يتم التحميل...

التوسُّل‏

معرفة أهل البيت

التوسّل لغة من وسلت إلى ربّي وسيلةً: عملتُ عملاً أتقرّبُ به إليه، وتوسّلت إلى فلان بكتاب أو قرابة، أي تقربتُ به إليه1. فالوسيلة هي كل ما يتقرب به إلى الغير، والمقصود من التوسل هنا هو أن يقدم الإنسان أمام طلبته وسيلةً أقرب منه إلى ربه كي ينال بدعائها أو بكرامتها مطلوبه.

عدد الزوار: 50

ما هو التوسُل؟

التوسّل لغة من وسلت إلى ربّي وسيلةً: عملتُ عملاً أتقرّبُ به إليه، وتوسّلت إلى فلان بكتاب أو قرابة، أي تقربتُ به إليه1.

فالوسيلة هي كل ما يتقرب به إلى الغير، والمقصود من التوسل هنا هو أن يقدم الإنسان أمام طلبته وسيلةً أقرب منه إلى ربه كي ينال بدعائها أو بكرامتها مطلوبه.

تشريع التوسل:

لا شك أن هناك العديد من الطرق التي جعلها الله تعالى لتساعد العبد على الارتباط به فجعل الصلاة وجعل الصوم وجعل العبادات كلها بل جعل الكثير من الطرق حتى قال تعالى:

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ2.

ولم ينحصر الارتباط بأفعال عبادية معينة فقط، فحتى النظر إلى وجه العالم طريق ارتباط بالله تعالى كما في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله:

"النظر إلى وجه العالم عبادة"3.

وجعل الكثير من أبواب الرحمة التي أكثر تعالى منها لسعة رحمته وشدة رأفته، ففتح باب التوبة وباب الشفاعة...

وهذا أيضاً مما لا شك فيه، ولكن باعتبار أن فتح الأبواب بيد المولى تعالى يُطرح هذا السؤال: هل التوسل هو من الأبواب التي فتحها الله تعالى؟ وبالتالي يمكننا الدخول إلى ساحة رحمته من هذا الباب؟

لا مانع في الأصل من فتح هذا الباب، وهو لا يتنافى مع الصفات الإلهية بل على العكس فرحمته تعالى أوسع من أن تضيق عن فتح أبواب كهذه ليرد من خلالها العباد. فليس الكلام في إمكان ذلك، بل الكلام في ثبوته، فهل هناك دليل شرعي يدل على شرعية التوسل؟ عندما نراجع القرآن الكريم والروايات الشريفة سنجد الكثير من الأدلة الدالة على ذلك، وسنستعرضها فيما يلي:

أدلة التوسل:

هناك نوعان من الأدلة الدالة على تشريع التوسل:

النوع الأول: النصوص الشرعية التي تنقل قصص التوسل الواقعة من الأنبياء أو من غيرهم مع عدم الإعتراض عليهم في ذلك، ومن هذه النصوص:

1- إن آدم عليه السلام قد توسل بالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله كما تقول الرواية:

"... قال: ربّي أسألك بحقّ محمّد لما غفرتَ لي، فقال الله عز وجل: يا آدم، كيف عرفت محمّداً ولم أخلقه؟ قال: لأنك يا ربّ لمّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فعلمت أنّك لم تُضِفْ إلى اسمك إلاّ أحبّ الخلق إليك..."4.

2- أبناء يعقوب عليه السلام بعدما كُشِفَ أمرهم وبان ظلمهم توسّلوا بدعاء أبيهم النبيّ وقالوا له:

﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ5.

3- اليهود أيضا كانوا يتوسلون بنبينا الأكرم صلى الله عليه وآله ففي الرواية عن ابن عباس قال: كانت يهود خيبر تقاتل غطفان... فكلّما التقوا هزمت اليهود، فعاذت بهذا الدعاء: "اللّهمّ إنّا نسألك بحقّ محمد النبي الاَمّي الذي وعدتنا أن تخرجه لنا آخر الزمان إلاّ نصرتنا عليهم"، فكانوا إذا دعوا بهذا الدعاء هزموا غطفان... فلما بُعث صلى الله عليه وآله كفروا به فأنزل الله تعالى:

﴿وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ6.

النوع الثاني: النصوص الشرعية التي تشرّع التوسل بشكل صريح:

1- قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ7.

وهذه الآية لا تدل على مجرد جواز التوسل، بل تعتبر أمراً مطلوباً وراجحاً.

2- قوله تعالى:

﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً8.

فهذه الآية الشريفة تؤكد التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله لمن ظلم نفسه، فعلى هؤلاء أن يأتوا إلى النبي صلى الله عليه وآله ليستغفر لهم الله تعالى، وحينئذٍ سيجدون الله تواباً رحيماً. وهذا واضح في كون التوسل باب من أبواب رحمته تعالى.

3- قوله تعالى:

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رُسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُسْتَكْبِرُون9.

فهذه الآية الكريمة ذمت الذين يرفضون إتيان رسول الله صلى الله عليه وآله ليكون وسيلتهم إلى الله تعالى فيستغفر لهم، وذمت استكبارهم عن ذلك.

بمن نتوسل؟

1- التوسل بالقرآن الكريم:


عن عمران بن الحصين: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:

"اقرأوا القرآن، واسألوا الله تبارك وتعالى به، قبل أن يجيء قوم يسألون به الناس"10.

وفي حديث الاِمام علي عليه السلام:

"واعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ... فاسألوا الله به، وتوجّهوا إليه بحبِّه، ولا تسألوا به خلقه، إنّه ما توجّه العباد إلى الله تعالى بمثله"11.

وفي دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام:

"واجعل القرآن وسيلةً لنا أشرف منازل الكرامة... اللهم صلّ‏ِ على محمّدٍ وآل محمّدٍ واحطط بالقرآن عنّا ثقل الاَوزار... وهوّن بالقرآن عند الموت على أنفسنا كرب السياق وجهد الاَنين.."12.

وقد وردت الكثير من الأدعية لدينا، علمنا الأئمة عليهم السلام من خلالها أن نسأل الله تعالى بالقرآن الكريم، ومن الأدعية المعروفة في التوسل بالقرآن الدعاء في ليلة القدر الذي بدايته:

(اللهم إني أسألك بكتابك المنزل وما فيه، وفيه اسمك الأكبر وأسماؤك الحسنى وما يخاف ويرجى أن تجعلني من عتقائك من النار...)13.

2- التوسل بالرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام:


إن من الأكيد أن الرسول صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام هم أقرب إلى الله من سائر العباد، وأن دعائهم أقرب إلى الإجابة من الله، لما لهم من كرامة ومقام لديه، ومن هنا كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام أن يدعوا لهم، ولم يكن ذلك فكرة مبتدعة من عندهم بل تعليم من القرآن الكريم، وقد أشرنا فيما سبق إلى الآيات القرآنية التي تؤكد ذلك.

وهذا الأمر غير مختص بالنبي صلى الله عليه وآله فيمكن التوسل بدعاء أهل البيت عليهم السلام، بل يمكن التوسل بدعاء أي مؤمن، فللمؤمن عند الله تعالى كرامة.

وبالإضافة للتوسل بدعائهم هناك التوسل بذواتهم عليهم السلام ونفوسهم الطاهرة الزكية، وقد كثرت الأدعية الواردة بذلك وأشهرها دعاء التوسل الذي ذكره ورواه صاحب البحار رحمه الله عن محمد بن بابويه القمي رحمه الله والذي أوله:

(اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبِيّ‏ِ الرحمة محمد صلى الله عليه وآله يا أبا القاسم يا رسول الله..) وفي آخره عبارة: (فإنكم وسيلتي إلى الله)14.

ويذكر لنا التاريخ قصة لطيفة عن رجل أمره الرسول صلى الله عليه وآله أن يتوسل به إلى الله حيث يروى أن الرسول صلى الله عليه وآله أمره أن يصلي ركعتين ثم يقول:

"اللهم إني أسألك وأدعوك وأرغب إليك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وآله، يا مُحَمَّدْ إنِّي أتوجه بِكَ إلى الله رِّبكَ وَرَبِيْ ليَرُدَّ بِكَ عَليّ‏َ نُوْرَ بَصَرِي".

فما قام الأعمى حتى رد الله عليه بصره 15

ويمكن التوسل بالصلاة عليهم عليهم السلام أيضاً، فعن الإمام الصادق عليه السلام:

"إيّاكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربِّه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة حتّى يبدأ بالثناء على الله عز وجل والمدح له، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ، ثمّ‏َ يسأل الله حاجته".

وقال عليه السلام:

"إنّ العبد لتكون له الحاجة إلى الله تعالى فيبدأ بالثناء على الله والصلاة على محمّد وآله حتى ينسى حاجته، فيقضيها من غير أن يسأله إيّاها".

ومن هنا نخلص بأن التوسل من الأمور المهمة في عقيدة الإنسان المؤمن، وهو طريق له لقضاء الحاجات وغفران الذنوب لقرب المتوسل به إلى الله تعالى نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأن نكون من الذاكرين ومن أهل التوسل.

*معرفة أهل البيت، سلسلة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2004م، ص63-70.


‏1- العين للخليل بن أحمد الفراهيدي مادة وسل.
2- فصلت:53
3- بحار الأنوار، ج‏1، ص‏195.
4- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، ج‏5، ص‏489، ط دار الكتب العلمية بيروت.
5- يوسف:97
6- البقرة:89
7- المائدة:35
8- النساء:64
9- المنافقون:5
10- مسند أحمد، 445/4.
11- نهج البلاغة، الخطبة 176، ص‏260، تحقيق صبحي الصالح.
12- الصحيفة السجّادية، الدعاء 42.
13- الكافي، ج‏2، ص‏629.
14- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج‏99، ص‏247.
15- بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج‏29، ص‏286.

2010-03-23