يتم التحميل...

كلمته عند لقائه عوائل الشهداء والمضحّين في محافظة خراسان الشمالية

خطاب القائد

كلمته عند لقائه عوائل الشهداء والمضحّين في محافظة خراسان الشمالية: 13-10-2012م

عدد الزوار: 46

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.
إنّ مجلسنا اليوم هو مجلسٌ عابقٌ بالنورانيّة والمعنويّات. والى جانب ما يبثّه هذا الجمع العزيز لعوائل الشهداء، من الآباء والأمّهات والزوجات والأبناء وأقارب الشهداء الآخرين، كلّما اجتمع، من روحيّة الثورة ونشاط الجهاد والصمود في الأجواء ـ وهو ما يحصل في جميع الاجتماعات التي نلتقي فيها بعوائل الشهداء الأعزّاء ـ فإنّ لقاءنا هذا اليوم وحتّى هذه اللحظة كان لقاءً مليئاً بالمغزى والمضمون. فالكلمات التي أُلقيت، والأشعار التي تُليت كانت ذات نُكاتٍ عميقة ومهمّة. وقد استمعت أنا العبد، بدقّة، ووجدت فيما ذكره الأعزاء من منظارٍ ناقد مطالب مهمّة جدّاً، استحوذ بعضها على ذهني وقلبي، أنا الحقير، وأسرهما.

شهيد الوحدة
بدايةً، نذكر جملةً بشأن شهداء هذه المحافظة الأعزّاء. لقد كان لي، أنا العبد، معرفةٌ عن قرب ببعض هؤلاء الشهداء، وقد تعرّفت إلى الكثيرين منهم من خلال سيرة حياتهم والرّوايات التي ذُكرت حولها. فمحافظتكم من هذه الجهة، هي من المحافظات المميّزة. فرغم المسافة البعيدة التي تفصل هذه المحافظة عن منطقة الحرب والقتال، إلا أنّ شبابها، ومنذ الأيّام الأولى لانتصار الثورة، التحقوا بميادين الجهاد في سبيل الله. وبعد عصر الاستشهاد1، لم يتوقّف مسلسل الجهاد في سبيل الله الذي ينتهي إلى الشهادة في سبيله. فالشهيد العزيز الأخير في هذه المنطقة، أي الشهيد رجب علي محمد زاده2، قد نال من الله تعالى أجر الجهاد أيّام الدّفاع المقدّس، والصمود في الميادين الصعبة في السنوات اللاحقة، وختم الله تعالى ملفّ حياته، فكان شهيد الخدمة وشهيد الوحدة3. إنّ هذه هي قيَم منطقةٍ يقطنها أناسٌ مؤمنون، إنّ هذه هي قيم محافظةٍ ومدينة.

محبّتي لعوائل الشهداء والجرحى
يجب تقديم الاحترام لمجموع العوائل المضحّية في هذه المحافظة، وعوائل الشهداء، وأعزّائنا الجرحى الذين لم يفقدوا عزمهم وصمودهم وإيمانهم الرّاسخ، وتحمّلوا مشاكل الإعاقة طيلة هذه السنوات المتمادية وصمدوا وما زالوا صامدين. أنا العبد، أرى من الضروريّ، بالإضافة إلى الإعراب عن محبّتي ووفائي لآباء وأمّهات وزوجات وأبناء الشهداء الأعزّاء، أن أعرب عن محبّتي للعوائل العزيزة للجرحى وزوجاتهم اللاتي يتحمّلن كل أعبائهم. وهذه التضحيات هي في ديوان القيم الإلهية من أفضلها وأعلاها. إنّها تحفظ حياة أيّ مجتمعٍ أو أيّ شعبٍ في أعلى مستوى وتجعلها مهيئة لبناء الذات.

نحن على مائدة الشهداء
إخواني وأعزائي، فيما يتعلق بعالم شهدائنا الأعزاء لديّ أنا العبد الحقير، اعتقاد قويّ وعميق بمسألة، وهي أنّنا اليوم جميعاً نجلس على مائدة الشهداء. فبقاء هذه الثورة إنّما كان بدماء الشهداء. وهذه من النقاط التي استند إليها أعزّاؤنا الذين تحدّثوا وأنشدوا الشعر هنا. أجل، هذا صحيحٌ. الشهادة هي التي توقِّع على ثبات وبقاء واستمرار القيم. إنّ أعظم أجرٍ يُعطى للشهيد في هذا العالم هو بقاء ورسوخ تلك الحقيقة التي ضحّى هذا الشهيد بنفسه من أجلها، والله تعالى يحفظ هذه الحقيقة ببركة دمه. والآلية المنطقية والعقلائية لهذا الأمر واضحة أيضاً. فعندما يبذل أيّ مجتمع من روحه ووجوده وراحته من أجل قيمةٍ وحقيقة ما، فإنّه يثبت حقّانيّتها في العالم. وحقانيتها أنّها تبقى، فالحقّ هو الذي يبقى، هذه هي السنّة الإلهيّة.

الخالصون من علائق الدنيا
إنّ شهداءنا الأعزّاء وجرحانا هم أشخاصٌ قطعوا علاقتهم القلبيّة بكلّ رغباتهم الشخصيّة. إنّ هذا أمرٌ سهلٌ على اللسان. ولم يكن هذا القطع للعلاقة بالمال فقط، بل بالعواطف أيضاً. فالشهيد ينقطع بقلبه عن عاطفة الأمّ وظلّ الأب، وضحكة الطفل، وعشق الزوجة، ويتحرّك نحو أداء التكليف. وهؤلاء المعوّقون هم شهداء أيضاً، والمضحّون4 في أيّ جمعٍ من جموع المضحّين كانوا، قد وضعوا أقدامهم في وادي الشهادة. وقد اختار الله تعالى مجموعة فرحلت، ومجموعة بقيت للامتحانات اللاحقة، لكنّ رتبة الشهيد ومرتبة الشهادة موجودةٌ عند المضحّين. وأضيف نقطة أخرى أيضاً، على ما بيّنه أعزّاؤنا هنا، قيل: "إنّ أولئك الذين التحقوا بميادين جبهات الجنوب والغرب في عصر الجهاد المقدّس، والدفاع المقدّس، وحملوا أرواحهم على أكفّهم، وقد انتهت تلك المرحلة، ينقسمون إلى ثلاث فئات، منهم من ندم على ماضيه، ومنهم من أصبح غير مبالٍ، ومنهم من بقي على عهده. والذين بقوا على العهد، يجب أن يموتوا بحسرتهم". وأنا لا أؤيّد الجملة الأخيرة. فالذين بقوا على العهد سوف يشهدون إثمار هذه الغرسة واستحكام هذه الشجرة. فإنّ هذا البناء العظيم والشامخ وهذه الحركة العظيمة لن يهتزّا بتراجع بعض الأشخاص. فهذه القافلة لن تتوقّف أبداً، ﴿مَنْ يَرْتَدّ َمِنْكُم ْعَنْ دينِهِ فَسَوْف َيَأْتِي اللَّهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ المائدة،54، وهذا ما قاله الله تعالى في القرآن لمسلمي صدر الإسلام، لأولئك الذين جاهدوا وقاتلوا في ركاب النبيّ وضحّوا بأنفسهم، فالقرآن يبيّن لهم هذه الحقيقة في الواقع.

حفظ القلوب من التزلزل
يجب حفظ القلوب. فبعض القلوب يتزلزل ويزلّ ولا يستطيع أن يحفظ نفسه على تلك الحافة العالية ومواصلة المسير، لهذا فهو يسقط. لذلك يعبّر القرآن عنهم بقوله، ﴿مَن يَرْتَدّ مِنْكُمْ عَنْ دينِهِ. والارتداد لا يعني دائماً التّراجع عن الدّين والإعراض عنه، بل يعني التّراجع عن ذاك الطريق الذي كانوا يسيرون عليه في الماضي. أجل، كان هناك جماعة في ثورتنا، وكان هناك جماعة في صدر الإسلام، ولم يستمرّوا على الطريق الذي سلكوه مع النبيّ، ولكن هل توقّف الطريق؟! وهل يتوقّف؟ وهل تقف القافلة في مكانها؟ إنّ القافلة تتحرّك، ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه. وهناك أناسٌ يبعثون الإيناع والاخضرار في شجرة الثورة وأحد هذه البراعم والنماءات هو أنتم أيّها الشباب، أنتم الذين لم تشهدوا الحرب ولم تشاركوا فيها، ولم تشاهدوا الإمام. لكن اليوم، كلّ دولتنا الإسلاميّة والثوريّة طافحة بروحيّة الصمود والثبات والافتخار والشعور بالعزّة.

في يومٍ من الأيّام كانت الفرق العسكرية من منطقتكم ـ خراسان الشمالية ـ تخترق الخطوط في الجبهات، وأنتم اليوم تقتحمون الخطوط. إنّ صمودكم اليوم بوجه جشع واعتداء القوى المتسلّطة في العالم هو اقتحامٌ للخطوط. إنّ شعب إيران اليوم اقتحم الخطوط. إذا ما قارنتم الثورات التي انتصرت في هذه المنطقة في إطار الصحوة الإسلاميّة ـ ونحن بالطبع نقدّر ونحترم كلّ هذه الثورات ـ مع الجمهوريّة الإسلاميّة والنظام الإسلاميّ، والثورة الإسلامية، فهل تجدون مثل صمود واقتدار الشعب الإيرانيّ وثقته بنفسه في أيّ مكان آخر؟ هذا هو اقتحام الخطوط السدود.

لقد اعتاد مقتدرو العالم والمتسلّطون فيه، على أن يتحدّثوا نيابةً عن جميع شعوب العالم من أجل تأمين مصالحهم الحقيرة، مصالح رأسمالييهم، واعتادوا أن يتدخّلوا في جميع شؤون الدّول، من أجل إرضاء جشعهم واستكبارهم. قد تئنّ الشعوب، أو تصرخ ولكن من الذي يمكنه أن يقف بوجه ترهيب القوى؟ فأيّ شعبٍ، غير شعب إيران، يمكن أن يظهر بالمنطق والاستدلال المحكمين أنّه يقف مقابل جشع الاستكبار؟ ومهما فعل الآخرون فهم أقلّ رتبة من شعب إيران. وليتقدّموا بإذن الله علينا ـ فلا اعتراض لدينا ـ فما أجمل أن تتقدّم الشعوب المسلمة والشعوب الأخرى علينا، لكنّ هذا ليس واقع القضيّة. إنّ شعب إيران اليوم هو في الطليعة، وهو يقتحم الخطوط.

الشباب بشارة اليوم
إنّ شبابنا لم يكونوا موجودين في ذلك اليوم، ولكنّهم موجودون اليوم، وهذه بشارة. فليعتمد أهل الفكر وأهل النظر والرأي على هذه الظاهرة المذهلة. ففي نظام الجمهورية الإسلاميّة، وبالرّغم من كل هذه الانحرافات التي تظهر هنا وهناك، فإنّ هذا الوعي وهذا الصمود وهذا العزم الرّاسخ بين شبابنا، إذا لم يكن أكثر منه أيّام الدّفاع المقدّس، فإنّه حتماً ليس بأقلّ.

شجرة تورق أكثر مما تسقط
كيف يمكن لشجرة أيّ شعب أن تورق أكثر ممّا تسقِط؟ توجد سقطات، هناك من يتراجع عن الطريق، هناك من يشعر بالتّعب، هناك من يشكّ بماضيه، هناك من يخرج عن الطريق ببسمة الأعداء وخداع المكّارين، لكن في المقابل، في مجتمعنا هناك رجالٌ ونساء شجعان وأهل بصيرة ومعرفة بحقائق الزّمان ويشرفون على الكثير من القضايا السياسيّة المختلفة التي لم تكن مطروحةً أو موجودة في ذلك الزمان. وكلّ هؤلاء ثمار وبراعم جديدة. هكذا هو وضعنا اليوم. هناك مجموعة تنظر إلى الظواهر وتحكم بصورة خاطئة. يتصوّرون أنّ الشباب قد ارتدّوا عن الدين. كلّا، إنّ الشباب يحبّون هذا الطريق، ويحبّون الشيء الراسخ في القلوب، وهذا حال أكثر شباب هذا البلد وهو بفضل بركة دماء الشهداء، وببركة تضحيات أعزّائكم وشبابكم5. لقد ربّيتم شبابكم وتعبتم وقدّمتموهم باقة من الورود لهذا المجتمع، وها قد رحلوا وصاروا شهداء في سبيل الله. يجب على كلّ شعب إيران أن يكون شاكراً لكم. على الجّميع أن يعظّموا ذكر الشهداء. يجب على أبناء الشهداء أن يفتخروا بآبائهم. يجب على أبناء الشهداء أن يسلِّموا طريق آبائهم وتراثهم إلى الأجيال اللاحقة. إنّ شعب إيران يفتخر بشهدائه. إنّنا بكلّ محبّة ووفاء نفتخر بعوائل الشهداء ونعتقد أنّ الشهداء ساروا على الخطّ الأماميّ، وخلفهم، مباشرة، سار آباؤهم وأمّهاتهم وزوجاتهم، الذين صمدوا وضحّوا. واليوم صارت حركة شعبنا الثوريّة العظيمة ببركة هذا الفداء ثابتة، وإن شاء الله ستزداد ثباتاً واستحكاماً يوماً بعد يوم. نسأل الله تعالى أن ينزل رحمته وبركاته وفضله على شهدائنا الأعزّاء وعوائلهم، وعلى جرحانا الأعزّاء وعوائلهم، وعلى الأسرى المحرّرين وكلّ المضحّين، وأن يرضي عنكم القلب المقدّس لوليّ العصر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

1-المقصود هنا: توقف الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية عام 1988م، وعدم توفق كثيرين للشهادة في سبيل الله، ممن التحقوا بركب الجهاد، وولوا وجوههم شطر الجبهة.
2-قائد الحرس في منطقة سيستان وبلوشستان، استشهد عام 2009 م على يد التكفيرين بهجوم انتحاري في منطقة "بيشين" أثناء حضوره جلسة وجهاء ومشايخ المنطقة ذات الغالبية السنية. وأدى التفجير إلى استشهاد وجرح العشرات من الحاضرين ومنهم عدد من المسؤولين.
3-أطلق القائد على الشهيد رجب علي "شهيد الخدمة" لخدماته الكثيرة في الجبهة، "وشهيد الوحدة" لجهوده الكبيرة في التأليف والتقريب بين أهل تلك المنطقة المتعددة المذاهب.
4-مصطلح يطلق على كل من ذهب إلى الجبهة قاصداً الدفاع عن الإسلام وجاهد ولم يستشهد.
5-انطلاق صيحات التكبير والدعاء لحفظ القائد.

2012-12-01