يتم التحميل...

غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

معرفة أهل البيت

إن الهدف الرئيسي لبعثة الأنبياء هو هداية الناس إلى طريق الحق والخير ليعرف الناس الطريق الحقيقي لتكاملهم من خلال الوحي عن طريق الأنبياء، حتى يتشكل المجتمع المثالي القائم على أساس عبادة اللَّه تعالى، وعلى منهج القيم والتعاليم الإلهية، بما يحقق العدل والقسط في كل الأرض، وقد عمل الأنبياء وأوصيائهم في سبيل ذلك بما توفر لديهم من ظروف وما استطاعوا أن يحققوا من شروط.

عدد الزوار: 367

تمهيد:

إن الهدف الرئيسي لبعثة الأنبياء هو هداية الناس إلى طريق الحق والخير ليعرف الناس الطريق الحقيقي لتكاملهم من خلال الوحي عن طريق الأنبياء، حتى يتشكل المجتمع المثالي القائم على أساس عبادة اللَّه تعالى، وعلى منهج القيم والتعاليم الإلهية، بما يحقق العدل والقسط في كل الأرض، وقد عمل الأنبياء وأوصيائهم في سبيل ذلك بما توفر لديهم من ظروف وما استطاعوا أن يحققوا من شروط.

وكل نبي أتى ليكمل طريق الأنبياء السابقين عليه حتى انتهت إلى خاتم الأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليه وآله، ولكن مع وجوده الشريف، وبعد وفاته لم يتحقق الهدف في إقامة الحكومة الإلهية على كل المعمورة، ولم يتحقق الوعد الإلهي، واللَّه لا يخلف وعده:

﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ1.

فلا بد من إنسان يتصف بصفات الأنبياء والأوصياء يكمل هذا الطريق، هذا الإنسان هو الإمام المهدي المنتظر، والذي بشر بظهوره المبارك الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وبشرت بذلك الآيات المباركة:

﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنّ‏َ الأَرْضَ يَرِهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ2.

﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنّ‏َ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الَأْرِض وَنَجْعَلَهُمْ أَئمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ3.

ولكي نقف على حقيقة الأمر في الغيبة المباركة للإمام الحجة، لا بد من الإجابة عن الأسئلة التالية:

هل غاب الإمام الحجة؟

هل يمكن أن يبقى الإنسان حياً طيلة هذه القرون؟

ما هو الهدف من الغيبة والفائدة منها؟

غيبة الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه:

يمكن إثبات غيبة الإمام من خلال الأحاديث الشريفة، والتي منها:

1- عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله:


"إن علياً وصيي، ومن ولده القائم المنتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر".

فقام إليه جابر بن عبد اللّه فقال: يا رسول اللّه، وللقائم من ولدك غيبة؟

قال صلى الله عليه وآله:

"أي وربي، ليمحص اللّه الذين آمنوا ويمحق الكافرين".

ثم قال صلى الله عليه وآله:

"يا جابر إن هذا أمر اللّه وسر من سر اللّه، فإياك والشك فإن الشك في أمر اللَّه عز وجل كفر"4.

2- عن أمير المؤمنين عليه السلام:


"للقائم منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقسُ قلبه لطول غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة"5.

3- عن أمير المؤمنين عليه السلام:


"وإن للقائم منا غيبتين: إحداهما أطول من الأخرى، فلا يثبت على إمامته إلا من قوي يقينه وصحّت معرفته"6.

وهناك العديد من الروايات في مصادر المسلمين عموماً تتحدث عن الغيبة. فغيبة الإمام وظهوره بعد ذلك أمر واضح في الروايات.

ولكن ما معنى الغيبة والظهور؟

لقد اختلف المسلمون في معنى ظهور الإمام المهدي آخر الزمان، حيث فسره غير الشيعة بمعنى الوجود والولادة في ذلك الزمان، حيث لم يؤمنوا بوجود الإمام وبكونه حياً طوال هذه الفترة، ولكن هذا التفسير تعارضه الروايات التي تحدثت عن الغيبة والظهور بشكل واضح، فإن الغيبة تعني الاختفاء عن الأنظار بعد الوجود والولادة، والظهور بعد الغيبة يعني الخروج من حالة الاختفاء ليشاهده الناس ويظهر لهم جميعاً، وهذا واضح في اللغة.

وهناك روايات تؤكد على ضرورة وجود إمام في كل زمان وعدم إمكانية وجود إنسان على الأرض مع غياب الحجة، فعن الإمام الرضا عليه السلام:

"لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها"7.

ومن هذا المنطلق كان التأكيد على ضرورة معرفة الإمام في كل زمان كما في الحديث الشريف:

"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"8.

غيبتان للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف:

كما مرَّ معنا في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام أن للقائم غيبتان: غيبة صغرى وغيبة كبرى.

الغيبة الصغرى: بدأت حينما هجم جيش الخليفة، على دار الإمام العسكري عليه السلام إثر وفاته أي من سنة 260هـ إلى انتهاء هذه الغيبة سنة 329هـ أي 69 عاماً وعدة أشهر كان يتصل بشيعته ويرعى شؤونهم من خلال سفرائه الأربعة الذين هم:

1- عثمان بن سعيد العمري خمس سنوات.

2- محمد بن عثمان العمري أربعون سنة.

3- الحسين بن روح النوبختي إحدى وعشرين سنة.

4- علي بن محمد السمري ثلاث سنوات.

انتهت الغيبة الصغرى وبدأت الغيبة الكبرى بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري سنة 329هـ.

لماذا غيبتان أو ما هو الهدف من الغيبة الصغرى:

لماذا غاب الإمام غيبتين ولم يغب غيبة واحدة أو ما هو الهدف من الغيبة الأولى.

إن هناك هدفان أساسيان للغيبة الصغرى وإقامة السفارة مقامه:

1- تهيئة الأمة لاستيعاب مفهوم الغيبة الكبرى وتعويدهم عليها تدريجياً وعدم مفاجئتهم بذلك خصوصاً أن ولادة الإمام كانت في ظرف صعب وخطرٍ من السلطات العباسية حتى أخفيت ولادته المباركة.

2- قيام السفارة والنيابة بالقيام بشؤون الأمة وتعويد الناس على الارتباط بالعلماء أثناء غيبة الإمام سياسياً واجتماعياً.

هل يمكن أن يبقى الإنسان حياً طيلة هذه القرون؟

إن امتداد العمر إلى مئات السنين هو مسألة ليست مستحيلة وإذا كنا نجهل الحكمة من ذلك أو العلة فيها فإن ذلك لا يبرر الإنكار والرفض وعدم قبول هذه الفكرة بل إذا رجعنا إلى التاريخ فإنه يحدثنا عن أشخاص عاشوا مئات السنين ونحن نصدق بذلك ونقطع به، حتى أن المؤرخ السجستاني جمع كتاباً في أخبار المعمِّرين وسمَّاه (المعمّرون) وفيه أمثال:

النبي آدم عليه السلام روى التاريخ بأنه عمَّر ألف سنة.

لقمان صاحب النسور عمَّر ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة.

وسلمان الفارسي المحمدي رضوان الله تعالى عليه عمَّر طويلاً حتى قيل بأنه عاصر المسيح وأدرك الإسلام وتوفي في عهد عمر.

وكذلك القرآن الكريم أثبت طول عمر بعض الأنبياء عليهم السلام أمثال:

النبي نوح عليه السلام الذي لبث في قومهم يدعوهم تسعمائة وخمسين عاماً يدعوهم واللَّه أعلم كم عاش قبل ذلك وبعده.

قال تعالى:

﴿ولََقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً...9.

والنبي يونس عليه السلام ذكر القرآن الكريم أنه لبث في بطن الحوت مدَّة طويلة ولولا فضل اللَّه لبقي في بطنه إلى يوم القيامة.

قال تعالى:

﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ10.

وكذلك أصحاب الكهف الذين ناموا ثلاثمائة وتسع سنين ولا ندري كم عاشوا قبل ذلك.

قال تعالى:

﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً11.

هذا بالإضافة إلى ما تناقله أصحاب السير والتاريخ من طول عمر الخضر عليه السلام وبقائه حياً من زمان موسى إلى حيث يشأ اللّه تعالى.

طول العمر والعلم الحديث:

هذا بالإضافة إلى أن العلم الحديث لم ينفي بقاء حياة الإنسان بل أثبت من خلال التجربة والدراسات بأن الإنسان يمكن أن يبقى آلاف السنين لو تهيأ له من وسائل المحافظة على القوى البدنية ما يساعده على البقاء، حيث يقولون أن كل الأنسجة من جسم الحيوان تقبل البقاء إلى ما لا نهاية له وأنه في الامكان أن يبقى الإنسان حياً ألوفاً من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته.

وقد ورد في مجلة المقتطف "أن الإنسان لا يموت لأنه عمَّر كذا من السنين سبعين أو ثمانين أو مائة أو أكثر بل لأن العوارض تنتاب بعض أعضائه فتتلفها، ولارتباط أعضائه بعضها ببعض تموت كلها، فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين"12.

وإن العالم "جان روستان" يعتقد بضوء الاكتشافات والتجارب العلمية أن أتباع طريقة حفظ الإنسان لم يعد يبدو مستحيلاً، فإن الاكتشافات التي سجلها عدد من مشاهير العلماء منذ حوالي قرن تترك بعض الأمل في إمكانية التوصل إلى مركب متناسق يساعد في تحقيق المزيد من التقدم، اعتماداً على تجارب علمية سجلها براون سيكوارد، وألكسي كاريل، وفورنوف، وميتشبنكوف، وبوغر مولتيز، وفيلانوف وغيرهم.

أما روبرت ايتنجر الذي وضع أخيراً كتاباً قيماً بعنوان "الإنسان هل يمكن أن يخلد حياً"فقد خلق آمالاً جديدة إذ قال: إن الإنسان الذي يعيش ويتنفس الآن يملك البقاء من الناحية الفيزيائية13.

وعلى هذا الأساس أي بعدما أثبتا ولادة الإمام والشواهد التاريخية والآيات القرآنية حول وقوع طول الحياة لعدد من الناس منهم الأنبياء عليهم السلام فلا مجال لإنكار ذلك في حق الإمام المهدي وإن الوقوع هو خير دليل على الامكان وخصوصاً بعد أن أثبتت التجارب العلمية ذلك بنحو لا يقبل الشك والريب.

كيف يستفاد من الإمام في عصر الغيبة؟

السؤال الآخر الذي يطرح ههنا هو أنى للناس الاستفادة من الإمام الغائب عن الأنظار وهنا تأتي الروايات التي تشبه لنا الاستفادة منه كالاستفادة من الشمس التي تغطيها الغيوم ففي الرواية عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه:

"أما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء"14.

وفي رواية أخرى عن النبي صلى الله عليه وآله حين سأله جابر: يا رسول اللَّه فهل ينتفع الشيعة به في غيبته؟

فقال صلى الله عليه وآله:

"إي والذي بعثني بالنبوة إنهم لينتفعون به، يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس، وإن جللها السحاب، يا جابر هذا مكنون سر اللَّه ومخزون علمه فاكتمه إلا عن أهله"15.

ويستفاد من التشبيه في هذه الروايات عدة أمور:

1- كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها، ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيام غيبته، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره، في كل وقت وزمان، ولا ييأسون منه، وهذا ما يبعث فيهم الأمل دائماً للتحرك والتمهيد لظهوره من خلال تجهيز أنفسهم وتدعيمها بعناصر القدرة على النصرة.

2- أن الشمس كما أن شعاعها يدخل البيوت، بقدر ما فيها من منافذ الضوء، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك إنما ينتفع الشيعة بأنوار هدايته بقدر ما يرفعون الموانع من الشهوات والأهواء، عن حواسهم ومشاعرهم التي هي نوافذ قلوبهم، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من آثار الذنوب، التي تمنع من الاستفادة من نور وجوده المقدس إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.

3- أن منكر وجوده مع شدّة ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيبها السحاب عن الأبصار16.

هذا إلى أن الكثير من الروايات أشارت إلى أن الأرض لا تخلو من الحجة ولولا ذلك لساخت بأهلها لأن الإمام عليه السلام سبب لتنزّل الرحمة ورفع العذاب عن أمته:

﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ17.

وإمامة أهل البيت عليهم السلام امتداد لخط النبوة والهداية نسأل اللَّه تعالى أن يثبتنا على ولايتهم في الدنيا والآخرة.
 

*معرفة أهل البيت، سلسة الدروس الثقافية، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، حزيران 2004م، ص89-99.


1- التوبة:33، الفتح:28، الصف:9
2- الأنبياء:105
3- القصص:5
4- ينابيع المودة، ص‏448.
5- كمال الدين وتمام النعمة، ص‏303.
6- منتخب الأثر، ص‏251.
7- بصائر الدرجات، ص‏508.
8- ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏12
9- العنكبوت:14
10- الصافات:143-144
11- الكهف:25
12- المهدي المنتظر بين التصور والتصديق للشيخ آل ياسين، ص‏78، نقلاً عن مجلة المقتطف، ج‏3
13- نفس المصدر، ص‏79، نقلاً عن جريدة الأنباء البغدادية، العدد 40.
14- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏184
15- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏63، ص‏250
16- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج‏48، ص‏94 93، بتصرف وتلخيص
17- الأنفال:33

2010-03-23