يتم التحميل...

الموضوع: مشكلة المسلمين الكبرى‏

خطاب

الحاضرون: سفراء الدول الإسلامية المعتمدين في ايران‏

عدد الزوار: 47

التاريخ 10 آبان 1358 هـ. ش/ 10 ذي الحجة 1399 هـ. ق‏
المكان: قم‏
المناسبة: عيد الأضحى‏
الحاضرون: سفراء الدول الإسلامية المعتمدين في ايران‏

‏‏‏بسم الله الرحمن الرحيم

يوم مبارك‏

أهنى‏ء الأمة الإسلامية العظيمة بهذا العيد الإسلامي الكبير، وأسأل الله أن يعيد هذه الأعياد على الشعوب الإسلامية بالبركة والسعادة.

أشكركم أيها السادة على قدومكم كي يتسنى لنا الحديث معاً ببعض الأمور.

إن العيد يكون سعيداً ومباركاً للمسلمين عندما يتمكنوا من بلوغ الإستقلال واستعادة أمجادهم التي شمخوا بها في صدر الإسلام الأغر. وطالما بقي المسلمون يعيشون الفرقة والتشتت، ويعانون من التبعية العمياء للغرب، لن يكون لديهم يوماً مباركاً. اليوم المبارك هو اليوم الذي نقطع فيه أيادي الأجانب العابثة بمقدرات جميع البلاد الإسلامية، ونعتمد على طاقاتنا الذاتية ونتسلم دفة تسيير أمور بلداننا بأنفسنا.
لا أدري متى ستحل هذه المشاكل التي تعيها كل الحكومات والشعوب الإسلامية؟ وان إحدى هذه المشاكل هي تلك القائمة بين الحكومات والشعوب، وهي من اكبر المشاكل التي يعاني منها المسلمون. والمشكلة الأخرى هي التباعد القائم بين الدول الإسلامية والتنازع فيما بينها.

مشكلة الحكومات والشعوب الإسلامية

مشكلة الحكومات والشعوب تكمن في أن كلا الطرفين قد أضاع هويته ولم يدرك مهامه. فالحكومات لا زالت تعتقد بان عليها أن تأمر وعلى الشعوب أن تطيع إطاعة عمياء. ولن نتخلص من هذه المشكلة طالما تقوم حكوماتنا بدور الجلاد وتسحق شعوبها في سبيل ترسيخ تسلطها ونفوذها. وما لم تحل هذه المشكلة فهذا يعني أن مشاكلنا الأساسية، من‏ تحكم الغرب بنا وبمقدراتنا، لن تنتهي أبداً.
إن الحكومات الإسلامية على إطلاع كامل بحجم التأثيرات السلبية التي تسببها اختلافاتهم، ولكن وبسبب بعض النوايا المغرضة من جهة وخيانة بعض الأطراف من جهة أخرى، فإن هذه المشاكل ستبقى جاثمة على كياننا الإسلامي.

إلى متى نبقى نعاني من هذه المشاكل ونعيش تحت رحمة الغرب والشرق؟ متى تستفيق الحكومات الإسلامية؟ ومتى ستضع صدر الإسلام نموذجاً يحتذى به في تعاملها مع شعوبها؟ إلى متى تبقى بمعزل عن شعوبها؟

منزلة الشعب في النظام البائد وبعد الثورة

لاحظوا هاتين الحالتين، الحالة التي عاشها شعبنا في ظل حكم ملكي متغطرس لا سيما في الخمسين سنة الأخيرة والتي أذكرها جيداً. والحالة التي تتجلى في انتصار الشعب وتحطيم قيود الإستكبار والخونة.
قارنوا بين هاتين الحالتين، لتقارن الحكومات وترى ما الذي عليها أن تفعله. ففي عهد النظام البائد كانت الحكومة تعيش حالة انفصالية تقوم الحكومة والشاه من خلالها بسحق الشعب وإبادته وتلقينه أعنف دروس الغطرسة من خلال التعذيب والإعدام. وبطبيعة الحال كان الشعب يكن للحكومة كراهية شديدة. وعندما كانت الحكومة تواجه مشكلة فإن الشعب لم يكن يحرك ساكناً. وفي بعض الأحيان كان يزيد من حدتها. كان الشعب يشعر بالإرتياح والسعادة عندما يرى هزيمة الحكومة، ويغلب عليه الحزن عندما يرى انتصار الحكومة أو الشاه.

لقد رأينا نحن، وسمعتم أنتم، وأنا شخصياً رأيت وسمعت الكثير عن الجرائم التي ارتكبها رضاخان بحق الشعب والتي حفلت بها كتب التاريخ. ففي اليوم الذي هجم الأجانب على بلدنا واستولوا على مقدراتنا، كان الحزن سائداً في كل مكان، ولكني أذكر عندما طرد رضا خان من ايران غمرت شعبنا فرحة كبيرة في غمرة أحزانه تلك. كان الشعب يرى في ذلك هدية سماوية. وكنت قد حذرت ابنه الطائش من السير على نهج أبيه حتى لا يفرح الناس يوم فراره من البلاد، ولكنه لم يكترث بذلك وفرح الشعب بخروجه من إيران. هذه هي الحكومة المتغطرسة المتعالية على شعبها والمعارضة لتوجهاته.
أما الآن فلاحظوا هذه الحكومة التي لا تعارض تطلعات شعبنا ولا تتعالى عليه. الشعب اليوم لا يخاف من أن تقوم الحكومة باعتقاله وتعذيبه والنيل من كرامته. شعبنا اليوم يسارع إلى مساندة الحكومة وتقديم مختلف أشكال الدعم لها في حال تعرضها لمشكلة ما.

فحكومتنا اليوم- على سبيل المثال- غير قادرة على حل كافة المشاكل التي خلفها النظام البائد ولكن الشعب تصدى بنفسه لهذه المسؤولية. ومما يذكر بهذا الصدد، كنت قد استمعت قبل ساعات من حضوركم إلى تقرير مفصل عن حجم النشاطات الشعبية الطوعية التي يقوم بها الأخوة في جهاد البناء دون إي استعانة بالحكومة، والتي تشمل بناء المجمعات السكنية والمرافق العمومية، فضلًا عن مؤازرة الفلاحين ومساعدتهم في الحصاد والعديد من النشاطات الأخرى.

هذا هو الشعب الذي يعتبر وطنه وحكومته جزءاً لا يتجزأ من وجوده. فإذا ما رأى الشعب الأمور بهذا المنظار، فلا الحكومة بحاجة لحكم شعبها بالحديد والنار، ولا الشعب يخشى من أن تقوم الحكومة بذلك، وحينها لن يشعر الشعب بأن هذه الحكومة من صنع الغرب.

قارنوا بين هاتين الحالتين. بين تلك الهوة الشاسعة التي كانت تفصل الحكومة عن الشعب، وبين التلاحم والتضامن الوثيق القائم اليوم بين الشعب والحكومة وهي الحالة التي يدعو الإسلام إليها.

النضج السياسي للمسلمين‏

إن مشكلتنا الأساسية نحن المسلمين تكمن للأسف الشديد في افتقارنا للنضج السياسي. إذ ما زلنا نتصور أن بوسعنا اصلاح البلاد وتحقيق الإستقلال من خلال قوة السلاح والاضطهاد والإستعانة بالجيش والأجهزة الأمنية. نعم مازلنا حتى الآن نفكر بهذه الطريقة. مازالت حكوماتنا تفكر في كيفية سحق شعوبها والسيطرة عليها.

متى ستحل هذه المشكلة؟ متى ستدرك الحكومات أهمية قيام علاقة وثيقة بينها وبين شعوبها؟

كونوا أصدقاء لشعوبكم، واعملوا على خدمة مصالحهم، ليكونوا عوناً وسنداً لكم. فإذا ما شعرت الشعوب بأن حكوماتها تعمل على تحقيق مصالحها وترجمة تطلعاتها، فحينها ستسارع إلى ميادين العمل بعزم ونشاط كبيرين.

إن مفاتيح حل هذه المشاكل بيد الحكومات ولكنها للأسف لا تفعل ذلك. وما لم نضع حداً لذلك لن نتمكن يوماً ما من مواجهة الدول الإستكبارية وطردها من بلداننا.

مشكلة الحكومات الإسلامية

و أما المشكلة الأخرى فهي تلك التي نجدها قائمة بين حكومات البلدان الإسلامية.

لماذا هذه النزاعات والتشنجات القائمة بين الحكومات الإسلامية؟ ولماذا يتحكم الكيان الإسرائيلي بمقدرات البلدان الإسلامية، على الرغم من امتلاكها لكافة مقومات القدرة والمنعة؟ ألا يقف وراء ذلك، ابتعاد الشعوب عن بعضها واختلافها مع حكوماتها والنزاعات القائمة بين الحكومات. مليار مسلم يمتلكون كل مقومات القوة، يكتفون بمشاهدة فظاعة الجرائم التي ترتكبها اسرائيل في لبنان وفلسطين يومياً! يكتفون بسماع استغاثات هؤلاء الاخوة هناك دون أي تحرك يذكر؟. متى سنستعيد قوتنا يا ترى؟ إن التاريخ يحدثنا كيف تمكن المسلمون في صدر الإسلام- رغم قلة العدة والعدد، ولكن بإيمانهم القوي وعقيدتهم الراسخة- من الغلبة على الامبراطوريات الكبرى وفرض هيمنتهم على نصف المعمورة تقريباً.

متى سنستعيد سلاحنا الإيماني، هذا الذي وضعناه جانباً منذ مدة طويلة، في مواجهة القوى الإستكبارية؟

لقد رأى الجميع كيف تمكن شعبنا الأعزل والمسلح بالإيمان، من التغلب على تلك القدرة الشيطانية المدعومة من كافة القوى الإستكبارية. إنها قوة الإيمان التي مكّنت شعبنا من قهر القوى العظمى، وهي ذاتها التي مكنت المسلمين في صدر الإسلام من قهر الإمبراطورية الرومانية المترامية الأطراف والتغلب على الإمبراطورية الفارسية بكل عدتها وعتادها.

متى سيفيق ويصحو المسلمون من هذا السبات العميق؟ متى سينتهي المسلمون من مشاكلهم؟

لن تستعيدوا أمجادكم الغابرة ما لم تحل الحكومات مشاكلها مع شعوبها ومع بعضها البعض. منذ سنوات طويلة ونحن نلفت الأنظار إلى أهمية هذا الأمر وضرورته، ولكنهم يكتفون بسماعه دون أن يترتب عليه شي‏ء يذكر.

أسأل الله أن يعيننا- نحن المسلمين- على الإستفاقة من نومنا هذا لندرك واجباتنا الإسلامية على أحسن نحو. وأن يوفقنا لجعل أعيادنا أعياداً حقيقية نتخلص فيها من شر الدول الإستكبارية.
أيدكم الله جميعاً وزاد الدول الإسلامية قوة ومنّ علينا جميعاً بالإيمان، وأعاننا في الالتفات إلى مشاكلنا والتخلص منها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏


* صحيفة الإمام، ج‏10، ص:306,303

2011-05-14