يتم التحميل...

الولاية التكوينية

أبحاث في الولاية

الولاية التكوينية هي من المسائل الّتي يتمّ بحثها عند التعرّض للإنسان الكامل سواء كان نبياً أم إماماً... وهذا البحث غير مختصّ بالشيعة، فقد نجد من غير الشيعة من يقول بثبوت الولاية لبعض الأشخاص،

عدد الزوار: 1011

الولاية التكوينية هي من المسائل الّتي يتمّ بحثها عند التعرّض للإنسان الكامل سواء كان نبياً أم إماماً...

وهذا البحث غير مختصّ بالشيعة، فقد نجد من غير الشيعة من يقول بثبوت الولاية لبعض الأشخاص، كما أنّه ليس محلّ إجماع لدى الشيعة حيث نجد آراءً أخرى لبعض العلماء حول ثبوت هذا الأمر لأحد من الناس.

معنى الولاية التكوينية

المقصود من الولاية التكوينية القدرة على التصرّف دون توسّط البدن، قدرة محدودة بحدّ معيَّن أو مطلقة تشمل كلّ ممكن.

وهذا يجعل الولاية التكوينية في إطار قدرات الوليّ بحيث إنّه قادر على فعل هذه الأشياء إن أراد، بإرادة الله تعالى وتسديده.

الولاية التكوينية في القرآن الكريم

لا شكّ أنّ هناك معجزات وخوارق للعادات ظهرت على أيدي الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين، وذلك في مناسبات متعدّدة وظروف متفاوتة.

إنّما الكلام في أنّ هذه المعجزات هل صدرت عنهم وكانت من فعلهم، بحيث إنّ الله تعالى أعطاهم القدرة على ذلك؟

الأدلة على الولاية التكوينية

يمكن التمسّك والاستدلال بآيات من القرآن الكريم لإثبات صدور المعجزات عن الأنبياء عليهم السلام, وهذه الآيات هي:

1- الآية الأوّلى: قوله تعالى: ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ1. هذه الآية الكريمة صرّحت أنّ الّذي يبرى‏ء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ويخلق الطير هو عيسى عليه السلام بنفسه، فالله سبحانه وتعالى قد أعطى عيسى عليه السلام القدرة على ذلك.

2- الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ2.
ذكر المفسّرون أنّ معنى ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ أيّ ذلّلناها لطاعته أي سليمان عليه السلام فهي تتحرّك بإرادته واختياره حيث أراد.

3- الآية الثالثة: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ3.
أي جعلنا الحديد مطيعاً لداود عليه السلام يتحرّك كيفما حرّكه وهو تعبير آخر عن السلطة والولاية على الحديد.
وفي رواية: "... وألان لهما (داود وسليمان عليهما السلام) الحديد والصفر4 من غير نار"5.

4- الآية الرابعة: قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ6.

ذكرت هذه الآيات قصّة عرش بلقيس الّذي استطاع أن يأتي به الّذي عنده علم من الكتاب وهو وصيّ سليمان آصف بن برخيا من اليمن إلى الشام قبل أن يرتدّ إلى سليمان طرفه، وقد فعل ذلك بنفسه ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ. وعدم ذكر اسمه والاكتفاء بذكر علمه "عنده علم من الكتاب" يشير إلى أن هذا العلم هو سبب قدرته تلك.

قال في تفسيرالأمثل: "أحضر عرش بلقيس بطرفة عين بالاستعانة بقوته المعنوية"7.

ثبوت هذه الولاية لأئمّة أهل البيت عليهم السلام

هناك روايات كثيرة تدلّ على ثبوت مثل هذه الولاية والقدرة للأئمّة الأطهار عليهم السلام, نذكرها ضمن العناوين التالية:

1- عندهم علم الكتاب:
لقد أوردنا فيما سبق الآيات الّتي نقلت قصّة عرش بلقيس وكيف استطاع أن ينقله آصف في طرفة عين بسبب ما عنده من علم الكتاب.
وفي رواية عن أبي جعفر عليه السلام قال: "﴿الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ ولم يخبر أنّ عنده ﴿عِلْمُ الْكِتَابِ، والمنّ لا يقع من الله على الجميع، وقال لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَ فهذا الكلّ ونحن المصطفون"8. وغيرها العديد من الروايات المشابهة.

2- يقدرون على معجزات الأنبياء عليهم السلام:
ففي رواية عن أبي بصير (وكان ضريراً) قال: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأبي جعفر عليه السلام, وقلت لهما: أنتما ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
قال عليه السلام: نعم.
قلت: فرسول الله وارث الأنبياء علم كلّ ما علموا؟
فقال لي عليه السلام: نعم.
قلت: أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص؟
فقال لي عليه السلام: نعم بإذن الله.
ثمّ قال عليه السلام: أدن مني يا أبا محمّد، فمسح يده على عيني ووجهي، وأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلّ شي‏ء في الدار.
قال عليه السلام: أتحبّ أن تكون هكذا، ولك ما للنّاس وعليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصاً؟". قلت: أعود كما كنت، قال: فمسح على عيني فعدت كما كنت، قال عليّ: فحدّثت ابن أبي عمير، فقال: "أشهد أنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حقّ"9.

3- قدرتهم عليهم السلام على ما يريدون:
وهناك الكثير من الروايات تؤكّد أنّ الله تعالى أعطى الأئمّة عليهم السلام قدرة يستطيعون أن يفعلوا من خلالها كلّ ما يريدون. هذه الروايات جاءت بتعبيرات متعدّدة، نذكر منها:
1- حدّثنا الحسن بن أحمد بن محمّد بن سلمة عن محمّد بن المثنّى عن أبيه عن عثمان بن زيد عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إنّ الله أقدرنا على ما نريد، ولو شئنا أن نسوق الأرض بأزمّتها لسقناها"10.
2- محمّد بن يحيى عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره عن محمّد بن حمّاد عن أخيه أحمد بن حمّاد عن إبراهيم عن أبيه عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: "إنّ الله يقول في كتابه ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى. وقد ورثنا نحن هذا القرآن الّذي فيه ما تسير به الجبال وتقطع به البلدان وتحيى به الموتى، وإنّ في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلّا أن يأذن الله به مع ما قد يأذن الله ممّا كتبه الماضون، جعله الله لنا في أمّ الكتاب"11.

والروايات بمجموعها مع ملاحظة اشتمالها على روايات صحيحة السند تدلّ على ثبوت مثل هذه القدرة للأنبياء والأوّلياء وعلى رأسهم النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت‏ عليهم السلام.

وإلى هذه الحقيقة يشير الإمام الخمينيّ قدس سره في كتاب الحكومة الإسلامية حيث يقول: "إنّ للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرّات هذا الكون"12.

* كتاب في رحاب العقيدة، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة آل عمران، الآية: 49.
2- سورة ص، الآية: 36.
3- سورة سبأ، الآية: 10.
4- الصُّفر: على وزن قفل: النحاس، المصباح المنير مادة (صفر).
5- تفسير القمّي، ج2، ص70.
6- سورة النمل، الآيات: 38 ـ 40.
7- الأمثل في تفسير القرآن، الشيخ الشيرازي، ج12، ص70.
8- تفسير فرات الكوفي، فرات بن إبراهيم الكوفي، ص145.
9- بحار الأنوار، ج46، ص237.
10- بحار الأنوار، ج46، ص240.
11- الكافي، ج1، ص226.
12- الحكومة الإسلامية، الإمام الخميني قدس سره، طباعة مركز الإمام الخميني الثقافي، ص‏56.

2014-01-10