صفاتُ الأكمل
ربيع الثاني
عَنِ الإمامِ العسكريِّ (عليه السلام): «أَوْرَعُ النّاسِ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ الشُّبْهَةِ، أَعْبَدُ النّاسِ مَنْ أَقامَ عَلَى الْفَرائِضِ، أَزْهَدُ النّاسِ مَنْ تَرَكَ الْحَرامَ، أَشَدُّ النّاسِ اجْتَهادًا مَنْ تَرَكَ الذُّنُوب»
عدد الزوار: 209عَنِ الإمامِ العسكريِّ (عليه السلام): «أَوْرَعُ النّاسِ مَنْ وَقَفَ عِنْدَ الشُّبْهَةِ، أَعْبَدُ النّاسِ مَنْ أَقامَ عَلَى الْفَرائِضِ، أَزْهَدُ النّاسِ مَنْ تَرَكَ الْحَرامَ، أَشَدُّ النّاسِ اجْتَهادًا مَنْ تَرَكَ الذُّنُوب»[1].
يتفاضلُ الناسُ في صفاتِ الكمال. ويرشدُنا الإمامُ العسكريُّ (عليه السلام) -في هذهِ الرواية- إلى خصائصَ أربعةٍ تُمثِّلُ صفاتٍ لتكونَ الأكمل:
1. أَوْرَعُ النّاسِ: الورعُ هو الاحتياطُ عَنِ الحرام، وملكةُ التنزُّهِ والاجتنابِ عَنْ مُطلقِ المعاصي؛ وفي الحديثِ المذكورِ عَنِ الإمامِ العسكريِّ (عليه السلام)، يكونُ الأورعُ هو الذي يجتنبُ حتّى عَنِ الشُبُهات، وعَنِ الإمامِ الصادقِ (عليه السلام): «إنّما الأمورُ ثلاثةٌ: أمرٌ بَيِّنٌ رُشدُهُ فَيُتَّبَعُ، وأمرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَيُجتَنَبُ، وأمرٌ مُشكِلٌ يُرَدُّ عِلمُهُ إلى اللَّهِ وإلى رسولِهِ، قالَ رسولُ اللَّهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآلِه): حَلالٌ بَيِّنٌ، وحَرامٌ بَيِّنٌ، وشُبُهاتٌ بَينَ ذلكَ، فَمَن تَرَكَ الشُّبُهاتِ نَجا مِنَ المُحَرَّماتِ، ومَن أخَذَ بِالشُّبُهاتِ ارتَكَبَ المُحَرَّماتِ، وهَلَكَ مِن حيثُ لا يَعلَمُ»[2].
وهذهِ الحالةُ إنْ كانتْ صفةً راسخةً في الإنسانِ، جعلَتْهُ في حصنٍ مِنَ الحرام، فعنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «حَلالٌ بَيِّنٌ، وحَرامٌ بَيِّنٌ، وشُبُهاتٌ بَينَ ذلكَ، فَمَن تَرَكَ ما اشتَبَهَ علَيهِ مِن الإثم، فهُو لِما استَبانَ لَهُ أترَك»[3].
ويتأكَّدُ ذلكَ في مَن يتولّى أمورَ الناس؛ لأنّ بابَ الشبهاتِ يُفتَحُ بشكلٍ أوسعَ أمامَه؛ ولذا خاطبَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) عامِلَه على البصرةِ عثمانَ بنَ حُنَيف: «أمّا بعدُ يابنَ حُنَيفٍ، فقد بَلَغَني أنَّ رَجُلاً مِن فِتيَةِ أهلِ البصرةِ دَعاكَ إلى مَأدُبَةٍ، فَأسرَعتَ إلَيها... فانظُرْ إلى ما تَقضِمُهُ مِن هذا المَقضَمِ، فَما اشتَبَهَ علَيكَ عِلمُهُ فالفِظْهُ، وما أيقَنتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنهُ»[4].
2. أَعْبَدُ النّاسِ: العبادةُ هي الطاعةُ معَ الخضوع، وتظهرُ في الالتزامِ بالفرائضِ التي أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بها، وكذلكَ بالعملِ بالمستحبّات. ولكي يتحلّى الإنسانُ بصفةِ أعبدِ الناس، عليهِ أنْ يكونَ مواظباً على الفرائض، فلا يُضيِّعُ شيئاً منها، فعنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام): «يقولُ الله: ابنَ آدم، اعملْ بما افترضتُ عليكَ، تكنْ مِن أعبدِ الناس».[5]
3. أزهدُ الناس: الزهدُ هو الإعراضُ عنْ متاعِ الدنيا وطيِّباتِها، وقيل في تعريفِهِ أيضاً: «تَرْكُ حلالِها مخافةَ حسابِه، وتَرْكُ حرامِها مخافةَ عقابِه». وفي الروايةِ يصفُ الإمامُ العسكريُّ (عليه السلام) مَن يتركُ الحرامَ بأنَّه أزهدُ الناس؛ لأنَّه خالفَ رغبَتَه وهواه، وجعلَ الخوفَ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ شعاراً له، فأعرضَ عَنِ الحرام. وعَنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «لا زُهدَ كالزهدِ في الحرام»[6].
4. أشدُّ الناسِ اجتهاداً: لمّا كانَ الإنسانُ في حالةِ صراعٍ بينَ جنودِ العقلِ وجنودِ الجهل، وكانتْ مواجَهةُ الأهواءِ النفسيّةِ تتوقّفُ على المراقبةِ الدائمةِ والمستمرّةِ حتّى لا تقودَ الميولُ والرغباتُ الإنسانَ إلى المعاصي، كانَ تاركُ الذنوبِ هو الأشدَّ اجتهاداً، فعنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ، أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ، وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ»[7]؛ وبهذا يدعوهُم إلى أنْ يبذلوا جهدَهم في تحرّي الحَذَرِ، حتّى لا يقعوا في المخالفةِ، وإلى العملِ على مقتضى الوظيفة، والكدِّ، وتحمُّلِ الأذى في سبيلِ الحقّ.
[1] الشيخ الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص489.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص68.
[3] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص75.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص416، الكتاب 45.
[5] الشيخ الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص281.
[6] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص488، الحكمة 113.
[7] المصدر نفسه، ص417، الكتاب 45.