كلمته في لقائه الآلاف من طلّاب المدارس والجامعات
خطاب القائد
كلمته في لقائه الآلاف من طلّاب المدارس والجامعات على أعتاب 13 آبان: 31-10-2012م
عدد الزوار: 44

بسم الله الرحمن الرحيم
نتمنّى أن يشملكم الله تعالى أيّها الشباب الأعزّاء والغرسات اليانعة بأدعية سيّدنا
الإمام المهدي المنتظر سلام الله عليه وعجّل الله فرجه. النشيد والشعر كانا جميلين،
وكذلك الألحان كانت جميلة وزاخرة بالمضامين ومتناسبة مع ما يجب أن يحمله الشّباب
المسلم اليوم في قلوبهم وأرواحهم بكلّ عزيمة وإرادة إيرانية. موفّقين إن شاء الله.
الإمامة والولاية والركن الأهم
أوّلاً مبارك لكم عيد الغدير السعيد، وولادة الإمام الهادي سلام الله عليه، ويوم
الثالث عشر من آبان الذي يعدّ مظهر الوجه القويّ والحازم لشعب إيران للوصول إلى
الأهداف والصمود بوجه الأعداء. الغدير حدثٌ مهمٌّ وأصوليّ يرتبط باهتمام الإسلام
بأهمّ ركن في تشكيل النّظام الإسلامي والمجتمع الإسلامي، ألا وهو قضيّة الإمامة
والولاية. وإحياء الغدير بمعني من المعاني هو إحياء
للإسلام. القضية ليست فقط قضيّة الشيعة والمؤمنين بولاية الإمام علي بن
أبي طالب عليه السلام. نحن الشيعة والذين ندّعي اتّباع الإمام علي بن أبي طالب عليه
السلام لو شرحنا حقيقة الغدير بصورة صحيحة، وأدركناها
ووعيناها، وعرّفنا الآخرين إليها، فإنّ قضية الغدير يمكنها أن تكون من بواعث الوحدة.
إنّ قضية العقيدة القلبية وارتباط نحلة دينية ومذهبية بمبدأ عقيديّ هي بحثٌ، ومعرفة
القضية هي بحثٌ آخر.
لقد قام الإسلام بإظهار أرفع قضيّة في مورد تشكيل المجتمع الإسلاميّ والنّظام
الإسلاميّ والعالم الإسلاميّ في قضية الغدير. أملنا أن نكون بصدد الوصول إلى
المفهوم والمضمون والمعنى الحقيقيّ للغدير والولاية بكلّ ما تعنيه الكلمة في الواقع.
فاجعلوا أيّها الشّباب هذا الأمر في أذهانكم دوماً واسعوا من أجله طيلة حياتكم إن
شاء الله.
بخصوص قضية الثالث عشر من آبان1 التي سمّيت في أدبيات نظامنا الإسلاميّ
باسم مقارعة الاستكبار، هناك الكثير من الكلام الجدير بالقول. القضية ليست مجرد
أننا نروم إحياء ذكرى تاريخية أو نتفاخر بها. ثمّة مضامين لهذه القضية. تعلمون أن
ثلاثة أحداث تاريخية وقعت في الثالث عشر من آبان. نفي الإمام في عام 1964، ومذبحة
طلبة المدارس اليافعين 1978، وأخيراً السيطرة على وكر التجسّس 1979. وفي كل هذه
الأحداث الثلاثة كانت مشاعر الجماهير ومظهر النّضال أي الإمام الخمينيّ الجليل
والشعب الإيراني في جانب، والحكومة الأمريكية المستكبرة في الجانب الآخر. إذن، ثمّة
مواجهة كانت بين نظام الجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية وشعب إيران بما له من
عقيدة من جهة، وبين السّاسة الأمريكيين والحكومة الأمريكية المستكبرة من جهة أخرى.
فمتى بدأت هذه المواجهة؟ عليكم أيّها الشّباب أن تتأمّلوا في هذه المسألة بنظرة
تاريخية لقضايا البلاد. ثمّة نقطتان أساسيّتان هنا تجب دراستهما: إحداهما، من أين
بدأت هذه المواجهة، وما هي المراحل التي مرّت بها وإلى أين وصلت؟ والنقطة الثانية،
ماذا كانت نتيجة هذه المواجهة؟
الأمريكيون أسقطوا مصدّق وجاؤوا بالشاه
حين تقع المواجهة والصّراع بين جماعتين أو فئتين أو شخصين، فإنّ أحدهما سينتصر
والآخر سيخسر. في هذه المواجهة الطويلة، ماذا كانت النتيجة؟ من الذي انتصر، ومن
الذي خسر؟
بخصوص السؤال الأول وهو: من أين بدأت هذه المواجهة؟ إنّ هذه المواجهة قد بدأت منذ
ما قبل سنة 1964م، أي في سنة 1953م بانقلاب الثامن والعشرين من مرداد الذي نفّذه
الأمريكيون في إيران، وأسقطوا من خلاله حكومة الدكتور مصدّق2. الوكلاء
الأمريكيون، المعروفة أسماؤهم ووجوههم وخصوصيّاتهم وهوياتهم تماماً، والكلّ
يعرفونهم، وهناك كتب صدرت بهذا الخصوص، جاءوا رسميّاً إلى إيران بحقائب مليئة
بالدولارات، فطمّعوا الأوباش والأشقياء والأراذل وبعض السّاسة الذين باعوا أنفسهم،
ونفّذوا هنا انقلاب الثامن والعشرين من مرداد19آب1953م وأسقطوا حكومة مصدّق.
والطّريف، الذي من المناسب أن تعلموه، هو أنّ حكومة مصدّق، التي سقطت بواسطة
الأمريكيين، لم يكن لديها أيّة خصومة معهم. فإنّ مصّدق كان قد وقف لمواجهة
البريطانيين بالاعتماد على الأمريكيين ووثق بهم، وكان يأمل أن يساعدوه، لذا كانت له
معهم علاقة صداقة، وكان يظهر لهم محبّته، ولربّما كان يبدي بعض التصاغر أمامهم.
والأمريكيون هم الذين فعلوا ذلك بتلك الحكومة. لم تكن الحكومة في طهران معادية
لأمريكا، لا، إنّما كانت صديقة لها، إلا أنّ المصالح الاستكبارية اقتضت تحالف
الأمريكيين والبريطانيين، فحملوا الأم
وال إلى هنا وفعلوا ما فعلوا. فالعنصر الأصليّ
للانقلاب في طهران كان شخصاً أمريكياً اسمه معروف وشخصيّته معلومة، وأنا العبد على
علم تام بذلك، وكتبوا ذلك في الكتب. وبعد أن أوصلوا الانقلاب إلى غايته وثمرته
وأعادوا الشاه إلى هنا، بعد أن كان قد فرّ وهرب، صار الأمريكيون هم "الكلّ بالكلّ"
في البلاد، أي أنهم أمسكوا بزمام الأمور.
15 خرداد شرارة الثوة
وبعد مرور قرابة عشرة أعوام على هذا الحدث، وقعت حادثة انتفاضة الشعب في الخامس عشر
من خرداد3 والثورة الإسلامية والنّضال الإسلاميّ والنهضة الإسلامية؛ أي
أنّهم ولعشرة أعوام، مارسوا الضغوط وعذّبوا وضربوا وسجنوا وأعدموا وفعلوا كل ما
يحلو لهم في هذا البلد، إلى أن وقع الانفجار في قضية خرداد سنة 1963، بعد عشرة
أعوام. هنا أيضاً، ومع أن ّالحكومة البهلوية الطاغوتية والظالمة كانت أحد طرفيّ
القضية، إلا أن الأمريكان كانوا وراء تلك الحكومة وسنداً لها، وهم الذين زادوا من
قوّتها وتسلّطوا بواسطتها على كل شؤون بلادنا. واستمرّ هذا النّضال إلى سنة 1964،
فاضطر الأمريكيون إلى التدخّل المباشر، فقاموا بنفي الإمام الخمينيّ الجليل سنة
1964م خارج البلاد. وهنا أيضاً استطاعوا أن يحقّقوا مراميهم بالظاهر، وأن يتغلّبوا
حسب ظنّهم على شعب إيران، لكنّ الشعب الإيراني لم يُغلب.
وبعد عام 64م، ارتكبت حكومة محمّد رضا بهلوي، المبسوطة اليد وبدعمٍ من الأمريكيين،
الآلاف من الفجائع في بلادنا. وقد مارس الأمريكيون النهب والسلب والتوسّع والعدوان
على إيران ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وكان لهم في إيران عشرات الآلاف من
المستشارين الذين قبضوا الأموال ودرّبوا على التعذيب وارتكبوا آلاف الجرائم؛ إلى أن
انطلقت- سنة 78 وتبعتها سنة 79- هذه الحركة العظيمة للشعب الإيرانيّ بقيادة الإمام
الجليل. ولم يكن للعدّو في هذه المواجهة أمل في الانتصار هذه المرّة. لقد وقف الشعب
وقاوم وضحّى وقُتل رجاله ونساؤه، حتّى تلامذة المدارس في الشوارع، لكن الشعب
الإيرانيّ انتصر أخيراً سنة 1979م. أي أنّ الذي انتصر أخيراً في هذه المواجهة
الطويلة، التي امتدّت 25 سنة، من سنة 53م وإلى سنة 79م، هو الشعب الإيراني. لقد
انتصرت الثورة الإسلامية، وسقطت حكومة تابعة لأمريكا، وقضي على الحكومة الملكية
الاستبدادية الخبيثة الفاسدة التابعة الطويلة الأمد، واستلمت حكومة الشّعب الإيراني،
حكومة الثورة والنظام الإسلامي، زمام الأمور.
وكر الجاسوسية والانتصار الحقيقي للثورة
وقد بدأ الأمريكيون بالمعارضة منذ اليوم الأول، وأحدثوا خللاً، وكان وكر التجسّس،
أي السفارة الأمريكية في طهران، هو مركز صناعة الاضطرابات وكل المؤامرات؛ حيث كانوا
يرتبطون بذا وذاك، ويهدّدون، ويطمّعون، ويعقدون الاتفاقات ويعطون الوعود، ويجتذبون
الشخصيات الضعيفة، عسى أن يستطيعوا فعل شيء. إلا أنّ الطلبة الجامعيين، وفي الثالث
عشر من آبان من سنة 79م، باعتبارهم زبدة شرائح الشعب الإيرانيّ المناضلة، بادروا
للسيطرة على وكر التجسس هذا. وهنا أخفقت أمريكا بمؤامراتها ضدّ الشعب الإيراني،
مرّة أخرى.
واستمرّ مسلسل الهزائم الأمريكية. بقيت أمريكا طيلة هذه الأعوام الثلاثة والثلاثين
أو الأربعة والثلاثين ـ أي منذ سنة 79م وإلى اليوم ـ توجد الاضطرابات من أجل تلافي
هزيمة سنة 79م. ولم تكن هذه الهزيمة، هزيمةً لأمريكا في إيران فحسب، حتى نقول بأنّ
نظاماً تابعاً لأمريكا في إيران قد سقط وأُخرج من إيران وقُطعت أيديهم عن هذا البلد،
إنّما كانت هزيمة لأمريكا في المنطقة. والشعب يرى اليوم هذه الهزيمة من خلال أحداث
مصر، وأحداث تونس، وأحداث شمال أفريقيا، وأحداث هذه المنطقة العربية العظيمة،
والنفور والكراهية التي تبديها الشعوب تجاه الأمريكيين. لم يكن بوسع كلّ أبناء
الشعب يومذاك أن يلاحظوا هذا الشيء بدقّة، لكن المنظّرين السياسيين الأمريكيين
كانوا يفهمون أنّه إذا ما قُيّض لهذه الثّورة البقاء والتجذّر والإثمار والازدهار،
فإنّ هذه الأحداث ستقع. لذلك استخدموا كل ما في وسعهم ضدّ هذه الثورة، وإلى اليوم.
الثورة من نصر إلى نصر
حسنٌ، من الذي انتصر بعد هذه الفترة من المواجهة؟ هذه قضيّة على جانبٍ كبير من
الأهميّة. منذ سنة 53 وإلى الآن ونحن على مشارف سنة 2013 92ش ـ أي ما يقارب الستين
سنة ـ كانت هناك مواجهة وصراع بين شعب إيران من جانب، والحكومة الأمريكية المستكبرة
من جانب آخر. هذا ليس بالشيء الهامشيّ القليل، بل هو حدث مهمّ جداً. فمن الذي كان
إلى اليوم المنتصر في هذا الميدان؟ هذا شيءٌ جدير بالتأمّل. حين ندرك أنّ المنتصر
هنا هو إرادة وتصميم شعب مؤمن ومتوكّل على الله، فسيكون هذا درساً لكلّ الشعوب،
وسيكون هذا مبدأ لكل تطوّرات التاريخ، وفلسفة جديدة للتاريخ تُبتني على الأصول
الإسلامية، وتخرج إلى النور، وتدوّن، ويقبل بها الجميع. هذا واقع قد حدث، أي أنّ
الشعب الإيراني، كان طوال هذه المدّة وإلى اليوم، هو المنتصر في هذا الميدان العظيم.
بأيّ دليل؟ انظروا إلى إيران.. الدليل هو أنّهم أرادوا القضاء على هذه الثورة، لكنّ
الثورة بقيت، ولم تبقَ الثورة فحسب، بل وقويت يوماً بعد يوم. إنّ جيل إيران الشاب
حالياً، هو جيل لم يشهد الثورة ولم يشهد فترة الحرب المفروضة ولم يرَ الإمام
الخميني، إلا أنّه يدرس ويعمل ويعيش ويتنفس بنفس المحفزّات والعزيمة والتصميم الذي
كان لجيل الثورة والجيل الذي أوجد الثورة. هذه دلائل ساطعة على حياة الثورة
وحيويتها.
بالإضافة إلى كل هذا، لاحظوا النظام الإسلامي الآن، إنّه نظام اكتسب المتانة
والقوّة والثّبات، وقال للعالم كلمته، وفرض على الشعوب الاعتراف بعظمته، وصار عظيماً
وكبيراً في أعين الشعوب المسلمة وغير المسلمة. فإمامنا الجليل هو شخصية عظيمة
ورفيعة حتى في أعين أعدائه. عُرف الشعب الإيراني في العالم كشعب فولاذيّ مقاوم مؤمن
ذي بصيرة، واستطاع النظام الإسلامي تطوير البلاد في الداخل.
إيران اليوم أقوى وأكثر ثباتاً وازدهاراً
إنّ إيران التي ترونها اليوم ليست إيران ما قبل الثورة. إنّ إيران ما قبل الثورة
كانت بلداً متخلّفاً منسيّاً لا يمتلك الإبداع. على الرغم من كل هذه المواهب والإرث
التاريخي والثقافة الغنية، لم يكن لهذا الشعب أي دور أو ظهور في الميادين العلميّة
أو السياسيّة أو التقنيّة في العالم، ولم يكن له شيء جديد يطرحه على العالم، ولا
ابتكارات في مجال قضايا المنطقة والعالم، بل كان محض تابع. في الداخل، وباستثناء
مناطق محدودة يهتم بها المسؤولون وساسة النظام البهلوي، كانت مناطق البلاد خرائب
غير معمورة. واليوم إذا سُمعت أخبار عن إشكالات في زاوية من زوايا البلاد يتحسّس
الجميع. في ذلك الحين كانت معظم مناطق البلاد على هذا الشكل، أي غير معمورة، وحياة
الناس فيها صعبة، بلا ماء ولا كهرباء ولا طرق، خالية من أسباب الحياة ولوازمها.
الذين علموا بذلك، كانوا ينظرون بحسرة، والكثيرون لم يكونوا يعلمون بذلك أصلاً. كان
الناس يعيشون حياةً منكوبة. اليوم، حققت إيران كل هذا التقدّم، وأنجزت كل هذه
الأعمال والمشاريع والإبداعات، وسجّل الشباب كل هذه النجاحات في ميادين العلم
والبناء وفي كل القطاعات والمجالات الأخرى.
لم يكن هنالك شيء من هذا في ذلك الحين. لقد تقدّم البلد وهذا انتصار. بقيت الثورة
حية وازداد النظام ازدهاراً وإثماراً وتجذراً يوماً بعد يوم، واستمر وعي الشعب
بالازدياد. إن المقدار الذي تفهمونه اليوم يا شباب الثانويات من قضايا العالم
وتحلّلونه لم يكن مهيّأً يومذاك للكثير من المثقفين، ولم يكونوا قادرين على فهمه.
لقد عمّت اليوم البصيرة والوعي والتحليل السياسي والتعمّق في القضايا. لقد تقدّمنا
في المجالات المادية وفي الشؤون والاهتمامات المعنوية والمشاركة في المراسم
والمجالات المعنوية. لاحظتم في الأسبوع الماضي ما الذي حدث في كل البلاد في مراسم
دعاء عرفة. من هم الذين شاركوا في مراسم دعاء عرفة؟ كلّهم شباب. وكذا الحال في أيام
الاعتكاف، وفي شهر رمضان، وفي أيام محرّم، وفي أيّام العزاء، وفي أيّام الفرح، ذاك
عن ميدان العلم، وهذا عن ميدان الدين، وذاك عن ساحات السياسة والبصيرة.
رغماً عن الأعداء، تقدّم البلد في كل الأبعاد والميادين وشهد حالات إعمار. البلد
الذي اعتاد لقرون طويلة على الحكم الفردي الاستبدادي ظهرت فيه إحدى أرقى مظاهر
السيادة شعبيّة، وذلك من خلال المشاركة في الانتخابات وفي المساهمة في القضايا
العامّة. هذه هي نفس الثّورة التي أراد لها الأمريكيون أن تُمحق وتزول وتُصاب
بالضّعف والخور، وكانوا يمنّون أنفسهم بأنها ستسقط بعد أشهر. كان الأمريكيون
يطمئنون عبيدهم المستبدّين في المنطقة بأن يصبروا لبعض الوقت وبأن الثورة سوف تزول
وتُمحق وتسقط! وقد نمت الثّورة والحمد لله يوماً بعد يوم. هذا ما يتعلّق بهذا
الجانب من القضيّة.
سقوط أمريكا، في الفكر والمنطق والشعارات
أمّا الجانب الآخر من القضيّة فيتمثّل بزعماء أمريكا والحكومة الأمريكية المستكبرة.
ما من أحد في العالم يشك في أنّ أمريكا سقطت خلال هذه
الأعوام الثلاثين أكثر من ثلاثين درجة من حيث الاقتدار والشأنيّة العالميّة. الكلّ
يشاهدون ذلك ويعلمونه. والأمريكيون أنفسهم يعترفون به. السّاسة
الأمريكيون السابقون المخضرمون يهزأون بالسّاسة الحاليين ـ والأفضل أن يقال عنهم
رجال الحكومة ومدمّري الدولة الحالية ـ ويقولون لهم إنّكم أوصلتم أمريكا إلى هذا
المستوى. وهم على حق، لقد سقطت أمريكا. ما من
حكومة في العالم اليوم مكروهة بقدر الحكومة الأمريكية. لو تجرّأت حكومات منطقتنا
اليوم والحكومات الأخرى وأعلنت أحد الأيّام يوماً للبراءة من الحكومة الأمريكية،
وقالوا للناس اخرجوا في مظاهرات في هذا اليوم، لكانت أكبر مظاهرات في تاريخ العالم.
هذا عن مكانة سمعة أمريكا.
أمّا من حيث الموقف المنطقي والفكري لأمريكا، فهناك حكومة وشعب يعتمدان على هذا
الفكر والمنطق الذي يطرحانه. الشعوب لا تكتسب المكانة والاعتبار بالمال فحسب، ولا
بد من فكر ومنطق. كان الأمريكيون يقولون إن لنا أصولاً ومبادئ أو على حدّ تعبيرهم
قيماً... القيم الأمريكية. وكانوا يثيرون الضجيج في العالم من أجل هذه المبادئ
والقيم. انظروا اليوم لتروا أين وصل الحال بالقيم الأمريكية.
يزعمون أنهم يعارضون الإرهاب، وهم يتحالفون اليوم في منطقتنا وفي الكثير من أنحاء
العالم مع الإرهابيين ويجتمعون معهم ويتوافقون ويتعاهدون ويعطون المال والسلاح
ليمارس الإرهابيون أعمالهم الإرهابية! يحيطون جماعة المنافقين - الذين يعترفون هم
أنفسهم باغتيالهم لآلاف الأشخاص داخل البلاد - بمظلة دعمهم ويخرجونها، بحسب تعبيرهم
من قائمتهم السوداء!
ويزعمون أنّهم يناصرون الديمقراطية. يقولون إنّنا نسعى للسيادة الشعبية
والديمقراطية وحقوق الشعوب في التصويت والانتخاب. لكنّهم يدعمون أسوأ المستبدين
والدكتاتوريين في العالم والمنطقة بكل ّكيانهم وقدراتهم! هذا ما يشاهده الجميع، وهو
ليس بالشيء الخفيّ. هذا هو سقوط القيم. حكومة تزعم أنّها مناصرة لحقوق الإنسان
والديمقراطية وفي الوقت نفسه تقدّم أكبر الدعم وأكثره لحكومات لم تشم رائحة
الديمقراطية!
يزعمون أنّهم يناصرون حقوق الإنسان ـ وهذه إحدى القيم الأمريكية التي يثيرون كثيراً
من الضجيج حولها ـ ويرفعون راية حقوق الإنسان. لكن أسوأ الممارسات المضادّة لحقوق
الإنسان تتمّ تحت مظلة الدعم الأمريكي، ولا يمتنع الأمريكان عن مواجهتها فحسب، بل
ويدعمونها! منذ خمسة وستين عاماً وحقوق الشعب الفلسطيني تُنتهك وتُسحق علناً من قبل
الصهاينة الأشقياء الأراذل في فلسطين المحتلّة، ولا يهتزّ للأمريكيين جفن، بل
ويدعمون هذه الانتهاكات ويقدّمون لها المساعدات!
يدّعون أنّهم يناصرون الشعوب، ولكن أينما تطلق الشعوب تحرّكاً تحررياً إصلاحياً
ثورياً ضدّ الشرور يقفون في الصف المناهض للشعوب!
يدّعون أنهم أثرى شعب وحكومة في العالم ـ وأمريكا بالطبع بلد ثريّ ولديه إمكانيّات
طبيعيّة وجوفيّة وسطحيّة وكل شيء ـ لكنّهم أوصلوا أمر الشعب الأمريكي إلى أن تكون
الحكومة الأمريكية اليوم الأكثر مديونية في العالم، فقروضها وديونها تعادل إنتاجها
الإجمالي الوطني! ما من فضيحة أكبر وأشنع من هذه لبلد ما.
يزعمون أنّهم أنصار الحريّة. ولكن ما من بلد في العالم مثل أمريكا من حيث عدد
السّجناء! عدد سكّانهم قرابة ثلاثمائة مليون نسمة، لكن نسبة سجنائهم إلى عدد
سكّانهم أكثر منها في أيّ بلد آخر في العالم. وإلى جانب هذا، هناك محاكم صوريّة
وزائفة. طبعاً في الأفلام السينمائية والتلفزيونية والاستعراضات المتنوّعة ثمّة
محاكم ذات آداب وتشريفات، هذه بالتالي نتاجات هوليوود وتمثيل النجوم والفنّانين،
والواقع غير ذلك.
الحكومة الأمريكية أضلّت شعبها
يزعمون أنّ شعبهم شعب عزيز شامخ. والحكومات الأمريكية اليوم أذلّت شعبها وضلّلته.
كما قال القرآن الكريم عن فرعون:
﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى﴾
طه/79 أضلّت الحكومات الأمريكية شعبها، ولم يُسمح له بالاطلاع على الحقائق. حركة الـ
99 بالمائة والنهضة المعارضة لـ "وول ستريت" في أمريكا جرت، والشعب الأمريكي غير
مطّلع على الكثير من الحقائق، ولو اطّلع ربما لاشتدّت هذه التحرّكات عشرة أضعاف.
وضعوا شعبهم في أسر الصهاينة. أليس من العار على حكومة أن يتحدّث المرشح فيها
لرئاسة الجمهورية خلال معركته ومناظراته الانتخابية بما يدخل السّرور على قلوب
الصهاينة، ويثبت خدمته وطاعته لهم؟! عندما ترون في هذه المناظرات الانتخابية في
أمريكا، أنّ كلّ واحدٍ من المرشّحَين الحاليَّين يحاول
إبداء الطاعة للمجتمع الصهيوني في فلسطين، وللمجتمع الصهيوني والرأسمالي الإسرائيلي،
فذلك لأنّهم أسرى الصهاينة. إنّ ساسة مثل هذا البلد الكبير وبمثل هذا التقدّم
العلمي جعلوا شعبهم أسيراً لحفنة من الصهاينة!
لاحظوا أنّ كلّ هذا هو حالات تراجع إلى الوراء. فما هي نتيجة كل هذا التراجع؟ إنّ
نتيجته هي انهيار سمعتهم وذهاب ماء وجههم في العالم. فدائرة نفوذهم في
العالم تتقلّص يوماً بعد يوم، وينهزمون في الحروب المهمّة. ففي العراق، لم يصل
الأمريكيون إلى أهدافهم وهزموا. وكذلك في أفغانستان. وكذا الحال في حربهم ـ التي
شنّها الصهاينة المرتبطون بهم ـ ضدّ المقاومة في لبنان وكذا الحال في مواجهتهم
لشعوب شمال أفريقيا. هزموا في كل هذه المواقع والنزالات. طبعاً الكلام كثير في هذا الصدد. ولو أراد المرء ذكر كل جوانب القضية لطال المقام
ربّما لساعات. ولكن ربّما يمكن الاستنتاج، بجملة مختصرة، ان الذي هزم في هذا الصراع
والمواجهة الطويلة التي خاضتها أمريكا باقتدارها وحكومتها واستكبارها ضد الشعب
الإيراني ـ والتي استمرّت 32 سنة ـ حيث إنّنا الآن في سنة 1391ش 2012م، هو الحكومة
الأمريكية المستكبرة المتكبّرة المزهوّة بنفسها. والذي انتصر هو الشعب الإيراني
الشامخ المصمّم العازم.
استخلاص الدروس والعبر
حسنٌ، وما النتيجة؟ لا نريد أن نطلق الأراجيز والملاحم، إنما نريد أن نتعلّم
ونستلهم الدروس وأن نجد طريقنا بين حقائق العالم وواقعياته ببركة الهداية الإسلامية.
الدرس هو أنّ الشعب إذا صمد وقاوم بعزم وتصميم وتفجّرت
طاقاته الذاتية الداخلية واتّكل على الله العظيم، ولم يبخل في ساحة المواجهة بروحه
وأمواله وسمعته، حتّى لو لم يكن له من الأموال والسلاح والتقدّم العلمي ما للخصم،
وكان سكّانه أقل عدداً من الخصم، وحتّى لو لم يكن له واحد بالمائة من وسائل إعلام
الخصم، فإنّه سينتصر في أعظم وأصعب المواجهات والمعارك.
لم تنتهِ تحديّاتنا مع العالم الاستكباري ولن تنتهي ولا ضير في ذلك. فالتحديات
والمواجهات بالنسبة للشعب هي بمثابة الرياضة التي تقوّيه يوماً بعد يوم. إنّنا نقوى
بهذه التحدّيات، ولكن يجب أخذ الحيطة والحذر، وأن ندرك ما هي التحديات،
وماذا يريد الخصم أن يفعل، وما هي طرق مواجهته. فما لم ندرك هذه الأمور أو أسأنا
الفهم، وركنّا إلى الراحة والدّعة، وغفلنا عن البيّنات والواضحات فسوف نُهزم.
ليس لله صلة قرابة مع أحد. إذا صمدتم ـ كما صمدتم إلى اليوم ـ وتوكّلتم
على الله، ودين الله فسوف تنتصرون حتماً. أما إذا لم نصمد ولم نقاوم ولم نتفطن
للشروط اللازمة لنضال بهذه العظمة، فمن الواضح أن الله تعالى لا يكترث للشعوب
الكسولة والمشغولة بالأمور التافهة. لطف الله وعنايته
وعونه تعمّ الشعوب التي تصمد وتفهم وتتحلّى بالبصيرة والحركة والقدرة على التشخيص.
الحفاظ على الإرادة والعزيمة
إن من أعمالنا ومهمّاتنا الأساسية الحفاظ على هذه الإرادة والعزيمة المعطوفة على
طاعة ربّ العالمين. هذا هو الشرط الأوّل. ومنها أيضاً اتّحادنا، ومنها مساعينا
وجهودنا. فالبعض يجب أن يدرسوا، والبعض يجب أن يسعوا ويبذلوا الجهود في مجالات
البحث العلمي والتحقيق، والبعض يجب أن يبذلوا الجهود في ميدان البناء والعمران،
والبعض يجب أن يسعوا في المجال الإداري، والبعض يجب أن يبذلوا جهوداً تجارية،
والبعض ينبغي أن يسعوا ويجدّوا دوماً ليجدوا سبلاً لتقدّم البلاد المستمر. لكل
جماعة نوع من المساعي والجهود. الكل يجب أن يسعوا ويجدّوا. إذا عمل الجميع وجدّوا
وسعوا فسوف يكون الازدهار أسرع والتقدم أكبر والانتصار مضموناً أكثر.
الشقاق ممنوع
ومن السبل والطرائق إيجاد الوحدة. الاختلافات مضرّة.
فالاختلافات بين المسؤولين مضرّة، والأسوأ من ذلك جرّ الاختلافات إلى أوساط الشعب،
فهذا أكثر ضرراً. هذا ما أحذّر المسؤولين ورؤساء السلطات المحترمين منه.
إنني أدعم رؤساء السلطات وسأدعمهم في المستقبل أيضاً ـ فهم مسؤولون ويجب مساعدتهم ـ
لكنّني أحذّرهم وأقول لهم يجب أن يحذروا ويحترسوا. لا أنّ كتابة هذه الرسائل أمر
مهم جداً. لا، ليكتبوا مائة رسالة، ويعملوا عملهم، ولكن لا يجرّوا الاختلافات إلى
أوساط الناس، ولا يجعلوا سفاسف الأمور سبباً للضجيج والصّخب ولاستغلال العدوّ
إعلامياً، فتكون مادة إعلامية للإذاعات والتلفزيونات الأجنبية. ليكتبوا مائة رسالة،
فالرسالة لا أهمية لها. المهم هو أن نعلم جميعاً أن علينا مسؤوليات. كلّنا يجب أن
نعلم أنّ موقعنا وظروفنا حسّاسة.
التقدّم العلمي يغضب العدو
إنّ العدوّ اليوم منزعج وغاضب بسبب أحداث شمال أفريقيا وبسبب تقدّم إيران العلمي،
وهم بالتأكيد يقولون التقدّم النووي، لكنّهم يكذبون،
فمشكلتهم الأساسية هي التقدّم العلمي الذي تحقّقونه، وبسبب التأثير الذي يتركه
الشعب الإيراني على سائر الشعوب، وبسبب الصحوة الإسلامية التي ظهرت.
العدوّ يشعر بالهزيمة والاندحار والإخفاق، لذا فهو منزعج. طبعاً الموقف والظاهر
الذي يتّخذه السّاسة الأمريكان هو ظاهر الإنسان المنتصر، ليقولوا: نعم، فعلنا كذا
وكذا، لكنهم يعلمون ويعلم الآخرون وتعلم المحافل السياسية والأوساط الإعلامية في
العالم حقيقة القضية. هم يعلمون أن الحكومة الأمريكية قد
هُزمت في هذه المعركة، وفي هذا النّضال الكبير، وهذه الأحداث. لذا فهم منزعجون.
وهم يسعون لفعل شيء. من أفعالهم وممارساتهم المهمّة أن يبثّوا الاختلافات بيننا
بأساليب مؤذية وشبيهة بحركة الزواحف، هذه من أعمالهم التي اعتادوا على ممارستها منذ
القدم. وبالطبع فإنّ المتبحّر والخبير الكامل في هذه العملية هم البريطانيون
الخبثاء. هم الأكثر خبرة من سواهم في بثّ الاختلافات، والأمريكيون يتتلمذون على
أيديهم ويتعلّمون منهم! بثّ الاختلافات من خلال طرق النفوذ، والعمل كما تعمل
الفئران السارقة والأرضة المتغلغلة المندسّة الزاحفة. هذه من أعمالهم الدارجة. يجب
أن نكون حذرين متفطّنين، ونقلل الاختلافات إلى أدنى المستويات.
طبعاً الاختلافات في وجهات النظر كثيرة، ولا إشكال فيها أبداً ـ شخصان مسؤولان
وصديقان وبينهما اختلاف في وجهات النظر، وقد كان هذا سائداً دوماً ـ لكن اختلاف
وجهات النظر يجب أن لا يؤدّي إلى اختلاف في العمل وحالات التعامل المتنوّعة
والاختلافات العلنية والإمساك بتلابيب البعض وتعقّب العثرات أمام أنظار الناس. لأن
تلك الاختلافات ليست لها مثل هذه الأهمية. مرة تكون الأمور والأشياء مهمّة فيجب أن
يطلع الناس، لكن هذه الاختلافات التي يراها المرء بين هؤلاء السادة ليست بالأمور
ذات الأهمّية الكبيرة حتى نضخّمها بالادعاءات المختلفة ونعرضها أمام أنظار الناس
ونضفي عليها أهمية كبيرة. إنها غير مهمّة. يجب عدم الإفصاح عن الاختلافات وجرّها
إلى أوساط الشعب والجماهير. ينبغي عدم تحريض مشاعر الجماهير باتّجاه الاختلاف. من
اليوم إلى يوم الانتخابات، كل من يستخدم مشاعر الجماهير لإيجاد الاختلافات يكون قد
خان البلاد بالتأكيد.
لحسن الحظ فإنّ مسؤولي البلاد مجدّون ومثابرون ومخلصون، ويريدون العمل للبلاد. طبعاً
قد تصدر بعض حالات الغفلة، لكن النوايا منصبّة على العمل إن شاء الله. نتمنّى أن
يثيب الله تعالى الجميع على هذه النوايا الحسنة، ويوفّق الشعب الإيراني في كلّ
الساحات والميادين، وسوف يوفّقه قطعاً إن شاء الله.
والسّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
1-13 آبان (4 تشرين
الثاني) وهو يوم الطالب في الجمهورية الإسلامية. توافق هذا اليوم 3 مناسبات، أولها:
13 آبان (عام 1964) يوم أبعد الشاه الإمام الخميني إلى تركيا. والمناسبة الثانية:
13 آبان (1978) يوم خرج الطلاب واعتصموا في جامعة طهران للاعتراض على نظام الشاه،
حينها قام النظام بارتكاب مجزرة بحقهم استشهد وجرح الكثير منهم، والثالثة: 13 آبان
(1979) يوم سيطر الطلاب على السفارة الأمريكية في طهران بعد انتصار الثورة في أقل
من سنة، وقبضوا على العاملين فيها وضبطوا الكثير من الوثائق السرية والأدلة التي
تفضح مخططاتهم ومؤامراتهم وعمليات الجاسوسية التي يقومون بها، وقال الإمام الخميني
في ذلك اليوم كلمته المشهورة: "اليوم انتصرت الثورة".
2-رئيس حكومة إيران عام 1951م، جاء بانتخاب البرلمان، قام بتأميم النفط ما اغضب
البريطانيين. تمت الإطاحة به عام53م بانقلاب مدبّر بعملية مخابراتية بين الأمريكيين
والبريطانيين سموها "أجاكس"، عمادها الإغراءات المالية، أعادوا بنتيجتها تنصيب
الشاه، واعتقل مصدق بعدها وسجن 3 سنوات.
3 -5 حزيران 1963م. تاريخ انطلاق شرارة الثورة الإسلامية. حين اصدر الإمام الخميني
بياناً فضح فيه الشاه وبين حجم المؤامرة والخيانة التي يرتكبها بحق الشعب، ودعا
الناس والعلماء إلى تحمل مسؤولياتهم، قام جلاوزة الشاه على أثرها باعتقال الإمام،
وخرجت تظاهرات واعتصامات في العديد من المدن،حيث تم إخمادها بالقوة فذهب ضحيتها
ألاف الشهداء والجرحى.