كلمته عند لقاء المعلّمين وأساتذة جامعات خراسان الشمالية
خطاب القائد
كلمته عند لقاء المعلّمين وأساتذة جامعات خراسان الشمالية: مصلّى الإمام الخميني في بجنورد_11-10-2012 م
عدد الزوار: 57
بسم الله الرحمن الرحيم
إنّه لقاءٌ مليء بالعظمة والرّوعة، سواء من ناحية الظاهر أم من ناحية المعنى. إنّ العدد الكبير لمعلّمي هذه المحافظة ـ معلّمي التربية والتعليم، وأساتذة الجامعات ـ يقرّ العين ويسرّ القلب. الكثير من الكلمات التي أّلقيت هنا، موزونة واحترافيّة و(خبرويّة) بالكامل. إن الإنسان ليستمتع بمشاهدة كلّ هذا الفكر الرّائع والنيّر، والكلام الموزون والخبرويّ في هذه المحافظة ـ التي هي يقيناً، من المحافظات الفقيرة في البلد مادياً ومن ناحية الإمكانات، لكنها غنية جدّاً من ناحية الاستعداد والطبيعة. ثقوا أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أنّ هذا اللقاء، كان بالنسبة لي أنا الحقير، هديّةً إلهيّة، وأنا العبد أشكر الله تعالى كثيراً، أنّني التقيت بكم وسمعت هذه الكلمات الطيبة.
إنّ من بين اقتراحات الأعزّاء ما يرتبط بالأجهزة التنفيذيّة ومسؤولي القطاعات المختلفة. وقد جرت عادتنا أن ننقل هذه الاقتراحات إلى الأجهزة والمؤسسات ذات الصلة ولا نقوم - من جانبنا - بأيّ إجراءٍ بشأنها، لكنّ بعض هذه الاقتراحات بنيويّ تأسيسيّ. وما ذكرته السيّدة المعلّمة1صحيحٌ جداّ، وموزونٌ للغاية ومنطقيّ. وكذلك بعض الاقتراحات الأخرى التي ذُكرت هنا ـ وقد دوَّنتها ـ وجميعها جدير بالبحث والتفكير والتطوير. نسأل الله تعالى أن يمنحنا توفيق القدرة على الاستفادة من نتاجاتكم الفكرية إن شاء الله، واستخدامها ـ بقدر ما يمنحنا الله من قوة وتوفيق ـ في جانب أو حيِّزٍ من إدارة المجتمع الذي يقع على عاتقنا الآن، إن شاء الله.
أشير هنا إلى نقطةٍ تتعلّق بالنشيد الجميل الذي قدّم بلحن جيّد وحوى مسائل مفيدة. وهي نقطة لا أخصّ بها هذا اللقاء فحسب، بل أرغب في أن تنتشر على مستوى الوطن والمجتمع.
إظهار الحبّ بقدره
حسنٌ، إنّ إظهار الودّ بين المسؤولين والشعب وخصوصاً النّخب، هو أمرٌ جيّد. وأن تظهر مجموعة من النّخب والمثقفين والأساتذة والمعلّمين محبّتها لخادمٍ يتحمّل مسؤوليةً، هو أمرٌ مستحسنٌ جداً، وهو لحسن الحظّ موجودٌ في بلدنا، خلافاً للعديد من مناطق العالم، وهذا من بركات الإسلام والتديّن، وهو ذو طرفين. لقد قيل: "إنّ سرّ قلّة كلامي لك، أنّني أكثر عشقاً لك"! فالحبّ بين المسؤولين أو النّخب والناس ليس من طرفٍ واحد، فالمحبّة لا يمكن، في الاساس، أن تكون من جانبٍ واحد. إذ لو لم يكن هناك انجذاب من الطّرفين، فإنّ المحبّة من جانبٍ واحد سرعان ما تنقضي وتزول. لهذا فإنّ كلّ محبّةٍ هي ذات طرفين. ما أريد ذكره هو أنه لا ينبغي أن يؤدّي إظهار هذا الحبّ الى قول أمور واستخدام عبارات فيها مبالغة ظاهرة للجميع. بالطبع، الشعر هو محلّ المبالغة، لكنّ استخدام عباراتٍ مختصّة بعظماء عالم الخلقة والمعصومين والأنبياء والأولياء عليهم السلام لفردٍ مثلي ـ أنا الصغير والناقص والحقيرـ ليس بالأمر الجيّد. لا ينبغي أن ننشر مثل هذه الثقافة في المجتمع. وإنّ حذف مثل هذه العبارات لا يتنافى أبداً مع الحبّ من الطرفين.
الصيرورة والتحوّل العميق في النفوس
حسنٌ، من بين المواضيع التي عرضها الأعزّاء ـ سواء من الجامعة، أم من التربية والتعليم ـ توجد نُكات ممتازة ودقيقة. ونحن في الحقيقة بحاجة إلى أن نجعل مجال التعليم والتربية في بلدنا أكثر تألّقاً. ما كانت قضية الثورة الإسلاميّة ونظام الجمهورية الإسلاميّة هي في السابق، وليست الآن، قضية بلد يريد منافسة البلدان الأخرى، من ناحية التطوّر والتقدّم المادّيّ والعلميّ والعسكري والسياسيّ وحسب، كما هو دأب زعماء الدّول. إنّ قضيّة الإسلام وتشكّل الحكومة في الإسلام هما قضية صيرورة، وتحوّل في عمق الإنسان. ففي أعماقنا توجد عناصر ملكوتية وتوجد عناصر سبعيّة، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ في أَحْسَنِ تَقْويمٍ، ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَل َسافِلينَ﴾ سورة التين/4-5 ففيه الاستعداد والإمكان للعلوّ والرقيّ والتسامي، وف

لقد أُمر بالقتال في القرآن والإسلام، والقتال يعني القتل؛ ومواجهة القتل، وهو استخدامٌ لائقٌ لتلك الروحيّة المودعة في الإنسان من أجل الخدمة في هداية البشر وبناء عالمٍ عامرٍ وحرٍّ ومتسام. فهذا القتال في الواقع هو بمعنى القضاء على حجب وموانع وصول الإنسان إلى القمم الرّفيعة للكرامة البشريّة والإنسانيّة. فلو تمّ ترجيح هذه الخصال والأخلاق والاستعدادات الكريمة والأسمى، فإنّ العالم سيكون عالماً جيّداً وسعيداً. ففي ذلك العالم لن يكون هناك اعتداء وتعدٍّ، ولا انحطاطٌ ودناءة، ولن تتعطّل الاستعدادات البشريّة أو تنحرف، ولن يكون فيه فقرٌ وتمييز.

أضرب هذا المثال مراراً وأقول: لو أنّكم نظرتم إلى لاعب جمباز فهل يخطر على بال شخصٍ غير رياضيٍّ وغير مرتاض أنّه يمكن لجسم الإنسان أن يتحرّك بهذه الطريقة؟ حسناً، ولكن بالتمرين يمكن لأيّ إنسانٍ ـ وإن لم يكن استثنائياً أو خارقاً أو يختلف عن غيره من الناس ـ أن يؤدّي هذه الحركات بنفسه. قيسوا على هذا جميع الطاقات الإنسانية والتي هي بالآلاف لتروا ماذا سيحصل وأيّة قدراتٍ عظيمة ستتحقّق. إنّ كلّ هذه الأمور ستتحقّق وتحدث في ذلك العالم الذي تتغلّب فيه الخصال الإلهيّة والإنسانيّة على الخصال المنحطّة. هذه هي الرسالة وهذا هو الهدف. فإذا كان هذا هو الهدف، ينبغي إذاً بذل السعي الكثير.
إنّنا ما زلنا في بدايات خطواتنا على هذا الطريق، وإن كنّا قد تقدّمنا. ليست القضية أنّنا لا نولي مثل هذا التقدّم العلميّ أهميّةً. حسنٌ، فأنتم ترون كم نفخر به، فلدينا تطوّر علميّ وتقنيّ وسياسيّ وعمرانيّ ووطنيّ، ولدينا عزّةٌ عامّة، وهي كلّها أمور مهمّةٌ جدّاً لكنّها جميعاً خطواتٌ أولى على الطريق.
قدر المعلِّم ودور التربية والتعليم
عندما ينظر المرء إلى رسالة الوطن، والرّسالة الإسلاميّة للشعب بهذا المنظار ـ والتي هي صيرورةٌ شاملة جامعة للبلاد ـ يتّضح عندها دور التربية والتعليم ودور البيئة التعليميّة، ودور التعليم العالي في بلدنا.
إنّني أقول لكم: إنّ ما هو أهمّ بكثير من التحدّث بكلمة أو كلمتين في هذا المجال أو الاستماع للأصدقاء ـ وهو أمرٌ مفيدٌ حتماً ـ هو أن يصبح احترام وتقدير وإجلال المعلّم والأستاذ في الجامعة أمراً متجذّراً، فهذا ما نحتاج إليه، وهو الغرض من إقامة هذه اللقاءات سواءٌ مع الأساتذة أم الجامعيين ـ وخصوصاً الأساتذة أو المعلّمين ـ هنا وفي طهران. إنّنا نريد أن يُعرف قدر المعلّم، سواءٌ كان معلّم التربية والتعليم أم أستاذ الجامعة. وحين يُعرف قدر المعلِّم، ففي الدرجة الأولى ينبغي على المعلّم نفسه أن يثمِّن هذا القدر قبل الجميع، ويستخدم كل طاقاته في التعليم وفي التربية، ويضاعفها باستمرار. لذا، فإنّ هدفنا الأساسيّ في هذا اللقاء هو أن نظهر احترامنا لمجموع معلّمي هذه المحافظة حديثة النشأة المستحدثة، حيث يرى المرء بحمد الله مدى عظمة هذا الأمر باللحاظ الكمّيّ والنوعيّ، سواء على مستوى معلّمي التربية والتعليم أم أساتذة الجامعات.
تشكُّل البعد الروحيّ للأطفال
توجد نقطةٌ في مطاوي كلمات أعزّائنا، تخطر في ذهني دوماً، وهي أن نهتمّ بالدرجة الأولى في بناء وتشكيل البُعد الرّوحيّ لأطفالنا. فلو استطعنا أن نشكّل الهويّة الإنسانيّة لهذا الطفل منذ نعومة أظافره، ونوجد فيه تلك الأخلاق، فإنّ ذلك سيكون، على الدوام، نافعاً جدّاً. هنالك عوارض تعقيدات تلقي بظلالها وتؤثر على الأخلاق، إلا أنه لو تمّ بناء وتشكيل شخصيّة الطفل منذ البداية، فإنّ تأثيرها سيتضاءل، وسيكون أيضاً للعوامل المساعدة دورها خلال ذلك.
لقد أشارت هذه السيّدة2 إلى مصطلح "فلسفة الإنسان"، وهذا التعبير صحيحٌ جدّاً. في يومنا هذا، نجد أنّ من الأعمال الأساسية والفروع المهمّة في الدّول المتطوّرة مادّياً في العالم هو تدريس الفلسفة للأطفال. إنّ الكثيرين في مجتمعنا لا يخطر ببالهم، من الاساس، أنّ الفلسفة هي أمرٌ مهمٌّ للطفل. فبعض الأشخاص يتصوّرون أنّ الفلسفة هي نوع من الهذر، وبعضهم يلتفت إليها في آخر عمره، لكنّ الأمر ليس كذلك. إنّ الفلسفة عبارة عن تشكيل الفكر وتعليم الفهم وتعويد الذهن على التفكّر والتفهّم، وهذا الأمر ينبغي أن يكون منذ البداية. القالب والشكل مهمٌّ. ولئن كان المحتوى والمضمون في فلسفة الأطفال جعلهم متفلسفين مهمّاً، لكنّ الأساس هو الأسلوب، أي أن يعتاد الطفل منذ بداية طفولته على التفكّر، وعلى التعقُّل. وهذا الأمر مهمٌّ جداً. وقد سُررت لأنّني رأيت تذكيراً بهذا الأمر من خلال هذه الكلمات.
تعزيز الثقة بالنفس عند الأطفال
النقطة الثانية هي الثقة بالنفس. يجب أن ننشّئ الطفل منذ البداية على أن يكون لديه ثقة بالنفس واعتقاد بهويّته. وبالطبع، إنّ هذا الأمر لا يختصّ بأطفال المرحلة الابتدائيّة. ينبغي أن يكون هذا الأمر في الثانويّات وفي الجامعات أيضاً. لقد تمّ في الماضي وللأسف تأسيس ثقافة منحرفة بالكامل في بلدنا، وما تزال آثارها باقية ـ رُغم كل هذا الإعلام الذي مارسناه منذ بداية الثورة وحتّى اليوم ـ وهي النّظر إلى الغرب بعين الاحتياج، وتضخيم الغرب وتصغير النفس في مقابله. فهذه الثقافة ما زالت موجودة وللأسف، ولم يتم اجتثاثها. كلّ ذلك لغياب الثّقة بالنفس(الاعتقاد بالنفس).
إنّ ما ترونه من زيادة الطلب على البضاعة الفلانية ذات الماركة الأجنبية التي تُعرض بسعرٍ أعلى في نفس الوقت، بين طبقةٍ اجتماعيّةٍ خاصّة، في حين يوجد بضاعة وطنيّة مشابهة لها وتكون أحياناً أفضل جودة، هو بسبب تلك النظرة، وهذا يُعدّ مرضاً وآفةً. ولو قيل إنّ فلاناً المتخصّص، قد تخصّص في الداخل ولم يسافر إلى الخارج، فإنّ هذا يؤدّي للوهلة الأولى إلى النظر إليه بصورة سلبيّة. أجل، لو أنّ هذا المتخصّص المحلّيّ، الذي درس في وطنه، استطاع بأعماله المميّزة أن يزيل هذا الاعتقاد ـ حيث إنّ هذا الأمر قد تحقّق بكثرة في السنوات الأخيرة ـ فتلك قضية أخرى. لكن ما دام يُقال إنّ ذاك قد تخصّص في الخارج، وهذا قد تخصّص في الداخل، فإنّ النظرة إليه ستكون نظرة فوقية. هذا عيبٌ.
الثقة بالنفس مقابل الثقة بالغرب
لعلّه كثيراً ما سمعتم منّي، أنا العبد، أنّني لا أعارض أبداً اكتساب العلوم من الأجانب. لقد قلت مراراً إنّه ليس من العار أن نتتلمذ على يد أحد ونتعلّ

يجب علينا تقوية الثّقة بالنفس عند شبابنا وأطفالنا. إنّني أشاهد، وأحياناً تصلني التقارير، أنّ المعلّم الفلاني في الصفّ، أو الأستاذ الفلانيّ في الجامعة يشكّك بالتطوّر العلميّ المسلَّم به. افرضوا أنّ إنجازاً قد تحقّق في مجال الخلايا

الصبر في علاقاتنا الاجتماعية
النكتة اللاحقة هي الصبر. فإنّ ما نحتاج إليه في علاقاتنا الاجتماعية هو روحيّة الصبر والحلم. وكلّ هذا الذكر للحلم في الإسلام وفي الأخلاق الإسلاميّة هو من أجل هذا. فإنّ عدم وجود الصبر يوجد الكثير من المشاكل على كافّة المستويات المتدنّية والفردية والاجتماعيّة. فلو أنّ جماعاتنا السياسية تعاطت مع بعضها بعضاً بالحلم لكان الأمر أفضل. لو أنّ أتباع هذا وذاك تعاملوا فيما بينهم بالحلم لكانت الأوضاع أفضل بكثير. إنّ التعامل بالحلم لا يعني غضّ النظر عن المساوئ والقبائح، ولا يعني عدم الاكتراث بالأصول والقيم التي نؤمن بها، بل إنّه يرتبط بكيفيّة التعاطي، ﴿ادْعُ إِلى سَبيل رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُم بِالَّتي هِيَ أَحْسَن﴾ النحل/125، فالجدال مع الآخر حول اعتقادٍ معيّن أو قضيّة مهمّة يكون بالتي هي أحسن.
التعاضد والهمّة العالية
القضيّة الأخرى، هي قضيّة التحقيق والتفحّص، والتي مرّت في كلمات أعزّائنا، أي حالة الاستفسار والاستفهام والتتبّع. والنقطة الأخرى هي العمل الجماعيّ والتعامل والتعاضد والهمّة العالية. فلنجعل الأطفال وكذلك الشباب يعتادون، منذ البداية، على النّظر إلى الأمور بهمّة عالية. يوجد العديد من القضايا التي يجب الاطّلاع عليها على مستوى العالم كلّه والنظر إليها بهذا المستوى لا بالمستوى الإقليميّ، فما بالك بالذي ينظر إليها فقط على مستوى البلد أو الولاية والمحافظة؟ هنالك قضايا يجب النّظر إليها بأفق المائة سنة3، والمائة وخمسين سنة، لا من دائرة محدودة بخمس أو عشر سنوات أو أقل. وكل هذا يستلزم وجود همّة عالية، والنّظر بمثل هذه الهمّة الرّفيعة إلى القضايا المختلفة. إنّ هذا التلميذ أو الطالب الجامعيّ الذي تقومون بتربيته اليوم سيصبح بعد عدّة صباحات بعد فترة أستاذاَ أو مديراً فعّالاً أو خبيراً مميّزاً ويكون عنصراً مؤثّراً في الحركة السياسية للمجتمع. لن تنقضي صباحات قليلة حتى يصبح عنصراً مؤثّراً في المجتمع. فقوموا بتربيته حتّى يكون في النّهاية صاحب همّة عالية.
الكتاب، وخلق بيئة المطالعة
النقطة التالية هي التفاني في العمل. إحدى مشكلاتنا هي الكسل. فقضيّة المطالعة هي قضيّةٌ مهمّةٌ. إنّ إهمال الكتاب موجودٌ في مجتمعنا. يشاهد المرء أحياناً في التلفاز سؤالا يوجّه إلى هذا أو ذاك: كم ساعة تقرأ في اليوم؟ أو كم تعطي للمطالعة من وقتٍ؟ فواحدٌ يقول خمس دقائق وآخر يقول نصف ساعة! يتعجّب الإنسان! يجب علينا أن نعوّد الشباب على المطالعة، وكذلك الأطفال بحيث ترافقهم إلى آخر العمر. إنّ تأثير المطالعة في مثل سنّي أنا العبد ـ وأنا العبد أقرأ من الكتب ما هو أضعاف ما يقرؤه الشباب ـ هو في الأغلب أقلّ بدرجات من المطالعة في سنيّ الشباب، أو في عمركم أيّها الأعزّاء الموجودون هنا. إنّ ما يبقى للإنسان دوماً هو المطالعة في السنوات الأولى. فليطالع تلامذتكم من الشباب والأطفال ما أمكن، وليتعلّموا كلّ ما يمكنهم في مختلف الحقول وبالطرق والأساليب المختلفة. بالطبع. يجب اجتناب الاستهتار في بيئة الكتاب، وإن كانت هذه القضيّة لاحقة. إنّما القضية الأولى هي أن يتعلّموا ويعتادوا على الرجوع إلى الكتاب من الأساس والنظر فيه. وبالطبع يجب على الأجهزة أن تراقب وكذلك الأشخاص، ويتولوا التوجيه نحو الكتاب الجيّد، حتّى لا يضيع العمر بالكتب السيّئة.
مؤسّسات البحث الأسريّ
النقطة الأخرى، التي ذكرتها هنا إحدى السيّدات وقد دوّنتها، هي نقطة مهمّة جدّاً: إنّ الخصائص التي نريد أن نوجدها في أطفالنا ـ لعلّها ذكرت ذلك بشأن التربية والتعليم ـ لا تتحقّق بصورة طبيعيّة بل يجب العمل عليها، فمن الذي يعمل هنا؟ إنّهم المعلّمون سواءٌ في مجال التربية والتعليم أم على مستوى الجامعات. يجب على المعلّمين أن يهيّئوا مقدّمات هذا العمل وأن يكونوا أصحاب خبرة في هذا المجال، ومثل هذا يحتاج إلى جهازٍ أعلى يحقّق هذه التربية. أجل، فهذا منطقيٌّ. ها هو الوزير المحترم للتربية والتعليم هنا، فاطرحوا هذا الأمر على الحكومة، وأنتم بأنفسكم انظروا ماذا يمكنكم أن تفعلوا على مستوى التربية والتعليم. حقّاً يقولون، نحن لو أردنا أن نوجد هذه الخصائص الجيّدة في مخاطبينا، في الصفوف الدّراسيّة، فإنّنا نحتاج لأن يكون معلّمنا عارفاً بما يقوم به. فليس الجميع على اطّلاع، بل يجب أن يتعلّموا. ينبغي إيجاد المراكز المناسبة لهذا الأمر، مثلما قيل، مؤسّسة تحقيقات ثقافية متعلّقة بالأُسَر العوائل أو ثقافة الأُسَر، فإنّ هذه من الاقتراحات التي قدّمها بعضهم وهي ممتازة وصحيحة تماماً. يجب العمل على هذه القضايا أكثر. وبالطبع إنّ هذه الأمور كانت ناظرة إلى الأمن الأخلاقيّ للأسرة، ولكنّها جميعاً متعلقة بالمدارس والجامعات.
4 ملايين طالب جامعيّ
حسنٌ، إنّ تقدّمنا في هذه المجالات التي نحبّها وفي مجمل الشريحة الثقافية والعلميّة للبلد هو، وللإنصاف، تقدّمٌ استثنائيٌّ، فلا ينبغي أن نشكّ أبداً بقدراتنا. إنّ هذا ظاهرٌ للعيان. لقد كان لدينا مع بداية الثورة، نحو 170000 طالب جامعيّ، ولدينا اليوم أكثر من 4 ملايين. لقد كان لدينا في ذاك الزمان 5000 عضو في الهيئة التعليميّة. وما زلت أذكر أنا العبد كم كان رقم خمسة آلاف يتكرّر حينها. وكانوا يدعون بعض الأعضاء يذهبون، وهم معدودون، وكان يُقال: أيّها السيّد لقد نقصنا واحد أو عشرة! أما اليوم فإنّ أعضاء هيئتنا التعليميّة أكثر بكثير من ذلك. لحسن الحظّ، لدينا اليوم عشرات الآلاف من أعضاء الهيئة التعليميّة. لدينا اليوم 200 جامعة في جميع أنحاء البلد، و2000 كلّيّة ومركز للتعليم ا

الإستعداد والإبداع
وإنّني أقول لكم: إنّ كلّ هذا التطوّر في المجالات العلميّة لم يتحقّق بسعيٍ جماعيّ شامل في نقطة خاصّة. كلّا، ففي العديد من القطاعات التي تقدّمنا فيها، وُجدت مجموعة حريصة ذات استعدادات، حصلت على قدر من الدعم من جهةٍ ما، وفجأة وصلت إلى الذروة. قبل سنواتٍ، جاء مسؤولو إحدى الدول الصديقة ـ لا أريد ذ

المرتبة الـ16 عالمياً
أمّا على مستوى العالم اليوم، فإنّ إيران قد حلّت في المرتبة الـ 16 علميّاً، فهل هناك من يصدّق ذلك؟ هذا ما تعلنه المراكز الإحصائيّة المعتبرة على مستوى العالم. وفي نفس الوقت، يتوقّع أحد المراكز أن تصل إيران عام 2018 إلى المرتبة الرابعة علميّاً على مستوى العالم. هكذا هي إمكانات البلد وقدراته. إنّ حصّة إيران في إنتاج العلم اليوم هي 2% على مستوى العالم، أي ضعفا ما يمكن لإيران أن تحقّقه في الأيام الطبيعية، وما يجب عليها أن تحوزه من حصّة في مجال هذا الإنتاج العلميّ. إنّ كل هذه أمورٌ مميّزة ومهمّة.
مضاعفة الأمل والعمل
بناءً عليه، يجب علينا أن نضاعف الأمل. هذا ما أريد أن أقوله. إنّ علينا القيام بالكثير من الأعمال على مستوى الحكومة، وعلى مستوى المسؤو

بالطبع، توجد في هذه المحافظة مشاكل على مستوى التربية والتعليم من ناحية الإمكانات وكذلك فيما يتعلّق بالجامعات. وقد قُدّمت لي التقارير أيضاً، وبيّن أعزّاؤنا في لقائنا هذا جانباً منها. وأملنا إن شاء الله أن تزول هذه المشكلات. بالطبع، نحن سننقل هذا الأمر إلى المسؤولين. فالأعمال الإجرائية وأمثالها ترتبط بالمسؤوليات الخاصّة ولا ينبغي إحداث أيّ نوع من التداخل فيما بينها. بالطبع، نحن سنؤكّد ونؤيّد وننقل ونطلب منهم أن ينجزوا هذه الأمور بالمقدار الذي تسمح لهم به إمكاناتهم.
تجنّبوا العرفان الكاذب
راقبوا في هذا السياق، أيضاً، ما يتداول من أنواع العرفان الكاذب في بيئة الشباب، فمثل هؤلاء يتسلّلون إلى الجامعات خصوصاً. إنّ أحد البرامج هو أن يتسلّل كلّ هذا العرفان الكاذب إلى داخل الجامعات، وهو من الأشياء التي تتسبّب بالشلل. فلو أنّ شخصاً أصبح أسيراً وابتُلي بهذه المنسوجات الفاقدة للأصل والأساس من هذا العرفان الكاذب ـ والتي تأتي في الأغلب من مناطق خارج البلد ـ فإنّها في الواقع ستشلّه. إنّ المعيار الذي نتبعه في حركتنا نحو السموّ المعنويّ والتقرّب إلى الله هو التقوى والنّزاهة والورع. فشبابنا ـ سواءٌ بناتنا أم أبناؤنا ـ لو كانوا منزّهين وأتقياء وسعوا للابتعاد عن المعصية وأدّوا الصلاة بتوجّهٍ واهتمام وفي وقتها ولم يقطعوا أنسهم بالقرآن، فإنّهم لن يصبحوا أسرى هذا العرفان الكاذب.
القرآن، مبعث الفتوحات المعنوية
إنّني أوصي شبابنا في الغالب بشأن القرآن. فاسعوا أن لا تقطعوا رابطتكم بالقرآن، اقرأوا كلّ يوم ولو نصف صفحة. فكلّ ذلك مقرّبٌ للإنسان ويوجد الصفاء الرّوحيّ والفتوحات المعنويّة. وتلك الطمأنينة والصبر والسكينة التي يحتاجها الإنسان ـ حيث أَنْزَلَ اللَّهُ سَكينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى التوبة/26. إنّ هذه النّعمة التي يفتحها الله تعالى على المؤمنين إنّما تحصل بما ذكرنا، فيجب السعي بالدرجة الأولى لأجل الابتعاد عن المعاصي.
البداية، تجنّب المعاصي
وعندما نقول الابتعاد عن المعاصي، لا يعني أنّ علينا في البداية أن نترك جميع المعاصي بشكل تامّ حتّى نتمكّن من الانتقال إلى المرحلة الثانية، كلّا، فإنّ هذه الأمور متلازمة فيما بينها. يجب أن نبذل الهمم والمساعي حتّى لا تصدر عنّا المعاصي، والتقوى هي بهذا المعنى. الالتزام بالتوجّه في الصلاة وفي تلاوة القرآن وأمثالها، هي الأمور التي تمنحنا المعنويات والروحانيّات وصفاء الروح، هي التي تمنحنا الطمأنينة والسكينة المطلوبة. ولا حاجة للذّهاب إلى بيوت العرفان الكاذب والماديّ والمتوهّم والتخيّلي الذي لا يوجد وراءه أيّة واقعيّة. فليلتفت الجامعيّون وشباب الثانويّات إلى هذه الأبعاد للدين والتديّن، واجعلوا التديّن عنصراً أساسيّاً لمخاطبيكم واعلموا إن شاء الله أنّ الله تعالى سيعينكم.
حسنٌ، لقد انتهى الوقت. أملنا بإذن الله تعالى هو أن يجعل كلّ ما قلنا وسمعنا مفيداً لنا، ويشملنا بتوفيقاته وإيّاكم لنتمكّن إن شاء الله من العمل بتكليفنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- إحدى المسؤولات في
السلك التربوي والتعليمي وقد ألقت كلمة بداية اللقاء. إذ عادة ما يتمّ خلال لقاءات
الإمام القائد بالمسؤولين أو النخب أو الأساتذة أو أي شريحة أخرى أن يتحدث في
البداية عدد منهم عن مواضيع ذات صلة بأعمالهم...
2- إحدى الحاضرات التي تحدثت في بداية اللقاء.
3-العهد البهلوي: الحكم الملكي الذي أعقب حقبة القاجار ولم يدم طويلاً 1925 ـ 1979م
حتى أطاحت به الثورة الإسلامية، وكان تابعاً للغرب، مطيعاً لإملاءاته. وشكّل سقوط
هذا النظام وانتصار الثورة، على يد الإمام الخميني وبمؤازرة الشعب، حلقة مفصلية
ألقت بظلالها على وضع المنطقة والعالم وما زالت (كما عبَّر الإمام القائد في
مناسبات عديدة).
4-أي أن يصبح لدى الشباب الهمّة وبعد النظر، بحيث ينظرون إلى قضايا المنطقة بمنظار
استراتيجي بعيد المدى، ولا يقتصر على النظر القريب أو من زاوية محلّية إقليمية، بل
على مستوى العالم.