لماذا ومتى ومَن أقلِّد؟
أبحاث في الولاية
التّقليد هو مصطلح فقهيّ إسلاميّ معناه أن يعمل المكلّف مستنداً إلى فتوى فقيه معيّن. فالإنسان الذي لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد، لابدّ له في أعماله العباديّة وفي معاملاته أن يبحث عن أعلم الفقهاء، ليقلّده فيما اجتهد فيه واستنبطه من أحكام شرعيّة.
عدد الزوار: 813لماذا نقلّد؟
التّقليد هو مصطلح فقهيّ إسلاميّ معناه أن يعمل المكلّف مستنداً إلى فتوى فقيه معيّن. فالإنسان الذي لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد، لابدّ له في أعماله العباديّة وفي معاملاته أن يبحث عن أعلم الفقهاء، ليقلّده فيما اجتهد فيه واستنبطه من أحكام شرعيّة.
والتّقليد بهذا المعنى ليس معناه التّبعيّة العمياء التي ذمّها الله عزّ وجلّ في القرآن حيث قال: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون﴾1، بل معناها رجوع الجاهل إلى العالم فيما يحتاجه من المسائل والأحكام الشّرعيّة، التي استخرجها من مداركها وأدلّتها الخاصّة.
فكما يذهب المريض إلى المتخصّص في العلاج "وهو الطبيب" ولا يعيب أحد عليه ذلك، بل
يُمدح، كذلك المكلّف الذي يجهل كيفيّة استنباط الأحكام الشّرعيّة يجب عليه أن يرجع
إلى المتخصّص في هذا المجال، ويجب أن يمدح على ذلك؛ لأنّه رجع إلى أهل الاختصاص ولم
يعمل عن جهل.
عن الإمام الحجّة:"وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم
حجّتي عليكم"2.
نعم يُعتبر التّقليد في الأصول الاعتقاديّة أمراً مذموماً. وهذا النّوع من التّقليد
هو الذي تشير إليه الآية السّابقة. ولذلك يجب على المكلّف أن يبحث بنفسه عن الأدلّة
العقليّة والنّقليّة الّتي تؤمّن له الاطمئنان واليقين بمعتقداته.
متى نقلّد؟
يجب على الإنسان التّقليد عندما يصل إلى سنّ البلوغ الشّرعيّ. ويجب الالتفات إلى
قولنا "الشّرعيّ"، حتّى نميّز البلوغ الشرعيّ عن البلوغ المحدّد مثلاً في بعض
القوانين الوضعيّة.
فالشّرع الإسلاميّ حدّد علامات يستطيع الإنسان من خلالها أن يعرف متى يبلغ. وهذه
العلامات باختصار
1ـ خروج المنيّ.
2ـ نبات الشعر الخشن على العانة التي هي الموضع الواقع بين العورة ونهاية البطن.
3ـ أن يبلغ الذّكر سن الخامسة عشرة قمريّة، وهي توازي أربعة عشر سنة وسبعة أشهر
شمسيّة تقريباً. وأن تبلغ الأنثى سنّ التّاسعة قمريّة، وهي توازي ثماني سنوات وتسعة
أشهر شمسيّة تقريباً.
ومن جهة أخرى حدّد الإسلام علامات للّذين لا يقع عليهم تكليف وإن اجتمعت فيهم
العلامات السابقة، وهذه العلامات هي
1ـ الجنون: فالمجنون مرفوع عنه التّكليف حتّى يفيق من جنونه.
2ـ العجز: فالعاجز عن الصّوم مثلاً لعلّة مبرّرة مرفوع عنه التّكليف، لقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾3.
كيف نقلّد؟
يجب أن نبحث عن مرجع التّقليد الذي تتوفّر فيه الشـّروط التـّالية
1ـ الحياة: فالميت لا يجوز تقليده ابتداءً.
2ـ البلوغ: فلا يجوز تقليد إنسان قبل أن يبلغ وإن كان فقيهاً ومجتهداً.
3ـ العقل: فلا يصحّ تقليد المجنون، وهذا واضح.
4ـ الذكورة: فلا يصحّ تقليد الأنثى وإن بلغت مرحلة الاجتهاد.
5ـ طهارة المولد: أي أن لا يكون متولّداً من زنى، وذلك لحساسيّة موقع المرجعيّة.
6ـ الإيمان: أي أن يكون مرجع التّقليد على مذهب أهل البيت ، إماميّاً إثني عشريّاً.
7ـ العدالة: أن تكون صفة ترك المحرّمات وفعل الواجبات وملازمة التّقوى راسخة في
نفسه يصعب أن تتزعزع.
8ـ الأعلميـّة: أي أن يكون أعلم المجتهدين والفقهاء وأقدرهم على استنباط الأحكام
الشّرعيّة.
وحتّى نصل إلى المجتهد الذي تتوفّر فيه كلّ الشّروط المذكورة، وخصوصاً الأعلميّة
والعدالة يوجد طريقان رئيسان
1ـ الشّياع المفيد للعلم أو الاطمئنان: أي أن يشيع بين أهل العلم والفضل أعلميّة
وجدارة مجتهد ما للمرجعيّة، بحيث يورث هذا الشّياع العلم أو الاطمئنان لدى المكلّف.
2ـ البيـّنة: أي أن يشهد عدلان من أهل الفضل والخبرة والفقه على جدارة مجتهد معيّن
لموقع المرجعيّة.
*'طريق المعارف، سلسلة المعارف الإسلامية ،
نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1-الزخرف:23
2-وسائل الشيعة، ج27، ص140
3-البقرة:284