يتم التحميل...

الموضوع: دور إصلاح وتهذيب النفس في التربية والتعليم‏

خطاب

الحاضرون: الطلبة الجامعيون في مدينة أهواز

عدد الزوار: 131

التاريخ 17 تير 1358 هـ.. ش/ 13 شعبان 1399 هـ.. ق‏
المكان: مدينة قم‏
الحاضرون: الطلبة الجامعيون في مدينة أهواز

بسم الله الرحمن الرحيم‏

وجوب تحقيق معنى الجمهورية الإسلامية
الآن وبعد أن أصبحت بلادنا بلادا إسلامية وأصبحت حكومتنا جمهورية إسلامية وانتهى النظام الجائر انتهى إلى غير رجعة وتم قطع دابر الخونة والظلمة، آمل أن نسعى جميعا أيها الأخوة الجامعيون والأخوات الأعزاء للعمل كما ينبغي لنا أن نعمل في الجمهورية الإسلامية، وأن لانكون جمهورية إسلامية بالاسم فقط في حين أن جامعاتنا ومراكزنا العلمية ومحاكمنا وقوى أمننا ولجاننا لا تحمل أي معنى إسلامي، ولا سمح الله أن نكون قد صوتنا لصالح الجمهورية الإسلامية وتجاهلنا أن هذه الجمهورية الإسلامية يجب أن تكون إسلامية بكل معنى الكلمة وأن لا يكون الاسم جمهورية إسلامية والمضمون غير ذلك، وكل هذا يتعلق بعملنا نحن. وبالأخص شريحة الطلبة الجامعيين، وأساتذة الجامعات والمراكز العلمية وأولئك الشباب الذين يسيرون على طريق العلم و المعرفة ليكونوا بناة لمستقبل وطنهم.

هناك العديد من العلماء وأصحاب الكفاءات العلمية المرموقة يؤدي وجودهم إلى الإساءة للبلاد والإسلام أحيانا، لأنهم يفتقرون للتربية الإسلامية، والأمر سواء بالنسبة للعلوم القديمة والعلوم الحديثة، أكانوا من علماء الإسلام والمتدينين، أو منكم طلبة الجامعات والطبقات‏ المثقفة.

التربية والتعليم‏
إذا كنتم تسعون وراء التعلم فقط دون التفكير بالتربية الصحيحة وتزكية النفس والطريق الصحيح، فإن علمكم سيبقى مثل مخزن المعلومات، وكما جاء في الذكر الحكيم: ﴿مَثلُ الذين حُمِّلوا التورَات ثُمّ لَم يَحمِلُوها كَمَثَلِ الحِمار يحمل أسفارا 1. أو كما يقول سعدي: الذي يتعلم ثم لايستفيد من علمه فإن ما تعلمه لايحمل أي تربية إنسانية. وعندها لايهم إن كانت هذه العلوم محمولة على ظهر صاحبها أو موجودة في عقله، فهي ليست أكثر من تعاليم وكتب لا تحمل أي تربية إسلامية، وهذا يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمجتمع سواء كان هذا الشخص منا أو منكم، وسواء كانت هذه العلوم علوما إسلامية وفلسفية من الدرجة الأولى، أو من العلوم التجريبية والعلوم المتعلقة بالطبيعة. فإذا لم يكن التعليم مقروناً بالتربية وإذا لم تكن التربية إنسانية، فإن الإنسان كالحيوان يحمل أكداسا من المعلومات، أو بعبارة أخرى، حيوان ملي‏ء بالمعلومات وليس إنسانا.

أخطار العلم بدون التربية وتزكية النفس‏
أحيانا يكون الضرر الذي تلحقه هذه الشريحة (المثقفة) بالإسلام والبلاد أكثر من الضرر الذي تسببه الشرائح الأخرى. فأهل العلم هم الذين أحيوا أغلب هذه الأديان التي كانت مهجورة، ولم يصنع الأديان أحد غير المتعلمين، كما أن الكثير من الخيانات للوطن كانت من قِبل هؤلاء المتعلمين الذين ساعدوا النظام البائد على سحق وإبادة وطننا على مدى خمسين عاما. وإذا لم يتم إصلاح الجامعات والمدارس، فليس لدينا أمل في تحقق الجمهورية الإسلامية. ولكن إذا تمت تربية هاتين الشريحتين تربية إنسانية كما يريد الإسلام، فإن بلادنا ستكون بعيدة عن أيدي الشياطين وخالية من الخيانات الداخلية، وستتمكن من إدارة دفة القيادة دون أن تكون منقادة للآخرين، وكذلك في تحقيق الرخاء والازدهار للبلد.

المهم أن يكون العلم مترافقا مع التربية الصحيحة سواء في المرحلة المدرسية أو الجامعية أو مرحلة التحصيل العلمي ما بعد الجامعي، وأن يكون العالِم متسلحا بالتربية الإنسانية وهي نفسها التربية الإسلامية. عليكم بالسعي لتكون كل خطوة تخطونها في سبيل العلم، من أجل العمل الظاهري والأعمال الباطنية القادرة على خلق التقوى والاستقامة والأمانة في نفوسكم، حتى تكونوا أشخاصا واقعيين بعد تخرجكم من الجامعة إن شاء الله ويكون لديكم‏ العلم والأمانة وتكونوا أمينين على علمكم من جهة ومزكين لنفوسكم ومتحكمين بها من جهة أخرى، لأن النفس متمردة وتمردها يسقط الإنسان على الأرض كما لو أنه ممتطي حصاناً متمرداً جامحاً فإن هذا الحصان يقضي على فارسه. ونفس الإنسان متمردة أكثرمن أي شي‏ء آخر، وتمرد النفس يقضي على الإنسان. ولتكن كل خطوة تخطونها في طريق العلم مترافقة مع خطوة أخرى لكبح جماح أنفسكم ومنعها من التمرد، لأنه عندما يفلت عنانها تفقد السيطرة عليها آنذاك. لذلك عليكم كبح جماح أنفسكم بأنفسكم. وعندما يتحقق هذا النوع من التربية والتعليم في بلد ما سيكون هذا البلد حراً مستقلًا، قادراً على تأمين احتياجاته وإصلاح ثقافته وكل ما يلزم، وتكون حكومته قادرة على مواجهة الانحراف، ولن يكون جيشها متسلطا على الشعب وشرطتها لن تستطيع استغلاله، وإدارتها المحلية حريصة على عدم ارتكاب الأخطاء. إن مقدرات كل بلد في يد جامعاته سواء كانت جامعات العلوم الحديثة أو جامعات العلوم القديمة، لذا فالمهم أن يكون الذي سيتخرج من هذه الجامعات بنوعيها، إنسانا وليس دابة تحمل على ظهرها بعض الكتب. وحاولوا أن لاتكونوا أنتم والعلوم الطبيعية في طرف، ودارسو العلوم الفقهية والإلهية في طرف آخر، بل ابحثوا في دقائق العلوم، ولكن لاتغفلوا عن جهل أنفسكم وعن تمرد النفس، لأنكم إن غفلتم، فإن كل خطوة تخطونها على طريق العلم ستبعدكم عن الإنسانية أكثر فأكثر، فالإنسانية طريق مستقيم وإذا سار أحدكم على هذا الطريق معوجاً فإنه سيبتعد عن الإنسانية، وكل من وجد الخط المستقيم ولم يسر عليه فإنه حتما سيبتعد عن الإنسانية. وكما لو أننا فرضنا خطا مستقيما وانطلقنا من نقطة عموديا عليه فكلما قطعنا مسافة أكبر ابتعدنا أكثر عن الخط المستقيم.

ضرورة إصلاح النفس‏
وكلما أصبحت المعلومات أكثر، فإننا إن لم نكن على الطريق المستقيم وإن لم نستطع السيطرة على علمنا وأنفسنا وإذا لم نستطع كبح جماح النفس في هذا الطريق المستقيم، فإن بعدنا عن الإنسانية سيصبح أكبر، ويصبح من الصعب على الإنسان أن يرجع إلى الإنسانية.
أنتم الآن شباب وتنعمون بعنفوان الشباب ولله الحمد ولم يصبكم ضعف الشيخوخة بعد، ولهذا تستطيعون إصلاح أنفسكم بسرعة، فلا تحاولوا أن تتركوا التوبة إلى آخر العمر، لأنها غير ممكنة في ذلك الوقت، فالإنسان إذا لم يتابع هذا الأمر في بداية العمر ولم يسع لبناء نفسه فإنه لن يستطيع فعل ذلك في آخر العمر، لأن القوى الشيطانية ستكون قد استفحلت في داخله وستكون قوة الإنسان وإرادته قد خارت ولم يعد بوسعه فعل أي شي‏ء.

وصية إلى الشباب‏
فليعرف الشباب قدر شبابهم ويستفيدوا منه في العلم والتقوى وفي بناء أنفسهم، ليصبحوا أشخاصا أمناء صالحين، فالبلاد ستصبح مستقلة بفضل هؤلاء الأشخاص. إن كل تبعيتنا وارتباطنا بالخارج كانت لأننا لم نملك رجالا صالحين، ففي ذلك الوقت كان الرجال الصالحون يتنحّون جانبا، وأولئك الذين كانوا في الساحة لم يكونوا صالحين، كانوا علماء ولكنهم لم يكونوا صالحين، ولم يقدموا أي نفع لبلادنا، وكانوا هم من جعلنا تابعين للخارج، وعلى مرّ أعوام كثيرة كانت خيراتنا تذهب إلى الأجنبي وما قدمه لنا كان هذا كما ترون لاشي‏ء. أنتم ذخر هذه البلاد، أنتم أيها الجامعيون الشباب، فاحرصوا على أن يكون هذا الذخر لخير الأمة، وأصلحوا أنفسكم لتكونوا إن شاء الله أشخاصا أمناء ثقاة تؤدون عملكم على أكمل وجه، وتكون بلادكم في أيديكم أنتم، وأنتم من يديرها، فالإنسان الأمين لاأحد يستطيع أن يحرفه عن طريقه، والمعوجّون لايحفظون الأمانة وليسوا كفؤا لهذه المهمة.
أسأل الله العلي القدير أن يحفظكم جميعا إخوة وأخوات أعزاء ذخرا لهذه الأمة وأن يسدد خطانا إلى طريق الحق إن شاء الله.


*صحيفة الإمام، ج‏9، ص: 9


1-الجمعة: 5.

2011-05-10