يتم التحميل...

حكم الخمس بناء على نظرية ولاية الفقيه

أبحاث في الولاية

الخمس كما هو معلوم ينقسم إلى قسمين: سهم إمام، وسهم سادة، وحتى نستوفي البحث في الموضوع الذي نريد الحديث عنه هنا وهو: تحديد من هو المعني في عصر الغيبة في استلامه وصرفه على موارده، علينا البحث في علاقة الإمام المعصوم عليه السلام بالخمس بسهميه سهم الإمام وسهم السادة.

عدد الزوار: 118

الخمس كما هو معلوم ينقسم إلى قسمين: سهم إمام، وسهم سادة، وحتى نستوفي البحث في الموضوع الذي نريد الحديث عنه هنا وهو: تحديد من هو المعني في عصر الغيبة في استلامه وصرفه على موارده، علينا البحث في علاقة الإمام المعصوم عليه السلام بالخمس بسهميه سهم الإمام وسهم السادة فنقول

أولاً: علاقته بسهم الإمام عليه السلام.

وعند النظر في هذه العلاقة نجد أنفسنا بدواً أمام عدة احتمالات

الأول: أنه ملك شخصي للإمام من حيث هو شخص.

الثاني: أنه ملك شخصي له لكن من حيث هو إمام.

الثالث: أنه ملك للحكومة الإسلامية وبيت مال المسلمين، والإمام ولي أمره.

وهذه البحوث رغم أهميتها لن نتمكن من التفصيل فيها لأن غرضنا الربط بين الخمس وولاية الفقيه.

والذي نستطيع قوله هنا أن منشأ دعوى الملكية هو قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ1 لكن يمكن نفي الإحتمال الأول والثاني ليبقى الثالث.

أما نفي الإحتمال الأول فمرده إلى أنه لو كان ملكاً شخصياً للإمام عليه السلام لوجب أن ينتقل ما يكون عنده من خمس إلى أولاده بالإرث عند الوفاة، وهذا ما لم يحصل كما لم يدعه احد على حد علمنا.

أما الإحتمال الثاني ففيه صورتان
الصورة الأولى: أن يكون المال ملكاً شخصياً للإمام وسبب الملكية هي الإمامة وكأنه راتب قد قدمه الله تعالى للإمام، فهذا أيضا كسابقه يلزم منه جواز توريثه، ولم يقل به أحد.

الصورة الثانية: أن يكون المال ملكاً للمنصب أي للإمامة وليس لشخص الإمام عليه السلام، وهذا لا معنى له إلا بأن يكون المال مال للحكومة الإسلامية لأنها جهة الإمامة، وإنما يكون الإمام عليه السلام مالكاً للتصرف، ولذا أضيفت اللام.. فالله تعالى هو الولي الحقيقي، والرسول والإمام هم الولاة الذين خولهم الله تعالى التصرف.

وهذا معنى ما يقال من أن الخمس ملك بيت مال المسلمين يوزع في مصالح الإسلام والمسلمين والذي يتولى أمره الحاكم الشرعي.

وهذا هو حال الأنفال أيضاً في قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُلِ الأنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ2 وفيما ورد في الأخبار: "أن الأنفال لرسول الله ولنا بعده".

ثانياً: في علاقته عليه السلام بسهم السادة

المعروف بين علمائنا أن سهم السادة ملك للسادة، فلا يصرف في غيرهم، وهناك رأي فقهي آخر يعتبر أن سهم السادة يصرف منه على السادة فإن فضل منه شي‏ء جاز صرف سهم السادة في مصالح المسلمين وفقرائهم.

وبناء على هذا القول سيكون حكم سهم السادة حكم سهم الإمام من جهة أنه تحت سلطة الإمام وولايته فلا يجوز للمكلف أن يبادر إلى تسليمه للسادة من دون أخذ إذن ولي الأمر فيه.

الخمس في عصر الغيبة
والمشكلة في مسألة الخمس تكمن في اعتقاد أن سهم الإمام ملك للإمام عليه السلام، فإذا بنينا على أنه ملك بيت مال المسلمين تحت ولاية الإمام عليه السلام، فإن الأمر يصبح سهلاً بناءً على نظرية ولاية الفقيه، أما سهم السادة فلا مشكلة فيه سواء بنينا على أنه ملك السادة، إذ يصرف حينئذ عليهم بلا حاجة إلى إذن الفقيه كما هو رأي جملة من العلماء، أم بنينا على أنه تحت ولاية الإمام عليه السلام ومصرفه الأولي السادة ثم غيرهم، إذ بناء على ولاية الفقيه يكون الأمر سهلاً أيضاً، إذ يكون الإمام عليه السلام هو ولي الخمس بقسميه وبناءً على نظرية ولاية الفقيه نتتقل هذه الولاية إلى الفقيه.

وإذا جاز للفقيه استلام الخمس بولايته عليه نيابة عن الإمام وجب أن نقيد الفقيه بشروط أقلها الكفاءة والأمانة في تحمل مسؤولية هذا المال وصرفه والإطمئنان إلى حسن إدارته له، فلا يجوز إعطاؤه لفقيه لا يتوفر فيه هذا الشرط وإن كان مرجع تقليد، كما يجوز إعطاؤه لكل فقيه توفر فيه الشرط وإن لم يكن مرجع تقليد، وإذا فرضنا وجود ولي على الأمة فهو الأولى من غيره بقبض المال، بل قد يجب دفع الخمس له إن طلبه أو إن حصرنا النيابة بشخص واحد هو الأفضل من كل الجهات كما هو الأرجح.

ولعل اشتراط الأفضل هو الداعي لتخصيص الخمس بالمرجع بأن يقال إن الذي ثبت أن له ولاية الخمس نيابة عن الإمام هو خصوص الفقيه الأعلم وهو المرجع، وهذا أحد مظاهر نظرية وحدة الولاية والمرجعية.

ولكن هذا التخصيص يستدعي شروطاً في المرجع لم تلحظ في باب المرجعية، أي يستدعي شرط كفاءة تحمل مسؤولية المال، ولم يشترطوا ذلك، وهذا غريب.

على أن بعضهم لا يشترط تقليد الأعلم فبأي وجه يلزم بالدفع إلى المرجع.

وقد تبين مما سبق أن الطريق الوحيد لإثبات ضرورة أن يدفع المال للفقيه هو إثبات ولايته. وليس هذا الطريق مبتدعاً من أجل أخذ المال بل هو طريق ثبتت صحته على ما بينا سابقاً.


ملاحظة أدلة ولاية الفقيه‏
ولا يفرق فيما ذكرناه بين أن تثبت ولاية الفقيه بالنصوص، أو بدليل الحسبة.

أما بناء على ثبوتها بالنص فواضح، لأن النص أعطى ولاية عامة للفقيه ومن جملتها الولاية على الخمس.

أما بناء على ثبوت الولاية بدليل الحسبة، فلأن دليل الحسبة يثبت لنا أن الولي في الحكومة الإسلامية هو الفقيه، وهذه الحكومة تأخذ كل صلاحيات الحاكم في الإسلام والتي من جملتها الأموال الشرعية التي ترجع ملكيتها إلى بيت مال المسلمين على ما تقدم، وبيت المال من شؤون الحكومة الإسلامية العامة.

ولو لم يقبل هذا الكلام فلنا طريق آخر وهو أن نجري دليل الحسبة في خصوص الخمس فنقول:

قد قام الدليل على أن الشرع لم يرد إهمال أمر الخمس في عصر الغيبة كما هو المعروف بين علمائنا، لأن إهماله مع وجوب دفعه يعني تكديسه وتعريضه للتلف وهذا إضرار بالمكلفين من دون أن ينتفع بالمال أحد، إلا أن يلتزم بأن الخمس غير واجب في عصر الغيبة وهذا أيضا باطل، لأن الخمس بقي على وجوبه ولم يجعل مباحاً بين الناس، وحينئذ نقول لا دليل على أن الإمام عليه السلام قد أجاز المكلفين بصرف الخمس بعد أن كانت القاعدة فيه الحاجة إلى الإذن، فإذا افترضنا قصور الأدلة عن بيان من يحق له أن يجيز بناءً على عدم تمامية أدلة ولاية الفقيه اللفظية فهذا يعني أننا أمام احتمالين:

الأول: أن يتوقف صرف المال على إذن الفقيه، وبناءً على هذا الإحتمال لا تبرأ ذمة المكلف من الخمس إلا إذا دفعه للفقيه.

الثاني: أن يجوز للمكلف أن يصرفه بنفسه بلا حاجة للرجوع للفقيه.

والقدر المتيقن المبرئ للذمة هو اعتماد الإحتمال الأول، لأنه حسب الفرض لا دليل على الإحتمال الثاني، فلو صرفه المكلف بنفسه لا يحرز براءة ذمته من الخمس، والإشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية، ولا يقين بالبراءة إلا برعاية الإحتمال الأول، فيكون القدر المتيقن ممن يحق له التصرف في الخمس وصرفه هو الفقيه وهو الذي يتيقن معه المكلف ببراءة ذمته تجاه الخمس.

ثم إذا ثبت أن الأمر يرجع إلى الفقيه نسأل حينئذٍ: هل يجوز لمطلق فقيه أم ينحصر الأمر بالفقيه الأفضل من حيث الصفات؟ وبدليل الحسبة ايضا نستنتج وجوب دفعه إلى الفقيه الأفضل، فهو صاحب الحق بالتصرف ولم يثبت هذا الحق لغيره.

* بحوث في ولاية الفقيه،سلسلة المعارف الإسلامية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط3، 2007م، ص79-83


1- الأنفال:41.
2- الأنفال: 1 والوسائل باب 1 من أبواب الأنفال.

2010-05-10