يتم التحميل...

كلمته عند لقاء التعبويين لمحافظة خراسان الشمالية

خطاب القائد

كلمته عند لقاء التعبويين لمحافظة خراسان الشمالية: مصلّى الإمام الخميني بجنورد_15-10-2012م

عدد الزوار: 55

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين المكرّمين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

إنّ أبناء التعبئة الأعزّاء للمحافظة ينيرون أجواء لقائنا الحميم هذا بوجوههم النورانيّة التعبويّة، وقلوبهم التي هي أكثر نورانيّةً إن شاء الله. الأجواء هي أجواء المعنويّات والمحبّة والخلوص كسائر المجموعات والأنشطة التعبويّة.

إنّ البرامج التي نُفّذت كانت ممتازة. وهذا البرنامج الرياضيّ المحلّي1 هو يقيناً مرجّحٌ على الكثير من الأعمال التقليديّة، فهذه الرياضة هي رياضة الأبطال، وهي غنيّة بالتقاليد الإيرانيّة والإسلاميّة. ينبغي لهذه النّقاط أن تبقى في الذّاكرة دائماً، وهي أنّ ما هو لنا ومنّا قد امتزج بعقائدنا وإيماننا؛ ولو أردنا أن نعطي لكلّ ما نستورده الشكل الإيمانيّ والإسلاميّ والإيرانيّ، فيجب أن نحقن فيه هذه العناصر. ما هو مرتبطٌ بنا، هو بشكل طبيعيّ في بنيته، دينيٌّ وإيمانيّ. وجمعُ "حلقات الصّالحين"2 الذي استُعرض شيءٌ منه هنا، هو عملٌ ممتاز. وقد كان النّشيد، الذي أنشده الإخوة الأعزّاء، ممتازاً أيضاً، سواء من ناحية المضمون أم الأداء. وبالطبع، التفتوا، وأنا أيضاً أؤكّد على أنّكم عندما تقولون: "يا سيّدي، يا مولاي" فليكن مقصودكم الوجود المقدّس لإمام الزمان سلام الله عليه.

خصائص التعبئة
لقد قيل الكثير بشأن التعبئة. وعندما ندقّق فيها ونتأمّل، فإنّ ما نكتشفه من نقاط بشأنها لن يكون فيه مبالغة. كذلك الأمر في ميدان العمل، فإنّ كلّ عملٍ أو تركيزٍ نقوم به من أجل ترسيخ التّعبئة وتعميق الخصائص المتعلّقة بها ـ التي هي مختصّةٌ بها ـ فإننا لا نكون أيضا قد بالغنا بالعمل. لماذا؟ لأنّ البلد له تجربةٌ جيّدة من ناحية مشاركة التعبئة في الميادين المختلفة، سواءٌ في عصر الدّفاع المقدّس أم ما قبله، أم ما بعده، وإلى يومنا هذا؛ حيث إنّكم تعلمون تفاصيله وقد تناهى إلى مسامعكم، وأنا العبد سوف أشير إليه. أينما استشعرنا حضور التعبئة وحركتها، في أيّ ميدان كان، كان هنالك تقدّم، فهذه تجربةٌ مهمّة. في المستقبل سيكون للبلد قضايا أهم ـ لا أقول مشكلات أهم ـ ومن الممكن أن تقلّ المشاكل يوماً بعد يوم، لكنّ القضايا ستكون أهم والأعمال أكبر. نحن، كشعب، لا نريد أن نضرب سوراً حول أنفسنا، ولو فعلنا ذلك أيضاً3، فإنّ الرّشد لن يتوقف. لكنّ رؤيتنا هي رؤية واسعة، وعلى مرّ التّاريخ وفي عرض العالم، فإنّ هذه النّظرة واسعة. فشعبٌ بمثل هذه التطلّعات والآمال، وبمثل هذه الهمّة العالية وبمثل هذا الأفق البعيد، لديه الكثير من القضايا أمامه. وهذه القضايا تحتاج إلى خصائص موجودةٍ في مجموع التعبئة. لهذا، فإنّ كلّ ما يُقال حول التّعبئة ويُدقّق به ويستند ويركّز على الخصائص ويتعمّق فيها، ليس كثيراً.

التعبئة توأم الثورة
أوّلاً، إنّ التعبئة هي توأم الثّورة. ولعلّه يمكن القول، بمعنىً من المعاني، إنّ الحضور التعبويّ للنّاس هو الذي أدّى إلى انتصار الثّورة، أو إلى ظهور الثّورة وبروزها. وقد كان حضور الشباب المتطوّعين والحريصين الّذين نزلوا قبل الثورة إلى السّاحات وفي جميع الأماكن وصمدوا ـ وفي مدينة بجنورد هذه التي أنا على معرفة بها ـ حضوراً مؤثرا. لقد تراكمت هذه المساعي من سائر أنحاء البلد وأصبحت حركةً ثوريّة عظيمة للشعب الإيرانيّ. بهذا المعنى، فإنّ ولادة التعبئة كانت قبل ولادة الثّورة، لكنّ التعبئة، بشكلها الحاليّ، ولدت بانتصار الثّورة، وسوف أتحدّث عن خصائص هذه الظّاهرة المحيّرة الفريدة من نوعها. لهذا، يمكن تعريف التّعبئة على أنّها توأم الثّورة.

ظاهرة فريدة من نوعها
حسنٌ، إنّ هذه الظاهرة لا نظير لها. ولكن قد يسأل سائل ألم يكن للشعوب والثّورات الأخرى مشاركة شعبيّة بحيث تقولون إنّ مشاركة التعبئة وحضورها هو ظاهرة لا نظير لها؟ كيف لا؟ نعم، في الثّورات الأخرى، والأحداث الكبرى التي وقعت في دُول العالم، كان لجماهير الشعب حضوره، ولكن مع فارق عميق جدّاً ومؤثّر لجهة الفعالية. لو تأمّلتم في التّاريخ، لرأيتم أنّه في القرنين أو الثلاثة الأخيرة كان هناك في العالم ثورتان معروفتان بمستوى ثورتنا، إحداهما الثورة الفرنسيّة الكبرى، والأخرى الثورة الشيوعيّة في روسيا. وفي كلتي الثّورتين ـ اللتين كانتا كبيرتين وهائلتين ـ كان هناك حضور للنّاس، إلا أنّ مشاركتهم فيهما تختلف عن مشاركة التعبئة في ثورتنا. وأنا هنا سوف أذكر بعضاً من خصائص مشاركة التّعبئة وحضورها.

تشكيل منظّم، مؤمن، عامل بالتكليف
أوّلاً، لقد كان لهذه المجموعة الشعبيّة الجماهيرية، ومنذ البداية، تنظيم؛ وهذه الخاصّيّة لم تكن لغيرها. فقد ساعد هذا التّنظيم في ألّا تضلّ هذه الحركة الشعبيّة طريقها. ففي هذا التّنظيم، كانت توجد الهداية والبصيرة والمركزيّة في اتّخاذ القرارات، والإرادة الشعبيّة، وكان يُمنع التشدّد والإفراط والانحراف وصدور الأخطاء الفاحشة.

والأهمّ من ذلك خصوصيّة الإيمان، والانطلاق من الشّعور بالتكليف الشرعيّ. فأحياناً، تحرّك العواطف المحضة إنساناً أو مجموعةً أو جمعيّة أو شعباً باتّجاه ما. هذا ممكنٌ، وهو موجودٌ في العديد من الأماكن. لكنّ الذي يتحرّك بالعواطف لا تكون هدايته وزمام نفسه وحركته بيد عاملٍ معنويٍّ وداخليّ وقلبيّ؛ وسيتجاوز الحدّ في الكثير من الأوقات، ويرتكب المجازر والقتل حيث لا ينبغي، ويظلم حيث لا ينبغي. لهذا، أنتم ترون أنّ ما كتبه التاريخ ـ تاريخهم هم، لا ما نقوله نحن ـ بشأن هاتين الثورتين اللتين ذكرتهما، هو سجلٌّ مليءٌ وطافحٌ بهذه الأخطاء والانحرافات والنّزاعات، حيث كانت المجموعات المختلفة تتصارع. أجل، يوجد في المؤمن مشاعر وعواطف أيضاً، فنحن لا نتحرّك دون هذه المشاعر، ولدينا أحاسيس وعواطف وغضب، لكنّ هذه المشاعر تُضبط بإيماننا. فقد كان الشاب التعبويّ يضحّي بنفسه عندما كان يتعامل مع المرأة الأجنبيّة التي تنتمي إلى العناصر المنافقة، من أجل أن لا يمسّ بدن تلك المرأة المشبوهة4.

مثل هذه الأحداث كانت موجودة، وقد وقعت مراراً. كان التعبويّ يتمكّن بدقّة نظره أن يكشف نفاق المنافق في الكثير من الحالات. وفي بعض هذه الحالات كان الطرف الآخر امرأة، ولم يكن هذا الشاب التعبويّ مستعدّاً لتخطّي الحدود الإيمانيّة. لاحظوا، فهذا يحكي عن حضور الإيمان في هذا التعبويّ، وهذا مهمٌّ جداً. كان يؤدّي ذلك في بعض الأماكن إلى استشهاد أربعة تعبويين، لكن عندما ننظر بالنظرة الكليّة، فإنّ ذلك يعكس لنا هذا المعنى السّامي والمهمّ بشكلٍ كبير. بناءً عليه، إنّ الحركة العموميّة والجماهيريّة والمنظّمة للنّاس تتقدّم من خلال هداية الإيمان وتدخّله؛ فهذا من خصائص التعبئة.

شمولية التعبئة كلّ الشرائح
والخاصّيّة الأخرى هي أنّ جميع الشرائح مشاركة في التعبئة، فهناك ابن المدينة وابن القرية، والشاب الفتيّ، والشيخ الكبير. وكم ذكرت الإذاعات الأجنبيّة والإعلاميون المعاندون والمغرضون أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة كانت ترسل الأطفال غير البالغين إلى الحرب. أجل، كان الأطفال غير البالغين، يذهبون، لكن لم يكن أحدٌ يرسلهم، لقد كانوا يأتون باكين نائحين وبهويّة مزوّرة، بعد أن حصلوا على رضا الأبّ والأمّ بشدّة البكاء؛ ومن خلال التسلّل بين المجاهدين والاندماج بهم أوصلوا أنفسهم إلى الجّبهة. هذا واقعٌ، فقد كان الشّابّ والكبير، والمتعلّم وغيره، حاضرين ومشاركين في التّعبئة. وكذلك المثقّفون، لم يعزلوا أنفسهم. أمّا في بعض تلك التجمّعات الكبرى التي حصلت في تلك الثّورات، فإنّ جماعة المثقّفين لم يحضروا بين النّاس. لقد نقلت ذات يوم، عن مسرحيّةٍ لمثقّف، أنّ رجلاً كان ينظر من أعلى الشّرفة إلى حركة النّاس، لكنّه لم يشارك بنفسه أو يحضر بينهم. أمّا هنا فالأمر لم يكن كذلك، فقد كان العامل والمزارع والطّالب الجامعيّ والتلميذ والطبيب والكاتب المشهور والشّاعر المميّز والمتخصّص والمخترع، منتمين إلى التعبئة.

اذهبوا وانظروا في تشكيلات التعبئة، وانظروا في مدينتكم، فالأمر هو كذلك في جميع الأمكنة. جاء أحد الشباب المخترعين بالأمس إلى هنا، وعرّف نفسه على أنّه من تعبئة المخترعين. فمثل هؤلاء لا يوجد لهم نظيرٌ في العالم، تعبئة المخترعين، تعبئة أساتذة الجّامعات، تعبئة الكتّاب، تعبئة الشّعراء. فالفئات المثقّفة تشارك في هذه المجموعة العظيمة المليئة بالأسرار، التي نسمّيها نحن التّعبئة، بأشكال مختلفة. الشّاب والشيخ والمرأة والرّجل والمتخصّص في الأعمال الصّناعيّة والمتخصّص في الأعمال النفسيّة حاضرون، فهذه المجموعة تضمّ جميع أنواع البشر.

الجهوزية والمواكبة
الخاصّيّة الأخرى هي الجهوزيّة والمواكبة. حسنٌ، عزيزي! ها قد مرّت 33 سنة على الثّورة. إنّ الحضور الجماهيريّ في الثّورات المختلفة كان لا يتجاوز الشهر أو الشهرين، أو السنّة الواحدة كحدٍّ أقصى، ثمّ ينتهي بعد ذلك. وهنا، كان الّذين يريدون تنظيم الحياة والجمهوريّة الإسلاميّة انطلاقاً من التوجيهات والإرشادات الغربيّة يوصون بهذا أيضاً. كانوا في بدايات الثّورة يقولون: حسنٌ جدّاً، لقد انتهت الثّورة فليرجع الّناس إلى بيوتهم. في الثّورات الأخرى رجع النّاس إلى بيوتهم، لكن مرّ 33 سنة على ثورتنا، والتعبئة ما زالت في السّاحة وفي الميدان وبكامل الجهوزّية. أفراد ذاك الجيل الّذي انتسب إلى التّعبئة في ذلك اليوم، قد أصبحوا اليوم من متوسّطي الأعمار والمسنّين، وأضحت لحاهم بيضاء، ولهم أحفادٌ وأصهرة وزوجات أبناء، لكنّهم تعبويّون. لقد أضحوا شيوخاً، لكن هل أصبح وجه التّعبئة شيخاً؟ كلّا، أبداً. إنّ وجه التّعبئة هو وجهٌ شبابيّ. فماذا يعني هذا؟ إنّه يعني أنّ الأجيال الحديثة والمتعاقبة لم تضيّع هذا الحضور الشّعبيّ، ولم تَنْسَه.

كان هناك من يقول في ذاك اليوم: حسنٌ جدّاً، إنّ الشّابّ هو من أهل الحماس، والحرب أيضاً حادثةٌ مليئةٌ بالحماس، فإنّ ما يجرّه إلى الحرب هو الحماس. واليوم، حيث لا يوجد حرب، ولا يوجد حماس الحرب، لماذا يأتي الشّباب إلى الميدان؟! هذه هي قضايا التّعبئة. انظروا! فهذه من النّقاط الدّقيقة التي إذا وضعناها إلى جنب النّقاط الأخرى، فإنّنا سنصل إلى نتيجة وهي أنّ التّعبئة عبارة عن ظاهرة مذهلة مليئة بالأسرار والخفايا، وهي ظاهرةٌ استثنائيّة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. إنّ هذه المجموعة قد حلّت الكثير من العُقد وكان لها حضور ومشاركة في الكثير من السّاحات، وكان لحضورها تأثيرٌ أساسيّ ومصيريّ. لذلك إنّنا بحاجة لمثل هذا الحضور في المستقبل.

المفتاح الذهبيّ لحلّ المعضلات
ليتفطّن أهل التأمّل والتدبّر لماذا، نجد أنّ الشعار ضدّ التعبئة5 هو الشعار الأوّل للّذين يستلهمون كلماتهم وأنفاسهم وتحرّكاتهم من إذاعة إسرائيل؟ فهل أنّ هؤلاء أنفسهم يدركون لماذا يطلقون الشّعارات المعادية للتّعبئة أم لا؟ أنا لا أستطيع أن أحكم على هذا، لكنّ هذه هي حقيقة الأمر. إنّ هذا المفتاح الذّهبيّ لحلّ الكثير من مشكلات المستقبل، هو مبغوض من أولئك الّذين لا يريدون أن يكون المستقبل مستقبلاً جيّداً وشامخاً وناجحاً بالنسبة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة. لهذا يريدون أن يحطّموا هذا المفتاح الذّهبيّ؛ وبالحدّ الأدنى أن يحقّروه ويصغّروه في عيني وأعينكم. وبالطبع لن يتمكّنوا، وهذا واضحٌ. حسنٌ، هذا بشأن خصائص التّعبئة. وفي هذا المجال يوجد الكثير من الكلام. لقد ذكرت أنّه كلّما دقّقنا النّظر فإنّنا سوف نستخرج النّقاط، ولو أننا دقّقنا فيها ونشرناها وروّجنا لها لتصبح فكر المجتمع وثقافته فهذا لن يكون بالأمر الكثير. إنّ إمعان النّظر بالتّعبئة ـ هذه الظاهرة المدهشة التي حبا الله تعالى نظام الجمهوريّة الإسلامية ـ هي قضيّةٌ مهمّة. حسنٌ، أنتم من التعبئة. وعلى الجميع أن يفخروا أنّهم من هذه المجموعة التعبويّة. إنّ الّذي ينتسب إلى هذه المجموعة لديه امتيازات ينبغي إظهارها والحفاظ عليها. إنّ ما أقوله لكم ـ وأنتم أبنائي وشبابي ـ هو إنّ عليكم أن تحافظوا على هذه الخصائص؛ ولا تكتفوا بذلك أيضاً، بل اعملوا على تقويتها.

علينا أن نربي أنفسنا
من الخصائص الأخرى بناء الذّات. يجب علينا أن نربّي أنفسنا. أنا الشيخ المسنّ أيضاً عليّ تربية نفسي وترويضها والمحافظة عليها. إنّ حركة الشّابّ واتّخاذه للقرارات وإقدامه أسرع؛ لهذا، تكون المراقبة والمحافظة على النفس وبناء الذّات أكثر حساسيّةً. إنّ بناء الذّات هو من السّهل الممتنع؛ هو سهلٌ وكذلك صعبٌ. فلو كنّا موجدين في بيئةٍ مناسبةٍ مساعدةٍ فإنّه يصبح سهلاً. فأنتم مثلاً أصحاب التوجّه والدّعاء والتضرّع والبكاء. أحياناً، يوجد المرء في بيئةٍ تكون بيئة التضرّع والبكاء والتوجّه، وكلّ القلوب فيها متوجّهةٌ إلى الله، وكلّ العيون تذرف الدموع، فمثل هذه البيئة تسهّل على المرء الحصول على حالة التضرّع. مثل هذه البيئة مساعدة لبناء الذّات. ومن البيئات التي كانت مساعدة، الدفاع المقدّس بكافة أحواله. لكنّ البيئة المساعدة هي التّعبئة نفسها، وأنتم ضمن هذه المجموعة، وفي جوٍّ مساعدٍ لبناء الذّات في الواقع. فالتقوى ومخالفة النفس واجتناب المعاصي، وأداء الفرائض، والصّلاة كفرصة للأنس بالله تعالى، والتوجّه إلى معاني الصّلاة وحضور القلب، والتركيز في حال الصّلاة، هذه كلّها أدواتٌ لبناء الذّات.

عندما تحضرون في بيئةٍ مساعدة فإنّ وسائل بناء الذّات هذه تعينكم بنحوٍ أفضل وأكثر. وعندما يصبح الأمر كذلك، فإنّ قدراتكم الرّوحيّة سوف تزداد وكذلك استقامتكم وصمودكم وصبركم وإبداعكم وفورانكم الباطنيّ، كلّ هذه معاً. ونحن عندما لا ننزل إلى ميدانٍ ما ونشعر بالخوف والرّعب، فإنّ ما لدينا من استعداد سيبقى كامناً، لكن عندما تحطّمون هذا الرّعب وتخاطرون وتنزلون إلى الميدان فإنّ هذه الاستعدادات تبدأ بالتفتّح، هكذا يصبح كلّ مستحيلٍ ممكناً. مثلما قال اللواء نقدي6 الآن هنا، الشّابّ الفتيّ يذهب مع مجموعة معدودة أسماها هو فرقة ـ فهل أنّ مئة شخصٍ يشكّلون فرقة، أو هل أنّ مئة وخمسين نفراً هم فرقة؟، لكنّه يقول عنها إنّها فرقة! ـ يذهب إلى غرب البلد أو جنوبه مع هذه الفرقة المؤمنة أو المخلصة ليحارب جبهة العدوّ ضمن وحدة قتالية مجهّزة، وقائدٍ ذو سابقةٍ وتجارب. فهو لا يمتلك من الأدوات والوسائل سوى البدائيّ منها لكنّه يصبح مجهّزاً بأفضلها، وهو لا يمتلك التجربة القياديّة لكنّه يكون قد قاد بمقدار عمر ذاك (القائد). ويقف هؤلاء ويتواجهون (مع العدوّ)، فيغلب هذا الشّابّ ويصادر الدبّابّة والوسائل الأخرى وينتصر. وهذا كلّه إنّما يتحقّق ببناء الذّات. فلا يمكن النزول إلى هذه الميادين دون بناء الذّات.

التعبئة حضور فعال
كان بعضهم يخاف. كانوا يحكمون مسبقاً أنّه لا يجوز ـ في الأساس كانوا يقولون لا يجوز ـ وكانوا كلّما شاهدوا حضوراً للتعبئة يخالفون ويعترضون. لقد كنت أشاهد رجالاً مؤمنين مميّزين في جيشنا المنظّم يرحّبون بوجود أفراد من التّعبئة معهم؛ هذا ما شاهدته بنفسي مراراً في مرحلة الحرب، في معسكر أبي ذر، وفي الجنوب، وفي شمال الغرب. فالقائد في الجيش نفسه كان يصرّ على أن يكون معه مجموعة من التّعبئة، كان يحبّ ذلك، ويرحّب به. وهنا في طهران كانت هناك مجموعة تجلس وتتذمّر من ذهاب هؤلاء: ولماذا يذهبون من دون إجازة؟ لماذا يقدمون على مثل هذا العمل؟ كانوا ينزعجون من حضور التّعبئة. وذلك لأنّه لم يكن لديهم أمل، بل وقعوا في اليأس، وكانوا يقولون إنّه لا يمكن القيام بأيّ عمل، لكن عندما نزلوا إلى الميدان وجدوا أنّ تلك المشاركة باعثةٌ على الأمل، وهي الّتي تفتّح كلّ هذه المواهب والقابليات.

الشهيدان شمران ورستمي
إنّ نفس حضور التعبويّ في ميدان القتال يمنحه نورانيّة. كان من المعروف في أيّام الدّفاع المقدّس القول إن نور فلان قد تلألأ أو يشعّ نوراً، أي أنّه سيستشهد بسرعة. هكذا كانت نورانيّة حضور التعبويّ. هذا ما شاهدته بنفسي، وليس مرّة أو مرّتين. إحدى هذه الحالات لها ارتباط بمحافظتكم هذه، لا بأس أن أذكرها. كان هناك رائد في الجيش، وقد أدركنا فيما بعد أنّه من أهل الآشخانة7، هو الرائد رستمي 8 ـ جاء طوع إرادته بصورة تعبويّ للمشاركة في كتيبة الشهيد شمران. وقد رأيته عدّة مرّات، يأتي ويذهب. وفي إحدى الليالي كنّا جالسين مع المرحوم شمران نتحدّث بشأن قضايا الجبهة والأعمال التي سنقوم بها في اليوم التّالي، ففُتح الباب ودخل الشّهيد رستمي. وكانت قد مرّت عدّة أيّام على رؤيتي له، فرأيته وقد غطّاه الوحل من رأسه إلى أخمص قدميه. كان حذاؤه موحلاً وكذلك بدنه، وكان وجهه تعباً، وشعره كثيفاً. لكن عندما نظرت إلى وجهه شاهدته كالقمر يسطع بالنّور. وما كنت قد شاهدت هذه الحالة عليه قبل أيّام. كان قد ذهب إلى إحدى مناطق العمليّات وكانت له مشاركات كثيرة، ثم عاد ليقدّم تقريراً، واستُشهد فيما بعد. فقد كان من الجيش لكنّه جاء بصورة التعبويّ إلى الميدان وكان ناشطاً ويجاهد وله حضورٌ مليءٌ بالتضحية والإيثار ـ في مجموعة التعبئة التابعة للشهيد شمران ـ وبعدها استُشهد. لقد شاهد الكثيرون هذه النّورانيّة ونحن شاهدناها، والآخرون شاهدوا ذلك أكثر منّا. إنّ هذا ناشئٌ من ذاك الحضور الاستثنائيّ.

التعبئة إيثار وجود
هناك قضيّة موجودة في التّعبئة أيضاً وهي الإيثار. والإيثار في اللغة هو الأمر المقابل تماماً للاستئثار. فالاستئثار يعني أن نطلب كلّ ما هو مرغوبٌ لأنفسنا. وفي بعض أدعية الأئمّة عليهم السّلام هناك شكاية من المستأثرين؛ فهم الّذين يريدون كلّ شيء لأنفسهم ويسعون لجلب المصالح الشخصيّة والحصول على متعلّقات الآخرين. أمّا الإيثار فهو النّقطة المقابلة له، ففيه يتجاوز الإنسان عن حصّته وحقّه من أجل الآخرين، ويتغاضى عن حقّه لمصلحتهم. فهذه الخصوصيّة موجودةٌ في قمم التّعبئة. وأنا أقول لكم أيّها الشباب الأعزّاء اسعوا لتقوية هذه الخاصّيّة في أنفسكم. فنحن البشر نتحرّك بشكل دائم إلى جانب المزلّات، وتجذبنا كلّ الإغراءات نحوها، ونتحرّك نحو مصالحنا الشخصية التي تجذبنا. وأحياناً نكون مستعدّين لسحق حقوق الآخرين من أجل مصالحنا. يجب علينا أن نراقب أنفسنا. ومن خصائص إعداد الذّات في التّعبئة أن يتمكّن الإنسان من تقوية هذه الرّوحيّة في نفسه وتربيتها لتصبح مؤثرة، كما في تلك القمم التعبويّة التي تحدّثنا عنها. هؤلاء الذين حملوا أرواحهم على أكفّهم وذهبوا من أجل الدّفاع عن الإسلام والثّورة والإمام والبلد ومن أجل حفظ ثغوره وقاتلوا، فهل يوجد إيثارٌ أعلى من ذلك وأكثر؟ هذه هي قمّة الإيثار.

وأدنى من ذلك، غضّ النّظر التغاضيعن المصالح المادّيّة القصيرة الأجل وتجاوزها، وهي المصالح التي نراها لأنفسنا. علينا أن نسعى لغضّ النّظر عن مصالحنا الشخصيّة من أجل المصالح العامّة ومصلحة الإسلام والأهداف العليا. ولا يعني ذلك أن ندير ظهورنا للدّنيا؛ كلّا، فإنّ الدنيا هي محلّ السعي والنّشاط سواءٌ على مستوى الحياة الشخصيّة أم الحياة العامّة، سواءٌ على مستوى المادّيّات أم المعنويّات. لكن حيث نرى أنّ الوصول إلى أيّ حقٍّ شخصيّ يعني تجاوز حقوق الآخرين والتعدّي على القانون وتجاوز الإنصاف، فعلينا أن نمسك بزمام أنفسنا وأن نصرف النّظر عن كلّ ما يمكننا الحصول عليه من أجل مصلحة الآخرين، هذا ما يُسمّى إيثاراً.

البصيرة وتشخيص خطّ المواجهة
وبالطبع، من القضايا المهمّة البصيرة. أنا أقول لكم إنّ البصيرة في هذه المرحلة وفي جميع المراحل تعني أن تشخّصوا خطّ المواجهة مع العدوّ؛ فأين توجد مواجهة مع العدوّ؟ بعض الأشخاص يشتبه عليهم تحديد مكان المواجهة، فتجدهم يطلقون قذائف مدافعهم باتّجاه نقطة لا يوجد العدوّ فيها، بل الصّديق. بعضهم يعدّ منافسه في الانتخابات "شيطاناً أكبر"، إنّ الشيطان الأكبر هو أمريكا والصهيونيّة، أمّا منافسكم من التيّار الآخر فليس شيطاناً أكبر. فأنا مؤيّد لزيد وأنت مؤيّد لعمرو، فهل أعتبرك من أجل ذلك شيطاناً؟ لماذا؟ وبناءً على أيّ شيء؟ في حين أنّ كلّاً من زيد وعمرو يدّعي الثّورة والإسلام وخدمة الإسلام والثّورة. فلنشخّص خطّ المواجهة مع العدّو! أحياناً هناك من يكون في لباس الخواصّ، لكنّ حنجرته تكرّر حديث الأعداء! حسنٌ، يجب نصحه، وإذا لم يعمل بالنّصيحة فيجب على الإنسان أن يشخّص له الحدود والخطّ الفاصل. وليكن الانفصال. فلو كان المقرّر أن تقفوا بوجه الجمهوريّة الإسلاميّة وتتحدّثوا بتلك المشاعر العدائية التي يكنّها الكيان الصهيونيّ للجمهورية الإسلاميّة ـ ولو بلحن ولغة مختلفة ـ حسنٌ، فماذا تختلفون عن الكيان الصهيونيّ؟ لو أردتم أن تتعاملوا مع الجمهوريّة الإسلاميّة بذاك المنطق الذي تتعامل به أمريكا مع الجمهوريّة الإسلاميّة فماذا تختلفون عن أمريكا؟ هذه هي قضيّة الفصل. ولكن أحياناً لا يكون الأمر كذلك.

من الممكن أن تكون الخلافات عميقة وكبيرة لكن لا ينبغي للإنسان أن يخلط بين العدوّ وغيره، فللعدوّ حسابٌ ولغيره حسابٌ آخر. يجب رسم خطّ المواجهة مع العدوّ وتشخيصه وهذا ما يتطلّب البصيرة. البصيرة التي تحدّثنا عنها هي هذه. هناك جماعةٌ يأتون من هذه الجّهة، وجماعة يأتون من تلك الجّهة. هناك جماعة تعامل العدوّ معاملة الصّديق ولا تعرف نداء العدوّ لأنّه ينبعث من حجرةٍ أخرى؛ وجماعة من طرف آخر، تعامل أيّ شخصٍ يختلف معها في السليقة – ولو أدنى اختلاف - معاملة العدوّ. البصيرة هي ذاك الخطّ الوسط والخطّ الصحيح.

الانتخابات، الأساس حضور الناس
لقد جئنا على ذكر المنافس الانتخابيّ، والانتخابات قادمة، لكنها بالطبع ليست قريبة. وقد بدأ بعضهم منذ الآن بفتح باب الميدان الانتخابيّ، كلّا، نحن لا نؤيّد مثل هذا من الأساس، فلكلّ شيء وقته ومكانه، لكن مطلبنا وفكرنا وأمنيتنا في الانتخابات هو ما يلي:
الأوّل، أن تكون مشاركة النّاس في الانتخابات مشاركة عظيمة، فهذا هو الصّائن والضّامن، فعلى جميع العاملين أن يشحذوا كلّ هممهم اليوم وغداً ويوم الانتخابات وأثناء المقدّمات والمؤخّرات ليكون حضور النّاس ومشاركتهم واسعة.

الأمر الآخر الثاني هو أن نطلب من الله، وأن نفتح عيوننا أيضاً لنعمل بحيث ينتج عن الانتخابات الاختيار الجيّد المتوافق مع صلاح الثّورة والبلد ومنفعتهما. ولا يعني ذلك أنّنا إذا لم نُعجب بفلان؛ نتعامل معه بسوء الخلق والشدّة والقسوة ونخطئ بحقّه؛ كلا. أولئك الذين يرون أنفسهم مؤهّلين ومناسبين فلينزلوا إلى الميدان. نحن نريد أن ننتخب، فلننظر ونقيّم على أساس المعايير التي نؤمن بها والتي تمثّل القواسم المشتركة بيننا جميعاً. لعلّه يمكننا القول أنّ هذه المعايير هي تقريباً مشتركة بين جميع الإيرانيين المؤمنين بالثّورة. وفي أي شخص نشاهد هذه المعايير فلنسعَ ولنعمل بشكل سليم ـ كي تتوجّه الانتخابات نحو اختيار هذا الشخص.

النقطة الأساسيّة الثالثة ـ وسوف أكتفي اليوم بهذا المقدار، ومن الممكن أن يأتي كلامٌ كثير فيما بعد بشأن الانتخابات ـ هي أنّ الانتخابات تمثّل ماء الوجه بالنسبة للبلد وأساس الفخر. فليلتفت الجميع حتّى لا تكون الانتخابات سبباً لسقوط سمعة هذا البلد كما حصل في العام 88 هـ. ش. 2009م9، عندما سعت مجموعة لإظهار الانتخابات بمظهر الاختلافات وتحويل الضوضاء السياسيّ الطبيعيّ للانتخابات إلى فتنة، حيث وقف شعب إيران بالطّبع مقابلها. وكلّما حصل أمر مشابه فإنّ هذا الشعب سوف يتصدّى له.

بالطّبع، إنّ سلامة الانتخابات هي قضيّة أساسيّة ومهمّة. غاية الأمر أنّنا نفترض أن يشارك مسؤولو البلد بالوجدان الإسلاميّ والإلهيّ وتكون انتخاباتنا سليمة. في الماضي أيضاً، كنّا نفرض أن تكون الانتخابات سليمة عندما كانت تُجرى في الحكومات المتعاقبة سواء انتخابات رئاسة الجمهوريّة أم المجلس أم غيرها. وبالطّبع، من الضروريّ أن تجري المراقبة والرعاية المختلفة من جهات متعدّدة، نسأل الله تعالى أن يبارك لشعبنا العزيز مثل هذه التّجربة.

اللهمّ! أنزل رحمتك وفضلك على هؤلاء الشباب الأعزّاء.
اللهمّ! زد من قوّة سواعد النّظام المقتدرة وهم التعبئة، يوماً بعد يوم.
اللهمّ! عظّم ذكرك والخشوع لك في قلوبنا.
اللهمّ! اجعل وفاتنا في سبيلك ولأجلك.
اللهمّ! أرضِ عنّا القلب المقدّس لوليّ العصر.
اللهمّ! أرضِ عنّا أرواح الشّهداء المطهّرة وروح إمام الشّهداء عنّا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1-نوع من الألعاب الرياضية المعروفة عند أهل المنطقة بمصارعة "جوخه" قريبة من المصارعة الحرة.
2-حلقات الصّالحين: إحدى التشكيلات الموجودة في التعبئة من فئة الناشئة، تعتمد برامج مختلفة (علمية وتوجيهية وترفيهية ولياقات بدنية، وأنشطة صالحة أي ضمن عمل الصالحين الذين وصفهم القرآن الكريم، كتقديم خدمات للناس في الأماكن العامة والمناسبات الدينية والوطنية وخدمة المصلين ومجالس العزاء...) تهدف إلى تقوية البناء الثقافي والديني والعلمي والأهم بناء الروحية التطوعية لدى المنتسبين.
3-أي: حتى لو وُجد السور أو ضربناه حول أنفسنا.
4-استخدم المنافقون وأعداء الثورة العنصر النسائي في السنوات التي أعقبت انتصارها، ليسهل عليهم تنفيذ مخططاتهم التخريبية في بعض المحافظات المتعددة القوميات وفي طهران نفسها، وكان عناصر التعبئة، بادئ الأمر، يحتاطون في التعامل معهن ، مراعاة للضوابط الشرعية. فيما بعد تشكلت مجموعات التعبئة النسائية لمواجهة هذا العنصر والتعامل معه.
5-أي الشعارات والبيانات المناهظة للتعبئة.
6-رئيس مؤسسة تعبئة المستضعفين في إيران، والتي تضم أعداداً هائلة جدا من مجموعات التعبئة، في مختلف شرائح المجتمع والمؤسسات الأهلية والحكومية.
7- مدينة في محافظة خراسان الشمالية، وهي مركز قضاء "مانه وسملقان".
8-الشهيد إيرج رستمي: مساعد الشهيد شمران وقائد ميداني في منطقة عمليات "دهلاويه- سوسنكرد".
9-الحركة الاعتراضية على نتائج انتخابات 2009م، وادعاء التزوير الذي روجت له جماعة موسوي بالتزامن مع الدعم الغربي الإعلامي، والسياسي، والمادي، لبعض الجماعات في الداخل بهدف زعزعة أركان النظام، وقد انتهت هذه المحاولة بصفعة قوية سدّدها الشعب الإيراني لمخطّط هذه الجماعات وأسيادهم الغربيين، حيث نزل بالملايين في عاشوراء ذلك العام مندداً ورافضاً ومعلناً الولاء والبيعة للنظام ولولاية الفقيه.

2012-12-01