العابدُ للهِ عزَّ وجلَّ
ربيع الثاني
في حديثِ المِعراجِ: «يا أحمدُ، هَل تَدري مَتى يَكونُ لِيَ العَبدُ عابِداً؟ قالَ: لا، يا ربِّ، قالَ: إذا اجتَمَعَ فيهِ سَبعُ خِصالٍ: وَرَعٌ يَحجُزُه عنِ المَحارِمِ، وَصَمتٌ يَكُفُّه عَمّا لا يَعنيهِ، وَخَوفٌ يَزدادُ كلَّ يَومٍ مِن بُكائهِ، وحَياءٌ يَستَحي مِنّي فِي الخَلاءِ، وأكلُ ما لا بُدَّ مِنهُ، ويُبغِضُ الدُّنيا لِبُغضي لَها، ويُحِبُّ الأخيارَ لِحُبّي إيّاهُم»
عدد الزوار: 199في حديثِ المِعراجِ: «يا أحمدُ، هَل تَدري مَتى يَكونُ لِيَ العَبدُ عابِداً؟ قالَ: لا، يا ربِّ، قالَ: إذا اجتَمَعَ فيهِ سَبعُ خِصالٍ: وَرَعٌ يَحجُزُه عنِ المَحارِمِ، وَصَمتٌ يَكُفُّه عَمّا لا يَعنيهِ، وَخَوفٌ يَزدادُ كلَّ يَومٍ مِن بُكائهِ، وحَياءٌ يَستَحي مِنّي فِي الخَلاءِ، وأكلُ ما لا بُدَّ مِنهُ، ويُبغِضُ الدُّنيا لِبُغضي لَها، ويُحِبُّ الأخيارَ لِحُبّي إيّاهُم»[1].
لقدْ حثَّ اللهُ عزَّ وجلَّ عبادَه على عبادتِه، وشرَّعَ لهم فرائضَ ونوافلَ، وجعَلَها أبواباً للقُربِ منه، وهي -بمختلفِ أنواعِها- تندرجُ تحتَ إظهارِ العبوديّةِ له، والناسُ تصفُ مَنْ يتفرَّغُ في ليلِه ونهارِه للقيامِ بهذِه الفرائضِ والنوافلِ بأنَّه مِنَ العبّاد.
وفي الحديثِ أعلاه، بيانٌ للخصالِ التي لو تحلّى بها الإنسانُ لكانَ مصداقاً للعابدِ للهِ حقّاً، وهي:
1ـ الوَرَعُ: وهوَ كفُّ النفسِ عن مطلقِ المعاصي، ومنعُها عمّا لا ينبغي، ففي المرويّ: سألَ رجلٌ الإمامَ الصادقَ (عليه السلام): مَا الَّذِي يُثْبِتُ الإِيمَانَ فِي الْعَبْدِ؟ فقالَ (عليه السلام): «الْوَرَعُ»، فقال الرجل: والَّذِي يُخْرِجُه مِنْه؟ فقال: (عليه السلام): «الطَّمَعُ»[2].
2ـ الصمتُ: وهوَ بابُ الخيرِ اذا كانَ الكلامُ فيما لا ينبغي، ففي الحديث، يصفُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) أخاً لَهُ في الله، فيقولُ: «كانَ لي فيما مَضى أخٌ في اللَّهِ... وكانَ إذا غُلِبَ علَى الكلامِ لم يُغلَبْ علَى السُّكوتِ، وكانَ على ما يَسمَعُ أحرَصَ مِنهُ على أن يَتكَلَّمَ»[3].
3ـ الخوفُ: وهو بابُ التحرُّزِ عن الوقوعِ في المعاصي، ففي الروايةِ عَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «مِسْكينٌ ابنُ آدَمَ! لَو خافَ مِن النّارِ كما يَخافُ مِن الفَقْرِ لأَمِنَهُما جَميعاً، ولو خافَ اللَّهَ في الباطِنِ كما يَخافُ خَلْقَهُ في الظّاهِرِ لسَعِدَ في الدّارَينِ»[4].
4ـ الحياءُ: وهو الذي يمنعُ الإنسانَ عنْ فعلِ القبيح. وطريقُه ما في المرويِّ عن الإمام الباقر (عليه السلام) عن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآلِه): «اسْتَحْيوا مِن اللَّهِ حَقَّ الحياءِ، فقيلَ: يا رسولَ اللَّهِ! ومَن يَسْتَحْيي مِن اللَّهِ حَقَّ الحياءِ؟! فقال: مَنِ اسْتَحْيى مِن اللَّهِ حَقَّ الحياءِ فلْيَكْتُبْ أجَلَهُ بينَ عَيْنَيهِ، ولْيَزْهَدْ في الدُّنيا وزِينَتِها، ويَحْفَظِ الرّأسَ وما حَوى، والبَطْنَ وما وَعى، ولا يَنْسى المَقابِرَ والبلى»[5].
5. القناعةُ: وهي أعظمُ عَونٍ للإنسانِ للكفِّ عَنِ المحارم، ففي المرويِّ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «مَن قَنِعَتْ نفسُهُ أعانَتْهُ علَى النَّزاهَةِ والعَفاف»[6].
وليعلَمِ المؤمنُ أنّ بابَ سلامةِ الدينِ هو أنْ يكونَ ملكُه في الدنيا قليلاً، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «اقنَعُوا بالقَليلِ مِن دُنياكُم لِسلامَةِ دِينِكُم، فإنَّ المؤمنَ البُلغَةُ اليَسيرَةُ مِن الدنيا تُقنِعُهُ»[7].
6ـ بُغْضُ الدنيا: وأفضلُ سبيلٍ يصلُ الإنسانُ بهِ إلى بُغض الدنيا، أنْ يفكِّر في ما يخسرُه بسببِ ذلك، وهو الآخرةُ الخالدة، فعَنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «إنَّ الدنيا والآخِرَةَ عَدُوّانِ مُتَفاوِتانِ، وسَبيلانِ مُختَلِفانِ، فَمَنْ أحَبَّ الدنيا وتَولَّاها أبغضَ الآخِرَةَ وعاداها، وهُما بمَنزِلَةِ المَشرِقِ والمَغرِبِ وماشٍ بَينَهُما، كُلَّما قَرُبَ مِن واحدٍ بَعُدَ مِنَ الآخَرِ، وهُما بَعدُ ضَرَّتانِ»[8].
7ـ حبُّ الأخيار: وهو علامةُ صلاحِ الإنسان، ففي الحديثِ عَنِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام): «إذا أرَدتَ أنْ تَعلَمَ أنَّ فيكَ خَيراً، فانْظُرْ إلى قَلبِكَ؛ فإنْ كانَ يُحِبُّ أهلَ طاعةِ اللَّهِ، ويُبْغِضُ أهلَ مَعصِيَتِهِ، ففيكَ خَيرٌ، واللَّهُ يُحِبُّكَ؛ وإنْ كانَ يُبغِضُ أهلَ طاعةِ اللَّهِ، ويُحِبُّ أهلَ مَعصيَتِهِ، فليسَ فيكَ خَيرٌ، واللَّهُ يُبغِضُكَ، والمَرءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ»[9].
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
[1] الديلميّ، إرشاد القلوب إلى الصواب، ج1، ص205.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص320.
[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص526، الحكمة 289.
[4] الأمير ورّام، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، ج2، ص112.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج67، ص317.
[6] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، ص629.
[7] المصدر نفسه، ص156.
[8] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص486، الحكمة 103.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص127.