عِزّة نفس المؤمن
زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه
أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَغَائِبِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً. وَلَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللَّهُ حُرّاً. وَمَا خَيْرُ خَيْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِشَرٍّ، وَيُسْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِعُسْر؟ وَإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَمَعِ، فَتُورِدكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ. وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ، فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ، وَآخِذٌ سَهْمَكَ. وَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَعْظَمُ وَأَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ»
عدد الزوار: 371أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَغَائِبِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً. وَلَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللَّهُ حُرّاً. وَمَا خَيْرُ خَيْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِشَرٍّ، وَيُسْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِعُسْر؟ وَإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَمَعِ، فَتُورِدكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ. وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ، فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ، وَآخِذٌ سَهْمَكَ. وَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَعْظَمُ وَأَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ»[1].
المؤمن عزيز
«وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَغَائِبِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً»؛
دَنِيَّة تعني الشيء الحقير الوضيع، والرَغَائِبِ تعني الشيء المطلوب المرغوب، وتَعْتَاضَ تعني أخذ العوض عن شيء. وَهنا إشارة إلى أنّ بعض الرغبات والذنوب النفسانيّة تتطلّب تنازلَ الإنسان عن كرامته وشخصيّته، وَالأجدر به أن يعيش الكرامة والحرّيّة، فَلا يخضع لها، ولا يَرِد سبيلها، ولا يهين نفسه فَيحقّق رغباته ويتنازل عن طموحاته المعنويّة على حساب الميول المادّيّة والدنيويّة.
المؤمن حرّ
«ولا تكُنْ عبْد غيْرك وقدْ جعلك اللهُ حُرّاً»
خلقَ اللَّهُ تعالى الإنسانَ حُرّاً، فلِماذا يبيع الحرّيّة بأثمان مادّيّة؟ فَلْيَعِشْ بإمكانات محدودة ويقنع بالمعاناة والمشقّة، حِفظاً لِماء وجهه، وَكَيْلا يذلّ نفسه بخضوعه لمشيئة الآخرين. وقد تحدّث الإمام الصادق (عليه السلام) عن ذلك بِأبعاده وَجِهاته، وبَيَّن أنّ خمس خصالٍ يجب أن تتوفّر في الشخصيّة الحرّة، فَقال: «خَمْسُ خِصَالٍ مَنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهَا فَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ مُسْتَمْتَعٍ؛ أَوَّلُهَا الْوَفَاءُ، وَالثَانِيَةُ التَدْبِيرُ، وَالثَالِثَةُ الْحَيَاءُ، وَالرَابِعَةُ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْخَامِسَةُ -وَهِيَ تَجْمَعُ هَذِهِ الْخِصَالَ- الْحُرِّيَّة»[2].
الغاية والوسيلة
«وما خيْرُ خيْرٍ لا يُنالُ إلّا بِشَرٍّ، ويُسْرٍ لا يُنالُ إلّا بعُسْر؟»
يؤكّد الإمام (عليه السلام) أنّ الخير الذي يَصِل إليه الإنسان عن طريق الشرّ ليس خيراً، فَالحصول على المال، مثلاً، بإذلال النفس شرٌّ، وَلَو كان من أجل فِعل الخير.
«وَإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَمَعِ، فَتُورِدكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ»؛
تُوجِفَ تعني تُسرع، والمَنَاهِل منابع الماء.
يُشبّه الإمام (عليه السلام) موارد الطمع بمنزلة المطايا والدوابّ الجامحة والمتمرّدة، التي إذا ركبها الإنسان فَقَد زمامه واختياره، وربّما قادته إلى وادي الهلكة. وفي هذا التعبير إشارة لطيفة إلى حقيقةٍ، هي أنّ الإنسان يتوجّه إلى منبع الماء لإرواء عطشه، إلّا أنَّ المنبع الذي تقود إليه مطايا الطمع لا يروي العطش، بل ما هو إلّا سراب فيه الهلكة؛ «مَا هَدَمَ الدِينَ مِثْل البِدَعِ، وَلَا أَفْسَدَ الرَجُلَ مِثْل الطَمَع»[3].
«وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ، فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ، وَآخِذٌ سَهْمَكَ. وَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَعْظَمُ وَأَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ»
يستند الإمام (عليه السلام) إلى مسألة أخلاقيّة مهمّة، هي أنّ الإنسان لا ينبغي أن يرهن نفسه لإحسان الآخرين ومِنَّتهم، بل يجب عليه الاعتماد على ما يملكه من إمكانات وطاقات، لِينال حصّته من النعم والمقدّرات الإلهيّة، وَلو نال القليل. في الحقيقة، إنّ النصيب الأقلّ، مع حِفظ كرامة الإنسان وشخصيّته ومقامه، أوفر من الكثير مع بذْل ماء الوجه والكرامة. وعلى الرغم مِن أنّ تعبير الإمام (عليه السلام) مُطلَق يشمل عدم الخضوع لِمِنّة أيّ شخص، لأنّ شخصيّة الإنسان تتعرّض بالسؤال والطلب إلى الخلل والاهتزاز، فالسؤال -عادةً- يقترن بالذلّة أو الِمنّة، إلّا أنّ الطلب مِن المحبّين والمشفقين الذين يستجيبون برحابة صدر، كالأب والابن والأخ، قد يكون محموداً؛ قَالَ يَوْماً رَجُلٌ عِنْدَ الإمام الباقر (عليه السلام): اللهُمَّ أَغْنِنَا عَنْ جَمِيعِ خَلْقِكَ. فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «لَا تَقُلْ هَكَذَا، لَكِنْ قُل: اللَهُمَّ أَغْنِنَا عَنْ شِرَارِ خَلْقِكَ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ أَخِيهِ»[4]. ووَردَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله لولده الإمام الحسن (عليه السلام): «يَا بُنَيَّ، إِذَا نَزَلَ بِكَ كَلَبُ الزَمَانِ وَقَحْطُ الدَهْرِ فَعَلَيْكَ بِذَوِي الْأُصُولِ الثابِتَةِ وَالْفُرُوعِ النَابِتَةِ مِنْ أَهْلِ الرَحْمَةِ وَالْإِيثَارِ وَالشَفَقَةِ، فَإِنَّهُمْ أَقْضَى لِلْحَاجَاتِ، وَأَمْضَى لِدَفْعِ الْمُلِمَّات»[5].
موجبات العِزّة
1. طاعة الله: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِذَا طَلَبْتَ العِزَّ، فَاطْلُبْهُ بِالطَاعَة»[6].
2. اليأس عمّا في أيدي الناس: قال لقمان (عليه السلام) لابنه، وهو يَعِظه: «فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَجْمَعَ عِزَّ اَلدُنْيَا فَاقْطَعْ طَمَعَكَ مِمَّا فِي أَيْدِي النَاس، فَإِنَّمَا بَلَغَ الأَنْبِيَاءُ وَالصِدِّيقُونَ مَا بَلَغُوا بِقَطْعِ طَمَعِهِم»[7].
3. نُصرة الحقّ: قال الإمام العسكريّ (عليه السلام): «مَا تَرَكَ اَلْحَقَّ عَزِيزٌ إِلّا ذَلَّ، وَلاَ أَخَذَ بِهِ ذَلِيلٌ إِلّا عَزَّ»[8]، فَمَن تركَ نُصرةَ الحقِّ ذَلَّ.
4. إكرام الناس: قال الإمام عليّ (عليه السلام): «إِنَّ مَكْرُمَةً صَنَعْتَهَا إِلَى أَحَدٍ مِنَ النَاس إِنَّمَا أَكْرَمْتَ بِهَا نَفْسَكَ وَزَيَّنْتَ بِهَا عِرْضَكَ، فَلاَ تَطْلُبْ مِنْ غَيْرِكَ شُكْرَ مَا صَنَعْتَ إِلَى نَفْسِكَ»[9]، فَمِن موجبات كرامة النفس أن يتعامل الإنسان بإكرام مع سائر الناس.
* زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص401، الكتاب 31.
[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرّفة، إيران - قمّ، 1403هـ - 1362ش، لا.ط، ج1، ص284.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص92.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص172.
[5] المصدر نفسه، ج93، ص159، ح 38.
[6] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص136.
[7] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج13، ص419.
[8] المصدر نفسه، ج69، ص232.
[9] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص154.