يتم التحميل...

اليد العاملة أحبّ إلى الله..

إضاءات إسلامية

لا يكفي تنظيم الوقت ووضع الخطط والبرامج، ومشورة الآخرين لتحصيل الأهداف المهمة، بل لا بدَّ من تنفيذها بجدٍّ واجتهاد، وعلى أكمل وجه.

عدد الزوار: 20

لا يكفي تنظيم الوقت ووضع الخطط والبرامج، ومشورة الآخرين لتحصيل الأهداف المهمة، بل لا بدَّ من تنفيذها بجدٍّ واجتهاد، وعلى أكمل وجه.
 
يقول الباري عزّ وجلّ في محكم كتابه: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾[1]. ومعنى الكبد المعاناة والجهد، وفي ذلك دلالة على أنَّ الحركة والعمل والكبَد (المعاناة) هي أمورٌ ضروريّةٌ في حياة البشر، ولا بدَّ لكلّ إنسانٍ من مكابدتها.
 
وقد حثّ الله عزّ وجلّ عباده على العمل الدؤوب والجهد الحثيث، وذمَّ التكاسل والبطالة، ونستلهم من ثقافتنا الدينيّة أنّ النشاط والعمل ضرورةٌ من ضرورات الحياة التي لا يمكن التخلّي عنها بوجهٍ، فالمجتمع الذي يسوده الكسل، وتنتشر فيه البطالة، سوف تتزلزل أركانه. كما نستوحي منها ضرورة اشتراك جميع أبناء المجتمع في الجهد الإنتاجي بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشرٍ، وكذلك وجوب تحمُّلهم مسؤولية ما فرضته عليهم الشّريعة العادلة من تكاليف[2]. لذلك، فإنّ الكسل، والبطالة، والحياة الاتّكاليّة، هي أُمورٌ ذمّتها تعاليمنا الدينيّة، وقبّحتها أشدَّ تقبيحٍ، بل لُعِن مَن يتّكل على الآخرين، حيث قال الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "إنّ اللهَ لَيُبغِضُ العبدَ النَّوّامَ، وإنّ اللهَ لَيُبغِضُ العبدَ الفارِغَ"[3].
 
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَلعونٌ مَلعونٌ مَن ألقَى كَلَّهُ عَلى النّاسِ"[4]. ولو تصفّحنا التأريخ لوجدنا أنّ أنبياء الله تعالى عليهم السلام وأولياءه الصالحين عليهم السلام كانوا مثالاً يُحتذى وأُسوةً صالحةً، للعمل الحثيث، وتأمين متطلّبات الحياة بعرق الجبين، فقد أعاروا العمل أهمّيّةً بالغةً، وعدّوا ثوابه أعظم من ثواب المجاهدين في سبيل الله تعالى. حيث أشار الإمام موسى الكاظم عليه السلام إلى هذه الحقيقة، فقد ورد عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: رأيتُ أبا الحسن عليه السلام يعمل في أرضٍ له وقد استنقعت قدماه في العرَق، فقلتُ: جُعلتُ فداك، أين الرجال؟ فقال عليه السلام: "يا عَليُّ، قَد عَملَ بِاليدِ مَن هُو خيرٌ مِنّي في أرضِهِ، ومِن أبي". فقلتُ: ومن هو؟ فقال: "رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وأَميرُ المؤمِنينَ عليه السلام، وآبائي كُلُّهُم كانوا قَد عَملُوا بأَيدِيهِم، وهُو مِن عَملِ النَّبييِّن َوالْمُرسَلينَ والأوصياء والصّالِحينَ"[5].
 
كما أكّد الإمام جعفر الصادق عليه السلام على ذلك، عندما أعرب عن حبِّه لمن يكسب من عرق جبينه، ويعمل تحت حرارة الشمس، لتأمين لقمة عيشه، فقد روي عن أبي عمرو الشيبانيّ أنّه قال: رأيتُ أبا عبد الله عليه السلام وبيده مسحاةٌ، وعليه إزارٌ غليظٌ يعمل في حائطٍ له، والعرقُ يتصابُّ عن ظهرهِ، فقلتُ: جُعلتُ فَداك، أعطني أكفِكَ. فقال عليه السلام لي: "إنِّي أُحبُّ أنْ يَتأذَّى الرّجُلُ بِحرِّ الشَّمسِ في طَلبِ المعيشَةِ"[6].
 
فالسعي الحثيث والعمل الدؤوب يُعدّان من الأمور الأساسية في حسن تدبير الأمور الحياتية والمعيشية، بل من ضروريات ولوازم استمرار الحياة البشرية، فالإنسان لا يمكنه تلبية حاجاته المختلفة إلا من خلال استثمار الثروات الطبيعية والنعم الإلهيّة، والذي لا يتحقّق إلا من خلال الجهد والعمل الدؤوب.
 
أضف إلى ذلك الفوائد الجمَّة التي يجنيها الفرد والمجتمع، من خلال العمل الحثيث، فالعمل قوّةٌ للجسم والرّوح وسببٌ لسلامتهما، ووازعٌ لتنامي قدرة الإنسان وتكامله بالتّالي تطوّر وتكامل المجتمع. وعلى العكس منه، البطالة، التي تتسبّب في إهدار الطاقة، وحصول الهمّ والأرق في نفس العاطل عن العمل. والإمام عليّ عليه السلام الذي يُعدّ مثالاً للعامل المجدّ، أشار إلى هذه الحقيقة، بقوله: "مَن يَعْمَل، يَزدَدْ قُوّةً، ومَن يُقَصِّر في العَمَلِ يَزدَدْ فَترَةً"[7].
 
كما قال عليه السلام: "مَن قَصَّرَ فِي العَمَلِ، ابتُلِيَ بالْهَمِّ، ولا حاجَةَ للهِ في مَن لَيسَ للهِ فِي مالِهِ ونَفسِهِ نَصِيبٌ"[8].
 
لذا، فإنّ الحياة الطيّبة الكريمة ستكون من نصيب المجتمع الإسلاميّ، متى ما اتّخذ أبناؤه الإيمانَ منهجاً لهم ورفعوا شعار العمل، لأنّ العمل شعارُ المؤمن، وجزءٌ من الإيمان[9].
 
* من كتاب: هُدىً وبشرى - جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1] سورة البلد، الآية 4.
[2] السبحاني، جعفر: الخطوط الأساسيّة للاقتصاد الإسلامي سيماى اقتصاد إسلامى-، ط1، لام، منشورات مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام للأبحاث والتعليم، 1378هـ.ش، ص40.
[3] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص169.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص12.
[5] م.ن، ج5، ص75-76.
[6] الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص 76.
[7] الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص 454.
[8] الشريف الرضي، نهج البلاغة، ما خطب الإمام علي عليه السلام، ص30.
[9] الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، ح1507.
 

2025-06-18