المعراج النبوي وتاريخ تشريع الصلاة في الإسلام
في رحاب الشهر المبارك
أجمع علماء الإسلام قاطبة على أنّ الصلوات الخمس قد فُرضت على الأمّة المحمّدية في ليلة الإسراء والمعراج حيث كان خاتم النبيّين صلى الله عليه وآله وسلم وافداً على الله تعالى،
عدد الزوار: 569أجمع علماء الإسلام قاطبة على أنّ الصلوات الخمس قد فُرضت على الأمّة المحمّدية في ليلة الإسراء والمعراج حيث كان خاتم النبيّين صلى الله عليه وآله وسلم وافداً على الله تعالى، ولأنّ ضيف الكريم كريم، أتحفه مولاه بهذه التحفة التي هي غرّة الطاعات ورأس المعاملات والقربات، وفضلها على سائر العبادات لمزايا كثيرة، ومن هذه المزايا أنّها فُرضت في ذاك المقام الأسنى على بساط العزّة بحضرة الملأ الأعلى، وفي هذا تنويه بهذه الطاعة، وتشريف لها على سائر الطاعات، واتفقت أقوال من يُعتنى بقوله من علماء الإسلام على أنّ الإسراء كان بمكّة المكرّمة قبل الهجرة النبويّة على مهاجرها العظيم وأهل بيته أفضل الصلاة وأزكى السلام، ثم اختلفوا في السنة التي أُسري به صلى الله عليه وآله وسلم فيها فقيل: في السنة الثانية من البعثة كما هو مروي عن ابن عباس، وقيل في السنة الثالثة منها كما في الخرائج، عن أمير المؤمنين عليه السلام، وقيل في السنة الخامسة، أو السادسة، وقيل وقيل، وقيل... والأقوال المنقولة في تعيينها مختلفة، ليس فيها ما يُقطع به، ولكن المتتبّع يعلم أنّه لا منافاة بين كونه صلى الله عليه وآله وسلم كان يُصلّي صلاة خاصّة، وبين كون الصلوات الخمس فُرضت عليه في السماء ليلة الإسراء، فإنّ فرض أصل صلاته كان قبل ذلك، وإنّ هذا الأمر لم يكن خافياً على من عاداه من قريش فضلاً عن أتباعه.
والأخبار التي أوردها جملة من علماء المسلمين وتنصّ على صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ بدء بعثته كثيرة حيث كانَت فَرضاً عَلَيهِ، وسُنَّةً لأمّتِهِ، وكذلك نافلة الليل قد كانت مشروعة له صلى الله عليه وآله وسلم بنص الكتاب المجيد، والذي فيه أيضاً عدّة من الآيات الكريمة تدلّ على أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يُقيم الصلاة منذ بعثه الله نبيّاً كقوله تعالى في سورة العلق: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾[1]، وسورة العلق هي أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو معلوم، وفي تفسير هذه الآيات يقول العلّامة الطباطبائي أعلى الله مقامه: المراد بالعبد الذي كان يُصلّي هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما يُستفاد من آخر الآيات حيث ينهاه صلى الله عليه وآله وسلم عن طاعة ذلك الناهي، ويأمره بالسجود والاقتراب، وسياق الآيات - على تقدير كون السورة أول ما نزل من القرآن ونزولها دفعة واحدة - يدلّ على صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول القرآن، وفيه دلالة على نبوّته قبل رسالته بالقرآن، وأمّا ما ذكره بعضهم أنّه لم تكن الصلاة مفروضة في أول البعثة، وإنّما شُرّعت ليلة المعراج على ما في الأخبار، وقوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾[2]، ففيه أنّ المسلَّم من دلالتها أنّ الصلوات الخمس اليومية إنّما فُرضت بهيئتها الخاصّة ركعتين ركعتين ليلة المعراج، ولا دلالة فيها على عدم تشريعها قبل، وقد ورد في كثير من السور المكّية، ومنها النازلة قبل سورة الإسراء كالمدّثر والمزمّل وغيرهما ذكر الصلاة بتعبيرات مختلفة[3].
قربان الأتقياء، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة العلق، الآيتان 9 - 10.
[2] سورة الإسراء، الآية 78.
[3] المفسر السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، بيان روائي لتفسير سورة العلق.