سفرُ الوصولِ الى الله
صفر
عنِ الإمامِ العسكريِّ (عليه السلام): «إنَّ الوُصولَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وجلَّ سَفَرٌ لا يُدرَكُ إلَّا بامتِطاءِ اللَّيلِ»
عدد الزوار: 250عنِ الإمامِ العسكريِّ (عليه السلام): «إنَّ الوُصولَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وجلَّ سَفَرٌ لا يُدرَكُ إلَّا بامتِطاءِ اللَّيلِ»[1].
إنَّ غايةَ المؤمنِ الّتي يرجوها مِنَ العملِ الصالحِ الّذي يقومُ بهِ، ويكونُ همُّهُ وسعيُهُ أنْ تجتمعَ كافّةُ الشروطِ المطلوبةِ فيهِ، وأهمُّها إخلاصُ النيّةِ للهِ عزَّ وجلَّ، هيَ الوصولُ إلى مقامِ القربِ، قالَ تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾[2].
ولا شكَّ في أنَّ الذكرَ والدعاءَ والصلاةَ، هيَ مِنْ أهمِّ الأبوابِ لهذا الوصولِ، والروايةُ عنِ الإمامِ الحسنِ العسكريِّ (عليه السلام) تتحدّثُ عنْ عبادةِ الليلِ، بوصفِها وسيلةُ السفرِ للوصولِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ.
فالإنسانُ الّذي يبحثُ عنْ وسيلةٍ تُعينُهُ، ليسَ لهُ إلّا قيامُ الليلِ، وقدْ وردَ في الكثيرِ مِنَ الرواياتِ بيانُ فضلِ ذلكَ:
1. ثوابٌ لا يُقدَّر: فقدْ وعدَ اللهُ عزَّ وجلَّ في كتابِهِ بالثوابِ، ولكنّهُ أخبرَ أنّهُ لا تُحيطُ بهِ نفسُ الإنسانِ علماً، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «ما مِنْ عَمَلٍ حَسَنٍ يَعمَلُهُ العَبدُ، إلَّا ولَهُ ثَوابٌ في القرآنِ، إلَّا صلاةَ اللَّيلِ، فإنَّ اللَّهَ لَم يُبَيِّنْ ثَوابَها لِعِظَمِ خَطَرِها عندَهُ، فقالَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[3]»[4].
2. القربُ المعنويّ: إذا كانَ الإنسانُ يأنسُ باللهِ عزَّ وجلَّ، فإنَّ هذا الأنسَ يتحقّقُ عندما يخلو بهِ، وهذا ما يتحقّقُ في قيامِ الليلِ، إذْ ينقطعُ عنِ الناسِ لأنَّهُم نيامٌ، وينفردُ بالحديثِ معَ ربِّهِ، وقدْ وردَ عنِ النبيِّ الأكرمِ (صلّى الله عليه وآله): «ما اتَّخَذَ اللَّهُ إبراهيمَ خَليلاً، إلّا لإِطعامِهِ الطَّعامَ، وصلاتِهِ باللَّيلِ والناسُ نِيامٌ»[5].
3. يُباهي بهِ الله: لبيانِ عظيمِ منزلةِ القيامِ بالليلِ، وردَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُباهي بعبدِهِ الّذي يقومُ لِصلاةِ الليلِ، فعنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «إنَّ العَبدَ إذا تَخَلّى بِسَيِّدِهِ في جَوفِ اللَّيلِ المُظلِمِ وناجاهُ، أثبَتَ اللَّهُ النورَ في قَلبِهِ... ثُمّ يقولُ جَلَّ جلالُهُ لِملائكَتِهِ: يا ملائكَتي، اُنظُرُوا إلى عَبدِي، فقدْ تَخَلّى بي في جَوفِ اللَّيلِ المُظلِمِ، والبطّالونَ لاهُونَ، والغافِلونَ نِيامٌ، اِشهَدُوا أنّي قدْ غَفَرتُ لَهُ»[6].
4. الأجرُ على نيّةِ القيام: لأنَّ نيّةَ عملِ الخيرِ مِنَ الخيرِ الّذي وعدَ اللهُ عليهِ بالثوابِ، ومِنْ ذلكَ نيّةُ القيامِ في الليلِ، ففي المرويِّ عنْ رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): «مَا مِنْ عَبدٍ يُحدِّثُ نفسَهُ بِقيامِ ساعةٍ مِنَ الليلِ فَينامُ عنها، إلَّا كانَ نومُهُ صدقةً تَصدَّقَ اللهُ بِها عليهِ، وكَتَبَ لهُ أجرَ ما نَوَى»[7].
يقولُ العلّامةُ الطباطبائيُّ (قُدِّسَ سرُّه): عندما كنتُ شابّاً، توجّهْتُ إلى النجفِ الأشرفِ منْ أجلِ الدراسةِ الحوزويّةِ، فلمَّا وصلْتُ، نظرْتُ إلى قِبّةِ الإمامِ عليٍّ (علیه السلام)، وخاطبْتُهُ: يا أميرَ المؤمنينَ، أنا وحيدٌ في هذهِ البلدةِ، فأعنِّي ووفِّقْني. ويقولُ: في أحدِ الأيّامِ، وبينما كنتُ أتوضّأُ مِنْ حوضٍ كانَ موجوداً في المدرسةِ، وإذا بعالمٍ كبيرٍ -وهوَ السيّدُ القاضي- يضعُ يدَهُ على كتفي، ويقولُ: بُنيَّ، إذا أردْتَ الدنيا فصلِّ صلاةَ الليلِ، وإذا أردْتَ الآخرةَ فصلِّ صلاةَ الليلِ.
ختاماً، نُعزّي مولانا صاحبَ العصرِ والزمانِ (عجّلَ اللهُ تعالى فرجَهُ) ووليَّ أمرِ المسلمينَ والمجاهدينَ جميعاً، بشهادةِ الإمامِ الحسنِ العسكريِّ (عليه السلام) في الثامنِ مِنْ ربيعٍ الأوّلِ، من العامِ 260 للهجرةِ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص380.
[2] سورة الواقعة، الآيتان 10 و11.
[3] سورة السجدة، الآيتان 16 و17.
[4] عليّ بن إبراهيم، تفسير القمّيّ، ج2، ص168.
[5] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص35.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج38، ص99.
[7] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج7، ص802.