قَاتِلُوهُمْ... يَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ
صفر
وقدْ جاءَ في العديدِ منَ النصوصِ القرآنيّةِ والروائيّةِ بيانُ الآثارِ المترتّبةِ على الجهادِ، ومنْ أعظمِها العزّةُ والمنعةُ والمكانةُ. وفي الآيةِ المباركةِ بيانٌ لبعضِ البركاتِ الإلهيّةِ الّتي هيَ نتائجُ النصرِ الإلهيِّ، ومنها:
عدد الزوار: 298قالَ تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾[1].
جعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ الجهادَ فرضاً على المؤمنينَ، وأمرَهُم بقتالِ عدوِّهِم، وأنْ يكونَ ذلكَ في سبيلِهِ تعالى. والجهادُ بذلٌ وعطاءٌ، وصورتُهُ تحمُّلُ التضحياتِ الجِسامِ، وحقيقتُهُ فوزٌ برضوانِ اللهِ عزَّ وجلَّ، واللهُ عليمٌ بالمصالحِ والمفاسدِ، وعلى أساسِ ذلكَ كانتِ الواجباتُ والمحرَّماتُ. والمؤمنُ يعيشُ اليقينَ بأنَّهُ متى قامَ بواجبِهِ فسوفَ يترتَّبُ على ذلكَ الخيرُ لهُ، قالَ تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[2].
وقدْ جاءَ في العديدِ منَ النصوصِ القرآنيّةِ والروائيّةِ بيانُ الآثارِ المترتّبةِ على الجهادِ، ومنْ أعظمِها العزّةُ والمنعةُ والمكانةُ. وفي الآيةِ المباركةِ بيانٌ لبعضِ البركاتِ الإلهيّةِ الّتي هيَ نتائجُ النصرِ الإلهيِّ، ومنها:
1. شفاءُ صدورِ المؤمنين: إذْ سيشعرُ المؤمنونَ بالراحةِ والطمأنينةِ، بعدَ أنْ كانوا يُقاسونَ الألمَ والعذابَ بسببِ ظلمِ أعداءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ويُزيلُ اللهُ تعالى عنْ قلوبِهِم آلامَ المحنةِ بهذا النصرِ.
كما أنَّ المؤمنَ يهمُّهُ أمرُ هذا الدينِ، فحيثُ يكتبُ اللهُ النصرَ لأهلِ الإيمانِ، سيكونُ في ذلكَ حِمىً لهذا الدينِ منَ السوءِ.
2. ذهابُ غيظِ قلوبِ المؤمنين: الغيظُ هوَ الغضبُ المشوبُ بإرادةِ الانتقامِ، فمشاهدُ الجرأةِ على اللهِ وعلى رسولِهِ (صلّى الله عليه وآله)، والظلمُ والتعدّي على خلقِ اللهِ تعالى، لا يمكنُ إلّا أنْ تُورِثَ غضباً في نفوسِ أهلِ الإيمانِ، جاءَ في الخطبةِ الجهاديّةِ لأميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أَلَا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْم، لَيْلاً وَنَهَاراً، وَسِرّاً وَإِعْلَاناً، وَقُلْتُ لَكُمُ: اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ؛ فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا، فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ، حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ، وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ... وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ، فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلَائِدَهَا وَرُعُثَهَا (حلقات الأذن)، مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ، وَلَا أُرِيقَ لَهُمْ دَم،ٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً، مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً»[3].
ولكنْ ببركةِ الامتثالِ لأمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، بالقتالِ والنصرِ المأمولِ منهُ بمددٍ إلهيٍّ، فإنَّ طائفةً منْ أهلِ الإيمانِ الّذينَ يعيشونَ حالةَ الغضبِ -وهوَ شعورٌ طبيعيٌّ ومشروعٌ بالحاجةِ إلى الانتقامِ- سوفَ يزولُ عنهُم ذلكَ، وهمْ أولئكَ الّذينَ لحِقَ بهِمُ الأذى والضررُ بشكلٍ مباشرٍ بسببِ فعلِ أعداءِ الدينِ، ففقدوا أعزّتَهُم وأحبّتَهُم، واللهُ عزَّ وجلَّ سيَقَرُّ عيونَهُم بهلاكِ أعداءِ الدينِ، ويَذهبُ غيظُ القلوبِ، ويزولُ عنها ما يستدعي الانتقامَ، قالَ تعالى: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ﴾[4].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] سورة التوبة، الآيتان 14 - 15.
[2] سورة البقرة، الآية 216.
[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص69، الخطبة 27.
[4] سورة السجدة، الآية 22.