يتم التحميل...

نزول التوراة وسؤال الرؤية وعبادة العجل وما يتعلق بها

النبي موسى عليه السلام

وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وأَنْتُمْ ظالِمُونَ ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ والْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم

عدد الزوار: 313

قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وأَنْتُمْ ظالِمُونَ ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ والْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

علل الشرائع وعيون الأخبار سأل الشامي أمير المؤمنين عليه السلام عن الثور ما باله غاض طرفه لا يرفع رأسه إلى السماء قال: حياء من الله عز وجل لما عبد قوم موسى العجل نكس رأسه.

و عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكرموا البقر فإنه سيد البهائم ما رفعت طرفها إلى السماء حياء من الله عز وجل منذ عبد العجل.

تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى ﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ قال اختبرناهم مِنْ بَعْدِكَ وأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ بالعجل الذي عبدوه.

و كان سبب ذلك أن موسى عليه السلام لما وعده الله تعالى أن ينزل عليه التوراة والألواح إلى ثلاثين يوما أخبر بني إسرائيل بذلك وذهب إلى ميقات ربه وخلف هارون على قومه.

فلما جاءت الثلاثون يوم ولم يرجع موسى إليهم عصو وأرادوا أن يقتلوا هارون قالوا إن موسى كذبن وهرب منا.

فجاء إبليس في صورة رجل فقال لهم إن موسى قد هرب منكم ولا يرجع أبدا فاجمعوا إلي حليكم حتى أتخذ إلها تعبدونه.

و كان السامري على مقدمة موسى يوم أغرق الله فرعون وأصحابه فنظر إلى جبرئيل عليه السلام وكان على حيوان في صورة رمكة كانت كلما وضعت حافرها على موضع من الأرض يتحرك ذلك الموضع فنظر إليه السامري وكان من خيار أصحاب موسى فأخذ التراب من حافر رمكة جبرئيل وكان يتحرك فصره في صرة وكان عنده يفتخر به على بني إسرائيل.

فلما جاءهم إبليس واتخذوا العجل قال للسامري هات التراب الذي معك فجاء به السامري فألقاه إبليس في جوف العجل فلما وقع التراب في جوفه تحرك وخار ونبت عليه الوبر والشعر فسجد له بنو إسرائيل وكان عدد الذين سجدوا سبعين ألفا من بني إسرائيل.

فقال لهم هارون ﴿إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وأَطِيعُوا أَمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى فهموا بهارون حتى هرب من بينهم وبقي في ذلك حتى تم ميقات موسى أربعين ليلة.

فلما كان يوم عشرة من ذي الحجة أنزل الله عليه الألواح فيها التوراة وما يحتاجون إليه من الأحكام والسير والقصص.

ثم أوحى الله إلى موسى عليه السلام ﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ وعبدوا العجل وله خوار فقال موسى عليه السلام يا رب العجل من السامري فالخوار ممن قال مني يا موسى إني لما رأيتهم قد ولوا عني إلى العجل أحببت أن أزيدهم فتنة.

﴿فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَ فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ثم رمى الألواح وأخذ بلحية أخيه هارون ورأسه يجره إليه فقال له ﴿ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ولا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ ولَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي فقال له بنو إسرائيل ﴿ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِن ولكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ يعني من حليهم فَقَذَفْناها قال التراب الذي جاء السامري طرحناه في جوفة ثم أخرج السامري العجل وله خوار فقال له موسى ﴿فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها يعني من تحت حافر رمكة جبرئيل عليه السلام في البحر ﴿فَنَبَذْتُها أي أمسكته وكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أي زينت.

فأخرج موسى العجل فأحرقه بالنار وألقاه في البحر ثم قال موسى للسامري ﴿فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ يعني ما دمت حي وعقبك هذه العلامة فيكم قائمة حتى يعرفوا أنكم سامرية فلا يغتروا بكم الناس فهم إلى الساعة بمصر والشام معروفين لا مساس لهم.
ثم هم موسى بقتل السامري فأوحى الله إليه لا تقتله يا موسى فإنه سخي فقال له موسى ﴿انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.

أقول قوله ﴿أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ أحمالا في حلي القبط التي استعاروها منهم حين هموا بالخروج من مصر باسم العرس.

و قيل: استعاروه لعيد كان لهم ثم لم يردوه عند الخروج مخافة أن يعلموا به.

و قوله لا مِساسَ قال الطبرسي اختلف في معناه فقيل إنه أمر الناس بأمر الله أن لا يخالطوه ولا يجالسوه ولا يؤاكلوه تضييقا عليه والمعنى لك أن تقول لا أمس ولا أمس ما دمت حيا.

و قال ابن عباس لك ولولدك والمساس فعل من المماسة ومعنى لا مِساسَ لا يمس بعضنا بعضا السامري يهيم في البرية مع الوحش والسباع لا يمس أحد ولا يمسه أحد عاقبه الله تعالى بذلك وكان إذا لقي أحدا يقول لا مساس أي لا تمسني ولا تقربني وصار ذلك عقوبة له ولولده حتى إن بقاياهم اليوم يقولون ذلك وإن مس واحد من غيرهم حم كلاهما في الوقت.

و قيل: إن السامري خاف وهرب فجعل يهيم في البرية لا يجد أحدا من الناس يمسه حتى صار لبعده من الناس كالقائل لا مساس.

علي بن إبراهيم بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: ما بعث الله رسولا إل وفي وقته شيطانان يؤذيانه ويفتنانه ويضلان الناس بعده فأما الخمسة أولو العزم من الرسل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم وأما صاحبا نوح عليه السلام ففبطقوس وحزام وأما صاحبا إبراهيم فمكيل وزدام وأما صاحبا موسى فالسامري ومرعقيب وأما صاحبا عيسى فمولس ومريسان وأما صاحبا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فحبتر وزريق.

أقول: الحبتر الثعلب والمراد به...

لأنه يشبه بالمكر والخديعة والتعبير عنه بزريق لكونه أزرق وقيل أنه يشبه بطائر اسمه زريق في سوء أخلاقه ولكون الزرقة مما تبغضه العرب وتتشأم منه.

كما قيل في قوله تعالى ﴿وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً.

و عن أبي بصير قال: سأل طاوس اليماني الباقر عليه السلام عن طير طار مرة لم يطر قبله ولا بعدها ذكره الله في القرآن ما هو فقال طور سيناء أطاره الله عز وجل على بني إسرائيل حين أظلهم فيه أنواع العذاب حتى قبلوا التوراة وذلك قوله عز وجل ﴿وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ.

و روي: أنه لما أنزل الله سبحانه التوراة قال رب أرني أنظر إليك فأوحى الله إليه لا تقدر على ذلك ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فرفع الله الحجاب ونظر إلى الجبل فساخ الجبل في البحر فهو يهوي حتى الساعة ونزلت الملائكة وفتحت أبواب السماء فأوحى الله إلى الملائكة أدركوا موسى لا يهرب فنزلت الملائكة وأحاطت بموسى وقالوا اثبت يا ابن عمران فقد سألت الله عظيما فلما نظر موسى إلى الجبل قد ساخ والملائكة قد نزلت وقع على وجهه فمات من خشية الله وهول ما رأى فرد الله عليه روحه فرفع رأسه وأفاق وقال سبحانك تبت إليك وأنا أول من صدق إنك لا ترى فقال الله يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالتي وكلامي الحديث.

و عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: من الجبال التي تطايرت يوم موسى عليه السلام سبعة أجبل فلحقت بالحجاز واليمن منها بالمدينة أحد وورقان وبمكة ثور وثبير وحي باليمن سبر وحضور.

عيون الأخبار في خبر ابن الجهم أنه: سأل المأمون الرضا عليه السلام عن معنى قوله عز وجل ولَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِن وكلمه ربه قال ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي... الآية كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال.

فقال الرضا عليه السلام إن كليم الله موسى بن عمران عليه السلام علم أن الله تعالى عز أن يرى بالأبصار لكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه فقالوا لن نؤمن لك حتى نسمع كلامهم كما سمعت وكان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار منهم سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور وسأل الله أن يكلمهم ويسمعهم كلامه فكلمه الله وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة وجعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه فقالوا ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ بأن الذي سمعناه كلام الله ﴿حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فلما قالوا هذا القول العظيم بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا فقال موسى يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله عز وجل إياك فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا إنك لو سألت الله أن يراك تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته فقال موسى عليه السلام يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار وإنما يعرف بآياته فقالوا لن نؤمن لك حتى تسأله فقال موسى يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله إليه يا موسى اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي ولكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ وهو يهوي ﴿فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ بآية من آياته ﴿جَعَلَهُ دَكًّ وخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ يقول رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي ﴿وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ منهم بأنك لا ترى.

و عن أبي جعفر عليه السلام: قال كان في وصية أمير المؤمنين عليه السلام أن أخرجوني إلى الظهر فإذا تصوبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني وهو أول طور سيناء.

و عن أبي عبد الله عليه السلام: الغري قطعة من الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليما.

و قال المرتضى نور الله ضريحه: إن قيل ما الوجه في قوله تعالى ﴿وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ... الآية.

و ليس ظاهر الآية يدل على أن هارون أحدث ما أوجب إيقاع ذلك الفعل به وبعد فما الاعتذار لموسى عليه السلام من ذلك الفعل وهو فعل السخفاء والمتسرعين وليس من عادة الحكماء المتماسكين.

قلنا:ليس فيما حكاه الله تعالى من فعل موسى بأخيه ما يقتضي صدور معصية ولا قبيح من واحد منهم وذلك أن موسى عليه السلام أقبل وهو غضبان على قومه لما أحدثوا بعده مستعظما لفعلهم مفكرا فيما كان منهم فأخذ برأس أخيه وجره إليه كما يفعل الإنسان بنفسه مثل ذلك عند الغضب وشدة الفكر.

أ ما ترى أن المفكر الغضبان قد يعض على شفتيه ويقبض على لحيته فأجرى موسى عليه السلام أخاه هارون مجرى نفسه لأنه كان أخاه وشريكه ومن يمسه من الخير والشر ما يمسه فصنع به ما يصنع الرجل بنفسه في أحوال الفكر والغضب وبهذه الأمور تختلف أحكامها بالعادات فيكون ما هو إكرام في بعضها استخفافا في غيره وبالعكس.

و أما قوله ﴿لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي فلا يمنع أن يكون هارون خاف من أن يتوهم بنو إسرائيل بسوء ظنهم أنه منكر عليهم معاتب ثم ابتدأ بشرح قصته فقال في موضع ﴿إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ.... الآية وفي موضع آخر ﴿ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي ويمكن أن يكون قوله لا ﴿تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي ليس على سبيل الأنفة بل معنى كلامه لا تغضب ولا يشتد جزعك وأسفك انتهى.

و ذكر الصدوق أن ذلك كان بينهما على جهة المصلحة لتخويف الأمة وليعلموا شدة إنكار موسى عليهم على أنه لو كان ذلك مما لا ينبغي من واحد منهما فهو من باب ترك الأولى كما قيل لما ورد من الأدلة القاطعة على عصمتهم.

و روي أن موسى عليه السلام لما رجع إلى قومه وقد عبدوا العجل قال لهم موسى يا ﴿قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى الله بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فقالوا كيف نقتل أنفسنا فقال لهم موسى اغدوا كل واحد منكم إلى بيت المقدس ومعه سكين وحديدة وسيف فإذا صعدت أنا منبر بني إسرائيل فكونوا أنتم متلثمين لا يعرف أحد صاحبه فاقتلوا بعضكم بعضا فاجتمعوا سبعين ألف رجل ممن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس فلما صلى بهم موسى عليه السلام وصعد المنبر أقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرئيل فقال لهم يا موسى ارفعوا القتل فقد تاب عليكم فقتل عشرة آلاف فأنزل الله ﴿ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

بصائر الدرجات بإسناده إلى سدير قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فمر بنا رجل من أهل اليمن فسأله أبو جعفر عليه السلام عن اليمن فأقبل يحدث فقال له أبو جعفر عليه السلام هل تعرف دار كذ وكذا قال نعم ورأيتها فقال له أبو جعفر عليه السلام هل تعرف صخرة عندها في موضع كذ وكذا قال نعم ورأيتها فقال الرجل ما رأيت رجلا أعرف بالبلاد منك فلما قام الرجل قال لي أبو جعفر عليه السلام يا أبا الفضل تلك الصخرة التي غضب موسى فألقى الألواح عندها فما ذهب من التوراة التقمته الصخرة فلما بعث الله رسولا أدته إليه وهي عندنا.

و عنه عليه السلام: إن الله لم يعط الأنبياء شيئا إل وقد أعطاه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وعندنا الصحف التي قال الله عز وجل ﴿صُحُفِ إِبْراهِيمَ ومُوسى وهي الألواح.

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن في الجفر إن الله تبارك وتعالى لما أنزل الله الألواح على موسى عليه السلام أنزلها عليه وفيها تبيان كل شي‏ء إلى أن تقوم الساعة فلما انقضت أيام موسى عليه السلام أوحى الله إليه أن استودع الألواح وهي زبرجدة من الجنة فأتى موسى الجبل فانشق الجبل فجعل فيه الألواح ملفوفة فانطبق الجبل عليها فلم تزل حتى بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل ركب من اليمن يريدون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما انتهوا إلى الجبل انفرج الجبل وخرجت الألواح ملفوفه كما وضعها موسى عليه السلام فأخذها القوم ودفعوها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

و عن أمير المؤمنين عليه السلام: أن يوشع بن نون كان وصي موسى عليه السلام وكانت ألواح موسى من زمرد أخضر فلما غضب موسى ألقى الألواح من يده فمنها ما تكسر ومنها ما بقي ومنها ما ارتفع فلما ذهب عن موسى الغضب قال يوشع أ عندك تبيان ما في الألواح قال نعم فلم يزل يتوارثها رهط بعد رهط حتى وصلت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودفعها إلى.

العياشي عن الباقر عليه السلام في قوله ﴿وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً قال: كان في العلم والتقدير ثلاثين ليلة ثم بدا لله فزاد عشرا ﴿فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ الأول والآخر أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.

و عن أبي جعفر عليه السلام: في قول الله عز وجل ﴿وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قال لما ناجى موسى عليه السلام ربه أوحى إليه أن يا موسى قد فتنت قومك فقال بما ذا يا رب قال بالسامري صاغ لهم من حليهم عجلا فخار قال يا رب ومن أخاره قال أنا فقال عندها موسى ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وتَهْدِي مَنْ تَشاءُ فلما انتهى موسى إلى قومه ورآهم يعبدون العجل ألقى الألواح من يده فتكسرت فقال أبو جعفر عليه السلام كان ينبغي أن يكون هذا عند إخبار الله إياه قال فعمد موسى فبرد العجل بالمبرد من أنفه إلى طرف ذنبه ثم أحرقه بالنار فذره في اليم يعني الماء قال فكان أحدهم ليقع في الماء وما به إليه من حاجة فيعرض لذلك الرماد فيشربه وهو قول الله عز وجل ﴿وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ.

و عنه عليه السلام: قال لما سأل موسى ربه تبارك وتعالى وقال ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي ولكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي قال فلما صعد موسى عليه السلام على الجبل فتحت أبواب السماء وأقبلت الملائكة أفواجا في أيديهم العمد في رأسها النور يمرون به فوجا بعد فوج يقولون يا ابن عمران فقد سألت عظيما فلم يزل موسى واقفا حتى تجلى ربنا جل جلاله فجعل الجبل دك وخر موسى صعقا فلما أن رد الله عليه روحه قال ﴿سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.

قال ابن أبي عمير وحدثني عدة من أصحابنا: أن النار أحاطت به حتى لا يهرب لهول ما رأى.

و عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن موسى بن عمران لما سأل ربه النظر إليه وعده أن يقعد في موضع ثم أمر الملائكة أن تمر عليه موكبا موكبا بالبرق والرعد والريح والصواعق فكلما مر به موكب من المواكب ارتعدت فرائصه فيرفع رأسه فيقولون قد سألت عظيما.

و عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن ما ناجى موسى أن قال يا رب هذا السامري صنع العجل فالخوار من صنعه قال فأوحى الله إليه يا موسى إن تلك فتنتي فلا تفضحني عنها.

أقول: الفتنة ورد لها في القرآن الكريم والأخبار عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام معان كثيرة ومن أشهرها الابتلاء والاختبار وليس هنا بمعنى الضلال لقوله تعالى ﴿وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ.

و أما قوله تعالى فلا تفضحني فذلك أن بني إسرائيل من فرط الجهل على قلوبهم لم يتعرفوا معاني الألفاظ ولا مواقع موارده وإيصال ذلك إلى أفهامهم مما يتعذر على موسى عليه السلام فإنه لم يقدر على إيصال الواضحات إلى أفهامهم فكيف هذ وأمثاله.

مهج الدعوات من كتاب عبد الله بن عباس بن حماد الأنصاري عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر عنده حزيران فقال: هو الشهر الذي دعا فيه موسى على بني إسرائيل فمات في يوم وليلة من بني إسرائيل ثلاثمائة ألف من الناس.

تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام قال الله عز وجل ﴿وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وأَنْتُمْ ظالِمُونَ قال: كان موسى عليه السلام يقول لبني إسرائيل إذا فرج الله عنكم وأهلك أعداءكم أتاكم بكتاب من عند ربكم يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وأمثاله فلما فرج الله عنهم أمره الله عز وجل أن يأتي للميعاد ويصوم ثلاثين يوما عند أصل الجبل فظن موسى عليه السلام أنه بعد ذلك يعطيه الكتاب فصام ثلاثين يوما فلما كان في آخر اليوم استاك قبل الفطر فأوحى الله إليه يا موسى أ ما علمت أن خلوق فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك صم عشرا أخر ولا تستك عند الإفطار ففعل ذلك موسى عليه السلام وكان وعده الله أن يأتيه الكتاب بعد أربعين ليلة فأعطاه الله إياه فجاء السامري فشبه على مستضعفي بني إسرائيل فقال وعدكم موسى أن يرجع إليكم بعد أربعين ليلة وهذه عشرون يوم وعشرون ليلة تمت أربعون أخطأ موسى ربه وقد أتاكم ربكم أراد أن يريكم أنه قادر على أن يدعوكم إلى نفسه بنفسه وإن لم يبعث موسى لحاجة منه إليه فأظهر لهم العجل الذي كان عمله فقالوا كيف يكون العجل إلهنا قال إنما هذا العجل يكلمكم منه ربكم كما كلم موسى من الشجرة فلما سمعوا منه كلاما قالوا له إنه في العجل كما في الشجرة فضلوا بذلك وأضلوا فلما رجع موسى إلى قومه قال يا أيها العجل أ كان فيك ربك كما يزعم هؤلاء فنطق العجل وقال عز ربنا أن يكون العجل حاويا له وشي‏ء من الشجرة والأمكنة عليه مشتملا ل والله يا موسى ولكن السامري نصب عجلا مؤخره إلى الحائط وحفر في الجانب الآخر في الأرض وأجلس فيه بعض مردته فهو الذي وضع فاه على دبره وتكلم بما تكلم لما قال هذا إلهكم وإله موسى يا موسى بن عمران ما خذل هؤلاء لعبادي واتخاذي إلها إلا لتهاونهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين وجحودهم بموالاتهم ونبوة النبي ووصية الوصي حتى إذا هم يتخذوني إلها قال الله عز وجل فإذا كان الله تعالى إنما خذل عبادة العجل لتهاونهم بالصلاة على محمد ووصيه علي فما تخافون من الخذلان الأكبر ومعاندتكم لمحمد وعلي وقد شاهدتموهم وتبينتم آياتهم ودلائلهما.

و فيه أيضا قال الله عز وجل ﴿ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي: عفونا عن أوائلكم عبادة العجل لعلكم أيها الكائنون في عصر محمد صلى الله عليه وآله وسلم من بني إسرائيل تشكرون تلك النعمة على أسلافكم وعليكم بعدهم قال عليه السلام وإنما عفا الله عز وجل عنهم لأنهم دعوا الله بمحمد وآله الطيبين وجددوا على أنفسهم الولاية لمحمد وعلي وآلهما الطاهرين فعند ذلك رحمهم الله وعفا عنهم ثم ساق الحديث إلى قوله وأمر الله موسى عليه السلام أن يقتل من لم يعبده من عبده فتبرأ أكثرهم وقالوا لم نعبد فقال الله عز وجل لموسى أبرد هذا العجل بالحديد بردا ثم ذره في البحر فمن شرب منه ماء اسودت شفتاه وأنفه وبان ذنبه ففعل وبان العابدون فأمر الله الاثني عشر ألفا أن يخرجوا على الباقين شاهري السيوف يقتلونهم ونادى مناد ألا لعن الله أحدا اتقاهم بيد ورجل ولعن الله من تأمل المقتول لعله ينسبه حميما قريبا فيتعداه إلى الأجنبي فاستسلم المقتولون فقال القاتلون نحن أعظم مصيبة منهم نقتل بأيدينا آباءن وأمهاتن وإخوانن وأقرباءن ونحن لم نعبد فقد ساوى بينن وبينهم في المصيبة فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أني إنما امتحنتهم كذلك لأنهم ما اعتزلوهم لما عبدوا العجل ولم يهجروهم ولم يعادوهم على ذلك قل لهم من دعا الله بمحمد وآله الطيبين أن يسهل عليهم قتل المستحقين للقتل بذنوبهم ففعل فقالوها فسهل عليهم ولم يجدوا لقتلهم لهم ألما فلما استمر القتل فيهم ستمائة ألف إلا اثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل وفق الله بعضهم فقال لبعض والقتل لم يفض بعد إليهم فقال  وليس الله قد جعل التوسل بمحمد وآله الطيبين أمرا لا يخيب معه طلبه ولا يرد به مسألة وهكذا توسلت به الأنبياء والرسل فما لنا لا نتوسل قال فاجتمعو وضجوا قالوا يا ربنا نجنا بجاه محمد الأكرم وبجاه علي الأفضل الأعظم وبجاه فاطمة ذات الفضل والعصمة وبجاه الحسن والحسين سبطي سيد المرسلين وسيدي شباب أهل الجنة أجمعين وبجاه الذرية الطيبة الطاهرة من آل طه ويس لما غفرت لنا ذنوبن وغفرت لنا هفوتن وأزلت هذا القتل عنا فذلك حين نودي موسى عليه السلام من السماء أن كف القتل فقد سألني بعضهم مسألة وأقسم علي قسما لو أقسم به هؤلاء العابدون العجل وسألني بعضهم العصمة حتى لا يعبدوه لوفقتهم وعصمتهم ولو أقسم علي بها إبليس لهديته ولو أقسم بها نمرود وفرعون لنجيتهم فرفع الله عنهم القتل فجعلوا يقولون يا حسرتنا أين كنا عن هذا الدعاء بمحمد وآله الطيبين حتى يقينا الله شر الفتنة.

و عنه صلى الله عليه وآله وسلم لم سمي الفرقان فرقانا قال: لأنه متفرق الآيات والسور أنزل في غير الألواح وغير الصحف والتوراة والإنجيل والزبور نزلت كلها جملة في الألواح والورق.

البصائر عن السمان قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام ما تقول الشيعة في علي وموسى وعيسى عليه السلام قال قلت جعلت فداك ومن أي الحالات تسألني قال أسألك عن العلم فأما الفضل فهم سواء قلت جعلت فداك فما عسى أقول فيهم قال هو والله أعلم منهما ثم قال يا عبد الله أ ليس تقولون لعلي ما للرسول من العلم قال قلت بلى قال فخاصمهم فيه إن الله تبارك وتعالى قال لموسى ﴿وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ فأعلمناه أنه لم يبين له الأمر كله وقال تبارك وتعالى لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ﴿وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ ونَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ.

و روي أنه لما أتاهم موسى وقد عبدوا العجل وأرادوا التوبة فقيل لهم ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فجلسوا في الأقنية مختبئين وأصلت القوم عليهم خناجرهم فكان الرجل يقتل ابنه وأباه وأخاه وقريبه وصديقه وجاره فلم يمكنه المضي لأمر الله سبحانه فأرسل الله عليهم ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا.

و قيل: لهم من حل حبوته ومد طرفه إلى قاتله واتقاه بيد ورجل فهو ملعون مردود توبته فكانوا يقتلونهم إلى المساء فلما كثر فيهم القتل وبلغ عدة القتلى سبعين ألفا دعا موسى وهارون وبكي وجزع وتضرع وقالا يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية فكشف الله السحابة وأمرهم أن يرفعوا السلاح ويكفوا عن القتل فلما انكشفت السحابة عن القتلى اشتد ذلك على موسى عليه السلام فأوحى الله ما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول الجنة فكان من قتل منهم شهيد ومن بقي مكفرا عنه ذنبه.

ثم إن موسى عليه السلام هم بقتل السامري فأوحى الله تعالى إليه لا تقتله فإنه سخي فلعنه موسى عليه السلام وقال ﴿فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لعذابك في القيامة لَنْ تُخْلَفَهُ.

و أمر موسى عليه السلام بني إسرائيل أن لا تخالطوه ولا تقربوه فصار السامري وحشيا لا يألف ولا يؤلف ولا يدنو من الناس ولا يمس أحدا منهم فمن مسه قرض ذلك الموضع بالمقراض فكان كذلك حتى هلك1.


1 _النور المبين / المحدّث العلامة الجليل نعمة الله الجزائري.

2012-11-29