المراقبة والمحاسبة
زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه
الإمام الصادق (عليه السلام) في وصيّته: «يَابْنَ جُنْدَب، حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَعْرِفُنَا أَنْ يَعْرِضَ عَمَلَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُون مُحَاسِبَ نَفْسِه، فَإِنْ رَأَى حَسَنَةً اِسْتَزَادَ مِنْهَا وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً اسْتَغْفَرَ مِنْهَا، لِئَلاَّ يَخْزَى يَوْمَ اَلْقِيامَةِ»
عدد الزوار: 616الإمام الصادق (عليه السلام) في وصيّته: «يَابْنَ جُنْدَب، حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَعْرِفُنَا أَنْ يَعْرِضَ عَمَلَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُون مُحَاسِبَ نَفْسِه، فَإِنْ رَأَى حَسَنَةً اِسْتَزَادَ مِنْهَا وَإِنْ رَأَى سَيِّئَةً اسْتَغْفَرَ مِنْهَا، لِئَلاَّ يَخْزَى يَوْمَ اَلْقِيامَةِ»[1].
إذا أدرك الإنسان أنّه في محضر الله، فلا بُدّ له مِن مراقبة أعماله والانتباه إلى تصرّفاته مِن جهة، ومحاسبة نفسه باستمرارٍ مِن جهةٍ أخرى. فَالمراقبة الدائمة والحساب المستمرّ يوصِلان الإنسان إلى المكان الذي لا يَنظر فيه إلّا إلى الله. ويُبيّن القرآن الكريم هذَيْن الأصلَيْن بِقَوله: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡس مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾[2]. وتدعو هذه الآية إلى أصلَيْن أخلاقيَّيْن؛ الأوّل المراقبة، والثاني المحاسبة. فَكلّ إنسانٍ مُكلَّفٌ بمراقبة نفسه ومحاسبتها؛ فإن عمِلتْ خيراً شكرَ الله، وإن عمِلتْ سوءاً استغفر الله وتاب إليه.
المراقبة
على الإنسان أن يُراقب كلامه وفِعله ونظره وغيرها لِكَيْلا يقعَ في ما لا يُرضي الله ويخالف أمره، فالله ﴿يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ﴾[3] و﴿مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيد﴾[4]، فَيُسجّل كلّ شيء؛ ﴿وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَام مُّبِين﴾[5]. فَمَن يُراقب نفسه باستمرار سيحرص على ألّا يرتكب أيّة مخالفة؛ قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له: «فَرَحِمَ اَللَّهُ مَنْ رَاقَبَ رَبَّه، وَخَافَ ذَنْبَهُ، وَجَانَبَ هَوَاهُ، وَعَمِلَ لآِخِرَتِه، وَأَعْرَضَ عَنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُنْيَا»[6]، وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في وصيّته: «واقصِد فِي مَشْيِكَ، وَرَاقِبِ اللَّهَ فِي كُلِّ خُطْوَةٍ كَأَنَّكَ عَلَى الصرَاطِ جَائِزٌ، وَلاَ تَكُنْ لَفّاتاً»[7].
المحاسبة
يحاسب الإنسان نفسه عن طريق البحث والتدقيق في أعماله، لِيَرى إن كان قد أدّى التكاليف الإلهيّة على أكمل وجه أم لا، فإذا اكتشف أنّه ارتكب ما يخالف أمر ربّه استغفَرَ وأناب إليه نادماً عازماً على ألّا يعود إلى معصيته مُطلقاً، وسعى مباشرة في إصلاح الأمر وجبران ما فات، وإذا اكتشفَ أنه أدّى ما عليه حمدَ الله وشكرَه على ما وَفّقه إليه؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض خطبه: «أيّها الناس، لا يشغلنّكم دُنياكم عن آخرتكم، فلا تُؤثِروا هواكم على طاعة ربِّكم، ولا تجعلوا أيمانكم ذريعة إلى معاصيكم، وحاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، ومَهّدوا لها قبلَ أن تُعَذّبوا، وتَزَوَّدوا للرحيل قبل أن تُزعَجوا، فإنّها موقِفُ عَدلٍ واقتضاءُ حقٍّ وسؤالٌ عن واجب. وقد أبلغ في الإعذار مَن تَقدّم بالإنذار»[8]، وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَوَازِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوَازَنُوا؛ حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَعْمَالِهَا، وَطَالِبُوهَا بِأَدَاءِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهَا، وَالْأَخْذِ مِنْ فَنَائِهَا لِبَقَائِهَا»[9].
لِماذا نحاسب أنفسنا؟ (دوافع محاسبة النفس وعواملها)
أكّد الإمام الصادق (عليه السلام) في وصيّته لعبد الله بن جندب مسألةَ المحاسبة، وبيّنَ أن سببها ودافعها عدم الشعور بِالخزيِ يومَ القيامة. وَمِثل هذا التنبيه يوجِب مراقبة الأعمال لئلّا تؤدّي إلى الخزي والحسرة الأبديّة يوم الحسرة والحساب، مع عدم إمكانيّة التدارك. فَعندما يَعتقد الإنسان بِيوم الحساب، وأنّه سيُحاسَب حتماً، سيندفع إلى محاسبة نفسه قبل وُقوفه ذلك الموقف. وينبغي عليه أن يَعلم أنّ عمله الصالح لُطفٌ من الله تعالى، فعليه -بحسب الروايات- أن يشكره على هذه النعمة، ويَطلب منه التوفيق، بينما عليه أن يُبادر إلى التوبة والاستغفارِ إن قصّر أو أساء.
الخزي يوم القيامة
الخزي هو العذاب والإهانة والفضيحة يوم القيامة. وَالعقلاء وأعزَّة النفس يَخافون مِن الخزيِ أكثر مِن نار جهنّم، فَهُم يتحمّلونَ الأذى والمحن شَرط أن يحافظوا على كرامتهم، إذ إنّ أشدَّ عقوبات الآخرة عليهم الخزي في محضر اللّه وعباده. لذا، حينما دَعا إبراهيم (عليه السلام) لنفسه قال: ﴿وَلَا تُخۡزِنِي يَوۡمَ يُبۡعَثُونَ ٨٧ يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَال وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡب سَلِيم﴾[10]. وتكرّرت لفظة «الخزي» في القرآن الكريم، تعبيراً عن حال المغضوب عليهم في الآخرة، فهي تُطلق على معاني الذلّ والعار والفضيحة وشماتة الأنداد مِن البشر، واحتقار الخالق لهم وَطردهم نهائيّاً مِن رحمته. فَالمغضوب عليه:
1. حاله كحال أهل النار؛ قال تعالى: ﴿رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَار﴾[11].
2. يحادد الله ورسوله؛ قال تعالى: ﴿أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّهُۥ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَأَنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدا فِيهَاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡخِزۡيُ ٱلۡعَظِيمُ﴾[12].
كيف ننجو مِن الخزي يوم القيامة؟
إنّ أوّلَ خطوة في طريق النجاة التوبةُ والإقلاعُ عن الذنب، خَوفاً مِن الله وإرضاءً له؛ توبةٌ خالصة مِن أيّ هدف آخر، كالخوف مِن الآثار الاجتماعيّة أو الآثار الدنيويّة للذنوب، يُفارق بها الإنسان الذنبَ ويتركه إلى الأبد[13]؛ قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَة نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَئَِّاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّٰت تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء قَدِير﴾[14]. إذاً، محاسبة النفس ومراقبة الأعمال هيَ الباب والمدخل الأساس للتوبة وعدم الخزيِ يوم القيامة.
* زَادُ المُنِيبين في شهر اللّه، إصدار دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الطـبعــة الأولى 2024م.
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص279.
[2] سورة الحشر، الآية 18.
[3] سورة غافر، الآية 19.
[4] سورة ق، الآية 18.
[5] سورة يس، الآية 12.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص18.
[7] المصدر نفسه، ج73، ص167.
[8] المصدر نفسه، ج74، ص183.
[9] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج12، ص154.
[10] الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مصدر سابق،ج3، ص49.
[11] سورة آل عمران، الآية 192.
[12] سورة التوبة، الآية 63.
[13] الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مصدر سابق،ج18، ص453.
[14] سورة التحريم، الآية 8.