يتم التحميل...

كيف كافح الإسلام الخرافات؟

إضاءات إسلامية

لقد كافح الإسلامُ الخرافات بطرق مختلفة، واساليب متنوعة. أما بالنسبة إلى ما كانوا يُفعل بالحيوانات قبل الإسلام فمضافاً إلى أنّ أيّ شيء من هذه الأَعمال لا ينسجم مع العقل والمنطق والعلم لأن المطر والغيث لا ينزل من السماء باسعال النيران

عدد الزوار: 140

لقد كافح الإسلامُ الخرافات بطرق مختلفة، واساليب متنوعة. أما بالنسبة إلى ما كانوا يُفعل بالحيوانات قبل الإسلام فمضافاً إلى أنّ أيّ شيء من هذه الأَعمال لا ينسجم مع العقل والمنطق والعلم لأن المطر والغيث لا ينزل من السماء باسعال النيران، وضرب الثيران لا يؤثر في البقر، كما لا ينفع كيُّ البعير الصحيح في شفاء الإبل السقيمة، وتعتبر هذه الاعمال نوعاً من تعذيب الحيوانات وقد نهى الإسلام بشدة عن تعذيب الحيوانات وايذائها، بأي شكل كان.

فقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «لِلدّابةِ عَلى صاحبها ستُّ خصال:
1 ـ يَبدأ بعلفها إذا نَزَل.
2 ـ ويُعرضُ عليها الماء إذا مَرَّ به.
3 ـ ولا يضرب وجهها فإنها تسبِّحُ بحمدِ ربّها.
4 ـ ولا يقفْ على ظهرها إلا في سَبيل اللّه عزّ وجلّ.
5 ـ ولا يحمّلها فوق طاقتها.
6 ـ ولا يكلّفها من المشي إلا ما تطيقُ([1]).

كما رُوي أنه نهى رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله) عن أن توسَم البهائمُ في وجهها، وأن تضرَب في وجوهها فانها تسبّح بحمد ربها.

ومن هنا ندركُ ان التعاليم في مجال الرفق بالحيوان، وحمايته، على النقيض من العادات الجاهلية السائدة في البيئة العربية آنذاك.

واما بالنسبة إلى التمائم والأَشياء الّتي كانت تعلّقها العربُ على أعناق وصدور رجالها، وأولادها، من الأحجار والخَرَز، وَعظام الموتى، ومعالجة المرضى والمصابين وغيرهم بها أحياناً فقد حاربَها الإسلامُ، بعد أن أبطلها كما ابطل الافاعيل الّتي سبق أن ذكرناها قبل هذا.

فلما جاءت جماعات من الأعراب إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وسألوه عن الرّقى والقلائد الّتي كانوا يتداوون بها أو يسترقونها بدلا عن التداوي بالعقاقير والأدوية قائلين يا رسول اللّه: انتداوى؟

قال رسولُ اللّه (صلى الله عليه وآله): «تداووا فإنَّ اللّه لَمْ يَضَعْ داء إلا وَضَعَ لَهُ دَواء»([2]).

بل نجد النبي (صلى الله عليه وآله) يأمر سعد بن أبي وقاص عندما اُصيب بمرض في فؤاده أن يعالج نفسَه عِند طبيب إذ قال له لما عادَه وعرف بحاله: «إنَك رجلٌ مفودٌ، إئتِ الحارثَ بن كلْدة أخا ثقيف فإنَهُ رَجَلٌ يتطبَّب»([3]).

  هذا مضافاً إلى أنه وردت أحاديث كثيرة تصرّح ببطلان التمائم السحريّة الّتي لا تنفع ولا تضرّ أبداً، وها نحنُ نشير في ما يلي إلى نموذجين من هذه الأحاديث:
1 ـ يقول أحدُهُم: دخلتُ على النبيّ (صلى الله عليه وآله) بابن لي قد علقت عليه من العُذرة (وهي قلادة سحرية جاهلية) فقال: علام تدغَرْن أولادَكنَّ بهذا العِلاق، عليكنَّ بهذا العُود الهِنْديّ» وكان (صلى الله عليه وآله) يقصد عصارة هذا العود([4]).
2 ـ رُوي عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إنَّ كثيراً مِنَ التمائم شِرْكٌ»([5]).
 
هذا مضافاً إلى أن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأوصياءه الكرام ـ بارشادهمُ الناس إلى ما ينبغي أن يتداووا به من العقاقير والأدوية وما أعطوْه من تعاليم قيمة كثيرة في هذا المجال ممّا جمعه المحدثون الكبار تحت عنوان: «طبّ النبيّ» و«طب الرضا» و... وقد وجهوا ضربة قوية اُخرى إلى تلك الأوهام والتخيّلات، والخرافات والاساطير الّتي كان يعاني منها المجتمعُ العربي الجاهلي قبل الإسلام ([6]).

وأما الغول، والطيرة، والتشاؤم، والهامّة والنَوء فقد حاربها النبي بصراحة إذ قال: (صلى الله عليه وآله) «لا هامَّة ولا نَوء ولا طِيرَة، ولا غول»([7]).

وقال (صلى الله عليه وآله): «العِيافَةُ والطِيَرةُ والطَرْق مِن الجبْت»([8]).

وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أيضاً أنه قال: «إنَّ الرقى والتمائم والتولَة شركٌ»([9]).

وعن أحدهم قال: قلتُ يا رسولَ اللّه اموراً كنّا نصنعها في الجاهلية، كنّا نأتي الكهّان، قال: فلا تأتوا الكهّانَ، قلت: كنّا نتطيّر قال: ذاك شيء يجدُهُ أحدُكُمْ في نفسِه فلا يَصُدَّنكم».

إن وجودَ النهي الشديد والمكرّر في الاحاديث الكثيرة عن الطيرة والتشاؤم، والزجر والعيافة والتمائم والتولة والهامّة والنوء والغول، والكهانة، وايذاء الحيوانات وكيهنّ، وتعذيبهن، وماشابه ذلك يدل بوضوح وقوة على مدى رسوخ هذه العادات الباطلة في الحياة العربيّة الجاهلية، يكشف عن مبلغ اعتقادهم بها، ونزوعهم اليها وهو بالتالي يكشف عن مغزى قوله تعالى: «ويضَعُ عنَهُمْ إصْرَهُمْ والأَغْلال الَّتي كانَت عَلَيهِمْ»([10]) فأيّة سلاسل وأَغلال أثقل وأسوء عاقبة وأشدّ وطئة، من هذه الأغلال... أغلال الخرافة والوهم، وسلاسل التخيلات والاساطير؟!!
 
سيد المرسلين (صلى الله وعليه وآله) بتصرّف يسير، آية الله المحقق الشيخ جعفر سبحاني


([1]) من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 286، وراجع للوقوف على أحاديث حقوق الحيوان كتاب الشؤون الاقتصادية: ص 130 ـ 159 أيضاً.
([2]) التاج الجامع للاُصول: ج 3، ص 178.
([3]) التاج الجامع للاُصول: ج 3، ص 179.
([4]) التاج الجامع للاُصول: ج 3، ص 184.
([5]) سفينة البحار: ج 1، مادة رقي.
([6]) وقد فتح المحدّثون من الفريقين أبواباً خاصّة لأحاديث الطبّ النبويّ في كتب الحديث أيضاً.
([7]) التاج الجامع للاُصول: ج 3، ص 196 و197 الفصل الرابع باب نفي مزاعم الجاهلية، قال مؤلف التاج: الهامّة طائر أو البوم إذ سقط في مكان تشاءم أهلُه، أو دابّة تخرجُ من راس القتيل أو من دمه فلا تزالُ تصيح حتّى يؤخدَ بثاره، والنَوء نجمٌ يأتي بالمطر وآخر يأتي بالريح (حسب عقيدة الجاهلية)!!
([8]) التاج الجامع للاُصول: ج 3 ص 201. قال مؤلّف التاج العيافة زجر الطّيْر والتفاؤل بأسمائها وأصواتها كالتفاؤل بالعُقاب على العِقاب، وبالغُراب على الغُربة، وبالهُدْهُدْ على الهُدى، وكذا بافعالها، وكيفية طيرانها فكانت العرب تزجر الطيرَ وتثيره فما اخذ منها ذات اليمين تبركوا به وتيمَّنوا وما تياسر منها تشاء موابه (كما في بلوغ الارب في معرفة أحوال العرب: ج 3، ص 212 تحت عنوان كيفية الزجر عند العرب). و«الطرق»: الضرب بالحصى (للإستدلال على اُمور غيبيّة باعتقاد الجاهليين). والجبت هو الباطل.
([9]) التاج الجامع للاُصول: ج 3، ص 203. قال مؤلِّف الجامع: «التولة»: نوع من السحر يحبّب الرجلَ إلى زوجته، وهو من عمل المشركين (أي في الجاهلية).
([10]) سورة الاعراف: 157.

2022-10-12