كلمته في اجتماع النّخب والمسؤولين في محافظة خراسان الشماليّة
خطاب القائد
كلمته في اجتماع النّخب والمسؤولين في محافظة خراسان الشماليّة: مصلّى الإمام الخميني- بجنورد_16-10-2012 م
عدد الزوار: 44

أشكر الله تعالى أن منحنا هذا التوفيق ليكون لنا طيلة هذه الأيّام لقاءات عابقة
بالمحبة واللطف والصفّاء والمحبّة مع الشرائح المختلفة لأهالي المحافظة المليئة
بالخير والبركة.
لقاؤنا اليوم هو مع مجموعة من خدّام أهالي هذه المنطقة الأعزّاء، وكذلك مع ممثّلين
ناشطين وفاعلين عن الشرائح المختلفة في هذه المحافظة. لهذا، إنّ اجتماعنا هو
اجتماعٌ مفيدٌ جدّاً. وكلّ واحدة من المسائل التي عرضها الأعزّاء هنا، هي ملفتة
وتستحقّ أن تؤخذ بعين الاعتبار من جهة ما. ما نريد أن نذكره هو نقطتان أو ثلاث ذات
تأثير، فلو التفتنا جميعاً إليها سيكون ذلك في خير ومصلحة مستقبل المحافظة إن شاء
الله.
خدمة الناس نعمة إلهية
النقطة الأولى هي أنّ خدمة النّاس بحدّ ذاتها هي نعمةٌ
إلهيّة وموهبة؛ سواءٌ كانت هذه الموهبة ضمن الأطر الرسميّة ـ مثل
المسؤوليّات الملقاة على عاتق الأعزّاء والإخوة والمدراء في هذه المحافظة ـ أم كانت
في خدمة دين النّاس وثقافتهم وتقدّمهم العلميّ وتقسيم وتوزيع الأرزاق المحاصيل
بشكلٍ صحيح بينهم، وتأمين حاجاتهم المختلفة بأيّ شكلٍ كان. لهذا، إنّ توفيق الخدمة
نفسه هو نعمةٌ يجب شكرها.
إنّني، أنا العبد، أقول من أعماق القلب وبضرسٍ قاطع: أن يكون الإنسان خادماً للنّاس
هو فخرٌ، وليس مجرّد شعار. عظماء أهل العرفان عندنا،
كانوا دائماً يوصون تلامذتهم، ومن يتربّى على أيديهم، بأن يخدموا النّاس إلى جانب
الذكر والعبادة والخشوع والتوسّل والتذكّر، وكانوا في بعض الأحيان يرجّحون هذه
الخدمة على العبادات الفرديّة، وهذا مقرّبٌ إلى الله. فالعمل الصالح
الذي تقدّمه لشخصٍ ما يُعدّ حسنة وهذا ما يقرّبك إلى الله، وله أجرٌ وثوابٌ إلهيّ
وأخرويّ، فكيف إذا كانت خدمتكم هذه موجّهة لمجموعة كبيرة من النّاس، لأهل محافظة أو
مدينة أو ناحية1. فأساس القضيّة، إذاً، هو أنّنا إذا وُفّقنا للخدمة
فلنشكر ربّنا عليها، ولنعدّها نعمةً من الله. والأثر الحاصل من اعتبار هذه الخدمة
نعمة، هو أن لا نمنّ بها على أحد، فهذه هي درجتها الأولى. إنّ الله تعالى وفّقنا،
وهذا التوفيق هو لطفٌ إلهيّ، يستلزم شكراً. فلو وُفّقنا للخدمة، ينبغي أن يكون ذلك
بعيداً عن المنّة. هذه نقطةٌ.
لا تمييز في الخدمة
النقطة الأخرى هي أنه في الخدمة لا مكان للتمييز.
فالمسؤولية في أيّ ناحية من النواحي هي عبارة عن خدمة أفراد النّاس. فكون هذا
صديقاً لنا وذاك غريباً عنّا، وهذا عدوّنا وهذا ميوله السياسيّة كذا، وميوله
الدينيّة كذا، هو أمر لا ينبغي أن يكون له أيّ تأثير. يجب أن تكون الخدمة عامّة
للجميع، ولهذا الأمر تأثير على عمل المنخرطين في خدمة المجموعات الكبيرة، كالمحافظة
أو القضاء. فالأقسام النواحي المختلفة للأقضية فيها مجموعات متنوّعة من الناس، لهذا
يجب أن تكون النّظرة إلى الجميع متساوية. الخدمة للجميع ومتعلّقة بالجميع، فيجب
علينا أن نكون أمناء وأن نجعل كلّ ما في أيدينا لخدمة الجميع.
علوّ الهمة والعمل المضاعف
نقطةٌ أخرى هي قضية علوّ الهمّة في تقديم الخدمات. فهذه المحافظة، كما ذكر أعزّاؤنا
ـ وأنا فهمت ذلك من التقارير ـ تُعدّ من ناحية التقدّم المادّيّ من المحافظات التي
تقع في أسفل السلّم. وهذا يعود بدرجةٍ ما إلى أنّ هذه المحافظة حديثة النشأة؛
ولعلّه يوجد عوامل أخرى أيضاً. لذا، يجب على مسؤولي هذه المحافظة أن يبذلوا الهمم
من أجل رفع مرتبة هذه المحافظة، من ناحية التطوّر ونيل الخصائص الحياتيّة المهمّة،
في غضون مدّةٍ معيّنة، وأن يصلوا بها مثلاً إلى مرتبة المحافظات العشر الأوائل.
عندما يكون هذا هو همّنا ـ وهو معنى الهمّة المضاعفة ـ فإنّ ذلك سيتطلّب عملاً
مضاعفاً. ليس المقصود بالعمل المضاعف حجم العمل فحسب، بل المقصود الكيفية والنوعية
أكثر منه كميّة العمل وحجمه، أي العمل الدقيق والنّابع من الخبرة، والمقرون
بالاستشارة؛ العمل المستمرّ والمتلاحق؛ العمل المدوّن والقائم على التخطيط، بحيث لو
استُبدل المسؤولون، لا يتوقّف. لقد ذُكر خبرٌ جيّدٌ حيث قيل إنّ وثيقة تنمية
المحافظة قد دوّنت، فهذا ممتازٌ. فعندما تُدوّن الوثيقة فلن يكون لتبديل المسؤولين
والمديرين تأثيرٌ كبير، بل سيستمرّ العمل. المهم هو أن تكون خارطة الطريق واضحة.
حسنٌ، عندما نقول إنّ على هذه المحافظة أن تضاهي المحافظات العشر الأوائل في البلد،
فهل هذا أمرٌ عمليّ؟ إنّ ما يراه المرء من استعدادات وإمكانات هذه المحافظة يفيد
الإيجاب، فالأمر قابلٌ للتطبيق بنحو كامل. توجد إمكانات واستعدادات ممتازة في هذه
المحافظة، وأحد هذه الإمكانات المهمّة هو الطّاقات البشريّة. وأنا قد أدركت هذا
الأمر بالحسّ والعيان، وذلك عند لقائي بالجامعيين والطلّاب والمعلّمين والأساتذة ـ
في اللقاءات المختلفة ـ وفي التقارير التي عرضها هؤلاء الأعزّاء، وكذلك من خلال
مجموع التقارير التي وصلتنا. يوجد في هذه المحافظة طاقات بشريّة لائقة بحمد الله.
وهذه هي الإمكانات الأساسيّة. هذا إلى جانب الإمكانات الطبيعيّة، والقضايا
المتعلّقة بالأرض والإقليم والموقعيّة الجغرافيّة وغيرها من القضايا التي تؤثّر في
تقدّم المحافظة. لهذا، فالإمكانات موجودة، ويمكن واقعاً التقدّم بهذه المحافظة
والارتقاء بها، وعمارة حياة النّاس.
هؤلاء النّاس، في الحقيقة، هم ممّن يستحقّ الخدمة؛ مع كل هذا الإيمان، والصدق، وهذا
الحضور المميّز في السّاحات المختلفة، والمشاركة في المنطقة الحدوديّة، هذه المنطقة
الجغرافيّة الحسّاسة. وفي الحقيقة، إنّه لمن الجدير أن نقدّم لأهالي هذه المنطقة
الأعزّاء خدمات مميّزة، وأن تتطوّر هذه المحافظة.
الإعمال في سلّم الأولويات
لقد ركّز الأعزّاء الذين تحدّثوا هنا على مطلبين أو ثلاثة؛ وكنت أصغي إلى هذه
المطالب ودوّنتها، وأنا سوف أؤكّد عليها هنا. إنّ هذا العرض الذي قدّمه السيّد
المحافظ المحترم كان كاملاً، وفيه مجموعة كاملة من الأعمال والأنشطة. وفي الواقع لو
يتمّ تنفيذ مثل هذا الحجم الكبير من الأعمال في مقطعٍ زمانيٍّ محدّد ومشخّص، فإنّ
وجه هذه المحافظة وعمقها سيظهران ـ وليس في هذا شكّ ـ لكنّ المهمّ أن تُتابع هذه
الأعمال من أجل أن تصل إلى الفعليّة.
والنقطة المهمّة الأخرى هي أن توضع هذه الأنشطة ضمن سلّم أولويّات. وذلك بالالتفات
الجيّد إلى إمكانات البلد، والإمكانات الماليّة والميزانيّات، وما لدى الحكومة من
إمكانات تضعها في خدمة النواحي والقطاعات المختلفة2؛ وكذا بالنسبة إلى
قضيّة المردود السّريع للمشاريع المختلفة. فبعض المشاريع مفيدٌ وضروريّ، لكنّه بعيد
المنال، وبعضه بمتناول اليد وقريبٌ. فكلّ هذا يحدّد الأولويّة التي علينا أن
نراعيها وأن نتقدّم وفقها. من الأولويّات، بنظري أنا العبد، هي قضيّة الزراعة،
والتي تكرّرت في كلمات الأعزّاء. فالإمكانات الزّراعيّة متاحة هنا، والعقول
والأدمغة المناسبة لتقدّم الزراعة موجودةٌ ـ حيث أشير إلى الأبحاث الزراعيّة. وفي
بعض هذه اللقاءات، ذُكرت مطالب ومسائل تتعلّق بحركةٍ جديدة بشأن الريّ، مفيدةٍ
للعمل الزراعي. توجد استعدادات وافرة، وتوجد أرضٌ وماءٌ وطاقات بشريّة وطقسٌ مناسب،
كما أنّ الدّخل الأساسيّ لأهالي هذه المنطقة خلال السّنة يأتي عن طريق الزّراعة
والدّواجن.
بالتأكيد، ممّا لا شكّ فيه أنّه توالى على (هذه المنطقة) قحطٌ وجفاف مستمرّان. وكما
قيل لي في بعض التقارير، إنّ من الأمور التي وجّهت ضربةً إلى زراعة هذه المحافظة
وتطوّرها وأدّت إلى وجود مشاكل أيضاً، هو صغر مساحة الأراضي التي تنتج المداخيل ـ
أي الأراضي التي قُسّمت ـ فإنّها أراضٍ ذات قطع صغيرة. من المشاريع المهمّة التي
كانت مورد اهتمام الحكومات السّابقة، وكنت، أنا العبد، أؤكّد عليها، هو التمكّن من
دمج هذه المساحات الزراعيّة الصغيرة، فهذا يساعد على أنّ تكون الزّراعة صناعيّة
ومتطوّرة وتُستخدم فيها الآلات الحديثة، وهذا من الأمور المهمّة. فمثل هذه الضّربات
قد نزلت بالزّراعة، إلى جانب عوامل مختلفة أخرى. يجب إيلاء الزّراعة الأولوية، لكن
لا بمعنى أن نتناسى الصّناعة في هذه المحافظة. كلا، فللمحافظة صناعات يمكن من خلال
الاهتمام بها والالتفات إليها، إيجاد فرص عمل وتحقيق الأرباح الكثيرة للمحافظة. لكن
تبقى قضيّة الزراعة في المرتبة الأولى، التي إذا ما استطعنا إحياءها في ظلّ الظروف
الموجودة، فإنّها ستساهم في قضيّة فرص العمل وستزيل البطالة وآثارها المختلفة ـ مثل
الانزواء والإدمان وأمثالهما ـ أو تضعف جذورها.
المحاور الثلاثة للإقتصاد
هناك ثلاثة محاور أساسيّة بالنسبة للاقتصاد: الأولى، التصنيع الزّراعيّ؛ فلنحدّث
الزّراعة ونجعلها صناعيّة. والأخرى، قضيّة الصّناعات التحويليّة والتكميليّة
والبرّادات وأمثالها. فلو كان في متناول يد البستانيّ صناعات تحويليّة هنا، لاختلف
حاله كلّيّاً، فينبغي أن يكون هناك برّادات. وسوف أٌلفت نظر مسؤولي الحكومة في
لقائنا غداً إن شاء الله إلى هذا الأمر وأؤكّد عليه ـ حيث نجد أنه يُعمل
بالاقتراحات والآراء التي تنبثق عن أغلب هذه الاجتماعات من قبل مسؤولي الحكومة ـ
فمثل هذه القضايا يجب طرحها هناك. أنا أتحدّث، من أجل أن يتّضح أفق تطوّر المحافظة.
الأفق واضحٌ وهو يشمل قضيّة الصّناعات التحويليّة، ووضع مخطّط للتوزيع والتسويق ـ
والذي تضمّنه عرض أحد السّادة هنا ـ وجودة سوق المنتجات والمعاملات والتجارة
المحليّة، ومن ثم قضيّة الصّادرات والتجارة الخارجيّة. يجب إيجاد منظومة عقلائيّة
ومدبّرة، فهذا الذي سيساعد على تقدّم المحافظة. لهذا، فإنّ من أولويّات هذه
المحافظة قضيّة الزّراعة، مع هذه الأبعاد والمسائل الإضافيّة المختلفة.
السياحة في المحافظة
مسألة أخرى وصلت إليّ، في التقارير التي جاءتني قبل سفري، لفتت نظري وقد طالعتها
بدقّة، ثمّ وجدتها تتكرّر فيما عرضه المسؤولون والأعزّاء والنّخب في المحافظة، هي
قضيّة السّياحة. فالمناطق السّياحيّة الجذّابة في هذه المحافظة كثيرة، منها ما هو
طبيعيّ ومنها ما هو تاريخيّ. ففي هذه المنطقة، طبيعةٌ خلّابة ومعالم تاريخيّة، وكما
قيل لي في التقارير ـ ولم أوفّق الآن لرؤية هذه الأشياء ـ هناك قلعة مجاورة
لأسفراين3، شبيهة بالبناء المعروف بـ "أرغ بم"4، يأتي
إليه الناس من خارج البلاد لمشاهدته. فلماذا لا يأتي أحدٌ إلى هنا؟، ولماذا لا
يعرفونه؟ في حين أنّ إمكانية الوصول إليه هنا أكبر، هناك الملايين الذين يعبرون هذا
المسير كلّ سنة ـ الأرقام هنا تختلف، فبعضهم يقول عشرين مليوناً، وبعضهم يقول خمسة
عشر مليوناً ـ وهم زوّار مشهد، ويعبرون من هنا. حسنٌ، لو وجدت الوسائل المناسبة،
وتوقّف، لن نقول جميعهم، بل بعضٌ منهم ليومٍ واحدٍ في هذه المحافظة، لاحظوا كم
سيكون لذلك من أثر عظيم على وضع المحافظة. فهنا، أنتم لا تحتاجون أن تستقطبوا
المسافرين والسيّاح من مركز المدينة، أو من أطراف البلد إلى نقطةٍ نائية. فهذه ليست
نقطة نائية، بل إنّها محلّ عبور ومرور قوافل الزوّار، فالنّاس يأتون ويذهبون. فلو
بقي بعض المسافرين، وليس كلّهم، يوماً أو ليلةً في هذه المدينة وذهبوا لمشاهدة
المناطق الطبيعيّة والمواقع التاريخيّة، انظروا أيّ تحوّل في حياة وتجارة هذه
المنطقة سيتحقق. بناءً عليه، هذه أولويّةٌ.
أيُّها المسؤولون؛ الكثير من العمل
وقضيّة التحقيقات التي أشير إليها هنا هي صحيحة، وهي في الحقيقة أولويّة. إنّ حصيلة
العمل البحثيّ لا تظهر للعيان، لكنّ الناتج في الحقيقة هو من قبيل ما أشير إليه في
القرآن الكريم:
﴿أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ﴾،
فالحبّة الواحدة التي تبذرونها سوف ترجع عليكم بسبعمائة حبّة. إنّ عمل الأبحاث هو
من هذا القبيل. فعندما تنثرون بذرة سليمة، أو تجرون تحقيقاً حول الأسلوب الجيّد
للزّراعة، أو بشأن مادّة مؤثّرة في الصناعة، أو الزّراعة، أو الخدمات وغيرها، فإنّ
هذا يؤدّي فجأةً إلى تحقّق ربحٍ كبير وشامل للبلد بعد مدّة من الصّبر والتحمّل.
وهذا لا شكّ من الأولويّات. لهذا، فالعمل كثير وأرضيّته هائلة، والنّاس هنا طيّبون.
إنّ البلد اليوم بحاجة إلى العمل والسّعي. أعزّائي!
مسؤولي القطاعات المختلفة، ممثّلي الشرائح، يجب عليكم أن تنقلوا هذا الأمر إلى كل
من يستمع إليكم أو يعمل تحت إدارتكم قولاً وعملاً: إنّ البلد بحاجة إلى العمل. يجب
أن نعمل وبشدّة، وأن نعمل العمل المخطّط والمنظّم والمرتّب والجيّد.
أعداؤنا لا ينامون عنّا
كلّما شعرنا بالضّعف، فإنّ أعداءنا، الذين توعّدونا، ترتفع معنويّاتهم. كما أنّنا
كلّما شاهدنا حركة مؤثّرة على مستوى البلد من أجل تحريك النّاس وتشجيعهم وزيادة
بصيرتهم، نرى من جانب العدوّ سعياً فوريّاً من أجل إحباط ذلك. أولئك الذين يرصدون
القضايا الدّوليّة والمسائل السياسيّة والإعلاميّة والسلوكيّات المختلفة بين
الدّول، يدركون هذا الأمر جيّداً. فكلّما جرى عملٌ مهمٌّ في البلد ـ على سبيل
الفرض، مظاهرة كبرى، أو انتخابات عظيمة، أو نجاحٌ علميّ أو صناعيّ كبير، أو إجراءٌ
مهمٌّ ومؤثّر في الحكومة ـ فإنّهم يسعون مباشرةً لتسليط الضوء على هذا العمل
واختلاق الإشاعات حوله. كما أنّنا كلّما أظهرنا الضّعف والتّعب تلاحظون مباشرةً
ردّة فعل العالم وهي: نفخ الرّوح في أعداء النّظام الإسلامي وأعداء الإسلام وارتفاع
معنويّاتهم وفرحهم وكأنّهم حصلوا على نفسٍ جديد من أجل البدء بالهجوم. يجب الالتفات
إلى هذه الأمور. إنّ هذا يعلّمنا أوّلاً أن لا ندع العمل والسّعي أبداً؛ وثانياً،
أن نسعى لحقن وتقوية روحيّة العمل والسعي والأمل في الذين
يستمعون إلينا ويعملون في دائرتنا، فهذا تكليفٌ. إنّ كلّ حديثٍ يظهر
اليأس والتّعب والإحباط والملل والاختلاف هو ممّا لا شكّ فيه، مضرّ بمصالح البلد
وتطوّرها، ومضرٌ بالعزّة الوطنيّة.
ثورتنا تؤتي أكلها كلّ حين
إنّ أيدينا مليئة في مواجهة الأعداء. إنّ قدراتنا عالية؛ وهذا ليس ادعاءً ـ لا نريد
أن نرجز5 ـ بل هذه كلّها وقائع. والشّاهد الأهمّ على هذا الواقع هو أنّه
طيلة الـ 33 سنة كانوا يطعنون ويرمون الحجارة ويوجّهون الضربات. فلو كنّا ضعفاء
لكان من اللازم لهذه الشجرة أن تكون قد يبست وهوت أرضاً، فلماذا إذاً نمت عشرة
أضعاف؟ لماذا أضحت تؤتي أُكُلها كلّ حين بإذن ربّها؟ إنّ البلد اليوم مقارنةً مع ما قبل عشر أو عشرين سنة، قد تطوّر كثيراً بلحاظ
الموقعيّة العلميّة والصّناعيّة والاجتماعيّة وروحيّة النّاس. وقد أصبح النّظام
أكثر استحكاماً بكثير. حسنٌ، علامَ يدلّ هذا؟ إنّه يدلّ على وجود قوّة داخليّة
بنّاءة حقيقيّة في هذا البلد تتغلّب على جميع الخُدع والمؤامرات والمشاكل التي
يوجدها العدوّ، وهذا أمرٌ واضحٌ. إذاً، إنّ أيدينا مليئة، ولدينا قدرات. ولكن يمكن
لنا أن نقضي على هذه القدرات الذاتيّة بأيدينا. فلو قمنا بإضعاف هذه الرّوحيّة
وأضعفنا هذا الأمل، وأضعنا هذه الفرص، ولو اظلمّ الأفق أمام أعين شبابنا، الّذين هم
أملنا، نكون بذلك قد أضعنا أنفسنا بأنفسنا. لا يجوز القيام بهذا الفعل. إنّ هذا
بأيدينا. الكلّ مسؤولون، غاية الأمر أنّ المدراء ومسؤولي القطاعات المختلفة يقع على
عاتقهم مسؤوليّة أكبر.
الغرب وطاولة المفاوضات
ولحسن الحظ، إنّ البلد قد حقّق تطوّراً كبيراً في مجال أدبيّات التعامل مع العالم
المهيمن المستكبر والغربيّ. عندما يتحدّث مسؤولو دولتنا اليوم على المنابر المختلفة
أو طاولات المحادثات يصدر عنهم كلامٌ ناضجٌ جامعٌ ملفتٌ وصحيحٌ. إنّ من أقسام
وميادين وساحات المواجهة ساحة التخاطب الدّوليّ. إنّ أغلب
وسائل الإعلام الأوروبّيّة، هي صهيونيّة، لعلّكم تعلمون ذلك، واعلموه. إنّ أغلب هذه
الوسائل التي نسمع أسماءها في العالم، كان الرأسماليّون الصهاينة، ومنذ سنواتٍ،
يفكّرون في الإمساك بها من أجل اختلاق الأخبار وتوجيه الرأي العام. هذه
الوسائل هي نفسها التي تلقّن السياسيين "ماذا يفعلون". فهذه هي القضيّة المهمّة.
ولنضع ما عند سياسيّي الغرب من خبثٍ ذاتيٍّ ودهاء جانباً، فهذه الوسائل الإعلاميّة
أيضاً تلقّنهم ذلك. ومن الكلام الرّائج هو: أنّنا نضغط على إيران من أجل أن ترجع
إلى طاولة المباحثات. فما هي هذه الطّاولة؟ متى تركت إيران المباحثات بشأن القضايا
العالميّة المختلفة ومنها الملف النووي، حتى تعود إليها؟! إنّ هذه خدعةٌ إعلاميّة.
يقولون: نحن نسعى أن نرجع إيران إلى طاولة المباحثات! إنّ هذه خدعة إعلاميّة وغشّ.
ها هم يكرّرون هذا الأمر في العالم، ويقولون هذا، ويقولون ذاك. برأيي، إنّ هذه
العبارات تُكرّر إلى درجة أنّ السياسيين الغربيين أنفسهم يعتقدون أنّها واقعٌ، في
حين أنّ الذي اخترع هذا الشّكل وهذا الكلام وهذه المعادلة كان له مقصدٌ آخر. فهو لا
يريد لإيران أن ترجع إلى طاولة المباحثات بل إنّه يريد لإيران أن تستسلم أثناء
المباحثات لكلّ الهيمنات الغربيّة. حسنٌ، الجواب من جانب إيران هو: كلا، فأنتم أصغر
من أن تتمكّنوا من إركاع شعبٍ ثوريٍّ بصيرٍ واعٍ أمام مراميكم ومطامعكم. فمشكلة كل
هذه الهيمنات السياسيّة الغربيّة ليست في أنّ إيران لا تريد المباحثات بشأن الملف
النووي أو القضايا الأخرى، كلاّ، مشكلتهم هي أنّ إيران لا تخضع لكلامهم. وبالطبع،
من المعلوم أنّ هذه المشكلة ستبقى.
أيها الإنكليز! لسنا في القرن الـ19
الطّريف هنا أنّ الأوروبيين يتحدّثون بلهجة القرن التاسع
عشر، حيث كانت السفينة الإنكليزيّة في ذاك الزمن تأتي إلى الخليج
الفارسيّ، ويرسل القائد الإنكليزيّ أوامره من داخلها إلى مشايخ الخليج للقيام
بالعمل الفلاني، وترك العمل الفلاني. أمّا هؤلاء فكانوا كالعبيد ينحنون ويقولون:
"على عيني"! يتصوّر الأوروبيّون أنّ اليوم هو القرن التاسع عشر. ولم تكن الحكومات
التي حكمت بلادنا، حكوماتٍ شريفة كي تتمكّن من إظهار هويّة الشعب الإيراني وأصالته
في تصرّفاتها ومعاملاتها، وإنّما كانت منفعلة ومسحوقة. لقد استطاع أولئك أن يؤثّروا
في سياستهم وثقافتهم؛ ولقد هزموهم في الباطن. انظروا، إنّ أيّ شخصيّة أو فردٍ أو
شعبٍ ـ لا فرق ـ عندما تُهزم في باطنها وفي نفسها، فإنّها ستُهزم أمام الملأ. أولئك
كانوا معتدين، وهؤلاء كانوا عبّاد دنيا ومادّيّات ويسعون للسلطة والرئاسة ويهتمّون
بجمع المال والملك والتّجارة، ولم يكونوا يسعون لتحقيق الآمال الكبرى، وإنّما كانوا
يسعون نحو الأطماع البشريّة الحقيرة ، لهذا غلبوهم وهزموهم.
واليوم يتصوّرون أنّ الأمر هو على ذاك النحو. إنّ القضيّة اليوم هي الخطاب الجديد
الذي تعرضه الجمهوريّة الإسلاميّة في العالم، وتجعل مستكبري العالم حيارى.
إنّ مستكبري العالم اليوم ليسوا في موقع من يريد أن يتحدّث مع الثّورة الإسلاميّة
بلغةٍ هجوميّة. فقد استطاعت الثّورة الإسلاميّة اليوم أن تنشر فكرها في
العالم، بالرّغم من كل تلك الرّقابة التي فرضوها، وبالرّغم من كل الضغوط التي
مارسوها، فاليوم أصبح هذا الفكر رائجاً، فكر السّيادة الشعبيّة وفكر حاكميّة
الرّوحانيّة والدين، وفكر مشاركة النّاس في السّاحات، وفكر مواجهة كل تلك الهيمنات
التي تمارسها القوى والمعسكرات العالميّة المقتدرة. إنّ هذا الفكر أصبح رائجاً
اليوم. أنتم ترون كيف أنّ كل هذه الأفكار قد صارت رائجة في العالم. وإن لم تكن باسم
إيران، فليكن. فنحن لا نصرّ على أن يكون ذلك باسم إيران؛ ولكن لا يوجد أيّ إنسانٍ
في العالم ينكر تأثير الثّورة الإسلامية، وصمود شعب إيران في هذه الأحداث. هذه هي
القضيّة اليوم.
الفعالية والعمل الصحيح والاتّحاد
لهذا فإنّ العمل يسير بنحوٍ صحيح. نحن نحتاج إلى السّعي
والفعاليّة والتفكير والعمل الصّحيح والاتّحاد فيما بيننا وأن نجعل الأجواء، أجواء
سعي وعمل وإخلاص وروحانيّة وبعيداً عن التظاهر؛ يوجد اليوم مثل هذا
الميدان. أنتم أيّها الأعزّاء الذين تتحمّلون المسؤوليات في القطاعات المختلفة ـ من
المستويات العليا في المحافظة إلى المستويات المتوسّطة وغيرها ـ كلّ واحدٍ منكم
يمكنه أن يؤدّي دوراً. لقد قلنا سواءٌ كانت هذه المسؤوليات رسميّةً ومقدّرة ومقرّرة
في القانون، أم كانت مسؤوليات اجتماعيّة كعمل العلماء والمثقّفين والأساتذة وأهل
العلم والناشطين الاجتماعيين بكافّة المستويات، فالكلّ له تأثيره، والكلّ يتحمّل
مسؤولية، وإن لم يكن لمسؤوليّتهم عنوانٌ حكوميّ. فكلّنا مسؤولون. نسأل الله تعالى
أن يعين كي نتمكّن من القيام بأعمالنا إن شاء الله. أستودعكم الله جميعاً أيّها
الإخوة والأخوات الأعزّاء. وإن شاء الله يشملكم الحقّ جميعاً بتوفيقاته.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1-التقسيم الإداري
المتبع في إيران: محافظة - قضاء أو مقاطعة - منطقة أو ناحية.
2-في كل قضاء
3-مركز قضاء في محافظة خراسان الشمالية.
4-أرك بم: قلعة تقع في شمالي شرقي مدينة بم في محافظة كرمان في إيران. من القلاع
التاريخية العظيمة المبنية من اللبن تعود أولى لبنات تأسيسها، حسب بعض الدراسات
التاريخية ، إلى ما قبل 6000 سنة. وهي قد تضاهي من حيث الجمال والعظمة سور الصين.
لكن وللأسف، فقد تضررت أكثر هياكل هذا المعلم الذي لا نظير له نتيجة الهزة الأرضية
التي ضربت منطقة بم عام 2004م.
5-المقصود : لا نريد إنشاد الشعر.