يتم التحميل...

الموضوع: أولوية الاصلاحات الثقافية-مفهوم الحرية والكبت-الروابط الاستعمارية للقوى الكبرى‏

خطاب

الحاضرون: المدرسون الاعضاء بالرابطة الإسلامية في آذربيجان الشرقية

عدد الزوار: 53

التاريخ: 4 آبان 1358 هـ. ش/ 4 ذي الحجة 1399 هـ. ق‏
المكان: قم‏
الحاضرون: المدرسون الاعضاء بالرابطة الإسلامية في آذربيجان الشرقية

‏‏بسم الله الرحمن الرحيم

التحرر من التبعية الثقافية
يقع على عاتقكم أنتم المعلمون، وكل من يعمل في حقل التربية والتعليم على انقاذ العقول المتغربة جراء بقائها طيلة خمسين عاماً ونيف تحت نير الحكومة الجائرة وسلطة الأجانب. فإذا أردتم أن تشقوا طريق النجاة لشعبكم، فلابد من البدء بالثقافة والجامعات، وطالما كنا مرتبطين فكرياً بالأجانب فلن نستطيع أن نتخلص من الصعوبات التي ذكرتموها. الاصلاح الثقافي وتحرر شبابنا من التبعية الغربية هو في طليعة اولويات الاصلاح. إن الغرب يحتفظ لنفسه بالكثير من الأمور المفيدة، ويصدّر البعض منها إلى الدول الشرقية مع جرائم لا تحصى.

الغرب يصدِّر التبعية الثقافية وليس العلم والتقدم‏

إنّ الذي يُصدر إلينا باسم (العلم) أو (الثقافة)، أو باسم (الرقي والرفعة)، هو غير الذي يحتفظون به لأنفسهم، إنهم يفكرون بطريقة أخرى من أجل الدول الشرقية. فإذا لاحظتم قبل عدة أيام نشر في إحدى المجلات أو الجرائد أن الدواء الفلاني ممنوع في أمريكا ولكن تصديره مسموح إلى دول العالم الثالث! الأطباء الذين ينهون دراساتهم في الدول الأجنبية وينالون الشهادات منها لا يُسمح لهم بالعمل فيها، ويقولون لهم اذهبوا واعملوا في بلدانكم، لأن مستوى الدراسة التي يتلقاها شبابنا هناك، وهم يحسبون أنهم يذهبون للاحاطة بالتقدم العلمي، مستوى ناقص بالمقارنة مع ما موجود من تقدم علمي. لأنهم يعطوننا شيئاً ويمنعون عنّا أشياء، يجعلونها حكراً على طلابهم. ومثل هذا التعليم من الأفضل أن يطلق عليه (التعليم الاستعماري)، يجعلونا تابعين لهم في كل شي‏ء، في الوقت الذي لا يعطوننا شيئاً. نحن الآن مبتلون بنوعٍ من التبعية الغربية- بدون شك- في كل أمورنا، والأخطر من كل هذه التبعيات هي التبعية الفكرية. إن الكثير من أفكار شبابنا وشيوخنا ومثقفينا وشريحتنا المتنورة تابع للغرب ولأمريكا. ولهذا حتى أولئك الذين ليس لديهم سوء نية ويتصورون أنهم يقومون بخدمة بلدهم، بافتراض انهم لا يعرفون الطريق بشكلٍ صحيح واعتقدوا أنه يجب علينا أن نتلقف كل شي‏ء من الغرب، لديهم أمثال هذه التبعية وهي منشأ كل التبعيات التي نعاني منها. فإذا ما كنا تابعين ثقافياً فستتبعها التبعية الايديولوجية أيضاً، وكذلك الاجتماعية والسياسية وغيرها.

الحد الفاصل بين الكبت والحرية


أيها المعلمون! أيها الأساتذة! انتبهوا إلى أن الغرب لا يعطينا ما هو مفيد، عنده أشياء مفيدة ولكنه لا يسمح لنا بالحصول عليها، وان ما يُصدّر إلينا هو ذلك الذي يؤدي بشعبنا للهلاك. تصدر إلينا الحرية التي يرتكبون باسمها أنواع الفحشاء. ومما يؤسف له ان بعض المتحررين عندنا، وكلما مُنع شي‏ء فيه ضرر ومفسدة على البلاد، يضجون قائلين هذا كبت وتضييق! الكبت والتضييق هو أن تمنع المخلصين والشرفاء من فعل ما فيه نفع وخير الشعب والبلد والإسلام، وأمّا منع ما يمكنه أن يلحق الضرر بمجتمعنا وثورتنا وبلادنا، أو منع التآمر، فهذا لا يسمى كبتاً وتضييقاً وانما يسمى الحؤول دون الفساد. فلا بد من التفريق بين منع الفساد وعدم السماح بجر شبابنا إلى مراكز الفحشاء والقمار وتعاطي الهيرويين والمخدرات وأمثال ذلك. فمنع هذه الأمور لا يسمى منعاً للحرية وإنما لما فيه خير الشباب وصلاحهم. فطيلة الفترة التي حكمت إيران هذه الأسرة الخبيثة، أعطت للناس الحرية في أن يعملوا كل ما يحلو لهم دون أن يتدخلوا في شؤون الدولة أو مصير البلد، فمراكز الفحشاء في المدن الكبيرة كانت أكثر من كل شي‏ء آخر وخصوصاً في طهران، وقد قيل ان محلات بيع الخمور كانت اكثر من المكتبات! وكانت مراكز القمار التي أعدت لسوق الشباب والشابات نحو الفحشاء، كانت مطلقة العنان، فضلًا عن التشجيع والترويج لها بكل الوسائل الممكنة، عن طريق الراديو والتلفزيون والصحف والمجلات. وأما الحديث عما تعانيه البلاد وما تغط فيه من مشاكل، او عن ثروات الشعب ومصيرها، فقد كان ممنوعاً، وكل من كان يجرؤ على ذلك، سيلاقي مصيراً مجهولًا على أيدي السافاك.

فالحرية التي كانوا ينادون بها ويريدونها للنساء والرجال، هي أن يكونوا أحراراً في فعل ما يريدون وارتياد مراكز الفحشاء لذا فان منع هكذا أمور وهكذا حرية لا يسمى كبتاً وخنقاً للحريات، وانما خنق الحريات يصدق على الذين يُمنعون العمل أو الكتابة أو النطق بما يخدم مصالح البلاد والإسلام. فإذا ما أردنا أن نمنع متآمراً أو متآمرين ثبت للشعب‏ تآمرهم، علت أصواتهم بكذا وكذا!. واذا ما أردنا أن نمنع فاحشة ما، عادت أصوات هؤلاء السادة لتعلو تباكياً على فقدان الحرية. وأمّا اذا أراد احدهم أن يقوم بعمل مفيد فيه خير البلاد ومستقبلها، ويضمن للبلد استقلاله. علت أصواتهم بالقول: لماذا يجب أن يحدث مثل هذا؟ حتى مجلس الخبراء انتقدوه وحاولوا التعتيم عليه.

جذور انتقادات المعارضين‏

ان الأصل الذي تقوم عليه انتقاداتهم هو الخوف من استتباب الأمر للاسلام المناهض للامبريالية وبالتالي لمصالحهم، فالأساس هو هذا، ولكنهم لا يصرخون بذلك وانما يتذرعون بأمور أخرى. اننا الآن مبتلون بهكذا مسائل، وشبابنا مبتلون أيضاً بهكذا تبعية للغرب. لذا علينا أن نضع أيدينا بأيدي بعض وان نضع حداً لهذه المعاناة.. حاولوا أن تنسوا الغرب. إني أحسب لو أننا كنا نستطيع بناء سور كسور الصين بين الشرق والغرب، بين الدول الإسلامية والغرب جداراً في الأرض والجو يمنح بلدنا النجاة والأمان من هؤلاء، حتى علمهم وتقدمهم، لكان ذلك بنفعنا أكثر.

العلاقة مع القوى الكبرى، علاقة الذئب والحمل!

لاحظتم في عهد محمد رضا- هذا الخائن السي‏ء الحظ ولا أعلم هل صحيح أنه على اعتاب الرحيل إلى جهنم أم أنها مؤامرة أيضاً- كم من ثروات هذا البلد انفقت على شراء معدات حربية يجهل الايرانيون استعمالها. كم من ميزانيات خصصت لتشييد قواعد ومعسكرات لأمريكا. منحوهم نفطنا وثروتنا، فما الذي أعطونا بالمقابل؟ شيدوا لهم قواعد وأعطونا أسلحة لا نستطيع أن نستعملها ونحتاج في استعمالها إلى أخصائيين من عندهم، الأمر الذي يعود عليهم بالفائدة، فهذه المعسكرات التي شيدوها في بلادنا ومن أموالنا، انما شيدوها لأنفسهم ولخدمة مصالحهم. فما يورّدوه لنا من وسائل متطورة هي هكذا نصب لخدمة مصالحهم.! لا تتصوروا أن يقدموا على خطوة واحدة لنفعنا ومصلحتنا. كل من يعتقد أنهم يريدون أن يسيروا بالدول الشرقية للأمام فهو جاهل، إنهم لا يروق لهم أن تفكر الدول الشرقية بنفسها وتنسى الغرب، وتعمل على إصلاح أحوالها. فلو كان بمقدورنا الانقطاع الكامل عن الغرب، وكانت الأمور تسمح بذلك، لكان ذلك في صالحنا. لا تتصوروا أن علاقاتنا مع أمريكا وروسيا أو دول أخرى تصب في مصلحتنا، أنها كالعلاقة بين الذئب والحَمل، علاقة الذئب والحَمل ليست لصالح الحمل. إنهم لا يفكرون بغير استغلالنا دون أن يقدموا لنا شيئاً. يعلنون مثلًا أن بيع هذا الدواء ممنوع عندنا! اذهبوا وبيعوه في الشرق!

فكيف ينظر الينا هؤلاء حتى يجيزوا لدواء مضر ممنوع بيعه عندهم، أن يباع عندنا.

ادعياء حقوق الإنسان‏

كيف يفكر هؤلاء تجاه الشرق والعالم الثالث؟ بماذا يفكرون؟ وكيف ينظرون إلينا؟! هؤلاء الذين يؤسسون المنظمات من أجل (حقوق الإنسان) وحتى حقوق الحيوان، انما يؤسسونها للحفاظ على مصالحهم وحدهم، وأما حقوقنا فلا معنى لها عندهم. يدّعون الحفاظ حتى على حقوق الحيوانات ويدافعون عنها، ولكنهم في فيتنام ارتكبوا من المجازر ما يندى لها جبين الإنسانية، وقتلوا مئات الملايين من البشر في سائر أنحاء العالم! هؤلاء الذين ينادون بحقوق الإنسان، يسحقون الإنسان بهذا الشكل. ومما يؤسف أننا صدقنا ذلك، وراح بعض مفكرينا ومثقفينا يؤيدون ذلك ويدافعون عنه. إن الإسلام بقادته من امثال علي بن ابي طالب، من يمكنه التأسيس لحقوق الإنسان، وليس هؤلاء الذين يدوسون على حقوق الإنسان بإسم حقوق الإنسان.

ضرورة إيقاظ الشرق من سباته‏

على الشرق أن يستيقظ من سباته الذي فرض عليه. علينا أن نصحو من الغفلة التي أوقعونا فيها، وإلا تحولنا إلى لقمة سائغة لهم. على جامعاتنا أن تستيقظ، وعلى مراكزنا التعليمية أن تتخلص من الأفكار المتغربة بدءاً من المدارس الابتدائية وانتهاءً بالجامعات. وعلى الشرق أن يعتمد على نفسه، وإلا سيكون تابعاً، والتبعية الفكرية هي أساس المصائب، حيث يتصور أن كل شي‏ء من الغرب، حتى المريض لا يثق بأطباء بلده ولا يرجع إليهم بل يسرع بالذهاب إلى أمريكا أو بريطانيا، قلت مرة لمجموعة من الأطباء أتوا هنا: ماذا فعلت جامعاتنا حتى أصبح الوضع بنحو عندما يمرض أحدهم لابدّ أن يذهب إلى خارج البلد؟! فقالوا: نحن لدينا الكفاءة المطلوبة ولكن المشكلة في طريقة تفكير الناس.. ان هذه الأفكار تجر بلدنا للهلاك. افكار ترى أنه لا بدّ أن يكون كل شي‏ء مرتبطاً بالغرب. والآن حيث أن سياراتنا وكهرباءنا ولا أدرى ماذا كلها من الغرب، لذا على ثقافتنا أيضاً أن تكون غربية. كل ما لدينا يجب أن يكون غربياً!!.. ولكن يجب أن تعلموا أيها السادة أنهم لا يريدون لنا الصلاح، إنهم يسعون لكي يجعلونا أخس من الحيوانات! إما أن نقتدي بهم ونعمل لأجلهم، أو نبقي نرسف في التخلف وينهبون كل ما لدينا.

على الشرق أن يستيقظ ويحافظ على استقلاله عن الغرب قدر الامكان، بل أن يقطع ارتباطه به ان استطاع، والآن حيث يتعذر ذلك، عليه أن ينقذ ثقافته منه على الأقل.

انقاذ الشباب المخدوعين‏

اعملوا على انقاذ شبابنا! دوائر الدولة مكلفة بالعمل على انقاذ شبابنا، الجامعات مكلفة بانقاذ هؤلاء الشباب. ومما يؤسف له أن المرتبطين بالغرب وأمريكا متواجدون في الجامعات وفي معاهد اعداد المعلمين. كما أنهم موجودون في الصحراء، في كردستان، وفي بلوجستان، انهم مرتزقة يعملون على خدمة الغرب، وإلا فمن أين أتى شبابنا بالمال حتى يقولوا لألفين أو ثلاثة آلاف موظف، كم تريدون أن نعطيكم لكي تتركوا العمل! إنهم لا يملكون مالًا فمن أين أتوا بكل هذه الأموال؟! ما هو مصدر هذه الأسلحة التي تُستخدم الآن في كردستان؟ إذا كان هؤلاء فعلًا يعملون من أجل بلدهم، فيحق لنا أن نسألهم عن تلك الأسلحة التي بايديهم من أين أتوا بها؟ أنتم (فدائيو خلق) من أين أتيتم بالأسلحة؟ عندما كانت الفوضى تسود كردستان توجهتم إلى هناك، والآن وقد تبين لكم ليس بوسعكم فعل شي‏ء، توجهتم إلى (رشت) و (انزلي) وغيرها. من أين أتيتم بالأموال والأسلحة، أليس من الغرب؟ ان كل من يستفيد من الاجانب ويأخذ منهم المال والسلاح ليلحق الضرر ببلاده، هو خائن، خيانة عظمى، فمن جهة يتظاهرون بأنهم متنورو الفكر، ومن جهة أخرى يقتلون الناس ويتهمون الجمهورية الإسلامية بالقضاء على الأكراد. والحقيقة أن الجمهورية الإسلامية تريد أن تنقذ الأكراد منكم لا أن تقضي عليهم.. انها مصائب عظيمة، ولكني أبشركم بالنصر، أبشركم بأنه مع هذه الصحوة التي يعيشها شعبنا سوف يهزمون، وسيتحقق النصر لكم بقوة الفكر والارادة. سيروا قدماً إلى الأمام فأنتم الغالبون وهم المغلوبون. أسأل الله أن يوفقنا جميعاً للمضي قدماً على طريق تحقيق أهداف الإسلام. ولنعلم جميعاً أننا إذا لجأنا إلى الإسلام فسوف يتم اصلاح كل شي‏ء. وكما تقدّمنا حتى الآن بنداءات (الله اكبر)، فسنواصل تقدّمنا حتى النهاية تحت راية لا إله إلا الله وهتاف الله أكبر.


* صحيفة الإمام، ج‏10، ص:264,260

2011-05-14