يتم التحميل...

علاج القلب المختلط بحب الدنيا

إضاءات إسلامية

عندما يكون قلب الإنسان مختلطاً بحبّ الدنيا، وليس له مقصدٌ ولا مقصودٌ غير تعميرها، فلا محالة أن يكون هذا الحب مانعاً من فراغ القلب وحضوره في ذلك المحضر القدسيّ، وعلاج هذا المرض المهلك والفساد المبيد هو العلم والعمل النافعان:

عدد الزوار: 20

عندما يكون قلب الإنسان مختلطاً بحبّ الدنيا، وليس له مقصدٌ ولا مقصودٌ غير تعميرها، فلا محالة أن يكون هذا الحب مانعاً من فراغ القلب وحضوره في ذلك المحضر القدسيّ، وعلاج هذا المرض المهلك والفساد المبيد هو العلم والعمل النافعان:

1- العلم النافع:
 التفكّر في ثمرات هذا المرض الذي هو مصدر الأمراض والمفاسد الأخلاقية، وفي نتائجه والمقارنة بينها وبين مضارّه ومهالكه الحاصلة منه. فكم هي محدودةٌ ومحكومةٌ بالفناء والزوال الفوائد الدنيوية التي قد يجنيها الإنسان المحب للدنيا؟ في مقابل ما يُسبّبه حبّها من ضررٍ له!! ويكفي لتبيان فداحة هذا الضرر ما ورد في الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام: "رَأْسُ‏ كُلِ‏ خَطِيئَةٍ حُبُ‏ الدُّنْيَا"[1].
 
بقليلٍ من التأمّل يُدرك الإنسان أنّ جميع المفاسد الخُلقية كالطمع والحرص والاستعباد والتملّق.. والمفاسد العملية كالقتل والنهب والظلم.. وسائر الأخلاق الفاسدة وليدة أمّ الأمراض هذه.
 
وحبّ الدنيا مانعٌ من الفضائل المعنوية، فالشجاعة والعفّة والسخاء والعدالة وطمأنينة النفس وسكون الخاطر وسلامة القلب والكرامة والحرية وعزّة النفس، وكذلك المعارف الإلهية والتوحيد في الأسماء والصفات والأفعال والذات وطلب الحق ورؤية الحق، جميعها متضادّةٌ مع حبّ الدنيا.
 
فعن الإمام الصادق  عليه السلام: "الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ صُورَةٍ رَأْسُهَا الْكِبْرُ وَعَيْنُهَا الْحِرْصُ وَأُذُنُهَا الطَّمَعُ وَلِسَانُهَا الرِّئَاءُ وَيَدُهَا الشَّهْوَةُ وَرِجْلُهَا الْعُجْبُ وَقَلْبُهَا الْغَفْلَةُ وَكَوْنُهَا الْفَنَاءُ وَحَاصِلُهَا الزَّوَالُ فَمَنْ أَحَبَّهَا أَوْرَثَتْهُ الْكِبْرُ وَمَنِ اسْتَحْسَنَهَا أَوْرَثَتْهُ الْحِرْصُ وَمَنْ طَلَبَهَا أَوْرَدَتْهُ إِلَى الطَّمَعِ وَمَنْ مَدَحَهَا أَكَبَّتْهُ الرِّئَاءُ وَمَنْ أَرَادَهَا مَكَّنَتْهُ مِنَ الْعُجْبِ وَمَنِ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا رَكِبَتْهُ الْغَفْلَةُ وَمَنْ أَعْجَبَهُ مَتَاعُهَا فَتَنَتْهُ فِيمَا يَبْقَى وَمَنْ جَمَعَهَا وَبَخِلَ بِهَا رَدَّتْهُ إِلَى مُسْتَقَرِّهَا وَهِيَ النَّار"[2].
 
2- العمل النافع: إنّ طريق علاج حبّ الدنيا هو مبدأ العمل بالضدّ. فكلّ محبٍّ للدنيا لديه نمطٌ من التعلّق بها، فالبعض يُحبّ المال والثروة وتكديس الخيرات وادّخار النفائس، وعلاج هذا الشخص يكون بأداء الحقوق المالية الشرعية الواجبة وبالصدقة المستحبّة، فيُعطي ممّا يُحبّ ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾[3]. فإنّ من أسرار الصدقات تقليل التعلّق بالدنيا. وإنْ كان هذا الأمر ثقيلاً على نفسه بادئ الأمر فليعلم أنّ السبب هو استحكام حبّ المال في قلبه، وليستمرّ في إنفاقه حتى يقضي على هذا الحبّ شيئاً فشيئاً.. وقد يُصبح العطاء لديه لذّة كما كانت لذّة التملّك وجمع الأموال[4].
 
* من كتاب: بغير حساب - جمعية المعارف الإسلامية الثقافية


[1]  الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص315.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج70، ص105.
[3] سورة آل عمران، الآية 92.
[4] راجع: الإمام الخميني قدس سره الآداب المعنوية للصلاة، المقالة الأولى، الفصل الثامن في بيان حضور القلب.
 

2025-06-18