موسى عليه السلام وبنو إسرائيل
النبي موسى عليه السلام
لقد عانى نبينا موسى عليه السلام من قومه، وهم بنو إسرائيل، أكثر مما عانى من فرعون وقومه. فرغم المنن الإلهية المتتالية على بني إسرائيل وأعظمها ذلك التدخل الإلهي في شق البحر لئلا يدركهم فرعون كانت طبيعتهم تميل إلى الانحراف عن الحق والتعلق بالماديات،ولذا فإنهم بمجرد خروجهم من محنة فرعون...
عدد الزوار: 229
1- ميلهم لعبادة الأصنام
لقد عانى نبينا موسى عليه السلام من قومه، وهم بنو إسرائيل، أكثر مما عانى من فرعون وقومه. فرغم المنن الإلهية المتتالية على بني إسرائيل وأعظمها ذلك التدخل الإلهي في شق البحر لئلا يدركهم فرعون كانت طبيعتهم تميل إلى الانحراف عن الحق والتعلق بالماديات، ولذا فإنهم بمجرد خروجهم من محنة فرعون ونزول النعم الإلهية عليهم يطلبون من موسى أن يكون لهم آلهة أصنام: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾1.
إنه طلبٌ يتسم بالجرأة الشديدة على رسول الله موسى عليه السلام إذ يطلبون عبادةَ غير الله ويطلبون من موسى أن يجعل لهم هذا الإله.
لقد كانوا يميلون إلى الماديات وكانوا يتصورون أن الله ذا جسمٍ كالإنسان وكانت عشرتهم الطويلة للوثنيين من قوم فرعون قد أثرت في نفوسهم.
وقد حذرهم موسى عليه السلام من مفاسد هذا الطلب وأوضح لهم أن ما رأوه من عبادة هؤلاء الجماعة هو باطل وهالك، وأن الذي أوصل بني إسرائيل إلى هذا الطلب ليس هو سوى جهلهم بخالقهم وذكَّرهم بالنعم التي أنعمها الله عليهم والتي تعجز هذه الآلهةُ عن فعل أي شيء منه: ﴿قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَإِذْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيم﴾2. وتكشف لنا قصة بني إسرائيل هذه عن أمور:
أول: إن الإنسان يتأثر بالبيئة المحيطة به، ولذا كان من الواجب على المسلمين محاربة كل أنواع الفساد الإجتماعي لا سيما الذي يأتي من بلاد الغرب إلى بلاد المسلمين ليفتن أهلها عن الحق ويزيّن لهم المفاسد في نفوسهم.
وثاني: إن الإنسان إذا أحيط بالنعم الإلهية فإن واجبه أن يزيد من عبادته لربه وأن يحذر من أن يصاب بالغرور فيضلّ ويشقى.
وثالث: إن من أهم أسباب الإنحراف هو الجهل، وعلى الإنسان أن يسعى لتعلم أصول دينه ومعالم عقيدته لتكون له القدرة على مواجهة الشبهات التي يصطدم بها.
2- حب الشهوات
بعد أن أنجى الله بني إسرائيل من فرعون أغدق عليهم نعمه الإلهية عناية منه بهم لما لاقوه من عذاب على يد فرعون ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾3.
لقد كانوا يعيشون في نعم الله التي خصهم بها ولكن ميل بني إسرائيل إلى الشهوات جعلهم يتذمرون من هذه النعمة ويبحثون عن أشياء هي اقل بكثير من هذه النعم إنهم يبحثون عن الطعام الذي اعتادوا عليه أيام ذلهم واستعباد فرعون لهم: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا﴾4.
لقد تخلوا عن النعمة، وهذا نوع من الكفر بالنعمة تلبس به بنو إسرائيل، واستجاب الله عز وجل لهم هذا الطلب بعد أن أنَّبهم موسى عليه السلام على ذلك ولكن هذا الطلب لا يمكن أن يتم وهم يعيشون في أمان، بل إن هذا النوع من الحياة المادية المبنية على الشهوة والتي كان يسعى إليها بنو إسرائيل سوف تنقلهم من حياة العزِّ والكرامة إلى حياة الذلِّ والمهانة: ﴿قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾5.
توضح لنا هذه الآية الكريمة أن الإنسان الذي يعطيه الله عز وجل نعمة من النعم إذا لم يرض بها وأراد أن يعيش في حياة أخرى لاعتقاده أنها الأفضل نتيجة جهله فإن الله سوف يسلب منه هذه النعمة، والنعم إنما تستمر على الإنسان إذا عرف قدرها وتوجه إلى الله عز وجل بالشكر له عليها.
3- التخلف عن فريضة الجهاد
من الأمور التي وقع بها بنو إسرائيل ميلهم إلى الراحة والكسل، حتى وصل بهم الأمر إلى عدم قيامهم بأداء فريضة الجهاد، رغم دعوة نبي الله لهم ورغم كون دفاعاً عن أرض كانت لهم وقد سلبها منهم قومٌ آخرون.
﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلاَنِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾6.
ومع أن نبياً مرسلاً من الله عز وجل كان إلى جانبهم يرعى أمورهم ومصالحهم ومع تحذيره لهم من مساوئ التخلف عن الجهاد ووعده لهم بأن النصر سوف يكون حليفهم بمجرد قيامهم بأداء واجبهم، إلا أنهم لم يقدموا على الجهاد بل اتسم جوابهم بالوقاحة والجرأة الكبيرة، فطلبوا من موسى أن يذهب ليقاتل هو وربّه وأنَّهم هاهنا قاعدون.
وعقابهم كان شديداً جداً، إنه التيه وهو أعظم ما ابتلي به بنو إسرائيل.
إن ما جرى على بني إسرائيل كان سنّة من السنن الإلهية، يجري على كل أمَّةٍ تتخلف عن الجهاد والقتال وتتذرع بأي حجة من الحجج، وإن المصير النهائي لهذه الأمم هو حياة الذلّ والهوان.
وقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: أما بعد فإن الجهاد بابٌ من أبواب الجنة فتحه الله لخاصَّةِ أوليائِه إلى أن قال: هو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء...7.
4- فتنة السامري
لقد كان بنو إسرائيل ضعاف الإيمان فبعد طلبهم الأول من موسى عليه السلام أن يصنع لهم أصناما آلهة ليعبدوها وتحذيره لهم، كانت فتنتهم الثانية التي حصلت بغياب موسى عليه السلام عنهم وقصة ذلك أن رجلاً منهم يسمى السامري جمع ما كان لدى بني إسرائيل من ذهب الفراعنة ومجوهراتهم، وصنع منها عجلاً له صوت خاص (خوار)، ودعا بني إسرائيل لعبادته. فاتَّبعه أكثر بني إسرائيل، وبقي هارون أخو موسى وخليفته مع أقلية من القوم على دين التوحيد، وحاول هؤلاء الموحدون الوقوف بوجه هذا الإنحراف فلم يفلحوا، وأوشك المنحرفون أن يقضوا على حياة هارون أيضاً، فما هو سبب الانحراف هذا بعد كل الآيات التي أظهرها لهم الله تعالى ورأوها بأعينهم؟
إنه الضعف في العقيدة والجهل الذي أدى بهم إلى ترك ديانة التوحيد وهو امتحانٌ واختبارٌ لهم من الله عز وجل لأن الإيمان الصحيح والقوي يصمد أمام هذا النوع من الامتحان، وأما الإيمان الضعيف فإنه سوف ينهار أمام أضعف الشبهات وهذا ما حصل مع بني إسرائيل.
﴿فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾8.
وكان لا بد لموسى عليه السلام أن يغضب لهذا، إنَّه الغضب المشوب بالرحمة لخوفه على قومه من العقاب الإلهي الشديد نتيجة كفرهم، وهذا هو موقف كل مؤمن يدعو إلى الله تعالى.
وقد اتخذ موسى موقفاً حاسماً فبين لهم أولاً بطلان عبادتهم لهذا العجل، ﴿أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْع﴾9.
ثم قام ثانياً بمحو هذه الظاهرة من حياتهم ﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْف﴾10.
وسنَّة الامتحان الإلهي هذه تجري على جميع الأمم، فالله عز وجل يضع عباده أمام امتحان الطاعة له والالتزام بأوامره ونواهيه والفائزون هم أصحاب الثبات والقدم الراسخة في الإيمان.
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾11.
* أولو العزم،سلسلة الدروس الثقافية, جمعية المعارف الثقافية، ط1، 2006م، 1426هـ، ص 61 - 66
1- الأعراف: 138.
2- الاعراف: 138 - 141.
3- البقرة: 57.
4- البقرة: 61.
5- البقرة: 61.
6- المائدة: 21 - 26.
7- وسائل الشيعة آل البيت، الحر العاملي، ج 15، ص 14.
8- طه: 87 - 88.
9- طه: 89.
10- طه: 97.
11- العنكبوت: 2 - 3.