الموضوع: التغرب، المرض المزمن في إيران
خطاب
الحاضرون: جمع من اعضاء الاتحاد الطلابي الإسلامي في مدرسة مفيدي العليا للترجمة
عدد الزوار: 46
التاريخ 7 آبان 1358 هـ. ش/ 7 ذي الحجة 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: جمع من اعضاء الاتحاد الطلابي الإسلامي في مدرسة مفيدي العليا للترجمة
بسم الله الرحمن الرحيم
التغرب، المرض المزمن
إن بلادنا كمريض عانى ما يفوق خمسين عاماً من عذاب المرض. المرض الذي ساهمت في استفحاله عوامل وفئات عديدة. وبالرغم من تخلصه من هذه الفئات إلا أنه ما زال مريضاً. لا يمكننا أن نتوقع من مريض عانى طوال اكثر من خمسين عاماً من مرض زاد بعض الخونة من تفاقمه وشدته، أن يعود صحيحا سالما بمجرد أن يتخلص من شرّ هؤلاء. إن هذا المرض الذي وصلنا من الغرب ومن الدول الغربية التي أرادت نهب ثرواتنا ومقدراتنا، لا يمكن أن يزول في غضون ثمانية أشهر أو ثماني سنوات أو عشرين سنة. لقد عمل الغرب على زرع هذا المرض في عقول الجامعيين لتربيتهم تربية غربية ولينشأ شبابنا نشأة غربية تخدم مصالحهم. فمن غير المعقول ولا المنطقي أن نتوقع من هؤلاء المرضى أن يتعافوا ويتماثلوا للشفاء بين ليلة وضحاها. إني أعلم جيداً مدى النفوذ والإشراف اللذين مارسهما الغرب على مراكز التعليم والتربية خصوصا للتحكم بمستقبل شعبنا وحرف شبابنا عن الطريق القويم.
خيانة نظام الشاه في ترويج الثقافة الغربية
لقد عمل الغرب بإصرار عجيب على منع الجامعات من النمو والتقدم والازدهار وحرف الشباب وتغيير مسيرهم المفترض أكثر بكثير من المراكز الأخرى. فلا تتوقعوا أن يخرج شبابنا من هذا المسير المظلم الذي رسمه لهم الغرب وعملاؤه ويعودوا إلى مسيرة الشعب الحقيقية في غضون أيام. ورغم ذلك يجب أن لا تيأسوا أيضاً. فالشعب قد وجد طريقه والشباب أيضاً وجدوا طريقهم. وإن لم نتمكن من تذليل هذه العقبات اليوم فيمكننا فعل ذلك غداً.
إن الشعب شخص مرضه بنفسه فالخطوة الأولى هي أن نعرف أساس مشاكلنا وأمراضنا. لقد عمل الغرب طوال خمسين عاماً على إغفالنا وتضليلنا لكي لا نعمل على تشخيص مشاكلنا. لقد كنا نعتبر تلك الجراثيم الفاسدة والمفسدة بمثابة علاج ودواء لنا! وكنا نعتبر اولئك الذين أدخلونا في عوالم الفساد أطباء ومعالجين لنا. لقد شوهوا عقولنا بإعلامهم المسموم، وألقوا في أذهاننا بأن كل ما تريدونه من حضارة وثقافة يجب أن تجلبوه من الغرب فأنتم لا تملكون شيئاً.
بهذه الأفكار الفاسدة وبهذه الأقلام المسمومة والكلمات الخادعة جعلونا نعتبر ذلك السم المهلك دواءً ومسكناً لآلامنا! واليوم مازال هناك بعض المفسدين في مجتمعنا وجامعاتنا وفي كل أنحاء البلاد. لا تتوقعوا أن يتم تسكين آلام خمسين عاماً في غضون ساعات وأيام وشهور وبضع سنوات. فالإنسان يصاب بالزكام في غضون دقائق ولكن علاجه قد يطول شهرا كاملا أحياناً. فكيف بمجتمع مريض عانى لأكثر من 2500 عام من ظلم الطواغيت والمستبدين الذين مارسوا مختلف أشكال الظلم والكبت والحرمان.
إن الخمسين سنة الأخيرة من عمر شعبنا كانت الأسوأ والأشد فظاعة من تاريخ هذا البلد. فلقد تعرضنا لحملة شرسة من كل حدب وصوب أفقدتنا صوابنا وأفرغتنا من ذخائرنا وقيمنا. علينا نحن، وعلى كل أهل المشرق أن نعود إلى صوابنا الذي فقدناه وإلى طريقنا الذي حدنا عنه. لقد حوّلوا أنظارنا بإعلامهم المغرض والخادع نحو الغرب وأنسونا كل قيمنا وفضائلنا.
قبل أيام حضر رجل لا أعرفه إلى هنا وتكلم بشغف وإصرار عن حاجتنا إلى الغرب وضرورة الاستعانة به لتوفير احتياجاتنا! ولكني لم أجبه بكلمة واحدة. انظروا إلى هذه العقول! إننا ما لم ندرك أننا لسنا بحاجة إليهم وأنهم هم الذين بحاجة إلينا، لن نصلح ونتخلص من جهلنا ومشاكلنا أبداً.
إن الشرق أفضل من الغرب بكثير وثقافته أكثر ثراء وغنى. ذلك أن ثقافة الغرب وتمدنه قد تم استيرادهما من الشرق، وكل ما في الشرق هو أفضل من الغرب ولكنه قد أفرغ من قيمه وخصائصه نتيجة الإعلام المسموم ومساعي العملاء الخونة المنتشرين في بلدنا وفي كل مكان، ولكن باقنعة جديدة وأساليب مختلفة، التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من تشوه فكري يجعلنا نظن أن الغرب هو مصدر كل شيء نريده.
إن لم نعد إلى ذواتنا ونستعيد قيمنا المغيبة، لن نقف على أقدامنا ثانية، لا نحن ولا الشرق بأكمله. علينا أن نقتلع ونستأصل كلمة (الغرب) من عقولنا.
لقد أطلقوا على الشوارع أسماءً غربية ليجعلوها اكثر شهرة كشارع (روزفلت) مثلًا، وأطلقوا على الصيدليات ألقاباً أجنبية لتصبح أكثرمبيعاً، وحكّوا على الأدوية عبارات غربية ليقبل الناس عليها اكثر. حتى الملابس والأقمشة التي كانت تنسج في أصفهان لم تسلم من ذلك حيث طبعوا عليها رموزاً غربية لتصبح مرغوبة في الأسواق. واليوم وبعد أن قضينا على هؤلاء الخونة علينا أن نبحث عن ذاتنا ونجد ضالتنا.
الاستقلال مرهون بالتحرر من الغرب والتغرب
علينا أن نعود إلى ذواتنا. على الشرق أن يغلق أبوابه في وجه الغرب، فطالما بقيت أبواب الشرق مفتوحة على مصراعيها أمام الغرب، لن نحصل على استقلالنا أبداً. وطالما بقي هؤلاء الخونة والعملاء وأصحاب الفكر الغربي في بلدنا، لن نحقق استقلالنا. فهؤلاء يعرقلون عملية اكتشافنا لذاتنا ونهوضنا وإدراكنا لواقعنا وقيمنا.
إن الغرب لن يمنحنا ما يفيدنا ولم يفعل ذلك من قبل. وكل ما صدّره إلينا هو مما لا يغني عن جوع.
لقد ذكرت مراراً وأعود وأكرر هنا لشدة تأثري، فلقد قرأت في بعض الصحف والمجلات مؤخراً أنه قد تم منع استعمال بعض الأدوية في أمريكا لضررها، ولكن سمح لشركات الدواء بتصدير هذه الأدوية إلى العالم الثالث!
لاحظوا كيف ينظر هؤلاء إلينا! لقد وصل بهم الأمر إلى درجة أنهم لا يعتبروننا مخلوقات حية! والله لا يمكن لإنسان أن يعامل الحيوان بهذا الشكل فكيف بالإنسان. انظروا، نحن أمام أي نوع من المخلوقات! أمام أي نوع من المخلوقات الخبيثة! و أنا لا أقصد هنا الشعب الأمريكي بل الحكومة الأمريكية والحكومات الغربية التي تعاملنا بهذه الطريقة. وللأسف مازلنا نخضع لهم! ونعمل لصالحهم.
فلتكسر الأقلام التي تدعو لعبادة الغرب، ولتقطع الألسنة التي تنطق خدمة للغرب وتعمل على ضياع الشعب. يصدرون إلينا الأدوية المضرة! وليذهب العالم الثالث إلى الجحيم! ليس مهماً بالنسبة لهم، المهم أنهم يقبضون ثمنها. نعم هكذا كان الغرب ولا يزال يصدر إلينا كل ما هو ضار ويمتنع عن إعطائنا ما ينفعنا.
الغرب مصدر كل مشاكل الشرق
أيها السادة! إن كل مشاكل الشرق سببها هؤلاء الأجانب، سببها الغرب لا سيما أميركا.
إن أمريكا تقف وراء كل مشاكلنا ومشاكل جميع المسلمين. إن أميركا هي التي تدعم الصهاينة وتساندهم ليفتكوا بأخوتنا المسلمين أفواجاً أفواجاً.
العودة إلى الذات رهن الاستقلال الفكري
ما لم نكتشف ذاتنا وندرك وجودنا ونعتبر من تاريخنا ونعي واقعنا لن نحقق الإستقلال أبداً.
ما لم تتحرر أفكاركم وتستقل لن ينعم بلدكم بالإستقلال. فاسعوا أولًا لامتلاك فكر مستقل حر، ولتبدأ الجامعات ببناء الإنسان الحر المستقل المطلع على ثقافته الغنية التي تم تصديرها إلى الغرب، والمدرك لوجوده في هذا العالم، والذي يتطلع إلى التحكم بمصيره بنفسه.
يجب أن نعمل اليوم على تربية المجتمع بهذه الطريقة وتخليصه من العقول الفاسدة المبهورة بأمريكا والغرب. يجب أن نقوم بإخراج كل الخونة من الدوائر الحكومية، ممن يعملون لصالح النظام السابق. إن البلد بحاجة إلى تطهير وتهذيب وهذا يتطلب وقتاً كافياً ولا يمكن أن يحدث في ليلة وضحاها.
مسؤولية الجميع
ما هو تكليفنا؟ إننا مكلفون جميعاً باداء اعمالنا على أحسن وجه. صحيح أننا ننتظر من الآخرين الصدق والاخلاص في أعمالهم، نعم فلتراقبوا أعمال المعلم ولكن ليعمل كل منا بواجباته قبل ذلك، لنبدأ من أنفسنا لنصل بعد ذلك للمجتمع بأسره. إن اللبنة الأولى للإصلاح تتمثل في الإنسان نفسه ومن ثم تتسع هذه الدائرة لتشمل المجتمع. فليعمل الجميع بجد وصدق وإخلاص، من عمال ومزارعين وغيرهم، دون أن ينخدعوا بالدعوات للعودة إلى الوضع السابق والتبعية العمياء للغرب. لا يخدعكم إعلامهم المسموم هذا.
إن تكليفنا في البداية يتلخص بأداء المهام الملقاة على عاتقنا على أتم وجه وأحسنه. الطالب عليه أن يدرس بجدية والمعلم يجب أن يدرس طلبته بإخلاص، والعالم ينبغي أن ينجز عمله بتفاني، والمزارع عليه أن يروي غراسه بانتظام، ورجل الدين يجب أن يبين للناس أحكام الدين على أحسن وجه. إن قيام كل فرد بواجبه هو مفتاح الإصلاح والإزدهار للمجتمع بأسره. ولكن إذا جلس كل واحد منا وانتظر الآخر ليعمل، وانتظرنا الأمريكان أن يبنوا البلد ويمدونا بالأسلحة، فحينها لن نحقق شيئاً تماماً كالأسلحة الفاسدة التي صدرتها أمريكا لنا.
لو نظرنا إلى الإتفاقيات الثنائية الموقعة بيننا وبين الأمريكان لوجدناها ضارة لنا جملة وتفصيلًا، فهؤلاء لا يريدون خيرنا بل لا يفكرون إلا بمصالحهم فقط.
ضرورة تكاتف افراد الشعب في إصلاح الأمور
فلنعمل نحن بأنفسنا ولا ننتظر الآخرين أن يعملوا بدلًا منا. لينجز كل واحد منا عمله بصدق وأمانة وليذكّر كل منا الآخر بذلك. (كلكم راع وكلكم مسؤول)1 كلنا مسؤولون أمام الشعب وأمام أنفسنا. فليصلح كل منا نفسه وليصلح الآخرين حسب مقدرته واستطاعته. فهذه الوظيفة ليست حكراً على أهل المنابر وأهل الخطابة، بل كل واحد منا يمكنه القيام بذلك حسب استطاعته. فليعمل كل منا بصدق وليذكّر الآخرين بذلك وهكذا.. ولو تمكنا من تعميم هذا الشعور بالمسؤولية وترويج هذه الروح النضالية، لصلحت البلاد في أسرع وقت ممكن.
إذن فلنعتمد على أنفسنا في سد احتياجاتنا وتأمين مستلزماتنا دون الإلتفات إلى الغرب وطلب المساعدة منه، فلننسى الغرب إلى الأبد.
حفظكم الله جميعاً وأيدكم وسدد خطاكم قدماً.
* صحيفة الإمام، ج10، ص:287,283
1- بحار الأنوار، ج 72، ص 38