لِكُلِّ شيءٍ مِقدَار
ربيع الثاني
عَنِ الإمامِ العسكريِّ (عليه السلام): «وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْحَيَاءِ مِقْدَاراً، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ ضَعْفٌ، وَلِلْجُودِ مِقْدَاراً، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ سَرَفٌ، وَلِلْحَزْمِ مِقْدَاراً، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ جُبْنٌ، وَلِلِاقْتِصَادِ مِقْدَاراً، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ بُخْلٌ، وَلِلشَّجَاعَةِ مِقْدَاراً، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ التَّهَوُّرُ»
عدد الزوار: 194عَنِ الإمامِ العسكريِّ (عليه السلام): «وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْحَيَاءِ مِقْدَاراً، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ ضَعْفٌ، وَلِلْجُودِ مِقْدَاراً، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ سَرَفٌ، وَلِلْحَزْمِ مِقْدَاراً، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ جُبْنٌ، وَلِلِاقْتِصَادِ مِقْدَاراً، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَهُوَ بُخْلٌ، وَلِلشَّجَاعَةِ مِقْدَاراً، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ التَّهَوُّرُ»[1].
مِنْ طُرقِ الوصولِ إلى صفاتِ الكمالِ معرفةُ حدودِها، حتّى لا يصلَ في التفريطِ أو الإفراطِ فيها إلى الخروجِ عنِ المطلوبِ منها. ويرشِدُنا الإمامُ في هذه الرواياتِ إلى مقدارِ صفاتٍ خمسةٍ كماليّة:
1ـ الحياء: صفةٌ يرغبُ فيها الناس، ويمتدحونَها، ويذمّونَ نقيضَها، فعن أبي عبدِ اللهِ الصادقِ (عليه السلام): «الحياءُ مِنَ الإيمان، والإيمانُ في الجنّة»[2]، ولكنْ من الحياءِ ما يكونُ مذموماً عندما لا يكونُ في موضعِه، ففي الروايةِ عنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «قُرِنَتِ الهيبةُ بالخيبة، والحياءُ بالحرمان»[3]؛ أو عندما يكونُ عنْ قولِ الحقّ، ففي روايةٍ عنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «مَنِ استحْيَى مِنْ قولِ الحقِّ فهو أحمق»[4].
2ـ الجود: وهو الإنفاقُ الذي يكونُ مِنْ طبعِ الإنسان، فلا تكلُّفَ فيه ولا مشقّة، وهو بابٌ للوصولِ إلى محبَّةِ الناس، فعنِ الإمامِ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «ما استُجلبتِ المحبّةُ بمثلِ السخاءِ والرفقِ وحُسْنِ الخُلُق»[5]، وعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «لَيسَ السَّخِيُّ المُبَذِّرَ الذي يُنفِقُ مالَهُ في غَيرِ حَقِّهِ، ولكنَّهُ الذي يُؤَدِّي إلى اللَّهِ عزَّ وجلَّ ما فَرَضَ علَيهِ في مالِهِ مِنَ الزَّكاةِ وغَيرِها»[6].
ولكي لا يقعَ في الإسراف، عليهِ أنْ يضعَه في موضعِه، فعنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام) -لمّا سُئل عنْ حدِّ السخاء-: «تُخرِجُ مِن مالِكَ الحَقَّ الذي أوجَبَهُ اللَّهُ علَيكَ، فَتَضَعُهُ في مَوضِعِهِ»[7].
3ـ الحزم: وهو ضبطُ الأمورِ وإحكامُها، والجِدُّ والحِرصُ على أداءِ العملِ المطلوب؛ ولذا كانَ الحزمُ سبباً للوصولِ إلى الغايات، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «مَن أخَذَ بالحَزمِ اسْتَظْهَرَ؛ مَن أضاعَ الحَزمَ تَهوَّرَ»[8].
ولكنْ مقدارُه أن لا يصلَ بالإنسانِ إلى حالةِ الخوفِ، فيزيدَ في الحزم.
4ـ الاقتصاد: وهو الاعتدالُ في الإنفاق؛ بإعطاءِ النفقةِ في موردِها، دونَ زيادةٍ مُفرطةٍ أو نقيصةٍ كذلك. ولو زادتِ النقيصةُ عنْ حدِّها المتعارفِ، كانتْ بُخلاً مذموماً، وقدْ وردَ التحذيرُ الشديدُ من البخل، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «عَجِبتُ لِلبَخيلِ، يَستَعجِلُ الفَقرَ الَّذي مِنهُ هَرَبَ، ويَفوتُهُ الغِنَى الّذي إيّاهُ طَلَبَ؛ فيَعيشُ في الدّنيا عَيشَ الفُقَراءِ، ويُحاسَبُ في الآخِرَةِ حِسابَ الأغنِياءِ!»[9].
ولذا، مِنْ صفاتِ البخيلِ أنَّه يستغلُّ عنوانَ الاقتصادِ لتبريرِ بُخلِه، ففي الروايةِ عنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «البخيلُ متحجِّجٌ بالمعاذيرِ والتعاليل»[10].
5ـ الشجاعة: وهي فضيلةٌ وصِفةٌ ممدوحةٌ يفتخرُ بها الإنسان، ترافقُ الإنسانَ الصالحَ في جميعِ حالاتِه، ويكونُ ظهورُها بشكلٍ مباشرٍ وواضحٍ في الجهادِ والحرب، لكنْ على أنْ تكونَ تصرّفاتُ الإنسانِ محسوبةً ومُتقَنة، وإلّا فإنْ كانَ الإقدامُ مَعَ عدمِ التهيُّؤِ وتوفيرِ ما يلزم، كانتْ تهوُّراً وإلقاءً للنفسِ في التهلُكة.
[1] الحلوانيّ، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، ص144.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص106.
[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص471، الحكمة 21.
[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص440.
[5] الآمديّ، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص244.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج68، ص352.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص39.
[8] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص454.
[9] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص491، الحكمة 126.
[10] الآمديّ، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص293.