الموضوع: فوارق الحكومة الإسلامية عن الحكومات الأخرى
خطاب
الحاضرون: جمع من منتسبي شرطة الجمهورية الإسلامية
عدد الزوار: 61
التاريخ: 20 أرديبهشت 1358 هـ. ش/ 13 جمادى الثانية 1399 هـ ق
المكان: قم
الحاضرون: جمع من منتسبي شرطة الجمهورية الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
سلوك الرؤساء و الأمراء في صدر الإسلام
..... إن أحد الفوارق بين الحكومة في الإسلام وبقية الحكومات هو أن العلاقة في الحكومة الاسلامية علاقة ودّ ومحبة، بين الشخص الأول في الدولة كرسول الله، وفي خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وبين أدنى فرد، طبعاً أدنى بحسب نظر الناس، وإلا لم يكن الأمرأن رسول الله وقد أصبح رئيس الدولة ورئيس الأمة فهذا يعني قد أصبحتله رئاسة مثل بقية الحكومات. بل كان يحضر إلى المسجد ويجلس مع أصحابه وأتباعه. وإذا حضر غريب فإنه لا يتبين معه من هو النبي من الجالسين فكان يسأل من منكم النبي؟ فلم يكن الأمر عند الاجتماع أن يجلس شخص فوق عرش ويقف البقية أمامه ويسلمون عليه سلاما عسكريا! والشيء نفسه كان بالنسبة لأمير المؤمنين. الوضع في صدر الإسلام كان بهذا الشكل. لم يكن الوضع بحيث يستعلي أمراء الجيش وكان عندهم أمراء جيش كبار على الناس. كانت العلاقة علاقة محبة، كانوا يعيشون في جو من المحبة والصداقة. كانوا (رحماء) مع بعضهم. أي أحباء فيما بينهم. يتعاملون بالرحمة. وعندما كانوا يواجهون الكفار كانوا (أشداء) حينئذ 1.
إن أمير المؤمنين نفسه عندما كان يدخل المسجد ويجلس الى الآخرين ويتحدث معهم. ففي مرة دخل مزرعة أحد الأشخاص وكان لدى أحد الخدم طعام. فقالله أمير المؤمنين: عندك طعام؟ ... أجابه: ليس عندي ما يليق بك. فأجابه أمير المؤمنين: ماذا تقول! آت به. فأحضر قرعاً مقلياً بالدهن وهو يتصور أن في منزل أمير المؤمنين كذا وكذا أنواع الطعام، وأن هذا قليل بشأنه! رغم أن أمير المؤمنين لعله طوال عمره لم يأكل مثل هذا الطعام اللذيذ! تعال، وجلسا معاً، خادم المزرعة وزعيم الجميع، جلسا معاً وأكلا، وبعد الانتهاء نهض أمير المؤمنين إلى ساقية ماء كانت تمر بالمزرعة، فغسل يديه بالرمل والماء، ثم شرب من الماء بيده، وشكر الله.
الشدة والرحمة في الحكومة الإسلامية
إن هذا الشخص نفسه الذي كان يذهب إلى البيوت ويوزع الطعام دون أن يتعرفوا عليه، عندما كان يذهب إلى أحد البيوت ويجد الأطفال جائعين يعطيهم بعض الخبر، ويطعمهم بنفسه ثم يلعب معهم ويصدر أصواتا كالجمل ليدخل السرور الى قلوبهم! إن نفس هذا الرجل الذي هو رئيس القوم ويتعامل معهم بهذا القدر من الرحمة والشفقة، عندما كان يواجه العدو، ويضرب بسيفه كان يقطع الخصم قسمين. وقد قتل من يهود (بني قريظة)، الذين كانوا من المفسدين ولم يثوروا ضده- هؤلاء اليهود كانوا مفسدين منذ البداية- قتل منهم في يوم واحد سبعمائه شخص! .. فالمسلمون فيما بينهم رحماء أحبة، ولكنهم عندما كانوا يواجهون الآخرين كانوا أشداء. ففي الموقع المناسب تكون الشدة، وفي موقع الرحمة تكون الرحمة. هكذا هو وضع حكومة الإسلام.
تكبر (جانسون) وذل الشاه
إن الحكومات غير الإسلامية تأخذ بعين الاعتبار بعض الأمور، لقد كنت أتأسف حقاً عندما رأيت حالة محمد رضا شاه- الشاه المخلوع- مقابل جانسون 2. كان جانسون واقفاً وقد أدار نظارته وعينه الى الجهة الأخرى، بينما كان هذا يقف كالصبي أمام منضدة ذاك. كان جانسون يقف في هذا الطرف ويقف (الشاه) مقابل منضدته كالفرَّاش! لقد تألمت كثيراً للوضع الذي أصبحنا فيه حيث يقف هذا (الشاه)- وهو رئيس قوم- أمام ذاك بهذا الشكل! ولكنه عندما كان يأتي إلى هنا مقابلكم فماذا كان يفعل؟. كان يفعل العكس تماماً. بيد أن الجميع في حكومة الإسلام يتعاملون فيما بينهم بالرحمة والمودة، ولكنهم عندما يواجهون الآخرين كانوا يقفون بوجههم بكل صلابة. ولكن الحكومات غير الإسلامية ليست كذلك بل ينظرون إلى احتياجهم! فمن يرى أنه محتاج الآن إلى شخص فإنه يركض إليه! ملك على دولة، ولكنه يذهب كالفرَّاش إلى ذلك الشخص! لقد رأيت صورته بنفسي، كان يقف كالفرَّاش! ولكنه عندما كان يرجع إلى مملكته والى الناس الذين هم حسب الاصطلاح رعيته ويرجع إلى جنوده، فإنه كان يتعامل بتلك القسوة والشدة وهذا عكس ما كان أولئك عليه. فهو شديد على شعبه وعلى الذين هم تحت أمرته، غير أن يخضع أمام الآخرين. ولكن الأمر بحسب منطق القرآن﴿ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ﴾ 3.
الحكومة الإسلامية وحكومات الطاغوت
إن هذا أحد الفوارق بين الحكومات الإسلامية والحكومات غير الإسلامية، فعندما كان يدخل أحد إلى محيط الحكومة الإسلامية لم يكن يأخذه الخوف! بينما في غيرها فإنه إذا أراد شخص أن يدخل في دائرة حكومية او وزارة، او حتى مخفر للشرطة، كان يتمالكه الخوف مما سيحدث!
عندما يذهبون في الحكومة الإسلامية إلى رئيس وزرائها، أو إلى الرئيس فإنهم لا يشعرون بالخوف أبداً. عندما شعرت تلك المرأة العجوز بالخوف أمام الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، قال لها الرسول ... أنا ابن من تأكل القديد! وتجلس على الأرض. لم أنت ...؟ وكان يتواضع لها أكثر حتى لا تشعر بالخوف.
لقد تعاملت الحكومات الطاغويتة مع شعوبها بشكل أصبحت الشعوب تخاف من الحكومات! فالشعب في طرف، والحكومة في طرف آخر، مثل عدوَّين! لقد كانت هناك عداوة بين كسبة سوق طهران وشرطة السوق. وذلك لأنهم كانوا يتعاملون معهم معاملة الأعداء. رغم أنه كان ينبغي أن تكون معاملة ودية لأنه رجل أمن، يعني انه يجب أن يحرس هؤلاء الناس، إن جميع قوات الأمن هي لأمن الناس ورفاه حالهم لا ينبغي أن تكون هذه مجرد عناوين بل يجب أن يكون حقيقة، إن وظيفة الحكومة تأمين الرفاهية للناس. نعم، القوات العسكرية يجب أن تكون شديدة على المعتدين، وأما مع عامة الناس فإنه يجب أن تكون معاملتهم معهم من خلال المحبة.
ولكن الأمر في الحكومات غير الإسلامية على العكس من ذلك، إذ يجب أن يتعاملوا مع الناس بشدة، ليوقعوا الرعب في قلوبهم، لماذا؟ لأنهم لم يتعاملوا مع الناس بشكل يأمنون فيه جانب الناس، وعندما لا يكونون آمنين من جهة الناس فإنهم يريدون بإخافة الناس حينئذ حفظ أنفسهم! وهذا بخلاف الحكومة التي يكون الشعب صديقاً لها. فإن مثل هذه الحكومة ينزل رجالها إلى وسط الناس، فإن الناس يلتفون حولهم، ويقبلون أيديهم ووجوههم، إن مثل هذه الحكومة لاتخاف من الناس.
إنكم إنما ترون منهج هؤلاء يتمحور حول بث الخوف والرعب بين الناس ذلك لأن وضعهم في المجتمع وضع غير سليم. ولهذا فهم يبثون الرعب. أما لو كان الوضع غير ذلك، وكان بينهم وبين الناس محبة ومودة لكان الأمر غير ذلك، فالناس ليس لها عداوة معهم.
الخوف من القانون
يجب أن يكون هناك تفاهم، محبة، يجب أن يكون الوضع بنحو إذا ما ذهب الإنسان إلى المخفر يشعر وكأنه يذهب إلى منزله. ففي الإسلام كل إنسان يجب أن يخاف من نفسه! كل إنسان يخاف من نفسه، بأي معنى؟ بهذا المعنى أنه إذا أخطأ عليه عقوبة، وإذا لم يخطئ، فلا ينبغيله أن يخاف من قوات الجندرمة، من الجيش، من الشرطة، لا ينبغيله أن يخاف من رئيس الوزراء، لا ينبغيله أن يخاف من رئيس الجمهورية. وذلك لأن هؤلاء لا يؤذونه. لا ينبغي أن يؤذوه، وإنما عليه أن يخاف من نفسه كي لا يخطئ فإن القانون يعاقبه.
إن وضعنا يجب أن يكون هكذا، يجب أن يكون وضعكم هكذا. فلحد الآن كان بشكل آخر. جرِّبوا وانظروا أنه إذا تعاملتم مع الناس بمحبة فهل يكون قلبكم مطمئنا أكثر أم إذا تعاملتم لا سمح الله بشدة؟ إن الشدة تسبب الاضطراب. وأما إذا تعاملتم مع الناس بمحبة، فإن قلبكم يهدأ ويطمئن وعندما ترجعون ليلًا إلى المنزل فإنكم تنامون بهدوء ولا تشعرون بالقلق في وجدانكم لأنكم آذيتم أحدا فإن وجدان الإنسان يتألم آخر الأمر ولا تشعرون في وجدانكم بالعذاب لأنكم ظلمتم أحدا، ولاتخافون أيضاً من أن يُنتقم مثلا منكم في وقت من الأوقات. إنكم عندما تتعاملون مع الناس بمحبة، وترون الناس أنهم منكم وعلينا جميعا خدمة الناس الحكومة خادمة للجميع فإن هذا الوجدان يهدأ فيذهب الإنسان إلى منزله ليلا وينام باطمئنان وفي اليوم التالي، يذهب إلى مكان عمله، وعمله هو خدمة الناس فمن بداية ذهابه إلى الادارة، يذهب من أجل حل مشاكل الناس، خدمة الناس، لا مثل الإدارات السابقة حيث كان كل واحد عندما يستيقظ صباحاً، الكثير عندما كانوا يستيقظون صباحا يذهبون وهم يخططون لكيفية الإيقاع بالناس! كيف يستغلونهم!
الحكومة الإسلامية المثالية
هذا هو وضع حكومة الإسلام، فإدارتها من أجل رفاه الناس. ونظامها من أجل رفاه الناس. رئيس جمهورتيها من أجل رفاه الناس، رئيس وزرائها من أجل رفاه الناس. والأجواء أجواء ودّ ومحبة إننا إذا استطعنا ووفقنا لتحقيق الإسلام بالصورة التي هو بالكيفية التي كان بناء الإسلام عليها، فإن الحكومة سوف تشعر بالراحة، وكذلك الشرطة. ولاحاجة بعد ذلك لكي يتعدوا على الناس. وتكون قوات الجندرمة، وكذلك الجيش، والجميع يكونون أحباء واخوة وإنني آمل أن يتحقق مثل هذا الأمر، وتتحقق مثل هذه الحكومة، لتكون واقعا لا مجرد أمل.
إن الذي عندنا الآن من الجمهورية هو الرأي فقط، لاشيء آخر، هذا الرأي والصوت الذي أدلينا به. أما الجمهورية الإسلامية بالمفهوم الذي نطمح اليه فانه لم يتحقق لحد الآن مع الأسف، ويجب أن يتحقق تدريجياً. عليكم أن تصلحوا أنفسكم، ونحن أيضاً يجب أن نصلح أنفسنا. على الجميع أن يتغير من تلك الحال الطاغوتية إلى الحال الاسلامية التي هي رحمة، ومودة، ومحبة. لابد من الخروج من محيط الرعب والخوف والدخول في اجواء المحبة والمودة، وإنني آمل أن نوفق لمثل هذا، ونكون جميعا مع بعضنا أصدقاء محبين .. جعلكم الله تعالى سعداء، ووفقكم وسدد خطاكم.
*صحيفة الإمام، ج7، ص: 179
1- إشارة الى مفهوم الآية 29 من سورة الفتح.
2- ليندون جانسون، رئيس جمهورية الولايات المتحدة الأمريكية.
3- الفتح:29.