الموضوع: موعظة إلهية - أهمية دور المرأة - الاخلاص في العمل
خطاب
الحاضرون: جمع من النسوة الأعضاء في مدرسة التوحيد
عدد الزوار: 57
التاريخ: 17 مهر 1358 هـ. ش/ 17 ذي القعدة 1399 هـ. ق
الحاضرون: جمع من النسوة الأعضاء في مدرسة التوحيد
بسم الله الرحمن الرحيم
موعظة الله لكل الشعوب
(قل انما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى) 1
يخاطب الله تعالى نبيّه بأن يقول للناس: (أنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله). فالواعظ هو الله، والواسطة هو الرسول الأكرم، والموجّه إليهم الوعظ هم الخلق جميعاً وكافة الشعوب بمن فيهم نحن. وينبغي أن تمثل هذه الموعظة الواحدة التي أمر الله تعالى نبيّه أن يقولها للناس، قمة ما وعظ الله والأنبياء والأولياء بها العباد، والأمر كذلك حقاً. وهذه الموعظة الواحدة هي (أن تقوموا الله) أن تنهضوا لله. يقول أهل المعرفة- أنتم طلبة علم، وعليّ أن أتحدث إليكم بلغة طلبة العلم أيضاً- يقول أهل المعرفة: إن أول منازل السالكين (اليقظة)، يعني الاستيقاظ والتنبُّه من الغفلة، ويستدلون بهذه الآية كشاهد على ذلك. ويذكر الشيخ عبد الله الأنصاري في كتابه منازل السائرين 2- حيث يذكر منازل السالكين إلى الله- اليقظة على أنها أوّل منزل، ويستشهد بهذه الآية الشريفة، وقد فسّر القيام في قول الله تعالى: (أن تقوموا لله) بالاستيقاظ، على اعتبار أن الاستيقاظ نوع من القيام. وأن جميع الثورات التي تحدث في العالم هي قيام، قيام من النوم، قيامٌ بعد اليقظة والصحوة.
أوّل قيام، القيام من نوم الغفلة
القيام من النوم، بالنسبة لنا نحن السادرون في نومنا ولم نستيقظ بعد، نحن الفاقدون للوعي بسُكرِ الطبيعة، نحن الغارقون في نوم الغفلة، والمتوجهون بكل أسماعنا وأبصارنا إلى عالم المادة والماديات. إن موعظة الله، حسب قول هذا الرجل السالك 3 هي الاستيقاظ من هذه الغفلة ومن هذا النوم العميق الذي دبَّ فينا من هيمنة المادة علينا. فالخطوة الأولى هي أن نستيقظ ونعي حقيقة هذا العالم، وإلى أين سائرون؟ فكلُّنا نسير، ولكن أين سينتهي بنا هذا المسير؟ فالخطوة الأولى للسالكين إلى الله، هي أن يستيقظوا ويخرجوا من عالم الغفلة ويهتمّوا بعالم الروح والمعنويات وعالم ما وراء الطبيعة. فهذا الطريق طريقٌ طويل وما نحن إلا في أوّله، وعلينا أن نواصل السير فيه حتى النهاية. فإن بقينا على غفلتنا والآخرون يسيرون بنا، ولم نستيقظ قبل الرحيل عن هذا العالم المادي، فلن نكون من السعداء. وأمّا إذا صحونا من غفلتنا ووجدنا الطريق، الذي سمّاه الله تعالى بالصراط المستقيم، الصراط (إلى الله) وسرنا في هذا الصراط، مجتنبين جميع أنواع الانحراف، ومتوجهين إلى الله وعاملين بأحكامه، فإنه الصراط الذي سيفضي بنا حتماً، اذا ما اخترناه، إلى عالم السعادة وعالم النور، ويرفعنا من هذا العالم إلى العالم الآخر. فهذا العالم هو دار الظلمة (ظلمات بعضها فوق بعض) 4 فإذا نحن علمنا تكليفنا واستيقظنا وفهمنا بأن علينا أن نسير إلى الله، ونجاهد في سبيله، ونقوم له، وأن نعمل في جميع أبعاد حياتنا بتكاليفنا التي حددها الله لنا على لسان أنبيائه ورسله، وسرنا على هذا الصراط المستقيم، فإنه سينتهي بنا إلى السعادة. فأحد أنواع القيام هو هذا القيام الذي يذكره أصحاب السلوك حول السير المعنوي. وهذه الآية، في نظر هؤلاء، إمّا ناظرة إلى هذا النوع من القيام، أو إلى بعض مصاديقه.
اجتناب التوجهات النفسانية في القيام لله
ومن الأمور التي يدل عليها ظاهر الآية، أن تكون نهضتكم وقيامكم اذا قمتم (لله)، (أن تقوموا لله)، (إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى) أي ان قمتم فرادى فليكن قيامكم لله، وان قمتم جماعات فليكن قيامكم لله. فلا يكون مجرد قيام، فإن مختلف الفئات والجماعات- سواء المنحرفة أو غير المنحرفة- كانت لها ثورات على مرّ التاريخ، ولكن الموعظة الواحدة التي وعظ الله بها جميع البشر، هي أن يكون قيامهم لله، بعيداً عن أهواء النفس ووساوس الشيطان وحطام هذه الدنيا.
دور النساء في الثورة وإعمار البلاد
لابد لنا من التوجه بالشكر إلى النساء اللاتي كان لهن دور كبير في الثورة وانتصارنا، وقدّمن عوناً كبيراً لأبناء الشعب، فإن نزول النساء إلى الشوارع وهتافهن، هو الذي ألهب الحمية والشجاعة في نفوس الرجال وضاعف من حماسهم. وهكذا فإنكن فضلًا عن تمتعكن بالقوة أمددتن الآخرين بها أيضاً، وفي مجال جهاد البناء، نرى أحياناً النساء وقد ذهبن إلى المناطق النائية يساهمن في مختلف النشاطات، ومن الطبيعي ليس بمقدور النساء القيام مقام العمال المتمرسين، ولكن مجرد ذهابهن وتواجدهن بين المزارعين والفلاحين بحد ذاته يضاعف من نشاط المزارعين وعزيمتهم، فإذا ما رأوا هؤلاء النسوة المتعلمات المحترمات وقد قدمن من المدن إلى القرى والأرياف للمساهمة في تقديم العون والمساعدة لاخوانهم المزارعين، فإن عزيمتهم سوف تتضاعف. ان مثل هذا العمل ذو قيمة كبيرة وان كان صغيراً في حجمه، فإن قيمته المعنوية كبيرة جداً.
القيمة المعنوية للعمل في الإخلاص
ان ما يزيد العمل عظمة، حتى وان كان صغيراً من حيث الكم، أن يكون لله وان يتسم بالإخلاص. فقد يكون العمل من حيث حجمه المادي صغيراً جداً، ولكن من حيث بعده المعنوي قد يكون أعظم من جميع الأعمال أو أكثرها، فلفظ (لا اله إلا الله) مكوّن من عدة كلمات، ولكن عظمته المعنوية أكبر بكثير من جميع الأذكار الأخرى أو معظمها. فالأفعال عندما يرافقها الاخلاص تجد لها بعداً معنوياً، فالاخلاص هو روح العمل. كما أن الإنسان ليس انساناً بجسمه وحجمه المادي، إن هناك الكثير من الحيوانات أضخم جسماً من الإنسان، ولكن الذي يميز الإنسان عن غيره من الحيوانات هو البعد المعنوي، روح الإنسان، الروح المهذّبة، الروح المربية تربية إلهية، فهو الذي يزيد من قيمة الإنسان، ويزيد من مكانته المعنوية، فاحرصوا عليها.
السعي لمضاعفة البعد المعنوي للعمل
اسعوا لتغليب المعنويات على الماديات في جدِّكم واجتهادكم لتحصيل العلوم.. احرصوا على تهذيب أنفسكم والتمسك بما دُعيتم للعمل به، قوّوا الجوانب المعنوية واهتموا بالجانب الأخلاقي والآداب على نحو تغدون معه أناساً تحبون الخير والسعادة للإنسانية جمعاء، وتنبض قلوبكم بالمحبة لكل العالم. فنبيّنا نبيّ الرحمة كان كذلك، لدرجة أنه كان يتألم ويتحسر على أولئك الذين بقوا على ضلالتهم ولم يهتدوا ولم يؤمنوا، وما ينتظرهم من العذاب والشقاء من جرّاء ذلك.
احرصوا على أن يكون تعاملكم مع أخواتكم واخوانكم قائماً على اساس المحبة.. اسعوا لإعلاء كلمة الإسلام وتطبيق أحكامه، ولنصرة هذه الثورة ودفعها إلى الأمام حتى تحقق أهدافها المرجوة ونوفّق وتوفقون لتطبيق الإسلام في إيران، وتخليصها مما تعانيه من مشاكل. وتصبح بلداً إسلامياً حقاً، يكون قدوةً لجميع البلدان الإسلامية، بل لجميع بلدان العالم. لا تتوانوا عن دعم وتقوية هذه الثورة، وإحياء أحكام الإسلام من جديد، ليكون هذا العصر عصر احياء الإسلام وبعثه من جديد بفضل هممكم ومساعيكم.
حفظكم الله جميعاً ودمتم سعداء سالمين، مزيّنين بحُليّ العلم والتقوى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
* صحيفة الإمام، ج10، ص:180,177
1- سورة سبأ، الآية 46.
2- منازل السائرين( شرح التلمساني)، ص 53.
3- الشيخ عبد الله الأنصاري.
4- سورة النور، الآية 40.