الموضوع: مؤامرة الفصل بين الدين والسياسة، شمولية الإسلام
خطاب
الحاضرون: جمع من النساء العاملات في مجمّع (طيبة) التعليمي في مدينة لنجرود
عدد الزوار: 202
التاريخ: 26 شهريور 1358 هـ. ش/ 25 شوال 1399 هـ. ق
المكان: قم
المناسبة: ذكرى استشهاد الإمام جعفر الصادق عليه السلام، الذكرى السنوية لحادثة المدرسة الفيضية
الحاضرون: جمع من النساء العاملات في مجمّع (طيبة) التعليمي في مدينة لنجرود
بسم الله الرحمن الرحيم
مؤامرة الغرب في الفصل بين الدين والسياسة
في البدء أتقدم بالشكر للسيدات اللاتي تجشمن عناء المجيء من مكان بعيد للتعزية. وأنا بدوري أقدّم لهنّ التعازي ايضاً.
إن ما هو مهم في هذه الثورة هو أن نعي ظروفها وأهدافها ومتابعة تطلعات الجمهورية الإسلامية بوعي ودراية. فحتى يومنا هذا كان النظام الشاهنشاهي يعمل خلافاً للاحكام الإسلامية في شتى انحاء البلاد وفي اوساط الكوادر التعليمية وغيرها، وفي الوزارات ودوائر الدولة، وفي الجيش وفي كل مكان. وكانت مخططاتهم تقضي بأن لا يسمحوا للاسلام ببسط نفوذه في ايران بالصورة التي نتطلع اليها، لأن الاجانب يريدون أن يستغلوننا دون عناء، ولهذا كانت دعاياتهم ومخططاتهم تنصب على عدم السماح للاسلام بالانتشار. فالتوجه الإسلامي الذي لا يتعارض مع مصالحهم، كانوا يغضون الطرف عنه. ولكن التوجهات الأخرى التي كانت تتصدى لمطامعهم كانوا يلاحقونها بقسوة، وقد بذلوا غاية جهدهم لاقناع الناس بضرورة الفصل بين الدين والسياسة.
فالدين في تصورهم هو أن تصلي وتصوم ولا تتدخل في الشؤون التي تعنيهم وتعيق تحقيق مطامعهم ونهبهم.. إفعل ما تشاء ولا تتدخل فيما يمارسونه من نهب لثروات البلاد وظلم العباد.. الحكّام ينشغلون بالنهب والسلب وظلم الشعب واضطهاده، والشرائح المتدينة تنشغل بطقوسها وشعائرها ولا تتدخل في ادارة شؤون البلد وغير معنية بما يفعله الأجانب ببلدهم.
كانت هذه مهمة الحكومة في عهد الطاغوت، وكانوا يحرصون على عدم السماح لعلماء الدين بالتدخل في السياسة. وربما صدّق الكثير من علماء الدين أنفسهم بضرورة عدم التدخل في السياسة. كما أن الكثيرمن شبابنا اقتنع ايضاً بضرورة عدم تدخل علماء الدين في شؤون السياسة. حتى أنه نقل عن أحد أزلام النظام قوله: نحن نريد أن نحافظ على قداسة علماء الدين، وينبغي لهم عدم التدخل في شؤون ادارة البلد حفاظاً على قداستهم..
هذه هي احدى الأحابيل التي لجأ اليها الغربيون وتبعهم أذنابهم فيها، داعين علماء الدين للتوجه الى المساجد والعبادة حفاظاً على قداستهم، ولا شأن لهم بأوضاع البلد والحكومة والمجلس وفئات المجتمع الأخرى. ولا يتدخلوا فيما لا يعنيهم. كان هذا المخطط مطروحاً منذ سنوات طويلة وقد اكتسب بعداً واسعاً في عهد رضا شاه وابنه.
ضرورة تدخل جميع الفئات في السياسة
باختصار اننا نؤمن بضرورة تدخل جميع فئات المجتمع في شؤون السياسة وليس علماء الدين وحدهم. فالسياسة ليست إرثاً للحكومة او المجلس او فئة خاصة. إن جميع ابناء الشعب لهم الحق بالتدخل في ادارة شؤون بلدهم.. النساء لهن الحق بالتدخل في السياسة وهو واجب عليهن. كما إن لعلماء الدين الحق بالتدخل في السياسة وهو واجب عليهم ايضاً.. الإسلام دين السياسة. دين كل بعد من أبعاده سياسة حتى عبادته.
صلاة الجمعة والتجمعات السياسية في الإسلام
لاحظوا أن صلاة الجمعة ذاتها لم يكن بالإمكان اقامتها بالصورة المطلوبة في زمن الطاغوت، وكانت تقام احياناً بالخفاء داخل احد المساجد. فهل هذه هي ظروف اقامة صلاة الجمعة، ام الصورة التي اقيمت فيها في الاسابيع الماضية؟ ومما يؤسف له أن السيد الطالقاني قد التحق بالرفيق الاعلى، وحلّ محله رجل كفوء للغاية، عالم دين ملتزم ذاق معاناة السجون ومراراته «1».
إن صلاة الجمعة شأن سياسي اجتماعي وفي الوقت نفسه عبادة. ففي صلاة الجمعة لابد من طرح الأمور السياسية ومشاكل المسلمين. والشيء نفسه ينطبق على صلاة الجماعة. فهي اجتماع من أجل ان يتعرف المسلمون على اوضاع بلدهم وأحوال أخوتهم والتفكير بحل مشاكلهم.
إن تجمعات من قبيل التجمع العظيم في مكة المكرمة وفي منى وعرفات والمدينة المنورة، حيث يجتمع المسلمون من شتى بقاع العالم، هي تجمعات سياسية. ومن المؤسف له أننا لم نتمكن من استغلال هذه التجمعات لا الكبيرة ولا الصغيرة منها، وكل ذلك يعود الى الدعايات المغرضة التي تحاول اقناع المصلين بالاهتمام بشؤون العبادة فحسب.
اهمية دور المساجد
إن المسجد مركز للتبليغ، وفي صدر الإسلام، كانت الجيوش والعساكر تنطلق من المساجد، وكان المسجد مركزاً للتعريف بالأحكام السياسية الإسلامية. وكلما كانت تحصل مشكلة كانوا ينادون (الصلاة جماعة)، فيجتمع المسلمون ويطرحون المشاكل ويفكرون بحلول لها. وعليه فالمسجد مركز اجتماعي سياسي، وتعتبر صلاة الجمعة أكثر استيعاباً لهذا الأمر حيث تجتمع الناس في كل اسبوع. فإذا كانت المدينة صغيرة فالاجتماع يكون مصغّراً، وإذا كانت المدينة مثل طهران، فالاجتماع الاسبوعي يكون اجتماعاً كبيراً.. كما أن هناك اجتماعات مصغرة تعقد عدة مرات في اليوم، وفي جميع هذه الاجتماعات ينبغي للخطيب أن يكون واعياً ليعرّف الناس بواجباتهم السياسية والاجتماعية والثقافية..
كذلك هناك اجتماعات سنوية تعقد مرة واحدة في السنة، وهناك العيدان وهما اجتماعان كبيران. ويعتبر الاجتماع العام الذي يعقد في مكة المكرمة كل عام اجتماعاً سياسياً، حيث ينبغي للمسلمين المجتمعين من شتى بقاع العالم، طرح مشاكلهم ومعاناتهم وهمومهم على بعضهم البعض والتفكير بحلول لها. غير أننا نضيّع- مع الأسف- فرصة استغلال مثل هذه التجمعات رغم ان الإسلام هيّأ لنا مثل هذه بالمجان. أنتم لاحظوا لو أن امير الحجاز أراد أن يدعو في غير أيام الحج خمسمائة شخص فكم من الأموال يجب أن تصرف وما هو حجم التدابير التي يتم اتخاذها لاستضافة خمسمائة شخص. في حين ان الله تبارك وتعالى هيّأ مثل هذا الاجتماع الضخم للمسلمين دون عناء يذكر ووضعه تحت تصرفنا ونحن نضيّع هذه الفرصة من دون اية فائدة تذكر.
وهذا يعود الى حجم الدعاية الاعلامية التي يشنها الاجانب واذنابهم ومحاولة اقناع المسلمين بفكرة فصل الدين عن السياسة. إن هؤلاء انفسهم فوضوا السياسة لقيصر والدين للبابا ورجاله. وفي بلدنا ايضاً فوضوا السياسة لمحمد رضا بهلوي، ودعوكم لاقتفاء أثرهم وأن تدعوهم يفعلون ما يشاءون وتحافظون انتم على قداستكم.
وإنني آمل أن نتخلص من هذا المخطط الشيطاني الذي تمت متابعته بدقة في الايام القليلة الماضية، بفضل ثورتنا ونهضتها. ولا يخفى ان الآثار المهمة لهذه الثورة التغيير والتحول الذي حصل للنساء والرجال والأخوة والأخوات، والمتمثل بالاحساس بالواجب الذي نشعر به جميعاً وهو واجب التعلّم مما ينفعنا في الدنيا والآخرة.
شمولية الإسلام
إن الإسلام دين متعدد الابعاد، وأحكامه وتعاليمه تشمل جميع جوانب الحياة، سواء الجوانب المتعلقة بالدنيا والسياسة والاجتماع والاقتصاد، والجانب الذي غفل عنه أهل الدنيا. فالأديان التوحيدية جاءت لتتناول مختلف ابعاد الحياة المادية والمعنوية دون ان تتمسك ببعد وتهمل أبعاد أخرى.
والإسلام يعد من أكثر الأديان اصراراً على هذا المعنى، إذ أن جميع أحكامه متداخلة بالسياسة وهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع. إن كلًّا من صلاته وزكاته وحجه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسة. والشيء نفسه ينطبق على الخمس والحدود والتعزيرات والقصاص وكل حكم من أحكامه، غير أن المسلمين تركوا كل هذه الأحكام جانباً، وعملوا بمجموعة قوانين مستوردة من الغرب طوال هذه الفترة.
وإنني آمل أن يؤدي هذا التحول الذي حصل للجميع نساءً ورجالًا، الى أن يدرك الجميع مسؤولياتهم. إن هذا الاحساس بالواجب هو الذي جعل الجميع ينزلون الى الشوارع ويطالبون بإسقاط النظام الطاغوتي. إنه تدخل مباشر في شؤون السياسة.. وكان النظام البائد واعوانه قد بذلوا جهوداً جبارة في جرّ النساء الى الانحراف والعمل على افسادهن وبالتالي افساد المجتمع بأسره.
الحرية الغربية تقود الى افساد وضياع النساء والرجال
لقد كانوا يهدفون من وراء كل ذلك الى القول بأننا حققنا (حرية الرجل والمرأة). أجل، لقد حرروا خمسة عشر مليون امرأة، ولكن ما هذه الحرية التي كان يروج لها هؤلاء؟ هل كان الرجال احراراً كي يحرروا النساء؟ أين هي حرية الرجال والنساء؟ هل حققوا لهم الحرية حقاً؟ نعم كانوا احراراً في التحلل الخلقي وفي اشعال نار الفتنة في تأسيس مراكز الفساد، كي يتسنى للشباب والنساء الذين هم على شاكلتهم في ارتياد هذه المراكز بكل حرية، ويفعلوا ما يحلو لهم على السواحل التي لا يخفى عليكم ما يجري هناك. نعم كانوا احراراً في هذه الأماكن. (المرأة حرة) و (الرجل حر). ولكن هل كانت الصحف تمارس نشاطها بحرية وتنشر ما تؤمن به؟ وهل كان المواطن الايراني حراً في التعبير عن رأيه؟ لقد ضيعوا هذا الجيل من شبابنا وافسدوه. ولكن وبحمد الله تعالى حصل تغيير وتحول كبيران لأبناء هذا الشعب بنحو أخذتم تتطلعون الى ادارة شؤون بلدكم بأنفسكم، وعبرتم عن رفضكم لهذه الطغمة الفاسدة وعملتم على طردها.
اهمية مهنة التعليم
اهتموا بالتعليم وبتربية ابنائكم وبناتكم، وهو ما انتم منشغلون به بالفعل في الوقت الحاضر. وطبعاً التعليم عمل نبيل للغاية ومسؤولية جسيمة، وانتم مسؤولون عن تربية هؤلاء الاولاد والبنات تربية اسلامية. ولابد لكم من العمل على تغيير توجهاتهم الى توجهات اسلامية انسانية ليكونوا نافعين لبلدهم. ففي السابق كانت كل الجهود تكرس لإفساد الشباب وجعلهم لا إباليين تجاه امور دينهم وبلدهم. وإن كل ما قدروا عليه هو ان يجعلوا من هؤلاء الشباب مدمنين على المخدرات كي لا يتسنى لهم التفكير بما يجري لبلدهم. فالشاب الذي اعتاد الذهاب الى السينما المبتذلة كل يوم، لا يستطيع ان يفكر بما يجري في بلده. وقد حرص النظام السابق على جعل كل الأمور على هذه الشاكلة. وانني آمل بعد هذه الهزة التي نفضت ارواحكم وأجسادكم، وأصبحتم جميعاً لا تفكرون بغير مصلحة الإسلام والقرآن، آمل أن يتم اصلاح امور بلدكم على وجه السرعة إن شاء الله تعالى.
أفضلية الثورة الايرانية على بقية الثورات
ويجب أن تعلموا بأنه لا توجد ثورة بعظمة الثورة الايرانية. فالثورات التي شهدها العالم راح ضحيتها الملايين ورافقها دمار شامل. إن ثورة اكتوبر في الاتحاد السوفيتي، ورغم مرور اكثر من ستين عاماً، لازالوا لحد الآن يقولون بأنها لم تحقق اهدافها بعد. فالناس لازالوا يفتقدون الحرية، وهذا يعني ان قادتها فشلوا في تحقيق اهدافها.
بيد أن ثورتنا التي لم يمض على انتصارها سوى خمسة اشهر فقط استطاعت ان تحقق الكثير لأنها ثورة اسلامية. ذلك أن الفرق بين الثورة الإسلامية وبقية الثورات هو أن الثورة الإسلامية تهيمن على اهتمامات الناس وتوجهاتهم، وإذا ما ساندت الجماهير تحركاتها فسوف تتقدم بسرعة قياسية، ويقل فيها الفساد. ولا أقول أنها منزهة من الفساد مائة بالمائة، ولكن لا توجد ثورة كالثورة الايرانية فيما حققته من انجازات في فترة قياسية.
أسأل الله تعالى ان يحفظكم ويرعاكم ويسدد خطاكم، وأن يوفقنا لخدمة هذا البلد وخدمة الإسلام الذي سيصلح امورنا كلّها ان شاء الله.
* صحيفة الإمام، ج10، ص:17-21
1- المعروف بقرآن( آريا مهر).
2- يقال ان كتاب( مهمة من أجل وطني) من تأليف شجاع الدين شفا. فيما ألف امير طاهري- رئيس تحرير صحيفة كيهان- كتاب( الحضارة الكبرى) ووضع عليه اسم محمد رضا بهلوي.