الموضوع: هدف الأنبياء إرساء النظام العادل
خطاب
الحاضرون: جمع من الطلبة الجامعيين في شيراز، وموظفي المجمع الإسلامي في وزارة الاقتصاد والمالية
عدد الزوار: 162
التاريخ: 17 تير 1358 هـ. ش/ 13 شعبان 1399 هـ. ق
المكان: قم
الحاضرون: جمع من الطلبة الجامعيين في شيراز، وموظفي المجمع الإسلامي في وزارة الاقتصاد والمالية
بسم الله الرحمن الرحيم
الهدف الأصلي للأنبياء
إن الجهود التي بذلها الأنبياء والحروب التي خاضوها ضد مخالفي طريق الحق وخصوصا في صدر الإسلام، لم يكن الهدف منها الحرب، أو توسيع رقعة الدولة الإسلامية، وإنما كانت من أجل إقامة نظام عادل يتم في ظله تطبيق أوامر الله سبحانه وتعالى.
إن الجهود الجبارة التي بذلها الأنبياء، لم تكن من أجل القضاء على الخصوم واستلام زمام القيادة فقط، بل كانت تهدف الى تنفيذ أوامر الله عز وجل وإنقاذ الناس من الانحراف والغواية ومن طريق الضلالة والشقاء. فالطريق الذي كان يسير الناس فيه، هو في هذه الدنيا طريق الشقاء وفي الآخرة طريق الهلاك، ولهذا أرسل الله تبارك وتعالى الأنبياء لهدايتهم إلى طريق الحق، لأنهم إن تركوا على هواهم سيكونوا كالحيوانات لايعرفون إلا الأكل والنوم والشهوات وستكون كل أعمالهم في سبيل الوصول إلى هذه الشهوات، عاجزين عن فهم أي شيء آخر. فما وراء الطبيعة بعيد عن إدراك العوام، فهم لايدركون إلا هذا العالم المادي الذي يعيشون فيه، ومن كان منهم عالِما، فإنه سيكون أكثر معرفة بخصائص عالم الطبيعة فقط، ولكن الكل يبحث عن منافعه في هذا العالم ويحاول التعرف عليها، حتى الإنسان فإنهم يدرسونه من الجانب المادي فقط، ويبذلون جهدهم لتطوير هذا الجزء منه فقط.
اهتمام الماديين بالطبيعة
إن كل جهود الماديين البعيدين عن الاعتقاد بوجود مذهب إلهي، كانت منصبة على فهم خصوصيات الطبيعة والاستفادة منها، ومن بينها طبيعة الانسان. وإذا نظرتم حولكم فسترون أن هذه الحضارات الحديثة الضخمة وتطوراتها الإنسانية العظيمة، مرتبطة بهذا العالم المادي وكيفية استفادة الإنسان من هذا العالم. ولكن هذه الكائنات (الإنسان) الطبيعية لاتستطيع إدراك ما وراء هذا العالم المادي، ولهذا ليس لديهم أي طريقة للوصول إلى عالم ما وراء الطبيعة، إلا عن طريق الوحي الذي يسيطر على جميع العوالم، ولأن الإنسان ليس مثل بقية الحيوانات- التي ليس لها حياة إلا في هذا العالم المادي- فقد خلق ليكون له بالإضافة إلى هذا العالم المادي عالم آخر ماوراء الطبيعة، وذلك العالم الآخر هو العالم الحقيقي للإنسان، وهذا العالم هو العالم الحيواني، ولهذا فإن الناس كانوا بحاجة للوحي كي يجدوا الطريق الصحيح. والله تبارك وتعالى أكرم الناس وبعث الأنبياء ليرشدوهم إلى الطريق الصحيح.
الهدف من تعاليم الأنبياء
إن كل تعاليم الأنبياء هي من أجل إرشاد الناس إلى الطريق الذي يجب عليهم أن يسلكوه، فالإنسان عليه أن يعبر من هذا العالم المادي إليالعالم الآخر، فإذا اختار الطريق على هواه فلن يكون أكثرمن حيوان يعبر من هذا العالم إلى العالم الآخر، وإذا اتبع طريق الأنبياء فإن إنسانيته ستكتمل، وكلما كانت إطاعته أكبر كان رشده الإنساني أكبر. إن كل جهود الأنبياء كانت منصبة على بناء الإنسان وتحويل الإنسان المادي إلى إنسان رباني، لكي يكون في الآخرة كما هو في هذا العالم. فنظرة الأنبياء إلى هذا العالم تختلف عن نظرة الآخرين له، فهم يريدون أن يجعلوا هذا العالم إنسانيا، وبعبارة أخرى أن تتجلى الآثار الإلهية فيه. الفئات الأخرى، فلاسفة كانوا أو علماء وخاصة العلماء الماديين، يعتقدون تماما أن وظيفتهم هي التركيز على اكتشاف آثار الطبيعة والاستفادة منها. أما الأنبياء فإنهم يعترفون بوجود الطبيعة ولكنهم يعتبرونها محدودة ومكبلة تحت العالم الإلهي العلوي، فلو فرضنا أن شخصا يستفيد من هذا العالم المادي ولكن دون إلمام بالواقع، وشخصا آخر يدرك الوقائع الموجودة وراء الطبيعة ويستفيد من هذا العالم نفس استفادتنا. فالفرق بين الاثنين هو أن الأول يركز اهتمامه على هذه الطبيعة، والثاني يستفيد من هذه الطبيعة مع إدراكه لآثار العالم الآخر ويستطيع مشاهدة آثار الحق المتعالي في هذه الطبيعة أيضا. إن كل هذه الحروب التي حدثت في عهد الإسلام، والجهود الجبّارة التي بذلها أولياء الله ليشيدوا صرح الإسلام ويطبقوا الشرائع الإسلامية، كانت من أجل هداية الإنسان إلى وقائع هو غافل عنها، ولا يعرف الطريق إليها، ولكن الأنبياء يعرفون الطريق الذي يجب سلوكه.
هدف الأمة من النهضة الإسلامية
لقد بذلتم ما بوسعكم، وكل فئات الشعب اتحدت وقدمت الدماء والتضحيات وتجشمت العناء لكسر هذه الحواجز وقامت بالتصويت لصالح الجمهورية الإسلامية، ولكن كل هذا لم يكن من أجل القضاء على الخصم وإقصائه عن الساحة والجلوس مكانه، بل كان من أجل تبديل نظام فاسد بنظام صالح عادل. وعندما يتم تأسيس النظام العادل، فإن الأحكام الإلهية ستتحقق كما ينبغي وعندها سيتمكن الناس من العمل على خطى الطريق الصحيح، وعندما يكون النظام إسلاميا والعمل إسلاميا وكل شيء إسلامي، سيظهر للوجود نظام عادل لايسمح لأي فرد فيه بالتعدي على الأخر، وفي كل إدارة ستذهبون إليها ستجدون الإسلام، ستكون الحكومة كلها إسلامية ولا شيء غير الإسلام. ولكننا لحد الآن لم نصل إلى كل هذا، نحن صوّتنا لصالح إقامة جمهورية إسلامية، ونظامنا الآن جمهوري إسلامي. ولكن الجمهورية الإسلامية لا تتحقق بمجرد التصويت والاستفتاء. الآن النظام فقط جمهوري إسلامي فقط، والعالم الآن يعرف أيضاً أن النظام في إيران جمهوري إسلامي، ولكن الإسلام لم يكن يريد منا أن نصوت ونقول (جمهورية إسلامية)، الإسلام يريد أن تطبق الأحكام الإسلامية في كل جزء من أجزاء نظامه. فإذا توقفنا عند أن النظام جمهوري إسلامي فقط فإن كل الدماء والتضحيات التي قدمناها ستذهب هباءا، فلا فرق بين أن يكون الطاغوت محمد رضا أو أنا وأنتم، لأن الظروف ستكون مختلفة فقط، فأحدهم يكون طاغوتا على أفراد أسرته وآخر يكون طاغوتا على نفسه وجيرانه وآخر على منطقته وآخر على مدينته وأخر على محافظته وآخر على كل دولته. فالكل طواغيت ولكن تختلف ظروفهم وأماكن تسلطهم. وان الطاغوت على أفراد أسرته، هو طاغوت في منطقته إذا أتيح له ذلك، ولو استطاع لأصبح طاغوتا على كل البلاد أيضا، لأنه عندما يكون طاغوتاً، لاتهمه المنطقة التي يمارس فيها هذا الجبروت، فإن طالت يده كل شيء أو لم تطل لايهم، فأعماله ستكون نفس أعمال الشاه السابق محمد رضا. وطالما أن التربية غير إسلامية والمربّون ليسوا هم الأنبياء، فإن الأوضاع ستظل هكذا. ولكن عندما تطال يده فإنه سيقوم بنفس الأعمال، ولكنه الآن فقط يعتقد بأنه لن يقوم بهذا، ولكن الذي يمارس الظلم على أفراد أسرته وأولاده وخَدَمه فعندما سيزداد ظلمه فإنه سيشمل تابعيه أيضا، وكلما ازداد عدد تابعيه، فإن ظلمه سيزداد، لأن ظلم الإنسان الظالم يكون بمقدار المظلومين الذين هم تحت سيطرته، فإذا كان هناك عشرة أشخاص تحت سيطرته فإن ظلمه سيكون بمقدار عشرة أشخاص، وإذا كانوا خمس وثلاثين مليون فسيكون ظلمه بحجم خمس وثلاثين مليون أيضا. الإنسان هو الإنسان، فإذا لم يصبح إنسانا فإنه سيتحول إلى كائن طاغوتي شيطاني، وإذا لم يخضع هذا الكائن لسيطرة الأنبياء، وتعاليمهم وتربيتهم، فلا فرق بينه وبين شخص يُغير على عالم كامل يسرق وينهب ما يشاء، فالمسألة ليست مسألة روحية وإنما مسألة عمل، فهذا لا يطال كل شيء. وذاك يطال كل شيء فلو افترضنا أن أولئك الذين كانوا يسيطرون على إيران، كمحمد رضا مثلا وصل نفوذه إلى العراق، فإن نفس الظلم الذي كان يمارسه هنا سيمارسه هناك، ولو وصلت سطوته إلى كل البلاد الإسلامية والعالم فإن أعماله ستتكرر في كل مكان. وكما ترون الآن فإن القوى العظمى تبسط يديها في كل مكان لنهب وسلب كل ما تصل إليه، فذلك الذي كان يسرق وينهب في منطقة معينة، ثم يصبح رئيس دولة، فإن نفوذه سيصبح أكبر وممارسة السلب والنهب عنده ستصبح أكثر. ولاتظنوا أنني أنا وأنتم لن نفعل مثل أولئك عندما تحين الفرصة المناسبة، فطالما أن إنسانيتنا لم تتحقق فإن ما ذكرته يصدق علينا أيضا.
جهود عامة لأسلمة النظام
يجب علينا أن نفكر في كيفية جعل نظامنا إسلاميا، فأن يكون النظام إسلاميا، يعني أن يكون أداء جميع العمال وموظفي الدوائر الحكومية والمؤسسات وكل شخص ينتسب إليه، أداءً إسلامياً. ويجب أن لانتصور أبدا أنه إذا كانت الفوضى تعم أحد أقسام إدارة ما فلا بأس أن نحدث نحن أيضا الفوضى في الأقسام الأخرى، أو إذا كان أحدهم يخالف القانون هناك فلم لا نخالفه نحن هنا، كلا، إننا مسؤولون. وإذا مارس العالم بأجمعه الخطأ، فإن شخصا واحدا تربى على تعاليم الأنبياء لايجب أن يخطىء فعندما عمّ العالم الظلم والفساد فإن النبي موسى عليه السلام لم يكن يفسد مثل الباقين. ولايجب أن يقول أحد لنفسه إن الكل الآن ينهبون إذا يجب أن أنهب أنا أيضا، لا فهذا غير موجود في تربية الأنبياء. وبالنسبة لعلي بن أبي طالب- سلام الله عليه- فإنه لم يكن يهمه أن يكون العالم كله كافرا، نعم سيتألم لكونهم تائهين، ولكن سلوكه لم يتأثر أبدا. ولم يتغير أي شيء في سلوكه أو حياته عندما انتقل من بيته ليستلم خلافةً لم تكن إيران إلّا جزءا منها، كانت تمتد إلى مصر والحجاز وكان هذا تحت سيطرته، ولكن روحه بقيت على ما هي عليه دون أن تتغير، فهو لم يقل أبدا أن الأوضاع الآن قد تغيرت، أو ماذا يجب أن يحدث الآن، كل هذا لم يحدث وروحه لم تتغير لأنها روح ربانية، فالروح الربانية لا يهمها إذا كانت مسؤولة عن عدد قليل من الناس أو عن الدنيا بأسرها، فوظيفته هي العدل، وإذا استطاع أن يعدل بين أربعة أشخاص، فهو قادر على بسط العدالة في كل مكان تحت سيطرته.
جميعنا الآن سمّينا أنفسنا باسم الجمهورية الإسلامية وقد تخلصنا من النظام السابق ودفناه والحمد لله، ولن يعود للحياة مرة أخرى بإذن الله. فوظيفتنا الآن أن نجسد الاسم الذي ننسبه لأنفسنا على أرض الواقع، يعني أن ننتقل من القول إلى العمل. فأنتم موظفون في إحدى الوزارات، وغيركم موظف في وزارة أخرى، عليكم جميعا أن تعملوا بشكل إسلامي، وعلى كل واحد فيكم أن يؤدي دوره بشكل صحيح وأن يعدل وهو يقوم بوظيفته من خلف طاولته، وأن لا ينتظر حتى يعدل الوزير أولا، فأن يكون الوزير عادلا أم لا، لا يهم، أنتم يجب أن تكونوا عادلين، رئيس الوزراء عادل أو لا هو من يتحمل مسؤولية عمله. وأنتم أيضا تتحملون مسؤولية عملكم. وحسابه عند الله على حدى وحسابه عند الأمة على حدى.
فأنتم يجب أن تعدلوا في أعمالكم ورئيس الإدارة يجب أن يعدل، يجب أن لا ينتظر أحدكم حتى يعدل الباقون، فمثلا: كأنني أنتظر الآخرون ليصلوا حتى أصلي أنا، أو أنتظرهم يأكلون لآكل أنا!!. فكيف يؤدي الإنسان وظائفه الطبيعية على هذا النحو؟ الجميع يؤدون وظائفهم دون انتظار الآخرين، فهل انتظرتم الآخرين مرّة ليتنفسوا حتى تتنفسوا أنتم؟ هل تنتظروا حتى ينظر الآخرين لكي تنظروا أنتم؟ مطلقا. وكما أنكم تؤدون وظائفكم الطبيعية حسب ما تقتضيه حاجاتكم، وكذلك الوظائف الإلهية غير أن وظيفتكم الإلهية تحتم عليكم أن تحثوا الآخرين على هذا العمل، فبالنسبة للوظائف الطبيعية ليس من شأنكم حث الآخرين عليها، ولكن بالنسبة للوظائف الإلهية، فالمطلوب منكم، أن تحثوا الآخرين عليها وأن تربوهم على أدائها.
العمل بالتكليف الشرعي
وظيفة كل واحد فينا هي العمل، وأن نحث الآخرين على العمل أيضا. فإذا وجدت مثل هذه الروحية لدى الشعب، وآمل أن تكون موجودة بإذن الله، الروح المعنوية التعاونية كالتي كانت موجودة في مرحلة الثورة، الناس كلهم كانوا يتعاونون تعاونا ماديا وهو تعاون معنوي في الأصل، لأنهم كانوا يتظاهرون في الشوارع وكانت البيوت تقدم لهم الطعام والشراب، كانوا يساعدوهم. فإذا وجدت الروح المعنوية في الإنسان، حيث يشعر أنه بالإضافة إلى وظيفته التي هي العدل، عليه أن يكون خبيرا في وظيفته ومسؤوليته، عليه أن يعلم أنه يجلس خلف طاولته ويؤدي وظيفته في إنجاز أعمال الآخرين، لأن وظيفته تقتضي هذا، وليس بسبب الخوف أو الطمع. فالانسان عندما يشتري اللباس لأطفاله فهو يعلم تماما أنه يؤدي واجبه وليس طمعا أو خوفا. لذلك على الإنسان أن يسأل نفسه، هل أؤدي هذا العمل لأنني أتقاضى عليه أجرا؟! مطلقا، فحتى لو لم أكن أتقاضى أجرا، فأنا أؤدي وظيفتي الإنسانية، ووظيفتي الإسلامية تقتضي أن أبذل قصارى جهدي لأداء المهمة التي في عهدتي على أكمل وجه وقضاء أعمال الآخرين المحتاجين لمساعدتي بأسرع وقت وكما تقتضي الحاجة، لا أن أماطل في عملي وأخالف العدل فيه، لأنني إن فعلت هذا، فأنا مثل الطاغوت ولكن بمجال عمل ونفوذ ضيق ومحدود.
علينا أن نأخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار وأن نحاول إصلاح أنفسنا، فلو فرضنا أن إحدى الإدارات فيها خمسمئة موظف وكل موظف يؤدي العمل الموكل إليه دون التدخل بأعمال الآخرين، فإن هذه الإدارة ستكون صحيحة وسليمة وبالتالي فالوزارة أيضا ستكون كذلك، وستصلح أمور الوزارات الأخرى كذلك، والدولة كلها ستصلح أمورها أيضا. وعندما تتحق مثل هذه الدولة تستحق اسم دولة راقية.
أما الدولة التي تنتشر فيها دور السينما المنحرفة ومراكز الفساد والحانات ويعمل الناس فيها كما يحلو لهم، فهي ليست دولة راقية وإنما دولة منحطة.
معيار الازدهار والتقدم
البلد المتقدم هو الذي يكون ابناؤه في تقدم وازدهار. وعندما يكون الشخص خبيراً بوظيفته، سواء كانت وظيفته الإدارية أو الإلهية، فهو إنسان متقدم ومتطور. وإذا وفقنا الله لنكون جميعا متقنين لعملنا فإن الجمهورية الإسلامية سستتحقق، فالجمهورية الإسلامية هي التي يكون اقتصادها إسلامي، ومحاكمها إسلامية، وحتى يتحقق ذلك يجب أن يحدث تحول في النظام وفي روحية الأشخاص، أيضا وإذا حدث هذا التحول في النظام فحسب ولم يحدث في الأشخاص، يبقى دون فائدة، لأنه عندما يتحول النظام دون الأفراد فإن هؤلاء عندما يتسلمون زمام الأمور سيعملون على انحراف النظام وتخلّفه.
أهمية التحول الروحي عند الأفراد
يمكن قياس تحول الأفراد من خلال قياس التحول في معنوياتهم، وهذا يتم من خلال اعتقاد الجميع التام بأنهم يؤدون وظائفهم بناءا على واجبهم وتكليفهم الشرعي، وأنهم الآن في جمهورية إسلامية وفي بلد يرعاه صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو يراقب أعمالهم، وعنده عمال يراقبون أيضا، ملائكة الله هم عماله. يجب أن يحس كل موظف في هذا البلد أنه تحت المراقبة وأن مراقبه هو إمام معصوم، وأن أعماله يجب أن تنال رضى الإمام المعصوم عندما تعرض عليه. فاينما كنتم عليكم أن تعملوا من أجل المسلمين.
الحكومة مطيعة للشعب وليست آمرة عليه
الحكومات خادمة لشعوبها وليست آمرة عليهم، والنظام الطاغوتي هو الذي يكون رئيسه أو رئيس وزراءه آمراً متسلطاً. نعم إذا كانت وظيفته أن يأمر وينهى فليفعل، ولكن إذا تجاوز الحد، فهذا يسمى سوء استفادة، وهذا هو النظام الطاغوتي الظالم بعينه، فربما لايستطيع أن يظهر أحدهم هذا في وظيفته أو أنه يخشى أن يقف الناس في طريقه، ولكن إذا أفسح له المجال فإنه سيفعل كما كان محمد رضا (الشاه السابق) يفعل، وربما أنا أيضا أفعل ذلك، فطالما أن التربية الصحيحة غير موجودة فلا فائدة ترجى.
أسأل الله أن يوفقكم أيها السادة، أنتم ورفاقكم الآخرين، فجميعنا الآن نعيش تحت مظلة نظام نسميه إسلاميا. وأنتم أيضا من المسلمين، ولكن إذا كان الإسلام بالادعاء فقط، فإن كل الدنيا تستطيع أن تدّعي، حتى محمد رضا كان يقول أنا مسلم وكان يطبع القرآن، ويذهب إلى مدينة مشهد المقدسة لزيارة الإمام الرضا عليه السلام وكان يقرأ الزيارة ويصلي، ولكنه لم يكن هكذا أبدا. فإذا كنا نتطلع لأن يكون نظامنا إسلاميا وأن نكون مسلمين ومؤيدين للنظام الإسلامي كما ندعي، علينا أن نخطو هذه الخطوة المهمة وهي أن نجعل من هذا البلد بلداً إسلامياً، وأن نجعل كل بقعة من بقاعه تنعم بالإسلام لا أن نذهب إلى السوق فنجد الربا والإجحاف والبيع بأسعار باهظة، ثم نجد أهل السوق بعد ذلك يُكبّرون باسم الإسلام ويضيؤون مصابيح الزينة في المناسبات الدينية، وهم يعتقدون أنهم يستطيعون خداع إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بهذه الأعمال ولكن هذا غير ممكن، فطالما أن القلوب مظلمة فلا فائدة منها، ومهما قمنا بأعمال من هذا القبيل فإنها ستبقى أعمالا ليس إلا، والكل يقوم بهذه الأعمال. نعم يجب أن نقوم بهذه الأعمال ولكن يجب أن تكون مترافقة مع حضور القلب، ويجب أن تكون أعمالنا نابعة من قلوبنا.
العدالة الإجتماعية هدف الجمهورية الإسلامية
على كل حال نحن الآن نعيش في جمهورية إسلامية بالاسم فقط، فالجمهورية الإسلامية الواقعية لم تتحقق بعد. إنها لاتزال مشروعا، وهذا المشروع ليس كاملا بعد، وبلادنا ستصبح جمهورية إسلامية عندما يكون كل شيء إسلامياً، وإذا كان هناك شيئا واحدا غير مكتمل بعد، فإن جمهوريتنا الإسلامية ستكون ناقصة، بعبارة أخرى الجمهورية الإسلامية لا تزال مقتصرة على الإسم فحسب. فإذا كان في الجمهورية الإسلامية على سبيل المثال أربعة إدارات تعمل بشكل صحيح، فإن جمهوريتنا إسلامية بما يعادل أربع إدارات فقط. وإذا أصبح كل شيء إسلاميا بمشيئة الله، عندها يكون ادعاؤنا بأن جمهوريتنا جمهورية إسلامية ادعاء صحيح، وسيقبل الآخرون منها ذلك. ولكن يجب أن لا يجلس كل واحد منكم ينتظر الأخرين حتى يؤدّوا دورهم ليؤدي هو دوره. فإذا عمل أحدكم عملًا فليتقنه، فأنتم كالذين يمثلون في عاشوراء مشهد مقتل الشهداء عليه السلام، فإن من يقوم بدور الشمر يكون بارعاً في عمله عندما يفعل كما كان يفعل الشمر بالضبط، ولكن إذا أدى عملا كان ينبغي على الشهداء أن يؤدوه، فإنه لن يعود شمراً بارعاً وموفقا! والذي يقوم بدور الشهداء عليه أن يقوم بالأعمال الحسنة فإذا أداها بشكل جيد عندها سيكون ممثلا ناجحا. وكل واحد فينا يجب أن ينجز العمل المنوط به على أحسن وجه، لا أن يراقب الأخرين كيف يؤدوا أعمالهم وأن يتدخل في شؤونهم. أوصيكم ألا تتدخلوا في أعمال الاخرين، الأعمال المنوطة بكم أنجزوها وهذا يكفي. وحتى إذا كان أخوكم جالسا بجانبكم، فاتركوه ينجز عمله هو أيضا، وإذا أراد القيام بشيء خاطئ قولوا له: (جمهوريتنا جمهورية إسلامية).
الجمهورية الإسلامية تعني العدالة، والعدالة تعني أن أسرع في إنجاز أعمالي وأن أهبّ لمساعدة هذا الشخص الذي جاء من مكان بعيد وأقضي حاجته، لا أن ننجز أعمال أقربائنا وأصدقائنا على وجه السرعة ونترك أعمال من لا نعرفهم. فأنتم تعلمون ماكان يحدث في السابق فلا تسمحوا بتكرار ذلك.
فليحفظكم الله ويوفقكم جميعا، وآمل أن نكون يدا واحدة لنتمكن من تأسيس الجمهورية الإسلامية.
* صحيفة الإمام، ج9، ص: 23,16