يتم التحميل...

الموضوع: ضرورة العمل بالقرآن واتباع أولياء الدين، لتحقق سعادة الفرد والمجتمع‏

خطاب

الحاضرون: جمع من سيدات (مجمع القرآن)

عدد الزوار: 56

التاريخ: 16 آبان 1358 هـ. ش/ 16 ذي الحجة 1399 هـ. ق‏
المكان: قم‏
الحاضرون: جمع من سيدات (مجمع القرآن)

بسم الله الرحمن الرحيم‏

التنشئة المعنوية والتربية الإنسانية في ضوء القرآن‏

يجب أن يكون كتابنا القرآن، لا مجرد القول بل بأن نعيش مضامينه الراقية في مختلف أبعاد حياتنا المادية والمعنوية، وأن نعمل به ونجسده في سلوكنا وعملنا وحركتنا في الحياة. فحتى يكون هذا الكتاب كتابنا حقاً، لا بد أن نعمل بمحتواه. فاسعوا لأن يكون كتابكم كتاب الله، وليكن اهتمامكم بتطبيق مضمونه ومحتواه، فالكلام كلام الله، والواسطة رسول الله والمخاطبون فيه هم البشر جميعاً (ياأيها الناس) كما ان خطاب (يا أيها المؤمنون) خاص بنا نحن المؤمنين بالإسلام. وان كل أوامره ونواهيه تربوية.

التربية القرآنية منشأ كمال الإنسان‏

ما لم يتربّ الإنسان تربية الهية، فسيبقى في مصاف الحيوان بل أسوأ منه. لأن رغائب الحيوان محدودة بنطاق غرائزه، بمجرد أن أشبعها كف عن السعي والطلب، ولجأ إلى الراحة والنوم، وأمّا الإنسان فإنه لا يشبع، سواء من جهة طلب الكمال ليس لطموحه حد، أو من جهة التردي واللهاث وراء أهواء النفس حيث ليس لطموحه حد أيضاً. فإذا ما تربى هذا الإنسان تربية قرآنية، فإنه سيرقى الى اسمى مدارج الكمال. فالنبي الأكرم هو أفضل الخلائق، لأنه عرف القرآن على حقيقته. وعمل به كما هو، وكل من عرف القرآن على حقيقته، وعمل به، بأن يعمل بما جاء فيه من أوامر ونواهي وتعاليم، فإنه يصبح أفضل من جميع الموجودات. وكونه لا يقدر أحد على معرفة القرآن، لا يقدر على العمل به كما عمل النبي. كان النبي خير الخلائق وأفضلها على الاطلاق، ولو أن هذا الإنسان ترك لينمو، كما الأعشاب تنمو ذاتياً، بمعزل عن هذه التربية، ونشأ نشوءاً فاسداً، فإن فساده لن يقتصرعلى نفسه بل سيمتد ليشمل من حوله، وربما أدى إلى فساد أمة بكاملها. أما الشجرة التي تنمو مشوهة فإن تشوهها هذا لن يمتد ليشمل الاشجار الأخرى. وكذلك الحيوان، فإن‏ الحيوان السي‏ء أو الشموص أو المعيب لا تتجاوز معايبه دائرة ذاته، لتطال الحيوانات الأخرى. غير ان الإنسان إذا كان فاسداً ربما أفسد أمة بأسرها، وان كان صالحاً ربما أدى إلى إصلاحها.

الحريات المدمرة

لاحظوا كيف دبّ الفساد في البلاد خلال هذه الخمسين سنة التي حكمنا فيها نظام الطاغوت بغير حق. إن فساده لم يقتصر على نفسه فحسب وانما امتد ليشمل المجتمع بأسره: الشباب والرجال والنساء، وبالتالي الحؤول دون نمو المجتمع كما يجب. لقد حالوا دون نمو الإنسانية تحت عناوين خداعة من قبيل (حرية المرأة، حرية الرجل)، (التحضّر)! فرضوا علينا كافة أشكال الكبت، ومارسوا دكتاتوريتهم، فلا النساء كنّ حرّات ولا الرجال كانوا أحراراً. نعم، كانت هناك حرية وهي الحرية المدمرة، فقد كان للنساء حرية الخروج عاريات يفعلن ما بدى لهن، وتربية أولادهن على هذا النحو. وكان شبابنا أحراراً في الذهاب إلى مراكز الفساد والفحشاء وكانوا يشجعونهم على ذلك. فهذا النوع من الحرية كان محفوظاً للجميع. وأمّا الحرية في قول الحق، والتحدث عما ترتكبه الحكومة من أخطاء، وانتقاد سياساتها، وانتقاد الاوضاع الاجتماعية، فما كان مسموحاً بها لأحد لا رجل ولا امرأة.

حطموا الأقلام‏

لم يكن لدينا ولا صحيفة واحدة حرّة، أو حتى خطيب واحد او كاتب واحد حرّ، فقد كمّوا الأفواه، وكسّروا الأقلام وحطموها، وكل ذلك باسم الحرية .. لم ننعم بالحرية أبداً. وباسم (التحضر العظيم) جرّونا إلى الفساد والضياع. وعندما فرّوا تركوا لنا وراءهم بلداً كل شي‏ء فيه منهار؛ اقتصاده جيشه، مؤسساته، جامعاته استعمارية، شعبه متخلف ويعيش التبعية للغير في كل شي‏ء. كل هذا لأن فرداً فاسداً كان يحكم هذه البلاد. فالحيوان الفاسد لا يفعل هكذا بأبناء جنسه من الحيوانات، ولكن انساناً فاسداً واحداً يمكنه أن يفسد مجتمعاً بأسره، كما أنه إذا كان صالحاً-
كالأنبياء- أدى إلى صلاح أمة بأسرها.

ضرورة العمل بالقرآن واتباع أولياء الدين‏

فلنسعى لأن يكون هذا القرآن كتابنا حقاً وحقيقة، لا بمجرد اللفظ: (أن القرآن كتابنا، والرسول الأكرم نبينا، وعلي بن ابي طالب امامنا)، فالكلام سهل، ومن السهل أن‏ نقول: بأننا شيعة علي بن أبي طالب، ولكن الشيعي الحقيقي هو من يسير على نهجه ويقتدي بسيرته.

فالتشيع يعني الاتباع، ومجرد القول بأننا شيعة دون أي عمل أو اتباع، أو التهاون في العمل، يعني أننا لسنا شيعة بحسب الواقع، بل ادعياء التشيع. كما أننا لو ادعينا بأن القرآن كتابنا ولم نعمل حتى بصفحة واحدة منه، فلن يكون بحسب الواقع كتابنا. كذلك الأمر اذا ما قلنا أن نبي الله نبينا، ولم نعمل بما جاء به ولم نتبع قوله، فلن تفيدنا نبوته. كما أننا اذا لم نعمل بما قاله الأئمة، فلن يفيدنا التشيع لهم، أو كانت الفائدة قليلة.

فاسعوا للعمل، لكي يكون القرآن كتابكم بالعمل لا بالقول، والرسول الأكرم نبيكم وعلي بن ابي طالب إمامكم.

السعادة في ضوء العمل بالقرآن‏

آمل لجمعكم هذا أن يعيش في ظلال القرآن وأن تتحقق فيه التربية القرآنية، وان تربوا أطفالكم بنحو يكون عملهم منطبقاً مع ما أراده الله ورسوله، ليكون الفلاح نصيبكم في الدنيا والآخرة. ما من شي‏ء إلا وللاسلام فيه حكم، ليس الأمر كما يظن البعض بأنه مجرد دين يوضح العلاقة بين العبد وخالقه. بل هو دين للحياة بمختلف علاقاتها وأبعادها. فالقرآن تبيان لكل شي‏ء. فهو كتاب العلم والهداية والتربية والسياسة وكل شي‏ء، والأمة التي تتخذه كتاباً ومنهجاً ستكون من أسعد الأمم، ولو أننا عملنا ببعض آياته لكنا كذلك. آمل من الله أن نكون من العاملين بذلك، فلو أننا عملنا به واجتمعنا تحت لوائه وتمسكنا بما تأمرنا به هذه الآية الشريفة (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وعمل المسلمون جميعاً بذلك، لتغلبوا على القوى الكبرى. ولأصبحوا هم أنفسهم قوة عظمى يهابها الجميع، إذ انهم يملكون كل مقومات ذلك، فتعدادهم ينوف عن المليار مسلم وبلادهم من أغنى البلدان بالثروات الباطنية والطبيعية، وأراضيهم شاسعة ومناخها متنوع، وما ينقصهم إلا الاتحاد والاعتصام بحبل الله وهو القرآن والرسول الأكرم، ونبذ الفرقة والاختلاف.

اننا نملك كل شي‏ء، غير أنهم لا يروق لهم تقدمنا، لذا حالوا دون ذلك بدعاياتهم وممارساتهم الأخرى. لا يروق لهم أن نستفيد من طاقاتنا وامكاناتنا التي وهبنا إياها الله سواء المادية منها أو المعنوية. ولو أن المسلمين اجتمعوا على العمل بهذه الآية لا غير، لكان لهم الغلبة على اعدائهم اجمع. فما علينا الآن إلا أن نتحد وأن نعتصم بحبل الله وأن نعمل بكتابه، وأن ننبذ الفرقة والشقاق، فإن أعداءنا ساهرون على الكيد لنا، وما نشهده اليوم في هذه البلاد من مؤامرات ودعايات يؤكد ذلك.

هدف الأعداء، زرع الفرقة واليأس‏

لقد رأيتم ما حققه اجتماع امتنا واتحاد كلمتها من معاجز وكيف هزمت القوى الكبرى أمامه، فقد أدرك هؤلاء أن في الإسلام قوة قادرة على جعل بلدٍ ضعيف يفتقر لكل شي‏ء، يتغلب على أعتى القوى وأشرسها، قوةً كانت وراء نزول الجماهير نساءً ورجالًا إلى الشوارع والأزقة وتحقيقهم للنصر. لقد أدرك هؤلاء ذلك، لهذا تجد كتّابهم وخطباءهم ودعاياتهم الواسعة داخل إيران وخارجها، مجندة لتمزيق وحدة هذه الشعب وبث الفرقة في صفوفه. فهم يسعون بشتى السبل، وبكل مالديهم من قدرات شيطانية، اعلامية ودعائية، لنشر الفرقة وبث اليأس لسلب الشعب وحدته، العامل الاساس في قوته.

فقد كان هؤلاء، وبهدف زرع اليأس في نفوس الشعب، يذهبون إلى هذا وذاك ويوسوسون لهم (حسناً، ليس عندكم بيوت لتسكنوا فيها، وقد قامت الجمهورية الإسلامية الآن، فما الذي تحقق؟ أين بيوتكم؟ هل حصلتم على بيوت؟ ها قد قامت الجمهورية الإسلامية فما الذي تغير في وضع زراعتكم أو عملكم؟). يعملون على بث اليأس في نفوس الناس، ليقضوا على الجمهورية الإسلامية في مهدها، ولا يسمحوا لمحتواها الحقيقي أن يُطبق ويتحقق. فالجمهورية الإسلامية قامت وانتهى نظام الشاه، ولكن هؤلاء المفسدين، والمتعاملين مع الغير لا يريدون لهذا الشعب أن يهنأ. لا يريدون لهذه الجمهورية الإسلامية أن يُطبق محتواها، ولهذا راحوا يعملون جاهدين للحؤول دون تدوين الدستور، لأنهم يخافون رأي الشعب، كما ملأهم الاستفتاء العام رعباً، انهم يخشون الإسلام ولا يروق لهم تطبيقه. إذ حالوا دون تطبيقه بالقوة في عهد النظام البائد. واليوم يحولون دون تطبيقه بمختلف الحيل والتآمر وبث اليأس في نفوس أبناء الشعب، من خلال بث الشائعات: ما الذي تغير؟، الذي كنتم تريدونه لم يتحقق؟) مع أن كل ما أراده الشعب قد تحقق.

السعي لتحقق الإسلام شكلًا ومضموناً

الشعب كان يريد الحرية، والآن هو حر، كان يريد الاستقلال، والآن هو مستقل لا تستطيع أي قوة أن تفرض ارادتها عليه. فها هي أمريكا مع كل قوتها، يهاجم عدد من الشبان سفارتها ويحتلونها ويعتقلون من فيها دون أن تستطيع فعل شي‏ء. هذا يعني أننا مستقلون. كنتم تريدون حكومة اسلامية واقامة الجمهورية الإسلامية، وقد تحققت بإنتخابكم لها. ولكن الذي لم يتحقق بعد هو محتوى الجمهورية الإسلامية- يعني تطبيق جميع أحكام الإسلام وما يجب أن يكون في الجمهورية الإسلامية- وهذا أمرٌ يحتاج إلى وقت ومن الطبيعي أن يكون طويلًا. اذ ان التربية الفاسدة التي انشأوا عليها الأجيال طوال‏ الخمسين عاماً الماضية وما سبقها من العصور، لا يمكن تغييرها واصلاحها خلال مدة وجيزة، وانما يحتاج الأمر إلى وقت وجهد ومتابعة. كما أنه على الشعب أن لا يستسلم لليأس، فإن اليأس من جنود ابليس. بل عليه أن يتابع مسيره إلى الأمام بكل قوة واقتدار، وقد قطعنا شوطاً طويلًا، وسنتابع مسيرتنا حتى تحقيق أهدافنا كاملة بإذن الله.وكلي أمل أن تتحقق دولة الإسلام التي يريدها الله ورسوله، وأن تكون على غرار حكومة صدر الإسلام، لينعم في ظلها المسلمين كافة وجميع أبناء شعبنا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة.


* صحيفة الإمام، ج‏10، ص: 390-394

2011-05-14