هذا كله يحصل ببركة الإسلام والثورة. لقد أثبت النظام الديني أنّ بوسعه أن يحوز على سرعةٍ أكبر.

الوحدة ونبذ الاختلاف
قضيّة أساسيّة أخرى هي قضيّة الوحدة. أقولها لكم اليوم، أيّها الإخوة والأخوات... الأداة التي يمكنها أن تكون فعّالة بيد أعدائنا فيستغلونها أقصى استغلالٍ هي الاختلافات، اختلافات الشيعة والسنّة، والاختلافات القومّية، والاختلافات الوطنيّة، وحالات التباهي الخاطئة. إنّهم يضخّمون قضّية الشيعة والسنّة، ويحاولون أن يخلقوا الخلافات. تلاحظون أنّهم يبثّون الخلافات في البلدان الإسلاميّة وفي هذه البلدان الثائرة نفسها، ويخلقون الخلافات في مناطق أخرى من العالم الإسلامي. الكلّ يجب أن يتحلى باليقظة والوعي. الغرب وأمريكا أعداء العالم الإسلامي، ويجب النظر إلى تحركاتهم بهذه العين. إنهم يحرّضون، ومنظّماتهم التجسّسيّة تعمل وتنشط، ويمارسون التخريب أينما استطاعوا، مارسوا العرقلة في قضيّة فلسطين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وقد فشلوا طبعاً. إننّا نتقدّم إلى الأمام، والعالم الإسلامي يتقدّم إلى الأمام.

فلسطين القضيّة
قضّية فلسطين الأخيرة. هذه قضيّة على جانب كبير من الأهميّة. وقعت لمدّة ثمانية أيام حربٌ بين غزّة وبين الدولة الصهيونيّة التي تدّعي أنّ لها أقوى جيشٍ في المنطقة. وحينما أرادوا وقف إطلاق النار كان الفلسطينيون هم الطرف الذي وضع الشروط لوقف إطلاق النار. هل هذا شيءٌ يصدّق؟ لو قيل لكم هذا قبل عشرة أعوام، من كان سيصدّق أنّه ستحدث ذات يومٍ حربٌ بين الفلسطينيّين - وليس جميع الفلسطينيين، بل جزءٌ من الفلسطينيّين هم أهالي غزّة - وبين الكيان الصهيوني، يضع فيها الجانب الفلسطيني الشروط لوقف إطلاق النار؟ بارك الله في الفلسطينيين، بارك الله فيهم، بارك الله في حماس والجهاد والكتائب المجاهدة التي قاتلت في فلسطين وفي غزّة، وأبدت عن نفسها الشجاعة، هذه هي الشجاعة.

 

 إنّني من جانبي أشكر كلّ المجاهدين الفلسطينيين للتضحيات التي أبدوها والجهود التي بذلوها والصبر الذي أبدوه، ورأيتم ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح/ 5- 6]. إذا صبرنا فإنّ صبرنا يجعل الله يمنّ بالفرج علينا. صبروا وقاوموا ومنّ الله تعالى بالفرج. هذا درس. هذا درس لهم ودرس للآخرين. لا تستهينوا بالوحدة بين المسلمين، هذه قضيّة على جانبٍ كبيٍر من الأهمّية.

ثورة البحرين والصمت المريب
النقطة التي أشار لها إخوة من البحرين هنا - صمت العالم الإسلاميّ حيال البحرين - نقطةٌ حقيقّيةٌ. ما يجعل بعض الناس يصمت في هذا الإطار هو للأسف هذه القضايا المذهبّية الطائفيّة؛ أي إنّ الشعب إن ثار على حكومة فاسدة فيجب الدفاع عن ذلك الشعب، إلاّ إذا كان ذلك الشعب شيعيّاً - مثل البحرين - فيجب عدم الدفاع عنه! هذا منطق يحمله بعض الناس. يجب ترك هذه الأمور والاعتبارات جانباً. يجب معرفة العدو، ويجب معرفة أدواته وحيله، ومن أين يدخل. وقد اتّخذنا موقفنا في سورية من هذه الزاوية. إننّا لا نوافق على سفك قطرة دمٍ واحدةٍ من أنف أيّ إنسانٍ مسلم، ويؤلمنا ذلك، إنّما نقول إنّ الذين يجرّون سورية للحرب الداخليّة هم المذنبون. المذنبون هم الذين جرّوا ويجرّون سورية نحو الخراب والحرب الأهليّة. مطالب الشعوب يجب أن تعالج كلّها بالطرق المتعارف عليها والعاديّة، ومن دون مثل هذا العنف. نرجو أن يهدينا الله تعالى جميعاً، وأن يبارك في تحرّكاتكم، ويأخذ تعالى هذه الصحوات العظيمة في العالم الإسلاميّ إلى مستقبلٍ مشرقٍ نيّرٍ مباركٍ للأمّة الإسلاميّة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1-المواعظ العددية، ص 125.
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 20، ص 319.

2013-04-01