لقاء موسى للخضر(ع) وسائر أحوال الخضر(ع)
النبي موسى عليه السلام
تفسير علي بن إبراهيم لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشا بخبر أصحاب الكهف قالوا أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى أن يتبعه وما قصته فأنزل الله تعالى وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ وأَمْضِيَ حُقُبا...
عدد الزوار: 864
تفسير علي بن إبراهيم لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشا بخبر أصحاب الكهف قالوا أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى أن يتبعه وما قصته فأنزل الله تعالى ﴿وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ وأَمْضِيَ حُقُباً﴾.
قال وكان سبب ذلك أنه لما كلم الله موسى تكليما فأنزل عليه الألواح وفيها من كل شيء موعظة ورجع موسى إلى بني إسرائيل فصعد المنبر فأخبرهم أن الله قد أنزل عليكم التوراة وقال في نفسه ما خلق الله خلقا أعلم مني فأوحى الله إلى جبرئيل أدرك موسى فقد هلك وأعلمه عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجل أعلم منك فصر إليه وتعلم من علمه فنزل جبرئيل عليه السلام على موسى عليه السلام وأخبره في ذل موسى في نفسه وأعلم أنه أخط ودخله الرعب وقال لوصيه يوشع إن الله قد أمرني أن أتبع رجلا عند ملتقى البحرين وأتعلم منه فتزود يوشع حوتا مملوح وخرجا.
فلما خرج وبلغا ذلك المكان وجدا رجلا مستلقيا على قفاه فلم يعرفاه فأخرج وصي موسى الحوت وغسله بالماء ووضعه على الصخرة ومضي ونسيا الحوت.
و كان ذلك الماء ماء الحيوان فحيي الحوت ودخل في الماء فمضى عليه السلام ويوشع معه حتى عييا فقال لوصيه آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً فذكر وصيه السمكة فقال لموسى عليه السلام فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ على الصخرة فقال موسى ذلك الرجل الذي نصبه رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده فرجعا عَلى آثارِهِما قَصَصاً إلى عند الرجل وهو في الصلاة فقعد موسى عليه السلام حتى فرغ من الصلاة فسلم عليهما.
و حدثني محمد بن علي بن بلال عن يونس قال: اختلف يونس وهشام في العالم الذي أتاه موسى عليه السلام أيهما كان أعلم وهل يجوز أن يكون حجة في وقته وهو حجة الله على خلقه فقال قاسم الصيقل فكتبوا إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام يسألونه عن ذلك فكتب في الجواب أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر إما جالس وإما متكئا فسلم عليه موسى فأنكر السلام إذ كان بأرض ليس فيها سلام فقال من أنت قال أنا موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما قال جئت لتعلمني ﴿مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾ قال إني وكلت بأمر لا تطيقه ثم حدثه العالم بما يصيب آل محمد عليه السلام من البلاء حتى اشتد بكاؤهما ثم حدثه عن فضل آل محمد حتى جعل موسى يقول يا ليتني كنت من آل محمد حتى ذكر فلان وفلان ومبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يلقى منهم ومن تكذيبهم إياه وذكر له تأويل هذه الآية ﴿وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ حين أخذ الميثاق عليهم فقال موسى عليه السلام ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً فقال الخضر إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً﴾ فقال موسى عليه السلام ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً ولا أَعْصِي لَكَ أَمْراً﴾ قالَ ا لخضر عليه السلام ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾.
يقول ﴿فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ﴾ أفعله ولا تنكره علي حتى أخبرك أنا بخبره قال نعم فمروا ثلاثتهم حتى انتهوا إلى ساحل البحر وقد سنحت سفينة وهي تريد أن تعبر فقال أرباب السفينة نحمل هؤلاء الثلاثة نفر فإنهم قوم صالحون فحملوهم فلما جنحت السفينة في البحر قام الخضر عليه السلام إلى جانب السفينة فكسره وحشاها بالخرق والطين فغضب موسى غضبا شديد وقال للخضر ﴿أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾ فقال له الخضر عليه السلام ﴿أَ لَمْ أَقُلْ لك إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾ قالَ له موسى عليه السلام ﴿لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ ولا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرا﴾ً فخرجوا من السفينة.
فنظر الخضر عليه السلام إلى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه كأنه قطعة قمر في أذنيه درتان فتأمله الخضر عليه السلام ثم أخذه وقتله فوثب موسى على الخضر عليه السلام وجلد به الأرض فقال ﴿أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً﴾ فقال الخضر عليه السلام ﴿أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرا﴾ً قال موسى عليه السلام ﴿إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرا﴾ً فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا بالعشي قرية تسمى الناصرة وإليها تنسب النصارى ولم يضيفوا أحدا قط ولم يطعموا قريبا فاستطعموهم فلم يطعموهم ولم يضيفوهم فنظر الخضر عليه السلام إلى حائط قد زال ليتهدم فوضع الخضر عليه السلام يده عليه وقال قم بإذن الله فقام فقال موسى عليه السلام لم ينبغ أن تقيم الجدار حتى يطعمون ويروون وهو قوله ﴿لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرا﴾ً فقال الخضر عليه السلام هذا ﴿فِراقُ بَيْنِي وبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ﴾ التي فعلت بها ما فعلت صالحة فإنها كانت لقوم يعملون في البحر فأردت أن أعيبه وكان وراء السفينة ملك يأخذ كل سفينة غصبا كذا نزلت وإذا كانت السفينة معيوبة لم يأخذ منها شيئا.
وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ وطبع كافرا كذا نزلت فنظرت إلى جبينه وعليه مكتوب طبع كافرا ﴿فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وكُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وأَقْرَبَ رُحْماً﴾ فأبدل الله والديه بنتا ولد منها سبعون نبيا من أنبياء بني إسرائيل.
﴿وَ أَمَّا الْجِدارُ الذي أقمته فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُم وكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما إلى قوله ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾.
أقول: ﴿لا أَبْرَحُ أي لا أزال أمشي حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ بحر فارس وبحر الروم.
و قيل: هو إفريقية.
و قيل: بحران موسى والخضر عليه السلام فإن موسى كان بحر العلم الظاهر والخضر بحر العلم الباطن.
و روي أن موسى خطب الناس بعد هلاك القبط ودخوله مصر خطبة طويلة فأعجب بها فقيل له هل تعلم أحدا أعلم منك فقال لا فأوحى الله إليه بل عندنا الخضر وهو بمجمع البحرين.
و كان الخضر عليه السلام في أيام أفريدون وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وبقي إلى أيام موسى.
و قيل: إن موسى عليه السلام سأل ربه أي عبادك أعلم قال الذي يبغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدل على هدى وترده عن ردى قال إن كان في عبادك أعلم مني فأدللني عليه قال أعلم منك الخضر قال أين أطلبه قال على الساحل عند الصخرة قال كيف لي به قال تأخذ حوتا في مكتلك فحيث فقدته فهناك قال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان ﴿فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما﴾ يعني نسي موسى أن يطلبه ويتعرف حاله ويوشع أن يذكر له ما رأى من حياته ووقوعه في البحر.
روي أن موسى عليه السلام رقد فاضطرب الحوت المشوي ووثب في البحر معجزة لموسى وللخضر عليه السلام.
و قيل: توضأ يوشع من عين الحياة فانتضح الماء عليه فعاش ووثب في الماء فاتخذ الحوت طريقه في البحر مسلكا فلما جاوزا مجمع البحرين قال لفتاه ائتنا ما نتغذى به الحديث.
و لا ينافي نبوة موسى عليه السلام وكونه صاحب شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطا في أبواب الدين فإن الرسول ينبغي أن يكون أعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من أصول الدين وفروعه لا مطلقا هكذا في التفاسير. والأولى في الجواب أن يقال إن الخضر عليه السلام كان من الأنبياء فزيادة نبي على نبي في طرف من العلم وذلك النبي الآخر يزيد عليه فيما لا يتناهى من العلوم والكمال لا قدح فيه على أن الله سبحانه إذا أراد أن يبتلي بعض الأنبياء في مثل هذه الأمور كما سيأتي في حديث الطير وعلمه الزائد عليهما لا إشكال فيه كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.
علل الشرائع عن الصادق عليه السلام: أنه قال إن الخضر عليه السلام كان نبيا مرسلا بعثه الله تعالى إلى قومه فدعاهم إلى توحيده والإقرار بأنبيائه ورسله وكتبه وكانت آيته أنه كان لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا أزهرت خضر وإنما سمي الخضر لذلك وكان اسمه تاليا بن ملكان بن عامر بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام ثم ساق الحديث إلى قوله ﴿وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُم وكانَ أَبُوهُما صالِحاً﴾ قال ولم يكن ذلك الكنز بذهب ولا فضة ولكن كان لوحا من ذهب فيه مكتوب عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح عجب لمن أيقن بالقدر كيف يحزن عجب لمن أيقن أن البعث حق كيف يظلم عجب لمن يرى الدني وتصرف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليه وكان بينهم وبين هذا الأب الصالح سبعون أبا فحفظهما الله بصلاحه.
قال الصدوق بعد تمام الحديث إن موسى عليه السلام مع كمال عقله ومحله من الله تعالى لم يستدرك باستدلاله واستنباطه معنى أفعال الخضر عليه السلام حتى اشتبه عليه وجه الأمر فيه وسخطه جميع ما كان يشاهده حتى أخبر بتأويله ولو لم يخبر بتأويله لما أدركه ولو بقي في الفكر عمره فإذا لم يجز لأنبياء الله ورسله صلى الله عليه وآله وسلم القياس والاستنباط والاستخراج كان من دونهم من الأمم أولى بأن لا يجوز لهم ذلك انتهى.
و قوله ولم يكن ذلك الكنز بذهب ولا فضة يعني أن المقصود منه هو العلم ووصوله إلى أهله وإن كان ذهبا فهو كنزان كنز علم وكنز ذهب علل الشرائع سمعت أبا جعفر محمد بن عبد الله بن طيفور الدامغاني الواعظ بفرغانة يقول في خرق الخضر عليه السلام السفينة وقتل الغلام وإقام الجدار إن تلك إشارات من الله تعالى لموسى عليه السلام وتعريضات إلى ما يريده من تذكيره لمنن سابقة لله عز وجل نبهه عليه وعلى مقدارها من الفضل ذكره بخرق السفينة وأنه حفظه في الماء حين ألقته أمه في التابوت وألقت التابوت في اليم هو الذي يحفظهم في السفينة.
و أما قتل الغلام فإنه كان قد قتل رجلا في الله عز وجل وكانت تلك زلة عظيمة عند من لم يعلم أن موسى عليه السلام نبي فذكره بذلك منة عليه حين دفع عنه كيد من أراد قتله به.
و أما إقامة الجدار من غير أجر فإن الله عز وجل ذكره بذلك فضله فيما أتاه في ابنتي شعيب حين سقى لهم وهو جائع ولم يبتغ على ذلك أجرا مع حاجته إلى الطعام فنبهه الله على ذلك ليكون شاكرا مسرورا.
فأما قول الخضر عليه السلام هذا ﴿فِراقُ بَيْنِي وبَيْنِكَ ﴾ فإن ذلك كان من جهة موسى عليه السلام حيث قال ﴿إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي﴾ فموسى عليه السلام هو الذي حكم بالمفارقة لما قال فَلا تُصاحِبْنِي.
و إن موسى عليه السلام اختار سبعين رجلا من قومه لميقات ربه فلم يصبروا بعد سماع كلام الله عز وجل حتى تجاوزوا الحد بقولهم ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتو ولو اختارهم الله لعصمهم ولما اختار من يعلم منه تجاوز الحد.
فإذا لم يصلح موسى عليه السلام للاختيار مع فضله ومحله فكيف تصلح الأمة لاختيار الإمام بآرائه وكيف يصلحون لاستنباط الأحكام واستخراجها بعقولهم الناقصة وآرائهم المتفاوتة وهممهم المتباينة وإرادتهم المختلفة تعالى الله عن الرضا باختيارهم علوا كبيرا.
و أفعال أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم مثلها مثل أفاعيل الخضر عليه السلام وهي حكمة وصواب وإن جهل الناس وجه الحكمة والصواب فيها.
و فيه عن عباية الأسدي قال كان عبد الله بن عباس جالسا على شفير زمزم يحدث الناس فلما فرغ من حديثه أتاه رجل فسلم عليه ثم قال يا عبد الله إني رجل من أهل الشام فقال أعوان كل ظالم إلا من عصم الله منكم سل عما بدا لك فقال يا عبد الله بن عباس إني جئتك أسألك عمن قتله علي بن أبي طالب عليه السلام من أهل لا إله إلا الله لم يكفروا بصلاة ولا بحج ولا بصوم شهر رمضان ولا بزكاة فقال له عبد الله ثكلتك أمك سل عما يعنيك ودع عما لا يعنيك فقال ما جئتك أضرب إليك من حمص للحج ولا للعمرة ولكن أتيتك تشرح لي أمر علي بن أبي طالب عليه السلام وفعاله فقال ويلك إن علم العالم لا تحتمله ولا تقر به القلوب الصدئة أخبرك أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان مثله في هذه الأمة كمثل موسى والعالم عليه السلام وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي ﴿وَ بِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾.
فكان موسى يرى أن جميع الأشياء قد أثبتت له كما ترون أنتم أن علماءكم قد أثبتوا جميع الأشياء.
فلما انتهى موسى عليه السلام إلى ساحل البحر فلقي العالم فاستنطق موسى ليصل علمه ولم يحسده ثم إنكم جحدتم علي بن أبي طالب عليه السلام وأنكرتم فضله ﴿ف قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾ فعلم العالم أن موسى لا يطيق بصحبته ولا يصبر على علمه ﴿ف قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرا﴾ً فقال له موسى ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً ولا أَعْصِي لَكَ أَمْراً﴾ فعلم العالم أن موسى لا يصبر على علمه ﴿قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾.
قال فركبا في السفينة فخرقها العالم وكان خرقها لله عز وجل وسخط موسى ذلك.
كذلك كان علي بن أبي طالب عليه السلام لم يقتل إلا من كان قتله لله عز وجل رض ولأهل الجهالة من الناس سخطا.
و عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن موسى بن عمران عليه السلام حين أراد أن يفارق الخضر عليه السلام قال له أوصني فكان مما أوصاه أن قال له إياك واللجاجة وأن تمشي في غير حاجة وأن تضحك من غير تعجب واذكر خطيئتك وإياك وخطايا الناس.
و عن أبي جعفر عليه السلام: في قول الله عز وجل ﴿وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما﴾ قال والله ما كان من ذهب ولا فضة وما كان إلا لوحا في كلمات أربع إني أنا الله لا إله إلا أن ومحمد رسولي عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح قلبه وعجبت لمن أيقن بالحساب كيف يضحك سنه وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يستبطئ الله في رزقه وعجبت لمن يرى النشأة الأولى كيف ينكر النشأة الآخرة.
الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أقام العالم الجدار أوحى الله تعالى إلى موسى أني مجازي الأبناء بسعي الآباء إن خيرا فخير وإن شرا فشر ولا تزنوا فتزني نساؤكم ومن وطيء فراش امرأة مسلم وطيء فراشه كما تدين تدان.
تفسير علي بن إبراهيم عنه عليه السلام: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء وجد في طريقه ريحا مثل المسك الأذفر فسأل جبرئيل عنها فقال إنها تخرج من بيت عذب فيه قوم في عبادة الله حتى ماتوا ثم قال له إن الخضر عليه السلام كان من أبناء الملوك فآمن بالله وتخلى في بيت أبيه يعبد الله ولم يكن لأبيه ولد غيره فأشاروا إلى أبيه أن يزوجه لعل الله أن يرزقه ولدا فيكون الملك فيه وفي عقبه فخطب له امرأة بكر وأدخلها عليه فلم يلتفت الخضر إليها فلما كان اليوم الثاني قال لها الخضر تتمكنين على أمري فقالت نعم قال لها إن سألك أبي أ هل كان مني إليك ما كان من الرجال إلى النساء فقولي نعم قالت أفعل فسألها الملك عن ذلك فقالت نعم وأشار عليه الناس أن يأمر النساء أن يفتشنها فأمر وكانت على حالتها فقالوا أيها الملك زوجت الغر من الغرة يعني الغافل من الغافلة زوجه امرأة ثيبا فزوجه فلما دخلت عليه سألها الخضر أن تكتم عليه فقالت نعم فلما أن سألها الملك قالت أيها الملك إن ابنك امرأة فهل تلد المرأة من المرأة فغضب عليه فأمر بردم الباب عليه فردم فلما كان اليوم الثالث حركته رقة الآباء فأمر بفتح الباب ففتح فلم يجدوه فيه فأعطاه الله من القوة أن يتصور كيف شاء ثم كان على مقدمة ذي القرنين وشرب من الماء الذي من شرب منه بقي إلى الصيحة قال فخرج من مدينة أبيه رجلان في تجارة في البحر حتى وقعا إلى جزيرة من جزائر البحر فوجدوا فيه الخضر قائما يصلي فلما انفتل دعاهما فسألهما عن خبرهما فأخبراه فقال لهما هل تكتمان علي أمري إن أرددتكما في يومكما إلى منازلكما فقالا نعم فنوى أحدهما أن يكتم أمره ونوى الآخر إن رده إلى منزله أخبر أباه بخبره فدعا الخضر سحابة فقال احملي هذين إلى منازلهما فحملتهما السحابة حتى وضعتهما من يومهما فكتم أحدهما أمره وذهب الآخر إلى الملك فأخبره بخبره فقال له الملك من يشهد لك بذلك قال فلان التاجر فدل على صاحبه فبعث الملك إليه فأنكره وأنكر معرفة صاحبه فقال له الأول أيها الملك ابعث معي خيلا إلى هذه الجزيرة واحبس هذا حتى آتيك بابنك فبعث معه خيلا فلم يجده فأطلق عن الرجل الذي كتم عليه ثم إن القوم عملوا بالمعاصي فأهلكهم الله وجعل مدينتهم عاليها سافله وابتدرت الجارية التي كتمت عليه أمره والرجل الذي كتم عليه كل واحد منهما ناحية من المدينة فلما أصبحا التقيا فأخبر كل واحد منهما صاحبه بخبره فقالا ما نجونا إلا بذلك فآمنا برب الخضر وحسن إيمانهم وتزوج بها الرجل ووقعا إلى مملكة ملك آخر وتوصلت المرأة إلى بيت الملك وكانت تزين بنت الملك فبينا هي تمشطها يوما إذ سقط من يدها المشط فقالت لا حول ولا قوة إلا بالله فقالت لها بنت الملك ما هذه الكلمة فقالت لها إن لي إلها يجري الأمور كلها بحوله وقوته فقالت أ لك إله غير أبي فقالت نعم وإلهك وإله أبيك فدخلت بنت الملك إلى أبيها فأخبرت أباها بما سمعت من هذه المرأة فدعاها الملك فسألها عن خبرها فأخبرته فقال لها من دلك على دينك قالت زوجي وولدي فدعاهم الملك وأمرهم بالرجوع عن التوحيد فأبوا عليه فدعا بمرجل من ماء فسخنه وألقاهم فيه وأدخلهم بيت وهدم عليهم البيت فقال جبرئيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذه الرائحة التي تشمها من ذلك البيت.
الأمالي عن عبد الله بن سليمان قال: قرأت في بعض كتب الله عز وجل أن ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله عز وجل حجة على عباده ولم يجعله نبيا فمكن الله له في الأرض وآتاه من كل شيء سببا فوضعت له عين الحياة وقيل له من شرب منها شربة لم يمت حتى يسمع الصيحة وأنه خرج في طلبها حتى انتهى إلى موضع فيه ثلاثمائة وستون عينا فكان الخضر عليه السلام على مقدمته وكان من أحب الناس إليه فأعطاه حوتا مالح وأعطى كل واحد من أصحابه حوتا مالح وقال لهم ليغسل كل رجل منكم حوتة عند كل عين فانطلقو وانطلق الخضر عليه السلام إلى عين من تلك العيون فلما غمس الحوت في الماء حيي فانساب في الماء فلما رأى الخضر عليه السلام ذلك علم أنه قد ظفر بماء الحياة فرمى بثيابه وسقط في الماء فجعل يرتمس فيه ويشرب منه فرجع كل واحد منهم إلى ذي القرنين ومعه حوتة ورجع الخضر وليس معه الحوت فسأله عن قصته فأخبره فقال له أ شربت من ذلك الماء قال نعم قال أنت صاحبه وأنت الذي خلقت لهذه العين فأبشر بطول البقاء في هذه الدنيا مع الغيبة عن الأبصار إلى النفخ في الصور.
كتاب الخصال المظفر العلوي عن ابن العياشي عن أبيه عن جعفر بن أحمد عن ابن فضال عن الرضا عليه السلام قال: إن الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور وأنه ليأتينا فيسلم علينا فنسمع صوته ولا نرى شخصه وأنه ليحضر حيث ذكر فمن ذكره منكم فليسلم عليه وأنه ليحضر المواسم فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته.
أقول: في قوله عليه السلام وأنه ليحضر حيث ذكر دلالة على حضوره في الأمكنة التي يذكرونها فما تعارف في هذه الأعصار بين الناس من قولهم طحين للخضر عليه السلام في حجرة مقفلة وإذا صار الصباح رأوا على ذلك الطحين آثار يد الخضر غير خال من الدليل بل هذا دليله لأنهم في ذلك الوقت يذكرونه في الدعاء والصلاة.
و عن الرضا عليه السلام قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء الخضر فوقف على باب البيت وفيه علي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سجي بثوب فقال السلام عليكم يا أهل البيت كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وإنما توفون أجوركم يوم القيامة إن في الله خلفا من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ودركا من كل فائت فتوكلوا عليه وثقوا به واستغفروا الله لي ولكم فقالأمير المؤمنين عليه السلام هذا أخي الخضر جاء يعزيكم بنبيكم.
الكافي بإسناده إلى سيف التمار قال: كنا مع أبي عبد الله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر قال علينا عين فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا فقلنا ليس علينا عين فقال ورب الكعبة ورب البيت ثلاث مرات لو كنت بين موسى والخضر عليه السلام لأخبرتهما أني أعلم منهم ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما لأن موسى والخضر أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
إكمال الدين كان اسم الخضر خضرويه بن قابيل بن آدم ويقال خضرون أيض ويقال خلعب وإنما سمي الخضر لأنه جلس على أرض بيضاء فاهتزت خضراء والصحيح أن اسمه إلياس بن ملكان بن عامر بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام.
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مسجد السهلة مناخ الراكب قيل ومن الراكب قال الخضر عليه السلام.
و عنه عليه السلام: في قول موسى عليه السلام لفتاه آتِنا غَداءَن وقوله ﴿رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ قال إنما عنى الطعام فقال أبو عبد الله عليه السلام إن موسى لذو جوعات.
أقول: والجوعة الثالثة كما جاء في الحديث هو قوله ﴿لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرا﴾ً.
تفسير العياشي عن يزيد عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له ما منزلتكم في الماضين وبمن تشبهون منهم قال الخضر وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا بنبيين.
و عن أبي عبد الله عليه السلام كان في كتف الغلام الذي قتله العالم أي الخضر عليه السلام مكتوبا كافرا.
و قال عليه السلام: إن الله ليحفظ ولد المؤمن إلى ألف سنة وإن الغلامين كان بينهم وبين أبويهما سبعمائة سنة.
رياض الجنان بإسناده إلى عبد الملك بن سليمان قال وجد في ذخيرة أحد حواري المسيح عليه السلام رق فيه مكتوب بالقلم السرياني منقول من التوراة أن موسى عليه السلام لما رجع من الخضر عليه السلام إلى قومه سأله أخوه هارون عليه السلام عما شاهده من عجائب البحر قال بينا أن والخضر على شاطئ البحر إذ سقط بين أيدينا طائر أخذ في منقاره قطرة ورمى بها نحو المشرق وأخذ ثانية ورماها في المغرب وأخذ ثالثة ورمى بها نحو السماء ورابعة رماها إلى الأرض ثم أخذ خامسة وعاد ألقاها في البحر فبهتنا لذلك.
فسألت الخضر عليه السلام عن ذلك فلم يجب فإذا نحن بصياد يصطاد فنظر إلين وقال ما لي أراكما في فكر وتعجب من الطائر قلنا هو ذلك قال أنا رجل صياد قد علمت وأنتما نبيان ما تعلمان قلنا ما نعلم إلا ما علمنا الله قال هذا طائر في البحر يسمى مسلم لأنه إذا صاح يقول في صياحه مسلم فأشار برمي الماء من منقاره إلى السماء والأرض والمشرق والمغرب إلى أنه يبعث نبي بعدكما يملأ أمته المشرق والمغرب ويصعد إلى السماء ويدفن في الأرض وأما رميه الماء في البحر يقول إن علم العالم عند علمه مثل هذه القطرة وورث علمه وصيه وابن عمه.
فسكن ما كنا فيه من المشاجرة واستقل كل واحد منا علمه بعد أن كنا معجبين بأنفسنا.
ثم غاب الصياد عنا فعلمنا أنه بعثه الله تعالى إلينا ليعرفنا حيث ادعينا الكمال.
مهج الدعوات: روي أن الخضر وإلياس يجتمعان في كل موسم ويفترقان عن هذا الدعاء وهو بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله ما شاء الله كل نعمة فمن الله ما شاء الله الخير كله بيد الله عز وجل لا يصرف السوء إلا الله.
الفصل التاسع في مناجاة موسى وما جرى بينه وبين إبليس وفي وفاة موسى وهارون وموضع قبرهم وما يتبع ذلك من النوادر.
تفسير علي بن إبراهيم عن ابن محبوب عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من زرع حنطة في أرض فلم يترك أرضه وزرعه وخرج زرعه كثير الشعير فيظلم عمله في ملك رقبة الأرض وبظلم لمزارعه وأكرته لأن الله يقول ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً﴾ يعني لحوم الإبل وشحوم البقر والغنم.
الأمالي بإسناده إلى عبد العظيم الحسني عن أبي الحسن العسكري عليه السلام قال: لما كلم الله موسى بن عمران قال موسى يا إلهي ما جزاء من شهد أني رسولك ونبيك وأنك كلمتني قال يا موسى تأتيه ملائكتي فتبشره بجنتي قال موسى إلهي فما جزاء من قام بين يديك يصلي قال يا موسى أباهي به ملائكتي راكع وساجد وقائم وقاعد ومن باهيت به ملائكتي لم أعذبه قال موسى إلهي ما جزاء من أطعم مسكينا ابتغاء وجهك قال يا موسى آمر مناديا ينادى يوم القيامة على رءوس الخلائق أن فلان ابن فلان من عتقاء الله من النار قال موسى إلهي فما جزاء من وصل رحمه قال يا موسى أنسئ أجله وأهون عليه سكرات الموت ويناديه خزنة الجنة هلم إلينا من أي أبوابها شئت قال موسى إلهي فما جزاء من كف أذاه عن الناس وبذل معروفه لهم قال يا موسى تناديه النار يوم القيامة لا سبيل لي عليك قال إلهي فما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه قال يا موسى أظله يوم القيامة بظل عرشي وأجعله في كنفي قال إلهي فما جزاء من تلا حكمتك سر وجهرا قال يا موسى يمر على الصراط كالبرق قال إلهي فما جزاء من صبر على أذى الناس وشتمهم فيك قال أعينه على أهوال يوم القيامة قال إلهي فما جزاء من دمعت عيناه من خشيتك قال يا موسى أقي وجهه من حر النار وأؤمنه يوم الفزع الأكبر قال يا إلهي فما جزاء من ترك الخيانة حياء منك قال يا موسى له الأمان يوم القيامة قال يا إلهي فما جزاء من أحب أهل طاعتك قال يا موسى أحرمه على ناري قال يا إلهي فما جزاء من قتل مؤمنا متعمدا قال لا أنظر إليه ولا أقيل عثرته قال إلهي فما جزاء من دعا نفسا كافرا إلى الإسلام قال يا موسى آذن له في الشفاعة يوم القيامة لمن يريد قال إلهي فما جزاء من صلى الصلاة بوقتها قال أعطيه سؤلي وأبيحه جنتي قال إلهي فما جزاء من أتم الوضوء من خشيتك قال أبعثه يوم القيامة وله نور بين عينيه يتلألأ قال إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان لك محتسبا قال يا موسى أقيمه يوم القيامة مقاما لا يخاف فيه قال إلهي فما جزاء من صام شهر رمضان يريد به الناس قال يا موسى ثوابه كثواب من لم يصمه.
الأمالي عن محمد بن سنان عن المفضل قال: سمعت مولاي الصادق عليه السلام يقول كان فيما ناجى الله عز وجل به موسى بن عمران أنه قال له يا ابن عمران كذب من زعم أنه يحبني فإذا جنه الليل نام عني أ ليس كل محب يحب خلوة حبيبه ها أنا يا ابن عمران مطلع على أحبائي إذا جنهم الليل حولت أبصارهم من قلوبهم ومثلت عقوبتي بين أعينهم يخاطبوني عن المشاهدة ويكلموني عن الحضور يا ابن عمران هب لي من قلبك الخشوع ومن بدنك الخضوع ومن عينيك الدموع في ظلم الليالي ادعني فإنك تجدني قريبا مجيبا.
الكافي محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن سدير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول إن بني إسرائيل أتوا موسى فسألوه أن يسأل الله عز وجل أن يمطر السماء عليهم إذا أرادو ويحبسها إذا أرادوا فسأل الله عز وجل ذلك لهم فقال الله عز وجل فليحرثوا أفعل ذلك لهم يا موسى فأخبرهم موسى فحرثو ولم يتركوا شيئا إل وزرعوه ثم استنزلوا المطر عليهم على إرادتهم وحبسوه على إرادتهم فصارت زروعهم كأنها الجبال والآجام فحصدو وداسو وذروا فلم يجدوا شيئا فضجوا إلى موسى عليه السلام وقالوا إنما سألناك أن تسأل الله أن يمطر السماء علينا إذا أردنا فأجابنا ثم صيرها ضررا فقال يا رب إن بني إسرائيل ضجوا مما صنعت بهم فقال ومم ذاك يا موسى قال سألوني أن أسألك أن تمطر السماء إذا أرادوا فأجبتهم ثم صيرتها عليهم ضررا فقال يا موسى أنا كنت المقدر لبني إسرائيل فلم يرضوا بتقديري فأجبتهم إلى إرادتهم فكان ما رأيت.
عيون الأخبار بإسناده إلى الرضا عليه السلام قال: لما بعث الله عز وجل موسى بن عمران عليه السلام واصطفاه وفلق له البحر وأعطاه التوراة رأى مكانه من ربه عز وجل فقال يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي قال يا موسى أ ما علمت أن محمدا عندي أفضل من جميع ملائكتي وجميع خلقي قال موسى يا رب فإن كان محمد أكرم عندك من جميع خلقك فهل من آل الأنبياء أكرم من آلي قال الله جل جلاله يا موسى أ ما علمت أن فضل آل محمد على جميع النبيين كفضل محمد على جميع المرسلين فقال موسى يا رب فإن كان آل محمد كذلك فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من أمتي ظللت عليهم الغمام وأنزلت عليهم المن والسلوى وفلقت لهم البحر فقال الله جل جلاله يا موسى أ ما علمت أن فضل أمة محمد على جميع الأمم كفضله على جميع خلقي فقال موسى يا رب ليتني كنت أراهم فأوحى الله تعالى إليه يا موسى إنك لن تراهم فليس هذا أوان ظهورهم ولكن سوف تراهم في جنات عدن والفردوس بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون أ فتحب أن أسمعك كلامهم قال نعم إلهي قال الله جل جلاله قم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ففعل ذلك موسى عليه السلام فنادى ربنا عز وجل يا أمة محمد فأجابوه وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال فجعل الله عز وجل تلك الإجابة شعارا للحج ثم نادى ربنا عز وجل يا أمه محمد إن قضائي عليكم إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي قبل عقابي فقد استجبت لكم قبل أن تدعوني وأعطيتكم من قبل أن تسألوني من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صادق في أقواله محق في أفعاله وأن علي بن أبي طالب أخوه ووصيه من بعده ويلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد وأن أولياءه المصطفين المطهرين الميامين بعجائب آيات الله ودلائل حجج الله من بعدهما أولياؤه أدخلته جنتي وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر قال فلما بعث الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قال يا محمد وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمتك بهذه الكرامة ثم قال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قل الحمد لله رب العالمين على ما اختصني من هذه الفضيلة وقال لأمته قولوا أنتم الحمد لله رب العالمين على ما اختصنا من هذه الفضائل.
الكافي بإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام قال: مكتوب في التوراة التي لم تغير أن موسى عليه السلام سأل ربه فقال يا رب أ قريب أنت مني فأناجيك أم بعيد فأناديك فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى أنا جليس من ذكرني فقال موسى فمن في سترك يوم لا ستر إلا سترك قال الذين يذكرونني فأذكرهم ويتحابون في فأحبهم فأولئك الذين إذا أردت أن أصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم.
أقول: ينبغي على الصوفية أذكارهم ووجدهم ونهيقهم وزعيقهم ورقصهم وصنعتهم وزعمهم أن هذا كله من أفضل العبادات والطاعات.
الكافي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله عز وجل ناجى موسى بن عمران بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيام ولياليهن ما طعم فيها موسى ولا شرب فيها فلما انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلام الآدميين مقتهم لما كان وقع من مسامعه من حلاوة كلام الله عز وجل.
و عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى قال لموسى احفظ وصيتي لك بأربعة أشياء أولهن ما دمت لا ترى ذنوبك تغفر فلا تشغل بعيوب غيرك والثانية ما دمت لا ترى كنوزي قد نفدت فلا تغتم بسبب رزقك والثالثة ما دمت لا ترى زوال ملكي فلا ترج أحدا غيري والرابعة ما دمت لا ترى الشيطان ميتا فلا تأمن مكره.
و عنه عليه السلام: ليس في القرآن يا أيها الذين آمنوا إل وهي في التوراة يا أيها الناس وفي خبر آخر يا أيها المساكين.
و عنهم (عليهم السلام): قال إبليس يا موسى لا تخل بامرأة فإنه لا يخلو رجل بامرأة لا تحل له إل وكنت صاحبه دون أصحابي وإياك أن تعاهد الله عهدا فإنه ما عاهد الله أحد إل وكنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبين الوفاء به وإذا هممت بصدقة فأمضها فإذا هم العبد بصدقة كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبينها.
قصص الراوندي بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: كان في زمن موسى صلى الله عليه وآله وسلم ملك جبار قضى حاجة مؤمن بشفاعة عبد صالح فتوفي في يوم واحد الملك الجبار والعبد الصالح فقام على الملك الناس وأغلقوا أبواب السوق لموته ثلاثة أيام وبقي العبد الصالح في بيته فتناولت دواب الأرض عن وجهه فرآه موسى بعد ثلاث فقال يا رب هو عدوك وهذا وليك فأوحى الله إليه يا موسى إن وليي سأل هذا الجبار حاجة فقضاها له فكافأته عن المؤمن وسلطت دواب الأرض على محاسن وجه المؤمن لسؤاله ذلك الجبار.
و عنه قال: إن الله تعالى أوحى إلى موسى يا موسى اشكرني حق شكري فقال يا رب كيف أشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به إل وأنعمت به علي فقال يا موسى شكرتني حق شكري حين علمت أن ذلك مني.
و عن أبي جعفر عليه السلام قال: أوحى الله تعالى إلى موسى أحبني وحببني إلى خلقي قال موسى يا رب إنك لتعلم أنه ليس أحب إلي منك فكيف لي بقلوب العباد فأوحى الله إليه فذكرهم نعمتي وآلائي فإنهم لا يذكرون مني إلا خير فقال موسى يا رب رضيت بما قضيت تميت الكبير وتبقي الأولاد الصغار فأوحى الله إليه أ ما ترضى بي وكيل وكفيلا فقال بلى يا رب نعم الوكيل ونعم الكفيل.
و عن أبي جعفر قال: إن موسى سأل ربه أن يعلمه زوال الشمس فوكل الله بها ملكا فقال يا موسى قد زالت الشمس فقال موسى متى فقال إذا قام رجل فشق قميصه فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى قل له لا تشقق قميصك ولكن اشرح لي قلبك.
و عن أبي عبد الله عليه السلام: قال إن الله أوحى إلى موسى عليه السلام أن بعض أصحابك ينم عليك فاحذره فقال يا رب لا أعرفه فأخبرني به حتى أعرفه فقال يا موسى عبت عليه النميمة وتكلفني أن أكون نماما قال يا رب وكيف أصنع قال الله تعالى فرق أصحابك عشرة عشرة ثم تقرع بينهم فإن السهم يقع على العشرة التي هو فيهم ثم تفرقهم وتقرع بينهم فإن السهم يقع عليه قال فلما رأى الرجل أن السهام تقرع قام فقال يا رسول الله أنا صاحبك ل والله لا أعود أبدا.
و روي: أن موسى بن عمران رأى رجلا تحت ظل العرش فقال يا رب من هذا الذي أدنيته حتى جعلته تحت ظل العرش فقال الله تبارك وتعالى يا موسى هذا لم يعق والديه ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله وقال موسى يا رب ما لمن عاد مريضا قال أوكل به ملكا يعوده في قبره إلى محشره قال يا رب ما لمن غسل ميتا قال أخرجه من ذنوبه كما خرج من بطن أمه قال يا رب ما لمن شيع جنازة قال أوكل به ملائكة معهم رايات يشيعونه من محشره إلى مقامه قال فما لمن عزى الثكلى قال أظله في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي وقال يا موسى أكرم السائل إذا أتاك بشيء ببذل يسير وبرد جميل فإنه قد يأتيك من ليس بجني ولا إنسي ملك من ملائكة الرحمن ليبلوك فيما خولتك فكيف أنت صانع.
و عنه عليه السلام: قال مر موسى بن عمران برجل رافع يده إلى السماء يدعو فانطلق موسى في حاجته فغاب عنه سبعة أيام ثم رحل إليه وهو رافع يديه يدعو ويتضرع ويسأل حاجته فأوحى الله إليه يا موسى لو دعاني حتى يسقط لسانه ما استجبت له حتى يأتيني من الباب الذي أمرته به.
قصص الأنبياء للراوندي من علماء الإمامية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما مضى موسى صلى الله عليه وآله وسلم إلى الجبل تبعه رجل من أفضل أصحابه فأجلسه في أسفل الجبل وصعدموسى عليه السلام الجبل فناجى ربه ثم نزل فإذا بصاحبه قد أكل السبع وجهه وقطعه فأوحى الله تعالى إليه أن كان له عندي ذنب فأردت أن يلقاني ولا ذنب له.
و فيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن من عبادي من يتقرب إلى الجنة فأحكمه في الجنة قال وما تلك الجنة قال يمشي في حاجة مؤمن.
أقول: قوله يمشي إشارة إلى أن هذا الثواب مرتب على سعيه في حاجة المؤمن وإن لم تقض على يده وقد وقع التصريح به في موارد أخرى.
و في حديث صحيح عنه عليه السلام قال: من طاف بالبيت طوافا كتب الله له ستة آلاف حسنة ومحا عنه ستة آلاف سيئة ورفع له ستة آلاف درجة ثم قال وقضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف وطواف حتى عد عشرا.
بقي الكلام في أن المؤمن الذي يترتب هذا الثواب على قضاء حاجته هل يكتفى بكونه من جملة الشيعة وواحد منهم وإن كان فاسقا في جوارحه أم لا بد من هذه الأعمال إلى الاعتقاد.
أقول الظاهر هو الثاني لأن الفاسق لا يبالغ في حرمته إلى هذا الحال نعم يكفي في هذا المعنى أن يكون مستور الظاهر غير متجاهر بالذنوب والمعاصي وإلا فالمقصود من عصمه الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
و قد بقي شيء آخر وهو أن جماعة من صلحاء الشيعة حالهم مستوري الذنوب والتجاهر بالمعاصي لكنهم إما من جنود السلطان ومن نواكر العمال والحكام وأن لهم خدمة معهم ونحو ذلك فمثل هذه لا يقال له تجاهر بالمعاصي حتى ترديهم شهادتهم ولا يسعى لهم في حوائجهم ويحكم عليهم بلوازم الفسوق والمعاصي وهذا لا يخلو من كلام والحكم بفسقهم في هذا المقام في غاية الأشكال وإن مال إليه بعض العلماء من أصحابنا.
بل الأظهر عندي أن هذا ليس على إطلاقه من باب التجاهر بالمعاصي بل هنا تفصيل بسطنا الكلام فيه في المجلد السابع من شرح التهذيب.
القصص قال الصادق عليه السلام: أوحى الله إلى موسى بن عمران عليه السلام قل للملإ من بني إسرائيل إياكم وقتل النفس الحرام بغير حق فإن من قتل منكم نفسا في الدنيا قتلته مثل قتله صاحبه.
الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام: أن اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا أعطي موسى منها أربعة أحرف.
تفسير علي بن إبراهيم مات موسى وهارون عليه السلام في التيه.
فروي أن الذي حفر قبر موسى ملك الموت في صورة آدمي.
و لذلك لا يعرف بنو إسرائيل موضع قبر موسى.
و عن حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل شق ثوبه على أبيه وأخيه وعلى قريب له فقال لا بأس بشق الثوب قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون عليه السلام وفي ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان قبض موسى عليه السلام.
و في الكافي عن عمارة قال: قلت للصادق عليه السلام أخبرني بوفاة موسى بن عمران فقال لما أتاه أجله أتاه ملك الموت فقال السلام عليك يا كليم الله فقال وعليك السلام من أنت فقال أنا ملك الموت جئت لأقبض روحك فقال له موسى من أين تقبض روحي قال من فمك قال له موسى كيف وقد تكلمت مع ربي جل جلاله قال فمن يديك قال كيف وقد حملت بها التوراة قال فمن رجليك قال كيف وقد وطئت بها طور سيناء قال فمن عينيك قال كيف ولم تزل إلى ربي ممدودة قال فمن أذنيك قال كيف وقد سمعت بها كلام الله عز وجل قال فأوحى الله تعالى إلى ملك الموت لا تقبض روحه حتى يكون هو الذي يريد ذلك وخرج ملك الموت فمكث ما شاء الله يمكث بعد ذلك ودعا يوشع بن نون فأوصى إليه وأمره بكتمان أمره وبأن يوصي بعده إلى من يقوم بالأمر وغاب موسى عن قومه فمر في غيبته برجل وهو يحفر قبرا فقال أ لا أعينك على حفر هذا القبر فقال له الرجل بلى فأعانه على حفر القبر وسوى اللحد ثم اضطجع فيه موسى بن عمران لينظر كيف هو فكشف له عن الغطاء فرأى مكانه من الجنة فقال يا رب اقبضني إليك فقبض ملك الموت روحه في مكانه ودفنه في القبر وسوى عليه التراب وكان الذي يحفر القبر ملك في صورة آدمي وكان ذلك في التيه فصاح صائح من السماء مات موسى كليم الله فأي نفس لا تموت ثم إن يوشع بن نون قام بالأمر من بعد موسى صابرا على الضراء والبلاء من الطواغيت حتى مضى منهم طواغيت فقوي بعدهم أمره فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى بصفراء بنت شعيب امرأة موسى في مائة ألف رجل فقاتلوا يوشع بن نون فغلبهم وقتل منهم مقتلة عظيمة وهزم الباقين بإذن الله وأسر صفراء بنت شعيب وقال لها قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن نلقى كليم الله موسى بن عمران فأشكو ما لقيت منك ومن قومك فقالت صفراء وويلاه والله لو أبيحت لي الجنة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتكت حجابه وخرجت على وصيه بعده.
القصص عن أبي عبد الله عليه السل
2012-11-29