كلمته في اجتماع أهالي أسفراين
خطاب القائد
كلمته في اجتماع أهالي أسفراين: 13-10-2012 م
عدد الزوار: 41

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين المكرّمين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
إنّني مسرورٌ جدّاً لهذا التوفيق للقائي بكم في هذا السّفر، أيّها الأعزّاء، يا
أهالي مدينة أسفراين1 العريقة. جوهر القضيّة هو اللقاء بكم، والإعراب عن
المحبّة والوفاء لكم، والتّقدير لحضوركم الحماسيّ طيلة سنوات الثورة. بالطبع، ينبغي
لهذه اللقاءات والأسفار أن تتمكّن، بحول الله وقوّته، من القضاء على بعض المشكلات
الأساسيّة في هذه المناطق بهمّة المسؤولين. هناك مشاكل، وبتوفيق الله توجد أيضا
همّةٌ وإرادةٌ للإصلاح. فالاستعداد للتقدّم والإصلاح بحمد الله موجودٌ.
دار القرآن
فيما يتعلّق بهذه المدينة التاريخيّة والعريقة، من الجيّد أن يحضر في أذهاننا،
وبالأخصّ في أذهان شباب هذه المدينة الأعزاء، أنّ هذه المدينة كانت وعلى مرّ
التاريخ منبتاً عظيماً للعلم والثقافة والسياسة المتنوّعة. فعلى امتداد التاريخ،
خرج من هذه المدينة، أدباءٌ وشعراء وفقهاء وأصحاب فكرٍ، واسم الأسفرايني يتكرّر بين
عظماء تاريخنا. واليوم، فإنّ مدينة أسفراين، بما تمتلكه من إمكانات طبيعيّة وبشرية،
يمكنها أن تكون مهد العظماء والمفكّرين الذين تفخر بهم البلاد ويكون مستقبلها بيد
تدبيرهم وفكرهم. أنتم يا شباب هذه المدينة الأعزّاء ـ فتية وفتيات ـ وفي أيّ مجالٍ
من مجالات العمل أو الدّراسة كنتم، يجب أن تنظروا إلى المستقبل وتتفاءلوا به، وبهذه
الذخيرة الإنسانيّة وبهذا الميراث العريق، فإنّ هذا المستقبل هو مستقبلٌ ممكنٌ
ومتاح لهذه المدينة.
لقد عُرف أهالي قضاء أسفراين بالشجاعة والنّجابة. وإنها لمفخرة أخرى، أنّ تُعرف هذه
المدينة اليوم بأنها مهد تربية حملة القرآن. فقد أدّت الجلسات القرآنية، وتعليم
القرآن، وانتشار الفكر القرآني ببركة الجلسات القرآنية في هذه المدينة، إلى أن يطلق
أهالي المدينة على هذا المكان اسم “دار القرآن”، وهذه مفخرة كبيرة.
أسفراين، ومواردها الطبيعية
بالطبع، لا يمكن مقارنة أسفراين اليوم بأسفراين ما قبل الثورة. كنت قد مكثت في
مدينتكم لمدة قصيرة قبل الثورة. وفي العام 1347ش [1968م]، حدث زلزال في هذه المنطقة
المسمّاة بـ "دهنه اوجاق". فذهبنا من مشهد إلى "دهنه أوجاق" لإسعاف أهلها، ومررنا
على أسفراين. لقد كانت أسفراين حينها عبارة عن قرية كبيرة، لا يمكن مقارنتها بما هي
عليه اليوم من عدّة جهات؛ بالرّغم من أنّ الإمكانات الطبيعيّة في هذا القضاء كانت
في تلك الأيّام كما هي عليه اليوم. فهذه المنطقة الزّراعيّة الواعدة، والمياه
الوفيرة، والسهول الخصبة على سفوح جبال "شاه جهان" العالية، والمزارع والمراعي
الواسعة المعروفة في هذه المنطقة ـ ليس في أسفراين فحسب، بل في المناطق المحيطة
أيضاً ـ من بجنورد إلى سبزوار ـ حتى أنّ اسم زيت جبل "شاه جهان" قد ورد في الأمثال
الشعبيّة التي لا شك أنّكّم تعرفونها ـ كلّ هذه الإمكانات، كانت في تلك الأيام بيد
مجموعة قليلة من أتباع البلاط والأجهزة الملكيّة، وكان النّاس في القرى وفي المدينة
يرزحون تحت أوضاع مؤسفة.
لا نريد أن نقول إنّ هذه المنطقة اليوم قد تطوّرت بمقدار ما تستحقُّه ـ فإنّ حقّ
هذه المنطقة أكبر من هذا بالطبع ـ إلا أنّها تطوّرت بمقدار لافت وملحوظ. فبالإضافة
إلى الإمكانات الزراعيّة والحيوانيّة، فقد دخلت الصناعة إلى هذه المنطقة؛ حيث يوجد
فيها مصنعان كبيران من مصانع البلاد المهمّة، وثمَّة مصانع أخرى في أطرافها ومحيطها،
وهذا الأمر يبشّر بتقدّم المحافظة وتقدّم هذه المنطقة وهذا القضاء، وإن شاء الله
سيكون لها مستقبلٌ أفضل من الناحية المادّية.
ثمة مشاكل في المجال الزراعي وفيما يتعلّق بالمصانع، إلا أنّ هذه المشكلات يجب أن
تُحلّ، إن شاء الله، بهمّة المسؤولين، بالنظر لما تستدعيه هذه الزيارة من اهتمام
مسؤولي الدّولة بهذه المنطقة بمختلف مستوياتهم. لا شكّ أنّ المساعي اللازمة سوف
تتحقّق في هذا المجال.سابقاً، لم يكن هناك حتّى تصوّر وأمل بوجود مؤسسات جامعية ومراكز للتعليم العالي:
في هذه المنطقة. لكن اليوم بحمد الله توجد مراكز جامعيّة. وأنا أقول لكم، إنّ أمر
تشييد مراكز للعلوم الجامعيّة لم يكن متصوّراً في الكثير من مناطق البلد، إذ لم يكن
الأمر مقتصراً على أسفراين. ولحسن الحظ، لقد تأسّست جامعاتٌ عديدة بمختلف الحقول
والفروع العلميّة، وهو ما سأشير إليه أيضاً في النّقاط التي سأعرضها. المهم هو الالتفات إلى قضايا البلاد الأساسيّة، الّتي يمكنها أن ترسم توجهات أبناء
هذا الشعب والمسؤولين في المستويات المختلفة، وهي التي سترشدنا في أيّ اتّجاه نحن
سائرون، وكيف سيكون غدنا، وما ينبغي أن نفعله اليوم حتّى نصل إلى ذلك الغد الأفضل.
لقد ذكرت أمرين لأهالينا الأعزّاء في بجنورد، سوف أفصّل بعض الشيء بشأنهما، وسوف
أوسّع البحث لكم يا أهالي هذه المنطقة الأعزّاء.إحدی النقطتين هي ما قلناه من أننا عرفنا محافظة خراسان الشمالية بالحماس والحيوية
والنشاط. وقد عرفنا هذه الخاصّيّة لهذه المنطقة منذ القدم. فقد عُرف أهالي هذه
المنطقة، التي أطلق عليها اليوم اسم "خراسان الشماليّة"، بحماسهم ونشاطهم وحيوتهم
وبما لديهم من الاستعدادات الرّوحيّة والجسميّة. إنّ هذا يُعدّ رأسمالاً عظيماً.
فخمول أيّ شعبٍ هو العامل الأكبر لتخلّفه. إنّ الحماس والنّشاط والحيويّة في أيّ
شعب تشكِّل الأرضيّة الأساسيّة لتقدّمه في جميع المجالات، وهذا الشرط
الأساس متوفّر هنا.
هدف العدوّ
هنالك نقطتان أو ثلاث يجب أن نتعرّض لها بالنسبة لحيوية الشباب العامّة. النقطة الأولى تتعلّق بضرورة الحفاظ على هذه الحيوية والنّشاط؛ فلا ينبغي أن ندع أو
نسمح للعوامل والمؤثّرات المختلفة أن تُضعف من هذا النشاط والحماس، أو أن تقضي عليه.
ولا شكّ بأنّ الهدف الذي يتطلّع إليه أعداء تقدّم هذا
البلد، هو أن يجعلوا شعبنا في حالةٍ من الخمول؛ أي أن يُطفئوا حماسه ونشاطه، وأن
يخمدوا فيه هذه الشّعلة. فلا يجوز الاستسلام لهذه الرّغبة المغرضة
للأعداء. إنّ هذا السعي الدائم الذي تشاهدونه من قبل مئات المراكز الإذاعيّة
والتلفزيونيّة، ومئات مواقع الإنترنت والفضاء الافتراضيّ في مختلف أنحاء العالم،
لإلقاء رسالة اليأس والإحباط في أذهان شعبنا، هو من أجل هذا.
فعندما يحلّ اليأس والإحباط يزول النّشاط ويخمد الحماس
والتحرّك. وإنّ من أهمّ أدوات الدعاية السياسية المختلفة لإمبراطوريّة
الإعلام العالميّة الحؤول دون سعي شبابنا وتحرّكه، النّاشئ من الحيوية والتطلّعات
الهادفة فيه. وفي المقابل، علينا نحن أن نسعى للحفاظ عليها. وباعتقادي، أنا العبد،
أنّ ما يمكن أن يزيد من نشاط وحيوية شبابنا هو تعظيم وإحياء ذكرى القادة والشّهداء
والمجاهدين والجيل السابق من الشباب ـ من أمثالكم ـ الذين جاهدوا بكلّ حماسٍ ونشاط
في مختلف الميادين وفي أعقدها وأكثرها صعوبة.
مواجهة خطّر المخدّرات
إنّ من الأمور الأساسيّة التي يمكن أن تعمل اليوم بشكل مضادّ لهذا التحرّك، والتي
للأسف تزداد اتّساعاً بواسطة العصابات السرّيّة، المخدّرات. أعتقد أنّه يجب على
الشّباب أنفسهم أن يحاربوا المخدّرات بنفس ذاك الحماس والنشاط اللذين أشرنا إليهما.
إنّهم يريدون أن يأسِروا شبابنا وأن يفرضوا عليهم حالة
الخدر واللامبالاة والسقوط. فالذي ينبغي أن يقف مقابل هذه المؤامرة بالدّرجة الأولى
بثباتٍ واستحكام هم الشّباب أنفسهم. بالطّبع، هناك مسؤولية على عاتق
مسؤولي الدّولة والأجهزة المعنيّة، ولكن لا يوجد أيّ عاملٍ يرقى إلى مستوى العامٍل
الدّاخليّ الذاتيّ لدى الناس في مواجهة ومقاومة مثل هذه الانحرافات. هذه نقطةٌ.
وبالتّأكيد إنّ حالة الصّمود عند شبابنا في هذه المحافظة يمكن لها أن تحبط مساعي
العصابات المهلكة والمضرّة. هذه نقطةٌ ترتبط بهذا النّشاط والحماس. ومع الحفاظ
عليها، يجب الالتفات إلى أنّ العدوّ يروم سلب شبابنا شُّعلة النّشاط والتحرّك
والحيويّة هذه. النّقطة الأخرى هي أنّه تجب الاستفادة من هذه الرّوحيّة لمواجهة هذه
القضيّة المهمّة ـ أي الخطر الكبير للمخدّرات ـ فبتلك الرّوحيّة يجب التصدّي لظاهرة
المخدّرات.
التقدّم، مسير وهدف
الأمر الآخر، الذي ذكرناه عند لقاء أهالي بجنورد، وقد وصل إلى مسامعكم، هو قضيّة
التقدّم. لقد قلنا إنّ الهدف هو التقدّم. والتقدّم يعني الحراك الدّائم. لو دقّقنا
لوجدنا أنّ التقدّم طريقٌ ومسير وهدفٌ أيضاً. نحن نقول إنّ الهدف هو التقدّم، في
حين أنّ التقدّم هو عبارة عن التحرّك إلى الأمام. فكيف يمكن أن تكون الحركة نحو
الأمام هدفاً؟ وتوضيح ذلك هو أنّ تطوّر الإنسان لا يمكن
أن يتوقّف. أي أنّ الله تعالى خلق الإنسان بحيث لا تقف حركته إلى الأمام عند أيّ حدٍّ
في الميادين المختلفة. فلا شكّ أنّ التوقّف في أية مرحلة بلغتموها ـ
سواءٌ في المراحل المادّيّة أم المعنويّة ـ لا معنى له بالنسبة للإنسان الراغب في
التقدُّم. لهذا فإنّ التقدّم هو طريقٌ وهو هدفٌ أيضاً. ولهذا، ينبغي مواصلة التحرّك
والسير دائماً إلى الأمام.
إنّ شعب إيران يمتلك من الاستعداد ما يمكّنه من التطوّر إلى الدّرجة التي يصبح فيها
أنموذجاً وقدوةً للعالم، وفي الأبعاد المختلفة. فلماذا نسيء الظنّ بأنفسنا؟
لماذا ننظر نظرة تحقيرٍ إلى أنفسنا وإلى شعبنا وإلى مستقبلنا؟ إنّ العدوّ يريد
أن يلقّن شعبنا هذه الأمور، وقد فعل ذلك على مدى سنين طويلة. لقد عملوا على ترسيخ
الاعتقاد بأنّ العنصر الغربيّ هو التقدّميّ ويجب أن نتحرّك خلفه. كلّا، لقد كان
تاريخنا في يومٍ من الأيّام يظهر عكس ذلك. لقد كنّا نحن المتقدّمين في العالم على
صعيد العلم والصّناعة والحضارة والثّقافة، وكان الآخرون يتعلّمون منّا، فلماذا لا
يصبح الأمر اليوم كذلك؟ يجب أن تصبح همّة شبابنا ونظرتهم إلى قضيّة التطوّر على هذا
النحو، بحيث نتطلّع إلى ذاك المستقبل.
مقولة التقدّم
لقد ذكرت قبل مدّة هذه القضية للشباب الجامعيين وللنّخب:
يجب أن تنصبّ هممكم علی أن نصل في العالم إلی مستویً لو أراد شخص الاطّلاع علی
الجديد العلميّ لاضطّر إلى إتقان اللغة الفارسية. فليأخذ شبابنا هذا المستقبل على
أنّه مستقبل حتميّ وقطعيّ، وليسعوا وليعملوا من أجله. وعلى نخبنا،
السياسيّين منهم والعلميين والثقافيين، أن يتحرّكوا بهذه النظرة إلى المستقبل وأن
يعملوا ويخطّطوا وأن لا يكتفوا بأيّ حدّ. هذه هي مقولة التقدّم.
مؤشّر الثقة بالنفس
حسنٌ، للتقدّم مؤشّرات وخصائص. وأحدها، بالنسبة لأيّ شعبٍ،
هو العزّة الوطنيّة والثقة بالذات الوطنيّة. ما أدَّعيه هو أنّ شعبنا
بلحاظ هذا المؤشِّر قد حقّق الكثير من التقدّم. إنّ شعبنا اليوم يتمتّع بالثّقة
بالنفس في ميدان السّياسة الدّولية. وعندما تلاحظون مسؤولي الدّولة يتحدّثون بكامل
الثقة بالنّفس في مواجهة القضايا العالميّة، فإنّ هذا ناشئٌ من شعور شعبنا بالعزّة
والثّقة بالنّفس. لقد منحنا الإسلام هذه الثّقة بالنّفس.
وكلّما ازدادت معرفتنا بالإسلام وأحكام القرآن ومعارفه كلّما زادت الثّقة بالنّفس
هذه. إنّ مقولة العزّة الوطنيّة والثّقة بالنّفس الوطنيّة ملموسة بشكل
كامل. أصبح لإيران اليوم كلمتها في الميادين العالميّة، سواءٌ في المسابقات
العلميّة الدّوليّة أم في المنافسات السياسيّة الدولية، ومسؤولو البلاد يقفون في
الميادين العالميّة والسّاحات الدّوليّة ويتقدّمون بمشاريعهم ويطرحون مواقفهم
اعتماداً على صمود الشّعب. هذا أحد المؤشرات.
مؤشّر العدالة
المؤشّر الآخر للتطوّر هو العدالة. فإذا ما
تقدَّم بلد في العلم والتكنولوجيا والمظاهر المادّيّة الأخرى، وبقي مفتقراً للعدالة
الاجتماعيّة، فهذا، برأينا وحسب منطق الإسلام، ليس بتقدّم. فی الوقت الراهن، ثمّة
تقدّم علميّ فی الكثير من البلدان، الصناعة متطوّرة، وأساليب الحياة المختلفة
متطوّرة، لكنّ الهوّة الطبقيّة ازدادت عمقاً واتّساعاً، فهذا ليس تقدُّماً، إنّه
تطوّر سطحيٌّ وظاهريٌّ عابر2. عندما تستأثر جماعة محدودة بأكثر
الامتيازات المادّيّة في دولةٍ ما، ويموت النّاس في الشّوارع في هذه الدّولة نفسها
من البرد أو الحرّ، يتبيّن كم أنّ العدالة فيها غير واضحة وغير عمليّة. نقرأ في
الأخبار العالميّة أنّ هناك أشخاصاً يموتون من حرّ الصّيف في مدن الولايات المختلفة
في أمريكا! حسنٌ، لماذا يموت الشّخص من الحرّ؟ أليس هذا لأنّه لا ملجأ له ولا بيت
ولا مكان؟ وأمريكا هي تلك الدّولة التي يعيش فيها أكثر النّاس ثراءً في العالم
وفيها أقوى الشّركات والكارتلات ومؤسّسات الإئتمان في العالم، وأكثر الأرباح
التّجاريّة لبيع الأسلحة تتحقّق فيها أيضاً. إلا أنه في هذه الدولة نفسها التي تبلغ
الثّروات فيها حدّاً خيالياً، يموت فيها البعض في الصّيف من الحرّ وفي الشتاء من
البرد! هذا يعني عدم وجود العدالة. نعم، قد يعرضون في الأفلام السينمائية
والرّوايات والأساطير أشكالاً من العدالة، لكنّها بعيدةً كلّ البعد عن الواقع.
ففي تلك الدّول التي تُدار وفق منهج الاقتصاد الرأسماليّ وتطلق على نفسها عنوان
الليبرالية ـ التحرّر ـ توجد مثل هذه المآسي والمحن. هذا هو واقع الحياة هناك.
إذا أردنا أن نتقدّم فإنّ أحد المؤشرات المهمّة التي تأتي في
الدّرجة الأولى هو العدالة. ما أدَّعيه أنا العبد، هو أنّنا تقدّمنا في هذا المجال،
بالطبع، ليس بالمقدار الذي نريد. لو قارنّا أنفسنا مع الوضع السّابق للثورة فإنّنا
نكون قد تطوّرنا وتقدّمنا. لو قارنّا أنفسنا مع الكثير من الدّول التي تعيش وفق
أنظمةٍ مختلفة، نعم لقد تطوّرنا، أمّا إذا قارنّا أنفسنا
مع ما قاله لنا الإسلام وطلبه منّا، لكان الجواب: لا، ما زالت تفصلنا مسافة بعيدة
عن ذلك، ويجب علينا السّعي. فعلى عاتق من يقع هذا السّعي؟ على المسؤولين
والشّعب معاً.
التقدّم في توزيع الموارد
أجل، لقد تقدّمنا على مستوى توزيع الموارد العامّة على كلّ مناطق البلد. ذاتَ يوم،
كان أكثر ثروات البلاد يُستهلك في مناطق خاصّة، يستأثر بها المقتدرون والبلاط في
ذاك الزّمن. لم يكن كثير من المحافظات والمدن يستفيد من أيّ من هذه الموارد العامّة،
ولم يكن لها نصيب منها. قبل الثّورة، كان في إحدى المحافظات الكبيرة لهذا البلد ـ
وأنا هنا بالطبع لا أريد أن أذكر اسمها، فقد ذكرت ذلك سابقاً ـ خمسة مطارات خاصّة،
في خمس مناطقٍ من تلك المحافظة، وكانت كلّها ملكاً لأتباع البلاط الملكيّ، لكن لم
يكن فيها أيّ مطارٍ عامّ! أي أنّه لم يكن الناس قادرين على الاستفادة من المطار
والطّائرة والملاحة الجوّية، في الوقت الذي كان يوجد خمسة مطارات لأشخاصٍ محدَّدين،
هذه هي الّلاعدالة. واليوم، عندما ننظر نجد أنّ الكلّ يستفيدون من جميع أنواع
الخدمات والمواصلات والطّرقات والأوتوسترادات والشوارع المريحة. وتتوفّر فی كلّ
أنحاء البلاد إمكانيات الدراسة والتحصيل العلميّ.
وكما أشرتُ فقد كان الكثير من مناطق البلاد فی ذلك الحين وحتى المدن يعاني من قلّة
المدارس الثانوية. وعندما كنت مبعداً إلى محافظتي بلوشستان وسيستان آنذاك3،
شاهدتُ تلك الأوضاع هناك، فقد كان أكثر مدن تلك المحافظة يعاني من نقص في
الثّانويّات. وكان هناك في كلّ تلك المحافظة مركزٌ جامعيّ صغيرٌ مستضعفٌ، من
الدّرجة الثالثة أو الرّابعة. وأنتم اليوم، عندما تلقون نظرة على تلك المحافظة،
وبقيّة المحافظات، ستلاحظون أنّ الجّامعات منتشرة في جميع المدن، وهو ما يزيد من
فرص الدّراسة. حسنٌ، هذه هي العدالة، ومعناها هو أنّ إمكانيات التحصيل العلميّ
موزّعة على مختلف مناطق البلاد، وكذا توزيع الإمكانات المادّيّة والثروات الماليّة،
والعلم، وهذا أمرٌ ممتاز. في الماضي، لم يكن متاحاً للنّخب في المدن النّائية
وأصحاب الاستعدادات المميّزة أن يظهروا ما لديهم، أمّا اليوم، فلم يعد الأمر كذلك،
ففي أسفراين وغيرها من المناطق، عندما يبرز إنسانٌ مميّز قادر على إظهار نخبويّته
وتميّزه، فإنّ أجهزة البلاد المختلفة ترحّب به وتجلّه وتستفيد من قدراته. لم يكن
الأمر كذلك في الماضي. لهذا، لا شكّ بأنّ هذا المؤشر للتقدّم ـ الذي هو مؤشّر
العدالة ـ أصبح مميّزاً مقارنة بالماضي. لكنّنا ما زلنا متخلّفين لحدّ الآن مقارنةً
مع ما نفهمه من الإسلام ونعرفه. يجب علينا أن نسعى ونعمل. ما أريد أن أخلص إليه من
مجموع النّقاط التي ذكرت لكم يا أبنائي الأعزّاء، وخصوصاً الشّباب الأعزّاء ـ من
النّساء والرّجال والفتية والفتيات ـ هو أنّ بلدنا وشعبنا يوجد في ساحةِ مواجهة
كبرى فيها موانع وعقبات، وفي هذه السّاحة لا يشعر بلدنا بالضّعف. لا نشعر بالهوان،
وإنّما بالاقتدار والقوّة، ونعلم أنّنا نستطيع إزالة جميع هذه العقبات بالسّعي
المتواصل. بعض هذه الموانع هو موانع طبيعيٌّة، وينبغي التّعامل معها بنحو،
ومكافحتها، وبعضها مفروضٌ علينا، موانع سياسيّة، مشكلات أوجدها أعداء تقدّم البلد
في طريق هذا الشعب على شكل مانع، وهذه ينبغي التّعامل معها بنحوٍ آخر.
وضوح الرؤية
إنّ ما يمكن أن يكون مصيريّاً وحاسماً في هذه السّاحة من المواجهة، وهذه المنازلة
البشريّة، وحرب الإرادات، هو العزم والإرادة والبصيرة ووضوح الرّؤية عندكم أيّها
الشعب العزيز. فوحدة شعب إيران، واتّحاد كلمة مسؤولي البلد، وتعاون جميع الأجهزة
على اختلافها، وأن يعرف كلُّ واحد من أبناء الشعب واجباته ومسؤولياته، يمكن أن
يوصلنا إلى المزيد من التقدم، ويحقّق لنا تلك الصّورة وذاك الوجه اللائق بهذا البلد،
وهذا الشعب العزيز والموهوب. إنّ أعداءنا يخطّطون ويتصوّرون أنّ بإمكانهم إيجاد مانعٍ ورادعٍ في طريق هذا الشعب
الكبير والعازم، كي لا يتحقّق هذا التقدّم. لكن فليطمئنّوا وليعلموا، وكما أظهرت
تجربتنا منذ بداية الثّورة وإلى اليوم، كذلك في المستقبل، أنّهم [أعداءنا] سينهزمون
في كلّ مؤامراتهم ومكرهم وكيدهم. لقد جاء الكثير من الساسة، في الدول التي تعارضنا،
ورحلوا ـ في أمريكا وفي إنكلترا وفي بعض الدّول الأخرى ـ جاء كلّ واحدٍ منهم بقلبٍ
مليءٍ بالحقد والبغض للحركة الإسلاميّة، والثّورة الإسلاميّة ونظام الجمهوريّة
الإسلاميّة، فخطّطوا وبرمجوا، وبذلوا كلّ ما أمكنهم، وسعوا لتحقيق إنجازات،
وتصوّروا أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة وشعب إيران سوف يركعان. فهؤلاء رحلوا، وقد
نُسيت حتّى أسماؤهم، لكنّ شعب إيران ما زال حاضراً في السّاحة مرفوع الرّأس وشامخاً
بحمد الله، ويمضي في طريقه بإرادة أقوى وعزمٍ أكثر رسوخاً من اليوم الأوّل. إنّ هذا
يُظهر قوّة مستقبل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، وهذا الشعب العظيم، الذي اختار هذا
النّظام ودعمه.
حذارِ الغفلة والغرور
بالطّبع، يجب أن لا نُصاب بالغرور. فإلى جانب الحديث عن كلّ هذه الملاحم يجب أن
أذكر هذا أيضاً: علينا أن لا نغترّ بأنفسنا ونغفل عن كيد العدوّ ومكره، لأنّ ذلك من
شأنه أن يستتبع مخاطر كثيرة. لا ينبغي الغرور. إنّني، أنا العبد،
أوصي المسؤولين دوماً، وأقول لهم كونوا أقوياء، لكن لا تحسبوا العدوّ ضعيفاً، فلا
ينبغي الغفلة عن العدوّ. فإنّ العدوّ يتسلّل من طرقٍ مختلفة، يوماً
يتحدّث عن الحظر، ويوماً يتحدّث عن الاعتداء العسكريّ، ويوماً آخر يتحدّث عن الحرب
النّاعمة، وآخر عن الغزو الثّقافيّ، وآخر عن الناتو الثقافيّ للغرب4،
فالعدوّ يتسلّل من طرق متعدّدة ويجب الحذر منه.
إنّ هذا التقدّم الذي تحدّثنا عنه، وهذا المستقبل المشرق الذي رسمناه، وهذا الأفق
الجميل والجذّاب الذي يتراءى أمامنا، إنّما يتحقّق فقط عندما نكون حذرين، يقظين،
ملتفتين، غير غافلين. علينا ألّا نتصوّر أنّ كلّ شيء على
ما يرام، فننصرف براحة بال إلى أعمالنا الشخصيّة ونغفل عن النّظر إلى مستقبل البلد.
إنّ من الخصائص التي لفتت نظري أنا العبد بشأن أسفراين المشاركة الواسعة لأهالي هذه
المنطقة الأعزّاء في الانتخابات المختلفة. وهذا أمرٌ مهمٌّ جدّاً. فمحافظة خراسان
الشمالية تحوز على المراتب الأولى، من حيث المشاركة في الانتخابات. فيما تُعدّ
أسفراين المدينة الأولى في هذا المضمار على مستوى المحافظة. فالمشاركة في
الانتخابات، والوعي، والبصيرة، والمشاركة في صناديق الاقتراع ليس عملاً ناشئاً من
البطالة، بل هو عملٌ صالح. وسوف أتحدّث عن الانتخابات إن شاء الله في هذا السّفر،
في اللقاءات الأخرى مع النّاس، إذ لديّ ما أقوله ـ لكن الآن لن أدخل في هذا البحث،
لكن محض أن يشعر النّاس أو سكّان أيّة مدينة أو محافظة، وفي كلّ البلاد، بالواجب
والمسؤولية تجاه المستقبل وتجاه إدارة البلاد، ويريدون على أساسه المشاركة والنزول
إلى السّاحة، فهو أمرٌ له قيمته وأهميته، وهو يقابل تلك الغفلة التي يريد العدوّ أن
يفرضها علينا. يجب الحفاظ على هذه الرّوحيّة، روحيّة الحضور والمشاركة والتعاون
بشأن القضايا الاقتصاديّة، وروحيّة استهلاك المنتجات المحلّية مقابل المنتجات
الأجنبية. هذه من المقولات والقضايا المهمّة التي لن أتناولها الآن.
دعم الانتاج المحلي
لكن سأذكر جملةً واحدة. لقد أكّدنا على الإنتاج المحلّيّ، سواءٌ مع بداية العام وفي
شعار هذه السّنة، أم في الأحاديث التي صدرت طيلة هذه الأشهر، منذ بداية السّنة. حسنٌ،
إنّ الإنتاج المحلّي يحتاج إلى الاستهلاك المحلّيّ وهذا الأمر يقع على عاتق الشّعب.
يجب أن نختار سلعنا الاستهلاكيّة ممّا ننتجه نحن. وإنّه لمن الخطأ أن يكون سعي
النّاس باتّجاه الماركات التّجارية والأجنبية والأسماء الخارجيّة. فهذا ليس سوى
استجابة لهوس شخصيّ، لكنّه ضربة تُوجّه إلى المشروع العام والأساسيّ.
إنّ الاستهلاك المحلّيّ يزيد من الإنتاج المحليّ، الذي بدوره يحلّ كلّ تلك المشاكل
التي أشار إليها إمام الجّمعة المحترم ويقضي على البطالة. فعندما يتألّق الإنتاج
يقلّ التضخّم ويقلّ الغلاء وتزيد فُرص العمل، فكلّ هذه الأمور متّصلة
ببعضها بعضاً. وأحد أطراف القضيّة بأيدينا نحن النّاس ويكمن في كيفيّة اختيارنا
لسلعنا الاستهلاكيّة.
على كلّ حال المسؤوليّات كثيرة، لكنّ التوفيقات الإلهيّة أيضاً كثيرة جدّاً. أسأل
الله تعالى بمشيئته أن يزيد من هذه التوفيقات ويبقي هذا التفضّل على شعب إيران
مثلما فعل من قبل. وجعلكم الله مشمولين بالألطاف الإلهيّة والأدعية الزّاكية لحضرة
بقيّة الله، أرواحنا فداه. إنّني أجدّد شكري لكم أيّها الأهالي الأعزّاء لمنطقة
أسفراين لحضوركم الحارّ والحميم والحماسيّ والدافئ في جميع مناسبات الثورة ومراسمها،
وقضايا الدّولة المهمّة، وأظهر حبي ووفائي لشهدائكم الأعزّاء وكباركم ومن رحل منكم،
وأسأل الله تعالى أن ينزل رحمته وتفضّله عليكم جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1-تقع مدينة اسفراين
جنوب شرق محافظة خراسان الشمالية، بين مدينتي بجنورد وسبزوار، وهي مركز قضاء في
المحافظة.
2-استخدم القائد كلمة (بالوني).
3-قبل انتصار الثورة، كان لسماحة القائد دور محوري وأساسي في مواجهة نظام الشاه
البائد، وذلك منذ عام 1962م ، وقد سجٍن وعذّب عدة مرات بين عامي ( 63 و77)، وفي
العام 1977 تم إبعاده إلى منطقة ايرانشهر ، وهناك كان له دور مهم في تحضير الناس
وتوجيههم لمؤازرة الثورة، والتوحيد بين المذاهب والقوميات المختلفة وخاصة السنة
والشيعة.
4-الناتو الثقافي: اصطلاح جديد أطلقه قائد الثورة الإسلامية على طبيعة الغزو
الثقافي والإعلامي الحالي في شباط 2012 أثناء كلمة ألقاها على حشد من المفكرين
والعلماء في منطقة سمنان. وهو تعبير آخر عن الحرب الناعمة والمواجهة الثقافية التي
يقوم بها الغرب بعد فشله في الهيمنة والسيطرة العسكرية المباشرة، وذلك لتشابه هذا
المشروع الجديد لجهة السيطرة على العالم الإسلامي باستخدام الإعلام والثقافة
والدعاية، بحلف الناتو العسكري.