استثمار المال: نظرة إسلامية
إضاءات إسلامية
إنّ استثمار الأموال يُعدّ أحد العوامل الأساسيّة في النموّ الاقتصاديّ، ويؤدّي إلى القضاء على الفقر والحرمان. فالمال والثروة رصيدٌ للفرد والمجتمع على حدٍّ سواء.
عدد الزوار: 315إنّ استثمار الأموال يُعدّ أحد العوامل الأساسيّة في النموّ الاقتصاديّ، ويؤدّي إلى القضاء على الفقر والحرمان. فالمال والثروة رصيدٌ للفرد والمجتمع على حدٍّ سواء. والخطابات القرآنيّة في هذا المجال جاءت بصيغة الجمع[1]، وذلك للدلالة على أهمّيّة الرصيد المالي وقوّاميّته في المجتمع.
من هنا تبرز أهمّيّة الاستثمار وتوظيف المال في جميع المجالات الاقتصاديّة التي تخدم المجتمع، كالزراعة، والصناعة، والتعدين، والخدمات العامّة، وما إلى ذلك من نشاطات.
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّما أعطاكُمْ اللهُ هذهِ الفُضولَ مِن الأموالِ، لتُوجِّهوها حيثُ وَجّهَها اللهُ، ولَم يُعطِكُموها، لتكنِزُوها"[2]. وقد تطرّقت المصادر الإسلاميّة إلى هذا الأمر وشجّعت الناس عليه، تحت عناوين مختلفةٍ: إمّا بشكلٍ مباشرٍ، مثل: إصلاح المال، والعمران، والإحياء، وإمّا بشكلٍ غير مباشرٍ، مثل: منع ركود الثروة، وحرمة الإسراف والتبذير، وحرمة إتلاف المال، وترويج مبدأ القناعة، والاقتصاد في استهلاك الأموال[3].
فهنالك آياتٌ كثيرةٌ في القرآن الكريم تطرّقت إلى نماذج عديدةٍ من استثمار الأموال في مختلف المشاريع، منها الآيتان 37 و38 من سورة هود، والآية 27 من سورة المؤمنين التي تشير إلى توفير بعض الأمور، من أجل صناعة سفينة نوح عليه السلام عن طريق الوحي. والآيتان 12 و13 من سورة سبأ تشيران إلى خطّة النبيّ سليمان عليه السلام الاستثماريّة في صناعة جدران، وتماثيل، وأواني طعام كبيرة، وقدور ثابتة. وكذلك الأمر في الآيتين 10 و11 من سورة سبأ، والآيات 26 إلى 28 من سورة القصص التي تذكر مشروع النبيّ داوود عليه السلام الاستثماريّ في صناعة الدروع الحربيّة، وكذلك تشير إلى الاتّفاقيّة التي عُقِدَت بين النبيّ شعيب عليه السلام والنبيّ موسى عليه السلام في استثمار خدمات الأخير[4].
ويوجد الكثير من الروايات المباركة التي تناولت قضيّة استثمار الأموال:
فقد روى زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "ما يَخلُفُ الرّجُلُ بَعدَهُ شَيئاً أشَدَّ عَلَيهِ مِن المالِ الصّامِتِ". قال زرارة: قلتُ له كيف يصنع به؟ قال عليه السلام: "يَجعَلهُ فِي الحائطِ والبُستانِ أو الدّارِ"[5]. وروى محمّد بن عذافر، عن أبيه، قال: أعطى أبو عبد الله عليه السلام أبي ألفاً وسبعمئة دينارٍ، فقال له: "اتَّجِر لِي بِها". ثمّ قال عليه السلام: "أَما إنّهُ لَيسَ لِي رَغبَةٌ في رِبحِها، وإنْ كانَ الرّبحُ مَرغوباً فيهِ، ولكِنِّي أحبَبتُ أن يَراني اللهُ عزَّ وجلَّ مُتعرِّضاً لفَوائدِهِ". قال: فربحتُ له فيه مائة دينارٍ، ثمّ لقيته، فقلتُ له: قد ربحتُ لك فيها مائة دينارٍ، ففرح أبو عبد الله عليه السلام بذلك فرحاً شديداً، وقال لي: "أَثبِتْها في رَأسِ مالِي"[6].
وقد أوصى الإمام جعفر الصادق عليه السلام أحد أصحابه أن يشتري مزرعةً أو بستاناً، لأنّ الذي يمتلك رصيداً مادّيّاً يؤمّن حاجاته وحاجات عياله، سوف لا يعاني كثيراً، ويرتاح باله، لو تعرّض إلى نائبةٍ أو حادثةٍ. فقد روى محمّد بن مرازم، عن أبيه: أنّ أبا عبد الله عليه السلام قال لمصادف مولاه: "اتّخِذْ عقدةً أو ضَيعةً، فإنّ الرّجلَ إذا نزَلت بهِ النّازِلةُ أو المصيبةُ، فذَكرَ أنّ وَراءَ ظهره ما يقيمُ عيالَهُ، كانَ أسخَى لنفسِهِ"[7].
إضافةً إلى ما ذُكر، فإنّ جميع الروايات التي وردت في العقود التجاريّة، مثل: عقد المزارعة، والمساقاة، والمضاربة، والشراكة، والجعالة، والإجارة، وما شاكلها، تجوّز استثمار الأموال، وتسخيرها، خدمةً للفرد والمجتمع.
هُدىً وبشرى، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] وردت في القرآن الكريم عبارات عديدة بصيغة الجمع في هذا المجال، مثل: ﴿خَلَقَ لَكُم﴾ ﴿جَعَلَ لَكُمُ﴾ ﴿لِلنَّاسِ﴾ ﴿رِزْقاً لَّكُمْ﴾...
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص32.
[3] الحسينيّ، رضا: نمط توزيع الدخل وسلوك المستهلك المسلم اُلكوي تخصيص درامد ورفتار مصرف كننده مسلمان-، ط1، لام، منشورات مركز الثقافة والفكر الإسلاميّ، 1379هـ.ش، ص159.
[4] لمعرفة المزيد عن الخطط الاستثماريّة التي وردت في القرآن الكريم، انظر: رجائي, وآخرون، معجم موضوعى آيات اقتصادى قرآن باللغة الفارسية-، م.س، ص104-110.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص91.
[6] م.ن، ص 76.
[7] م.ن، ص 92.