الموضوع: تبعية النظام الشاهنشاهي وافساد جيل الشباب
خطاب
الحاضرون: أسر شهداء الثورة الإسلامية
عدد الزوار: 144
التاريخ: 26 شهريور 1358 هـ. ش/ 25 شوال 1399 هـ. ق
المكان: قم
المناسبة: ذكرى استشهاد الإمام جعفر الصادق عليه السلام، والذكرى السنوية لحادثة المدرسة الفيضية
الحاضرون: أسر شهداء الثورة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
تغير المجتمع الى مجتمع اسلامي انساني
إن النشيد الذي أنشدتموه كان ممتعاً ومؤثراً ومرشداً. وكذلك الموضوعات التي طرحتموها. ولابد لي من القول أنكم قد سبقتموني في الكلام ولم يبق لي ما أقوله. وأنا مسرور لأن شعبنا وجد طريقه بنفسه. وإن هذا التحول الروحي الذي حدث في أوساط الشعب، لدى الشباب والرجال والنساء، مبعث امل وإنني متفائل بأننا سنقطع هذا الطريق بسهولة!
عندما يتحول المجتمع من الحالة الطاغوتية التي كان عليها الى مجتمع اسلامي انساني، فإن الأعمال التي يؤديها أعمال اسلامية وانسانية. وإن هذه الأعمال التي تقومون بها اعمال اسلامية وانسانية. ومثل هذا التحول النفسي والانقلاب الروحي ينبغي أن نتفاءل به، ونأمل أن نرى المستقبل في ايران مشرقاً زاهراً، وأنتم ترون أفضله إن شاء الله.
الطاغوت يهدف الى اعاقة تقدم البلد ونمو الشعب
لقد قلتم بأن ثقافتنا تعاني من نقص، ترى أي مكان لدينا لا يعاني من نقص؟! لقد سعوا كي لا يدعوا هذه البلاد تنمو إنسانياً واقتصادياً وثقافياً وعسكرياً، وكانت مهمتهم على مرّ التاريخ وخلال السنوات الخمسين ونيف الاخيرة (من حكم الاسرة البهلوية) تتمثل في ابقائنا متخلفين، ولم يسمحوا لنا بامتلاك جامعة او مدرسة ثانوية او أي مركز يتخرج منه الواعون من الناس.
لقد جاء رضا خان اول الامر بوجه اسلامي، فكان يحضر مجالس العزاء في شهر محرم، وبعد أن قويت شوكته بدأ بممارسة الدور الذي انيط به وكانت أولى مهامه القضاء على علماء الدين، فالمدرسة الفيضية التي كانت كل غرفها تغص بالطلبة آنذاك أصبح فيها طالبان او ثلاثة، لم يكونوا يستطيعون البقاء في الغرف نهاراً فكانوا يتوجهون قبل طلوع الشمس الى الحدائق العامة بالمدينة ويرجعون في أواخر الليل، لأن قوات الشرطة تأخذهم لتجريدهم من زيهم الديني.
أما بالنسبة للجامعات، ونظراً الى أنهم لم يكن بمقدورهم اتباع الاسلوب نفسه، فقد لجأوا للتعامل معها عن طريق الدعايات، وتعليم المعلومات التي تخالف المنهج الصحيح، لعدم قدرتهم على مهاجمتها بذلك الشكل. وكانت لديهم خطط استعمارية، إذ كانوا يعتقدون ان هاتين القوتين (علماء الدين والجامعيين) إذا ما امتلكوا القدرة فإن من الممكن ان يلتحق بهم سائر أبناء الشعب ولا يسمحون بتنفيذ الخطط، ومن هنا كانت أولى خططهم القضاء على علماء الدين والجامعيين!
احابيل النظام الشاهنشاهي
وهذا الثاني (محمد رضا) كان يحاول في البداية القيام ببعض الأعمال بالخداع، وكان لديه معلّمون لهذه المهمة، فقد تقمّص ثوب الدين فقام بطبع القرآن «1»، وكان يتردد على حرم الإمام الرضا عليه السلام بين فترة وأخرى ويؤدي الصلاة! وكان هذا أحد أساليبه.
وهناك اسلوب آخر سلكه مع الفئات الأخرى، فكان يقول (نريد أن نبلغ بلادنا الحضارة الكبرى!) وألّف الآخرون باسمه كتاب (مهمة من أجل وطني) «2»، إذ لم يكن هو من اهل الكتابة، وكان ذلك فخاً لخداع الناس! وكان يقول من جهة اخرى إننا نريد تصنيع البلاد. يقال أن الغراب أراد ان يمشي كالحجل فنسي مشيته الاصلية! ولكن هذا لم يكن يريد أن يقلّد الحجل وإنما كان يريد أن يتلاعب بعقول الناس. إنهم كانوا يريدون خداع الناس بأن يفرّحوا أنفسهم بأنّ بلادنا سوف تكون صناعية وأننا سوف نصل الى مستوى القوى العظمى بعد سنة أو سنتين ونصبح مثل اليابان! اليابان التي سبقت أميركا في صناعتها. إن هؤلاء الذين كانوا يقولون بأننا سنكون مثل اليابان، ماذا عملوا؟!
أهمية الزراعة في ايران وتدميرها في عهد الشاه
إن ذلك الذي كان ينبغي أن يكون في ايران والذي هو أساس اقتصاد البلاد، أي الزراعة، قد دمرت، وحينما دمرت الزراعة برزت مشكلات أخرى، إحداها أننا تحولنا الى سوق لاستيراد البضائع الاميركية، وهذا يعني ان الحنطة والغلاة الأخرى التي كانت بكميات كبيرة لديهم وإذا لم يتم بيعها لابد من التخلص منها اما بإحراقها او القائها في البحر، كانوا يبيعونها لنا بأسعار باهظة ويستولوا على اموالنا.
والمشكلة الأخرى، أنها دفعت الفلاحين للهجرة من انحاء ايران الى طهران والمدن الأخرى. فهذه الأحياء الفقيرة التي ترونها في اطراف طهران، والتي تتكون من الأكواخ وبيوت الصفيح، كان أبناؤها يعملون في الزراعة. ولما تم تدمير الزراعة، ترك هؤلاء أراضيهم على أمل أن يجدوا العيش الرغيد في المدن الكبرى. فكم كانوا مغفلين.. إن هؤلاء المعدمين الذين يعيش كل عشرة منهم في جحر صغير، ولا أدري هل رأيتم جحورهم أم لا؟ لقد رأيتها مرة أو أكثر في التلفزيون وهي تبعث على الأسف لأنها ليست اكثرمن جحر كان يخرج منه الأطفال والكبار. هؤلاء هم المزارعون الذين أرادوا ان يجعلوا منهم اسياداً. لقد دمروا حياتهم بالكامل.
لقد قضوا على الزراعة تحت شعار إننا نريد إلغاء الاقطاعية وتحويل الرعية الى أسياد! إن بلدنا من حيث الزراعة كان بوسعه أن يحقق الاكتفاء الذاتي، بل ويصدر الفائض لأنه يمتلك اراضي زراعية شاسعة وخصبة. فإذا وجدت زراعة صحيحة في هذا البلد، يمكن القول بأن آذربيجان وحدها تكفي لتوفير احتياجات البلد، ويجب تصدير الفائض منها. والشيء نفسه يصدق على اقليم خراسان.
لقد كانوا يتبجحون في عهده- ولا أعلم هل قرأتم في الصحف ام لا؟- بأننا استوردنا القمح والشعير! لقد سحقوا البلد من هذه الجهة وهم يصرخون بأننا اشترينا القمح والشعير من اميركا ولن نموت هذا العام من الجوع!. كما أنهم عطلوا الطاقات الانسانية في هذه البلاد وعملوا على تخلفها. وقد روي لي أن الشهادات التي كانت تمنح لشبابنا الموجودين في اميركا واوروبا في عهده، تختلف عن تلك التي يمنحونها لطلبتهم! إنهم كانوا يمنحون الشهادات لشبابنا بسرعة (وإن لم يتعلموا شيئاً)، بينما كانوا يدققون كثيراً بالنسبة لشبابهم. وربما قيل لي هذا مراراً! فلماذا؟ لكي لا يسمحوا لنا بامتلاك تلك القوة، إنهم يخشون هذه القدرة كما هم يخشون علماء الدين والجامعيين.
هدية الغرب، ضياع الشباب
لقد حدث الآن تحول في بلادنا والحمد لله، فتلاحظون ان النساء قد أدركن ان شعار (حرية المرأة وحرية الرجل) كله تضليل وخداع! فلم يكن الرجال احراراً ولا النساء، ولا كانت الاذاعة حرة ولا الصحافة! والحرية التي كانوا يريدونها للبلاد كانت تجر الشباب نحو الفساد. ولازال البعض من الكتّاب يقترحون مثل هذه الحرية! إنني أسمّي هذه الحرية، الحرية المستوردة الاستعمارية، أي إنهم يقدمون هذه الحرية هدية للبلدان التي يريدون ربطها بالغير، فالهيرويين مباح والخمور مباحة وأماكن الفساد حرة، وكان من طهران حتى شميران- كما قيل- مئات اماكن الفساد بأسوأ أشكاله! كل ذلك مباح. أما حرية القلم والبيان فلا! إن الحرية التي يتحدثون عنها هي أن تكون محلات بيع الخمور أكثر من محلات بيع الكتب، وذلك لجر شبابنا نحو مراكز الفحشاء. وعندما يكون الطريق مفتوحاً والإعلام مسخراً فإن الشباب يساقون الى ذلك الاتجاه. وعندما تساق الجماعات التي ينبغي أن تكون مؤثرة لصالح البلاد نحو الرذيلة، فسوف لن تتمكن من التفكير فيمن ينهب نفطنا!
تربية الابناء تربية اسلامية وانسانية
إن ما يبشرنا الآن- بحمد الله- هو هذا التحول الذي حدث والذي بلغ معه المجتمع درجة من التحول الروحي والنمو والتكامل، بحيث أخذ الشباب ينزلون الى الشوارع ويهتفون ضد الاستعمار والدكتاتورية، وبات يدرك حقيقة ما يجري من حوله من غير دعاية وبصورة تلقائية، وبات الجميع منهمكاً بتربية الأولاد تربية اسلامية انسانية.
فعندما يصبح هذا المجتمع اسلامياً، فلن تستطيع أية قوة ان تقف امامه، كما رأيتم! وذلك لأن الذي حطّم هذه القوة الكبرى هي قوة الايمان. إن قوة الايمان هي التي دفعت الشباب لطلب الشهادة. الجميع كان يتمنى الشهادة نساءً ورجالًا. إن هذه القوة هي التي وقفت بوجه الفساد، فحافظوا عليها! وإذا ما أردتم سلامة بلادكم ونفعها واكتفاءها الذاتي وأن تكون حكومتها منكم، وجب عليكم الاحتراز من تعاطي هذه الهدايا التي أرسلها ولازال يرسلها الغرب لنا! إننا لسنا معارضين لصناعة الغرب وعلومه، وإنما نعارض الحرية القادمة من الغرب! إننا نقول بأن الغرب والشرق يخدعوننا ويسعون لترسيخ تبعيتنا لهم لنكون محتاجين للمستشارين، ومن ثم ليصبح نظامنا وثقافتنا بحاجة الى مستشارين، وليس هؤلاء المستشارون لتعليمنا، وإنما يأتون لايقافنا عند حد معين، وهذا ما نعارضه!.
معارضة علماء الدين للحضارة الزائفة
إن الروحانية لا تعارض التقدمية، وإنما تعارض تقدمية محمد رضا وتعارض (بوابة الحضارة) هذه التي دمرت ما عندنا! وتعارض الحرية التي يتحدث الشاه عنها، أي (حرية المرأة والرجل) ولا تعارض حرية البيان والقلم ولا الوعي والصناعة!. أسسوا الصناعة، فمن يعارضكم؟! أما قضية معامل صهر الحديد والتي أقاموها قبل عدة سنوات، وها هم يقولون الآن بأنه إذا أردنا ان لا نتضرر فلابد من العمل لعدة سنوات اخرى! إننا رأينا منهم سوءاً، وإننا كمن لدغته الحية فصار يخاف من الحبل الأبلق! إننا نخاف من اقتراحاتهم لأننا رأينا منهم سوءاً، إننا لم نرهم يوماً ما يسعون لتعليمنا الصناعة! فيما دمروا من جهة أخرى زراعتنا وثقافتنا، وجعلوا جيشنا تابعاً، وفروا بما يمكنهم حمله من أموالنا. أسأل الله تعالى أن يرعى هذا التطور الذي حصل لديكم والذي هو محطّ آمالنا.
ربّوا هؤلاء الأولاد الذين خلفهم الشهداء والذين يدعون لألمنا وأسانا! ولابدّ لي من القول بأنني عندما أرى طفلًا فقد أباه أو شيخاً كبيراً فقد ابنه أحس بثقل على كاهلي! ولكن ما يطيّب خاطري هو كونهم قد ضحوا في سبيل الله، وما كان لله، يهون!
عبرة عاشوراء
كانت كربلاء مثل هذه القضايا ولكنها هانت لأنها كانت في سبيل الله. لقد قرأتم عبارة (كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء) إنها عبارة تربوية، وليس معناها أن كل يوم كربلاء فابكوا! انظروا أي ميدان كانت كربلاء، فلابدّ ان يكون ذلك الميدان موجوداً في كل يوم، وهو تصدي الإسلام للكفر، وتصدي العدالة للظلم، ووقوف الفئة القليلة المؤمنة بوجه الفئة الكبيرة العديمة الايمان! فلا تخافوا قلة العدد ولا تخشوا الهزيمة! فعندما يكون العمل لله فليس هناك من خسارة. فإن قُتلتم أو قَتلتم فإنكم من أهل الجنة! حفظكم الله جميعاً ووفقكم، وإنني خادمكم وأدعو لكم جميعاً!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* صحيفة الإمام، ج10، ص:13,9
1- المعروف بقرآن( آريا مهر).
2- يقال ان كتاب( مهمة من أجل وطني) من تأليف شجاع الدين شفا. فيما ألف امير طاهري- رئيس تحرير صحيفة كيهان- كتاب( الحضارة الكبرى) ووضع عليه اسم محمد رضا بهلوي.