كلمته عند لقاء العلماء وطلاب الحوزات في المحافظة
خطاب القائد
كلمته عند لقاء العلماء وطلاب الحوزات في المحافظة: مصلّى الإمام الخميني قدس سره بجنورد_10-10-2012 م
عدد الزوار: 52
بسم الله الرحمن الرحيم
اللقاءات الجميلة والمؤنسة
من اللقاءات، التي تُعدّ بالنسبة لي، أنا العبد، جميلة ومؤنسة في أسفاري ، هو لقاء العلماء والفضلاء والطلّاب الشباب. وأسباب هذا الشعور جليّة بالنسبة لي، وهي ليست لسببٍ أو سببين. فلو أدرك المرء فلسفة العلمائية، وحضر وعاش في قلب الحوزات مع هؤلاء الطلّاب الشباب، لعرف جيّداً لماذا يستلهم شخصٌ مثلي، أنا العبد، في العقد السابع من عمره، الروحيّة من الطلاب الشباب، الّذين بدأوا هذا الطريق، ولماذا يشعر بالنّشاط. لحسن الحظ، فإنّ طلّاب الحوزة ما بعد الثورة، انضمت إليهم شريحة الأخوات أيضاً. فالفتيات الجامعيّات، والشباب الجامعيّون، وطلّاب العلوم الدينيّة، يُعدّون أنفسهم من أجل الحضور في النّقاط الحسّاسة للجبهات الأماميّة والحساسة للدين. هذه هي العلمائيّة.
في ليلتنا هذه سوف أذكر لكم أيضاً، مجموعة من المطالب بالقدر الذي يسمح لي به الحال والقدرة، مع الأمل الكبير بأن تؤثّر هذه الكلمات، إن شاء الله، في قلوبكم الطاهرة والنّورانيّة، وأن يتحقّق ذاك التحرّك والتحوّل والاستمرارية الذي يحتاجه هذا المسير، بهمّتكم وإرادتكم وإرادة المسؤولين المحترمين للحوزات.
علماء بجنورد
بداية، أقول إنّ منطقة بجنورد هذه، التي تُسمّى اليوم بخراسان الشمالية ـ من "فاروج" وإلى مشارف حدود "كلستان" وغابتها - شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً- هي كما هو معلوم، منطقةٌ مليئةٌ بالطاقات الكامنة. ولا نريد أن نبالغ بلحاظ كثرة عدد العلماء الذين انبعثوا من هذه المنطقة، ونقارنهم ببعض المدن التي تحتضن علماء كُثر؛ لكنّنا نريد أن نقول أنّ الكثير من علماء هذه المنطقة، الذين عرفناهم، هم من أصحاب الاستعدادات المميّزة.
الميرزا حسن البجنوردي
وأحد هؤلاء العلماء، الذين التقيتهم وشاركت في دروسهم، هو المرحوم الآغا الميرزا حسن البجنوردي. وكان الإمام الجليل رضوان الله عليه، قد أصرّ عليه أن يبقى في قم، عندما قدِم من النّجف إلى إيران لزيارة مشهد وقم عام 40 أو 41. أي أنّ شخصيّته العلميّة كانت بحيث إنّ الإمام الجليل، مع روحيّته المتشدّدة في مجال العلم والعلميَّة وتلازم العلم مع المعنويات والأخلاق، كان قد أصرّ على هذا الرجل أن يبقى في قم. فوافق على ذلك، وقرّر افتتاح درس له، ولكنه وللأسف أصيب بسكتةٍ قلبية ومرض، في اليوم الذي تقرّر فيه أن يشرع بدرسه في المدرسة الفيضية، فاضطرّ للرّجوع إلى النجف. وبالتأكيد، حضرت بعض دروسه في النّجف. كان المرحوم الآغا الميرزا حسن البجنوردي يدرّس في مسجد الطّوسي، وكان يشارك في درسه عددٌ من الفضلاء الأصيلين. فقد كان مجمعاً للمواهب والذوق والذاكرة القوية. وقد شاهدنا هذا التميّز بأنفسنا. فهو أحد هؤلاء الأشخاص الذين برزوا من هذه المنطقة.
الميرزا أحمد البجنوردي
وكان المرحوم الآغا الحاج الميرزا أحمد البجنوردي المرتضوي، رفيقه وزميله في الدراسة. وكان كلٌّ منهما على الظاهر، من أهالي خراشاه، وقد جاءا في بداية دراستهما من بجنورد إلى مشهد، وشاركا في دروس المرحوم الآغا زاده، والمرحوم الآغا الحاج حسين القمّي. في ذاك الوقت، كان والدي من فضلاء مشهد، وكان يعرفهما، وعلى علاقة بهما، وكان يمتدحهما كثيراً. بعد ذلك، انتقلا إلى النّجف. وكان المرحوم الوالد قد انتقل إلى النّجف كذلك، فاستمرّت علاقته بهما هناك. وبعد عدّة سنوات، عاد الآغا الحاج الميرزا أحمد إلى بجنورد.
وفي بجنورد، كان عالماً نافذاً ومقتدراً وشعبيّاً على امتداد المنطقة. وبالرّغم من أنّ الحكومة في ذلك الزمان كانت تسيء للعلماء، وتسعى للحدّ من نفوذ العالم المتنفِّذ بكلّ قوّتها ـ إمّا باستقطابه إليها، وإمّا بتقليم أظافر نفوذه وتأثيره وقصّها ـ إلّا إنّها لم تتمكّن من فعل ذلك مع المرحوم الحاج الميرزا أحمد. هنا، كان العالمَ، وكان رجلاً محترماً جدّاً. عندما كان يأتي إلى مشهد ـ وكنّا في ذلك الوقت من طلّاب مشهد ـ كان علماؤها يجلّونه ويذهبون لزيارته وتقديم الاحترام له.
الشيخ محمد تقي البجنوردي
وقبلهما، كان المرحوم الشيخ محمد تقي، المعروف بالبجنوردي. كان إمام الجماعة المعتبر والوجيه لمسجد كوهرشاد، وكان معروفاً بالعبادة والزهد والعلم، كلّ ذلك مجتمعاً. وبالطبع، لقد عاش في القرن السابق على قرننا، فقد توفّي

الشيخ حسين كُرد
لقد شاهدنا، أيّام دراستنا، هذا الاستعداد بأنفسنا. وكنت قد قلت للأصدقاء، إنّنا عندما كنّا نشارك في درس الكفاية والمكاسب للمرحوم الشيخ هاشم قزويني، كان هناك أحد الطّلبة البارزين، الذي كان استعداده يفوق استعداد جميع طلّاب ذاك الدرس، الذين زاد عددهم على المائتين تقريباً، وهو رقم كان يعدّ كبيراً ومهمّاً في ذلك الوقت، أمّا اليوم فإنّ هذا العدد ليس بشيء نظراً لاتّساع الحوزات. لقد كان يشكِل في درس الكفاية، ويحمل الحاج الشيخ على البحث. هو من أهالي هذه المنطقة ـ لعلّه من أبناء منطقة آشخانه، واسمه الشيخ حسين كُرد، أي أنّه كان من أكراد هذه المنطقة. وللأسف، فإنّ مثل هذه الاستعدادات ما كانت لتُشخّص في تلك الأيّام ، وإذا ما شُخّصت وعُرفت، لم يكن يُستفاد منها. فما كان أحد يسأل أين ذهب استعداد فلان، وماذا حصل، وإلى أي مستوى درس، وكم استطاع أن يكون مؤثّراً في تقدّم العلم. هكذا كان الأمر في ذلك الزمان، ولا ينبغي أن يكون اليوم كذلك، وهو ليس كذلك.
ومن بين هؤلاء الشهداء العلماء، كانت لي معرفة باثنين عن قرب. بالطبع، لقد كان هناك طلّابٌ شباب التحقوا بالجبهة وجاهدوا ووصلوا إلى الشهادة. لقد رأيت أسماءهم، ولكنّني لم أوفّق للتعرّف إليهم عن قرب؛ أمّا هذان العالمان فقد كانت لي معرفة بهما عن قرب: المرحوم الشيخ قاسم صادقي الغرمئي ـ من أهالي غرمه ـ والمرحوم الطيّبي. فالمرحوم الحاج الشيخ قاسم صادقي، كان يباحثني أنا العبد لعدّة سنوات. كنّا نتباحث معاً حول شرح اللّمعة والمكاسب. وكان آيةً في الاستعداد، ولو أنّه استمرّ في الدرس على هذا المنوال لكان يقيناً عالماً مميّزاً، لكنْ في ذلك الوقت لم تجرِ العادة أن يُسأل الطالب: من أنت؟ وماذا أنت؟ وماذا تريد أن تفعل؟ فيرشدونه ويأخذون بيده، ويقدّمون له الإعانة الدراسية ويوفّرون له متطلّبات الدراسة. مثل هذه المفردات لم تكن موجودة في تلك الأزمنة. لهذا، فقد انصرف إلى أمورٍ أخرى. وبالطبع زمن الثورة، أصبح هو والمرحوم الطيّبي نوّاباً في المجلس وكانا بين الـ 72 شهيداً الذي استشهدوا من حزب الجمهورية الإسلامية1.
بجنورد مركز الطاقات
أنظروا لتروا أنّ هذا المكان هو مركزٌ للاستعدادات. فبدءاً من بجنورد نفسها، وصولاً إلى هذه المناطق المشرفة ـ اسفراين، شيروان، فاروج ـ وإلى هذا الجانب، حيث الأقضية الأخرى، سواء تلك المنطقة التي يوجد فيها إخواننا السنّة أم ذاك الجانب الذي يوجد فيه الشيعة.
ولإخواننا السنّة حقٌّ. فعلماء التركمان السنّة أنفسهم ـ كما ذكرت في الصباح2 ـ كان لهم دورٌ أساسيٌّ في إخماد الفتنة التي أراد لها الشيوعيّون أن تشتعل في هذه المنطقة باسم التركمان. لقد كنت أعرف، عن قرب، علماء لديهم الدافع والفكر والإقدام، وقد كان لهم دورٌ أساسيٌّ هنا.

هذا المكان يمكن أن يؤمّن حوزةً علميّةً كاملة، بمستويات دراسية عالية وبجودة مميّزة. على الأساتذة أن يأتوا الى هنا. فهذه المنطقة ليست من المناطق التي يتحتّم فيها على الطالب أن يهاجر في المراحل الأولى للدراسة، ويذهب إلى الحوزات الكبرى، فلا يعود بعدها. هذا ليس صحيحاً. فقد كان لدينا علماء كبار في الأقضية المحاذية لخراسان الكبرى. وأنا كنت قد ذهبت إلى الكثير من تلك المدن، والتي يقيم فيها مجتهدون من الدرجة الأولى. ففي بيرجند، كان هناك اثنان من المجتهدين، لو كانا في النّجف، لكان من المحتمل جدّاً أن يصبحا من مراجع التقليد، هما: المرحوم التّهامي والمرحوم الحاج محمد حسن آيتي. لقد بقيا في بيرجند وتعلّقا بأهلها. وفي قوتشان، حيث يأتي عالم كالمرحوم الآغا النّجفي القوتشاني، وهو من التلامذة المميّزين للمرحوم الآخوند الخراساني، ليسكن فيها. وفي بجنورد، كان هناك المرحوم الحاج الميرزا أحمد المرتضوي. وكذلك في الأقضية الأخرى، كان هناك علماء كبار، علماء مميّزون.
بعضهم يقول حسناً أيّها السيّد، لم تكن المواصلات بين المدن الكبرى والصّغرى ميسّرة، فكان العلماء مضطرّين أن يبقوا في أماكنهم. لكن مثل هذا الاستدلال يعطي نتيجة معاكسة. فاليوم، حيث المواصلات السّهلة، يمكنكم أن تأخذوا حاسوباً وتجلسوا أمامه وتستفيدوا من أفضل دروس الحوزات الكبرى بصورة مباشرة. لهذا، فإنّه ليس من الضّروريّ اليوم أن تذهبوا إلى الحوزات الكبرى، ولا في ذاك الزمان أيضاً. فلو عرضت عليكم شبهة علميّة، بإمكانكم ان تستقلّوا سيارة وتصلوا إلى مشهد بعد ساعتين، حيث تذهبون إلى أحد علماء الدّين وترفعون تلك الشّبهة ثمّ ترجعون. اليوم، ومع تحقّق مثل هذه الإمكانيات الكبيرة يجب أن تتألّق حوزات الأقضية وأن تتّسع كمّاً ونوعاً.
مشروع هجرة العلماء
إنّ مشروع الهجرة الذي عرضته، أنا العبد، قبل عدّة سنوات، أدّى إلى الانتشار الفعّال للعلماء في جميع مناطق البلد. يجب الانتقال من الحوزات الكبرى والذهاب إلى الأقضية والبقاء فيها، سواءٌ كان المرء من أهل تلك المنطقة أم لا. بعض العلماء ليسوا من أبناء هذه المنطقة. فها هو المرحوم المحقّق السبزواري ـ صاحب الذخيرة وصاحب الكفاية، وهو المّلا المعروف، وشيخ الإسلام الأكبر في أصفهان في الع

أيها الطلبة اصنعوا الطرف المقابل
فليجلس فضلاء بجنورد المشهديّة، وفضلاء قم، وليختاروا من بينهم عشرة أشخاص ويرسلوهم إلى هذه المنطقة. وعلى الحوزة هنا أن تؤمّن لهم الإمكانات اللازمة، فيأتون إليها ويدرّسون فيها. ويُقال إنّه يدرَّس فيها الآن لغاية المستوى العاشر. فليكن فيها دروس أعلى وصولاً إلى درس الخارج. أجل، لا مانع من أن يذهب الطّالب الذي درس هنا بحث الخا

اليوم، يوجد في هذه المدينة أو هذه المحافظة 40000 طالب جامعيّ. فمن بين هؤلاء الأربعين ألفاً كم هو عدد الذين يرتبطون بكم أيّها الطلبة؟ ومع من منهم تجلسون وتتحدّثون؟ لعلّ بعضاً منكم يُدعى إلى بعض محافلهم، حيث يوجد خمسون أو مئة شخص لتخطبوا فيهم. ليست القضيّة على هذا النحو. يجب أن يكون هناك حديثٌ مباشر، وأن تصنعوا الطرف المقابل. وهذا يتطلّب الوقت والعمل والعلم الكافي، ويتطلّب ملاحظة الاحتياجات الفكريّة والثقافيّة، ويتطلّب المحبّة، وهذا العمل يجب أن يتحقّق.
المطالعات الجانبية
حسنٌ، أنتم بحمد الله تشكّلون مجموعة كبيرة ـ سواءٌ من السيّدات أم السّادة ـ وهذا ما يشاهده المرء هنا. يجب عليكم أن تدرسوا جيّداً وتصبحوا من العلماء، وأن تصبحوا أقوياء، وتتمكّنوا من تحليل الأفكار الجديدة. وليكن لكم مطالعات جانبيّة. ويمكن أن تكون بعض الدّروس التي أضحت معروفةً في الحوزات، سواءٌ في قم أم طهران، مورد استفادة من جهة المطالعات الجانبيّة، كالأدب الفارسي والأخلاق وبعض الدّروس الأخرى ـ وبالطبع إنّ الأدب العربي مطلوبٌ، وهو من أدوات ووسائل عملنا ـ وليس من الضروريّ أن تكون جزءاً من البرامج الدارسيّة. بالطبّع، أنا لا أتدخّل هنا، إنّما أدلي برأيي، وعلى المخطّطين أن يجلسوا ويفكّروا بذلك.
المطالعة في مرحلة الشباب
لا ينبغي للطالب أن يدع الكتاب جانباً، فليقرأ، وليطالع في مرحلة الشباب، وليكن حاله هكذا دائماً. إملؤوا وعاء الذاكرة هذا، الذي ليس له حدٌّ قدر المستطاع في مرحلة الشباب. فكلّ ما أودعناه في ذاكرتنا في مرحلة الشباب، ما زال موجوداً اليوم، وكلّ ما نحصل عليه في مرحلة الشيخوخة ـ حيث إنّني أنا العبد الآن في هذه الأيّام مع كلّ ابتلاءاتي أطالع أكثر من الشباب ـ فإنّه لا يبقى. أنتم الآن شبابٌ، فادّخروا ما أمكنكم من المعلومات القيّمة والمفيدة والضروريّة في المجالات المختلفة التي تحتاجونها للتبليغ، فسوف تستفيدون منها.
الثورة فرصة نادرة للحوزة
ما ينبغي أن أذكره ـ وهو أهم من جميع هذه المسائل ـ هو العلاقة ما بين الحوزات العلميّة والثورة والنظام الإسلاميّ. لا يمكن لأيّ شخصٍ في عالم العلمائية أن يعزل نفسه عن النّظام الإسلاميّ، فيما لو جعل الإنصاف والعقل ميزاناً له. لقد أمّن النّظام الإسلاميّ إمكانات عظيمة للدّعاة إلى الله ولمبلّغي الإسلام. فمتى كان مثل هذا الشيء بمتناولكم؟ في يومنا هذا، يأتي طالبٌ فاضل إلى التلفزيون ويتحدّث لنصف ساعة ويستمع إلى كلماته عشرة ملايين، أو عشرون مليون مشاهد برغبةٍ وشوق. فمتى كان مثل هذا الشيء متحقّقاً لي ولكم ومنذ تاريخ العلماء من بداية الإسلام وإلى يومنا هذا؟ ومتى كانت مثل هذه الاجتماعات الكبرى تعقد؟ ومتى وُجدت مثل هذه الجُمعات صلاة الجمعة؟ ومتى وُجد أمثال هؤلاء الشباب الرّاغبين والمتعطّشين للمعارف؟ في يومنا هذا، فإنّ هؤلاء الجامعيّين وغيرهم من الذين تشاهدونهم ـ وأنا الآن أقول الجامعيين ـ هم جميعاً تقريباً وتغليباً مشتاقون للتعرُّف إلى المفاهيم والمعارف الإسلامية ليدركوا نواحيَ منها ويتفقّهوا. يجب علينا أنا وأنتم، أن نهيّئ الأرضية كي نتمكّن من تلبيتهم. فمتى تحقّقت مثل هذه الفرصة للعلماء منذ البداية وحتى يومنا الحاضر؟ هذا بالإضافة إلى تلك الوسائل الميسّرة كالكمبيوترات وشبكات الانترنت والفضاء الافتراضيّ والسايبريّ الذي هو تحت أيديكم اليوم. لو تمكّنتم من تعلّم هذه الأمور يمكنكم أن توصلوا كلّ كلمةٍ صحيحةٍ تنطقون بها إلى آلاف المستمعين الذين لا يعرفونكم شخصيّاً. هذه فرصةٌ استثنائية، حذار من أن تضيع، ولو ضاعت فسوف يسألنا الله تعالى أنا وأنتم يوم القيامة: ماذا فعلتم بهذه الفرصة حيث كل هؤلاء الشباب، وكل هذا الاستبصار والميل والرغبة والتعلّم من أجل ترويج المعارف الإسلاميّة؟ إنّ النّظام الإسلاميّ قد قدّم مثل هذه الخدمة لنا نحن المعمّمين والعلماء. فهل يمكننا أن نعزل أنفسنا؟
الحوزة لخدمة النظام
فليس مدعاةً أن للفخر يأتي شخصٌ من إحدى الزوايا يلملم عباءته ويقول لا دخل لي بأعمال الدولة والنّظام، إنما هو عارٌ. يجب على العالم أن يرحّب بكلّ وجوده بمثل هذا النظام الذي رايته الإسلام وقانونه الفقه الإسلاميّ. وقد أخبرني مراجع التقليد الحاليون تكراراً: إنّنا قطعاً نحرّم إضعاف هذا النّظام بأيّ نحوٍ كان3. والكثير منهم بدافع الذوق قالوا إنّنا ندعو لكم دائماً. وهذا مؤشّر على تقدير النّظام الإسلاميّ. وإذا بنا نجد معمّماً يعزل نفسه عن النّظام بحجّة أنّ لديه انتقاداً. حسنٌ جدّاً، فليكن لديه مئة انتقاد. فمئات الانتقادات تتوجّه إلينا نحن المعمّمين. ألا يتوجّه إلينا نحن مثل هذا الانتقاد؟ فهل أنّ وجود انتقاد وعيب في فئةٍ ما يستوجب أن يغفل المرء عن كلّ تلك الحسنات ونقاط القوّة ولا يراها في تلك الفئة؟ فالأمر هو كذلك بالنسبة للعلماء، العيوب ه

حصِّلوا ذخيرة العلم واعملوا
ولا يعني كلامي هذا أنّ على الجميع أن يعملوا أو يتدخّلوا في قضايا النّظام منذ البداية، كلا، يجب أن تدرسوا أوّلاً. أنا العبد كنت في أتون المواجهة منذ بدايتها. وكنت أدرّس المكاسب والكفاية في مشهد. وكان الكثير من تلامذتنا يشاركون في النّضال. وعندما كان يحمى وطيس المواجهات كانوا يتساءلون عن فائدة كلّ هذه الكلمات الموجودة في المكاسب واستدلالات الكفاية. وكنت أنا العبد دائماً أقول لهم: يا أعزائي، المرء دون ذخيرة يكون هشّاً، عليكم أن تحصلوا على الذخيرة. فلو حصلتم عليها لأمكنكم عندها القيام بمثل هذه الحركة العظيمة من تلك الموقعيّة نفسها التي كانت للإمام الخميني قدس سره الجليل.
النظام منبثق من العلماء
إنّ النّظام مرتبطٌ ومتّصلٌ ومتوّلدٌ من العلماء. فاعلموا أنّه لولا وجود العلماء لما كان هذا النّظام ليتشكّل، وما كانت هذه الثورة لتنتصر. أنا العبد، ومنذ ما قبل الثورة، كنت أحضر في محافل المثقّفين وكان لي روابط قريبة مع الجماعات السياسيّة وكنت أعرفهم جميعاً، وكان لي مباحثات وجدالات مع الكثير منهم، وأنا أقول هذا عن اعتقاد واستدلال: لولا العلماء لما انتصرت هذه الثورة ولو بعد مئة سنة. فمفكّرونا السياسيون الذين كان بعضهم من الأشخاص الجيّدين، والحريصين ـ إذ لم يكن الجميع من الأشخاص الضالّين والمنحرفين ـ ما كانوا بقادرين على ذلك، فهم لم يتمتّعوا بالمقبولية أو النفوذ والتأثير بين الناس، ولم يكن بإمكانهم أن يسيطروا على قلوب الشعب. فالذين كانوا يقدرون أولاً، على استيعاب البلد من حيث الانتشار، وثانياً على النفاذ إلى أعماق القلوب من حيث العمق والتأثير، هم العلماء الذين كانوا حاضرين في كلّ مكان. أنا العبد حين قرأت يوماً ما، في بدايات الثورة هذه الآية الشريفة من سورة النحل: أعوذ بالله من الشيطان الرّجيم، ﴿وَأَوْحى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذي مِنَ الْجِبال بيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمّ كُلي مِنْ كُلّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ ألوانُهُ فيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ﴾ النحل/68و69 قلت أجل، إنّ هؤلاء الطلّاب الشباب كالنّحل وقد كانوا يذهبون ليتغذّوا من رحيق أزهار المعرفة التي كانت تنمو من بيانات الإمام، ثمّ يسلكون فيما بعد إلى كلّ أنحاء البلاد ويقدّمون العسل للنّاس ويلسعون الأعداء، ففيهم العسل وفيهم اللّسع معاً. وما كان لأيّ فئةٍ أو حزبٍ أو جماعةٍ أخرى غير العلماء أن تقوم بمثل هذا العمل، ولو لم يحصل هذا لما حدثت هذه الثورة الاجتماعيّة؛ في هذه الثورة، عندما كان يُطلق شعارٌ في طهران، في اليوم العاشر من أيّام عاشوراء، كان يُطلق الشعار ذاته، وفي نفس الوقت في "مظاهر"، القريةِ الصغيرةِ النائية الموجودة في محافظةٍ بعيدة، نفس الشعار، نفس الكلام، ونفس المطالب. هذا ما يُسمّى بالثورة الاجتماعيّة التي كانت نتيجتها سقوط مثل ذلك الحكم، وتشكيل مثل هذا النّظام. لقد كانت استقامة ورسوخ وتجذّر هذا النّظام بحيث يبقى ويستمر بتوفيق الله حتّى قرونٍ مقبلة.
الشهيد مطهّري، والأصول الفكرية المستحكمة
أمّا المباني الأصول الفكريّة، فقد أعدّها العلماء أنفسهم، كأمثال الشهيد مطهّري، وأمثال العلّامة الطباطبائي، وعظماء آخرون من هذا القبيل، الذين أعدّوا المباني الفكريّة المستحكمة. إنّ هذه هي البُنى التحتيّة الفكريّة التي يمكن على أساسها أن يجلس النّاس ويفكّروا ويفرّعوا ويوسّعوا ويؤمّنوا الحاجات الفكريّة لشباب اليوم. إنّ الكلمات القاطعة التي تمكّنت من استئصال الفكر الماركسيّ في بلدنا، بأن ضربتها ورمتها في الهواء كما يفعل المنجّد، هي نفس كلمات المرحوم مطهّري ـ الذي كان تلميذ العلّامة الطبطبائي ـ وتلامذة آخرين للمرحوم العلّامة الطبطبائي. لقد نشأ هذا النّظام وترعرع في مثل هذا الحضن.
العلماء، والمسؤولية الثقيلة
لهذا، فإنّ المسؤولية ثقيلة والعمل كثير. إنّ مسؤولياتكم كثيرة جدّاً. فعليكم أن تعدّوا أنفسكم من الناحية المعنويّة، ومن الناحيّة الأخلاقيّة، ومن ناحية التهذيب والتديّن، ومن ناحية التمسّك والالتزام بالفرائض والنوافل وتلاوة القرآن. وما أجمل تلاوة طالبنا العزيز هذا للقرآن4، وما أجمل هذه الآيات التي تلاها: ﴿لَقَدْ كانَ لَكُم في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيراً﴾ الأحزاب/21، فلو كنّا ممّن يرجو الله واليوم الآخر فأسوتنا هي النبيّ. لا أن نقوم بما قام به ـ فهذا محال ـ لكن علينا أن نكمل طريقه. حينها، يتّضح حال المؤمنين بهذا النبيّ في الآية اللاحقة: ﴿وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ الأحزاب/22. ففي معركة الأحزاب، حصل الهجوم من جميع الجّهات. بينما كانوا في معركة بدر مجموعة واحدة، وكذلك في معركة أُحد، وفي الحروب الأخرى، كانوا مجرّد قبائل صغيرة.

فالمنافقون وضعفاء الإيمان والذين في قلوبهم مرض ـ وهم فئات مختلفة ـ يهتزّون عندما يرون العدوّ، كشجرة الصفصاف ويبدأون بمعاتبة وأذيّة المؤمنين بالله، والمجاهدين في سبيله والضغط عليهم: لماذا تفعلون هذا؟ ولماذا لا تتنازلون؟ ولماذا لا تتّخذون مثل هذه السياسات، ويقومون بما يريده العدوّ؟ أمّا المؤمنون الصّادقون فيقولون في المقابل: إنّنا لا نتفاجأ، فلا بدّ لهؤلاء أن يعادوا، هذا ما وعدنا الله ورسوله.

عليكم بالمساجد
إنّني أوصي المراكز الثقافيّة الفنّية أن لا تنسى المساجد، وذلك طبعاً بالتعاون مع التعبئة. إنّه لأمر سيّئ أن يكون هناك اختلافٌ بين إمام المسجد وتعبئة المسجد. كلّا، فبتعاون التعبئة اجعلوا هذه المراكز الثقافية الفنّيّة تؤثّر في المساجد، واعملوا لأجل ذلك. أجلسوا وفكّروا وادرسوا وأمّنوا الخطاب المتناسب مع حاجة الشابّ الذي يوجد هناك. أدرسوا، فالكتب التي يمكن الاستفادة منها موجودة. اذهبوا واسألوا وحقّقوا حول أولئك الذين هم أهلٌ لذلك. جهّزوا أنفسكم وتسلّحوا بسلاح المعرفة، واستدلّوا، وبعدها التحقوا بهذه المراكز الثقافيّة الفنّية وكونوا مضيفي الشباب. ولتكن ضيافتكم بالبسمة والبشاشة والسماحة والمداراة. قيل: "وسنّة من نبيّه"5، حيث إنّها بحسب الظاهر عبارة عن مداراة الناس.
كلٌّ له نقائصه
من الممكن أن يكون الظاهر6 منفّراً، فليكن. بعض اللواتي كنّ في استقبال اليوم7، وأنتم ـ سواءٌ السيد مهمان نواز8 أم بقية السّادة ـ الذين كنتم تمدحوهنّ من على هذا المنبر، هنّ سيّدات يُقال لهنّ بالعرف السائد سيّئات الحجاب، كنّ يذرفن الدموع، فماذا نفعل هل نردّهنّ؟ هل في ذلك مصلحة؟ وهل هو حقّ؟ كلّا، إنّ قلوبهنّ مرتبطة بهذه الجبهة، وأرواحهنّ عاشقة لهذه الأهداف والقيم، لكن فيهن نقصٌ. أليس فيّ نقصٌ؟ إنّ نقصهنّ ظاهرٌ، ونقائصي أنا الحقير باطنةٌ، ولا تُرى. قال بيت شعر:
نعم يا شيخ كلّ ما تقوله هو فيّ، فهل كلّ ما يظهر منك هو أنت؟9
نحن لدينا نقصٌ وهنّ لديهنّ نقص، فتعاملوا بهذه النظرة وبهذه الرّوحيّة. بالطبع، إنّ الإنسان ينهى عن المنكر، والنهي عن المنكر يكون باللسان الطيّب لا بإيجاد النّفور. لهذا، عليكم أن توجدوا رابطة مع شريحة الجامعيين.
لباس العلماء والحمل الثقيل
لقد ذكّر السيّد فرجام 10 بطريقة جميلة بشأن لباس العلماء المشيخة. أولئك الذين تقدّموا بدراستهم بمستوىً معيّن فليضعوا لباس المشيخة، لكن فليعلموا أنّ هذا اللباس يمثّل حملاً ثقيلاً. إنّ هذه العمامة التي تبلغ عدّة أذرع وتضعونها على رؤوسكم هي ثقيلةٌ جدّاً، بمجرّد أن يروكم أصحاب عمائم يبدأ سيلٌ من الأسئلة والإشكالات وأمثالها. فإذا كنت لا تعلم، تقول لا أعلم، ثمّ تذهب وتحقّق وتعلم، ثمّ بعد ذلك تأتي إليه وتجيبه. حسناً، هذا جيّدٌ، أمّا إذا لم تكن تعلم وقدّمت جواباً خاطئاً، أو لأنّك لا تعلم غضبت لأنّه سألك هذا السؤال، إنّ هذا ليس بالأمر الجيّد. فإذا كان من المقرّر أن يكون الإنسان هكذا، فالأفضل أن لا يضع العمامة.
احترام أئمة المساجد
احترموا أئمّة الجماعة في المساجد وعدّوه أمراً مهمّاً. فمن لديهم لياقة عليهم أن يعلموا أنّ إمامة المساجد مهمّة جدّاً. فعند كلّ صلاة، أو على الأقل كلّ يوم وليلة، في صلاة واحدة، تحدّثوا مع الناس وافتحوا عالم الأفكار، نوّروا القلوب بذكر حقائق الدين ومناقب الأئمّة عليهم السلام، فالقلوب تتنوّر.
حسنٌ، لقد أضحى حديثنا طويلاً نسبيّاً. وإن شاء الله، الله بمشيئته يحفظ بركات وجود السيد الآغا مهمان نواز لهذه المنطقة. ففي اللقاءات التي جمعتنا، كان يتحدّث مراراً بشأن مجيئنا إلى بجنورد. وكنا نقول على عيني، "الأمور مرهونة بأوقاتها". ها قد جاء وقتها. لقد استقرّ في بجنورد، وقام بعملٍ ممتاز. إنّه بركة لهذه المدينة وتقع عليه مهمّات. إنه إمام جمعة محترم يشعر الإنسان ولله الحمد أنّه صاحب بيان عذب وفكر جيّد وقدرة على العمل، وإن شاء الله سيؤدي وظيفة إمامة الجمعة على أفضل وجهٍ. إنّ هذا من تلك الموارد التي كنت أنا العبد أتمنّاها: أن لا نفقد شيئاً بل نحصل على شيء. وها هي بجنورد، ولله الحمد، لم تخسر مهمان نواز وبركات وجوده، ومراجعته التي هي كالسابق، وقد حصلنا على أمرٍ إضافيّ وهو أنّه إمام الجمعة المحترم.
اللهمّ! اجعل كل ما نسمعه ونقوله وننويه، لك وفي سبيلك، وتقبّل ذلك منّا بكرمك وفضلك.
اللهمّ! أرضِ القلب المقدّس لوليّ العصر عنّا، واشملنا بدعاء هذا العظيم.
اللهمّ! إجعل هذا الجمع الحاضر وغيرهم من الطلّاب والفضلاء والعلماء الموجودين، والذين يعملون في هذه المنطقة الكبيرة، جميعاً، جنوداً حقيقيين للإسلام والقرآن.
اللهمّ! زد من هذه الإلفة والأنس المتحقّق بين الشيعة والسنّة يوماً بعد يوم.
اللهمّ! اهدهم جميعاً إلى طريق الخير والصلاح وهداية الأمّة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1-كانت حادثة تفجير
مقر "حزب الجمهورية الإسلامية" من قبل منظمة المنافقين(مجاهدي خلق) في حزيران
1981م، واستشهد على أثره 75 من الحاضرين من بينهم: 27 نائباً من ممثلي الشعب و4
وزراء و12 معاون وزير. وعلى رأس هؤلاء الشهداء آية الله محمد حسن بهشتي رئيس القضاء
الأعلى في البلاد.
2-خلال كلمته التي ألقاها في الحشود الكبيرة التي حضرت لاستقباله في مدينة بجنورد
(مركز المحافظة).
3-انطلاق هتافات التكبير...
4-الآيات القرآنية التي تليت عند افتتاح اللقاء.
5-الحديث مرويٌ عن الإمام الرضا عليه السلام: "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى تكون فيه
ثلاث خصال: سنّة من ربه، وسنّة من نبيه صلى الله عليه واله ، وسنّة من وليّه عليه
السلام: فأما السنّة من ربه: فكتمان السّر. وأما السنّة من نبيه صلى الله عليه
واله: فمداراة الناس. وأمّا السنّة من وليه عليه السلام: فالصبر في البأساء
والضراء". الكافي، ج2، ص 241، باب المؤمن وعلاماته.
6-المظهر الخارجي للبعض، والمقصود بعض الناس غير الملتزمين.
7-في مراسم الاستقبال الشعبي عند وصول القائد إلى مركز المحافظة، وحضرت فيه حشود
غفيرة من مختلف شرائح الناس ومن بينهم النساء غير الملتزمات بالحجاب الكامل ويقال
لهنّ بالفارسية "زنان بد حجاب".
8-آية الله مهمان نواز ممثل محافظة خراسان الشمالية في مجلس الخبراء.
9- مثل يضرب لمن ينتقد غيره ولا يلتفت إلى نفسه:
گفتا شيخا هر آنچه گوئى هستم / آيا تو چنان كه مينمائى هستى؟
10-حجة الإسلام والمسلمين فرجام، المدير التنفيذي للحوزة العلمية في خراسان.