كلمة الإمام الخامنئي عند لقاء مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية
خطاب القائد
كلمة الإمام الخامنئي عند لقاء مسؤولي النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية-29-01-2013م
عدد الزوار: 61
ذكرى مولد رسول الإسلام المكرّم صلوات الله عليه وآله 17 ربيع الأوّل 1434هـ
أبارك هذا العيد السعيد والعظيم لجميع الحاضرين المحترمين والضيوف الأعزّاء الذين
شرّفونا في هذا المكان من باقي الدّول، وسفراء الدول الإسلاميّة، وكذلك لجميع أبناء
شعب إيران العظيم الذين أثبتوا بالعمل حبهم لمقام النبوّة وثباتهم عليه. كذلك أهنئ
جميع أبناء الأمّة الإسلاميّة الذين يستشعرون وحدتهم وانسجامهم حول محور الاسم
المبارك لنبيّ الإسلام. وأبارك أيضاً بهذا العيد السّعيد لكلّ أحرار العالم، وذلك
لأنّ بُشرى مولد النبيّ والبركات الإلهيّة الحاصلة جرّاء مولده العظيم هي في
الحقيقة بُشرى لكلّ أحرار العالم؛ ولكل الذين يسعون خلف الحرّيّة والعدالة والوصول
إلى القيم الإلهيّة السامية.
ربيع الأول ربيع الحياة
يعتقد بعض أهل المعرفة 1 والسلوك المعنويّ أنّ شهر ربيع الأوّل هو ربيع
الحياة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ذلك لأنّه في هذا الشهر قد وُلد النبيّ الأكرم
بوجوده المقدّس وكذلك حفيده الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصّادق. وولادة
النبيّ هي مبدأ جميع البركات التي قدّرها الله تعالى للبشريّة. نحن الذين نعتبر
الإسلام وسيلة سعادة البشريّة وطريق نجاة الإنسان نؤمن بأنّ هذه الموهبة الإلهيّة
حاصلة من الوجود المبارك للنبيّ الذي يصادف في هذا الشهر. وواقعاً، يجب اعتبار هذا
الميلاد العظيم مبدأ جميع البركات التي قد أنزلها الله تعالى على المجتمع الإنساني
والأمّة الإسلاميّة وأتباع الحقيقة.
الارتباط المعنويّ والقلبيّ
إنّ مجرّد الاحتفال ليس كافياً، ففي الدرجة الأولى يجب أن نزيد من قوّة ارتباطنا
القلبيّ بالنبيّ. ويجب على العالم الإسلاميّ أن يزيد من قوّة ارتباطه المعنويّ
والقلبيّ والعاطفيّ بالنبيّ المكرّم يوماً بعد يوم، فهذه هي القضيّة المشتركة بين
جميع مسلمي العالم. أولئك الذين تخفق قلوبهم من أجل تشكيل الأمّة الإسلاميّة يجب
عليهم أن يعتمدوا على هذه القضيّة: وهي الارتباط المعنويّ والعاطفيّ بوجود النبيّ
المقدّس. أي في الدّرجة الأولى أن يكون العزم على اتّباعه في جميع الأمور وبصورة
جدّيّة. ففي الآيات القرآنية الكريمة تمّ التفصيل بشأن أخلاق النبيّ وسلوكه
السياسيّ وطريقة حكمه ومشاعره تجاه النّاس , سواءً كانوا مسلمين أم غيرهم. فتربية
الصّحابة الأجلّاء وسلوكهم يدلّ على تلك الجّهة التي ينشدها الإسلام والنبيّ في
قضيّة تعليم الأمّة الإسلاميّة وتربيتها. يجب علينا أن نطبّق هذه الأمور في حياتنا
ولا يكفي مجرّد القول والكلام.
بذرة الصحوة
وأمنيات الشعوب
لقد تحقّقت الأرضيّة اليوم لهذه القضيّة. فالصحوة الإسلامية واقعٌ قد حصل. فبعد
عقود متمادية من هيمنة أعداء الإسلام وأعداء المسلمين على المجتمعات الإسلاميّة ـ
سواء بصورة الاستعمار المباشر أم بصورة الاستعمار الجديد، والاستعمار غير المباشر
سواء بصورة الهيمنة الثقافية أم التسلّط الاقتصاديّ أم الهيمنة السياسيّة ـ فبعد
كلّ هذه السنين المتمادية التي عانت فيها الشعوب المسلمة من الضغوطات الهائلة
للسلطات الغربية والحكومات الأوروبية والأمريكية على بلدانهم، تفتّحت نواة الصحوة
واليقظة الإسلامية ونمت تدريجياً وها هي الآن تظهر نفسها. يشعر أبناء العالم
الإسلاميّ اليوم أنّ طريق عزّتهم ووسيلة رفعتهم واستقلالهم هما الإسلام. فببركة
الإسلام يمكن أن تتحقّق جميع الأمنيات الوطنيّة لأيّ شعب في العالم الإسلاميّ.
وببركة الإسلام يمكن للشعوب الإسلاميّة أن تقف في مقابل الهيمنة الغربيّة وتكبُّر
حكوماتها، وفي مواجهة تسلّطهم الظالم وفي مقابل استغلال هذه الحكومات الغربيّة
واستكبارها.
الشعوب الإسلامية على طريق الانتصار
والغرب مجبرٌ على التراجع. ها أنتم تشاهدون اليوم هذه التّجربة في العالم الإسلامي.
لقد حدث هذا الأمر قبل أكثر من ثلاثين سنة في إيران، وها أنتم تشاهدونه اليوم في
العالم الإسلاميّ وفي شمال أفريقيا. فالأقدام تتحرّك نحو الانتصار. وبالطبع يوجد
مشاكل، لكن ما دمنا يقظين فإنّ هذه المشاكل لا يمكن أن توجد سدّاً أمام طريقنا.
يقول القرآن:
﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً﴾
[آل عمران، 111]. أجل إنّهم يؤذون ويختلقون الصّعاب، لكن إذا ما عزمنا وتوكّلنا على
الله وقرّرنا التحرّك لن يمكنهم أن يوجدوا سدّاً أمام طريقاً.
ها هي الشعوب الإسلامية اليوم قد استيقظت؛ تستشعر أنّها ببركة الإسلام قادرة على أن
تثبت كلمتها في مقابل أعداء العالم الإسلاميّ وفي وجه الشبكة الصهيونية الفاسدة
المهيمنة على سياسات الدول الغربية. فلهذه الانتصارات قيمة عظيمة
﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثيرَةً
تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ﴾
ـ فهذا قسمٌ من الوعد الإلهيّ الذي تحقّق ـ
﴿وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ
آيَةً لِلْمُؤْمِنينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقيماً﴾
[الفتح/ 20]. إنّ كل انتصار يحقّقه أيّ شعب في مواجهة الأعداء والدّعايات والإعلام
والأساليب الخبيثة يُعدّ بشارة وعلامة إلهيّة وآية ربّانيّة ـ {ولتكون آية} ـ بحيث
إنّكم إذا تحرّكتم ستصلون إلى نتيجة.
أيادي التفرقة, أهمّ سلاح الأعداء
ها هو العالم الإسلاميّ اليوم في مواجهة مؤامرات الأعداء. أقول لكم أيّها الأخوة
والأخوات الأعزّاء ـ أكنتم إيرانيين أو غير ذلك ـ : إنّ أهم ما يتوسّل به العدوّ
اليوم لمواجهة الصحوة الإسلاميّة هو إيجاد الخلافات، فيجعل المسلم يقف مقابل
المسلم، ويجعل المسلم يقتل أخاه المسلم، ويشغلهم بعضهم ببعض. فأيّ شيء أفضل لأعداء
الاستقلال الإسلاميّ من أن يشغلوا المسلمين ببعضهم بعضاً؟ فمنذ اليوم الأوّل الذي
انتصرت فيه الثورة الإسلاميّة في إيران، اتّبع هذا العدوّ سياسة إثارة الخلافات بين
شعبنا وداخل بلدنا. لكنّ الجمهوريّة الإسلامية وقفت بحزم قاطع مقابل هذه القضيّة. وقد عملوا على الخلافات المذهبيّة على مستوى الدّول الإسلامية، لكن الجمهوريّة
الإسلاميّة رفعت راية الوحدة الإسلاميّة. هذا ما أعلنّاه، وتحدّث إمامنا الجليل عن
هذا الأمر مرّات ومرّات، وأكّد شعب إيران وكرّر في زمن (الإمام) وما بعده: أننا
نؤمن بالأخوّة الإسلاميّة.
الوحدة أهم علاج مقابل حيل الأعداء
إنّنا نرفض أيّ شقاق بين المسلمين. وهذه هي النقطة المقابلة تماماً لأعمال الأعداء
الذين يستغلّون أيّة ظاهرة صغيرة من أجل إيجاد الخلافات بين المسلمين. لو نظرتم
لرأيتم اليوم كيف أنّ سياسة أعداء الصحوة الإسلاميّة في بلدان شمال أفريقيا هي
عبارة عن إيجاد الخلافات. هذه هي سياسة الاستكبار؛ أن يجعل الجميع يتنازعون
ويقتتلون.
علاج هذا المرض هو شعور الوحدة بين المسلمين، فعلى الشعوب المسلمة أن تتّحد فيما
بينها. يجب أن يتعاضد الجميع ويمدّوا أيديهم لبعضهم بعضاً داخل كل بلد أو بين
الجماعات المختلفة والمذاهب المتعدّدة والأجنحة المختلفة. وأن لا يجعلوا الخلافات
الفكرية والعقائدية والسياسيّة والسلائقية والحزبية حاكمة على تحرّكاتهم الأساسية،
كي يتمكّنوا من الوقوف مقابل العدوّ؛ فلا طريق سوى هذا. ها هم يستعملون أنواع الحيل
من أجل إيجاد الخلافات وأنتم ترون. عندما ينشغل المسلمون بالخلافات فيما بينهم تصبح
قضيّة فلسطين على الهامش، وكذلك تتهمّش عندهم قضيّة الصمود مقابل سياسة الاستكبار
و"النهب" الأمريكي والغربي، اللذين يجدان عندها فرصةً لتنفيذ مخطّطاتهم.
نفوذ العدو بحجّة الاختلافات
يشاهد اليوم أنّ الغربيين قد بدأوا بحركة جديدة في أفريقيا من أجل الهيمنة على
شعوبها وللعودة مجدّداً إلى ساحة حياتهم. فعندما تشتعل نيران الخلافات يجد العدوّ
فرصة لتنفيذ كلّ ما يريد. أنتم ترون أيّة فجائع يصنعون في جارتنا باكستان بحجّة
الاختلافات، وترون كيف يتقاتل النّاس فيما بينهم في سوريا. وتشاهدون كيف أنّهم
يخمدون صوت الشعب بصورة كاملة في البحرين؛ وهم يقاطعون شعباً من جميع الجّهات، وفي
مصر وفي المناطق الأخرى كيف يجعلون الشعب يتواجه فيما بينه. إنّها سياساتٌ يمكن أن
نجد لها دوافع شخصيّة واعتقاديّة عند الأشخاص، لكنّها على صعيد التخطيط الكامل هي
خطّة العدوّ.
الوحدة الجدية على مختلف المستويات
إنّني لا أتّهم شخصاً محدّداً بأنّه ينفّذ خطّة العدوّ عالماً وعامداً، لكنّني أقول
قطعاً ويقيناً: إنّ كلّ حركة اختلافية بأيّ شكل كانت: بين الشعوب المسلمة، أو بين
أبناء أيّة دولة، هي لعبٌ في الملعب الذي حدّده العدوّ وهي إعانة لهذا العدوّ.
يجب
أن نأخذ قضيّة الوحدة بجدّية؛ النّخب السياسيّة والدينيّة والجامعيّة والحوزويّة في
كلّ مكان بالدرجة الأولى. وعلى الجميع في بلدنا أن يأخذوا قضية الوحدة بجدّيّة.
فإيجاد الخلافات المذهبيّة بين الجماعات المسلمة المختلفة هو خطرٌ كبير. لو استطاع
الأعداء أن يشعلوا نيران الخلافات المذهبيّة في أيّ مكان فإنّ إخمادها سيكون من
أصعب الأعمال. يجب الحؤول دون حصولها؛ وهذا لا يتحقّق إلا بالمبادرة والمجاهدة
والإخلاص من قبل النّخب في أيّ بلدٍ. وعلى العلماء والجامعيين والسياسيّين وكل من
له تأثير ونفوذ أن يبيّن للناس خطّة العدوّ وينشر الوعي بين الناس فيما يتعلّق
بتفاؤل العدوّ بإيجاد الخلافات بين الناس، وبين الدول الإسلامية، وبين الأجنحة
الإسلامية، وبين السنّة والشيعة، وبين التيّارات المختلفة في المذاهب الإسلامية
المتعدّدة.
هذا هو الخطر العظيم الذي يسعى فيه الأعداء. وللإنكليز في هذا المجال باعٌ طويل.
ونحن نقرأ في سيرتهم على مرّ التاريخ ونرى أيّة أفاعيل قاموا بها من أجل إيجاد
الخلافات. فهم خبراء والآخرون يتعلّمون منهم. يسعون لإيجاد الخلافات. فيجب الحذر.
ولا ينبغي الاعتماد على المشاعر السطحية لإخماد هذه النيران؛ فمثل هذا يسوّد مصير
الشعوب، ويغرقها بالتعاسة والبؤس؛ ويجعل أعداء الإسلام والمسلمين وأعداء الاستقلال
يحقّقون ما يريدون وينفّذ خطّتهم؛ فيجب الصحوة واليقظة.
الشعار المقدّس:
عزيز عليه ما عنتّم
إنّ شعار الوحدة الإسلامية هو شعار مقدّس. فلو كان النبيّ المقدّس صلى
الله عليه واله موجودٌ بيننا اليوم فإنّه بمقتضى الآية الشريفة
﴿عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُفٌ رَحيم﴾
[التوبة/ 128] فإنّه كان ليدعونا إلى الوحدة ويمنعنا من إيجاد مثل هذه الخلافات. لو
كنّا محبّين لنبيّ الإسلام المكرّم فيجب أن نحقّق له هذه الإرادة القطعيّة.
نسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعاً لنتمكّن من العمل بما نقول.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1-قد يكون المقصود "العرفاء" لأنه يطلق عليهم أيضاً "أهل المعرفة".
2013-04-01